٧٤

قوله تعالى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم } اختلف في المُشَار إليه بالقسوة ، على قولين :

أحدهما : بنو أخي الميت حين أنكروا قتله ، بعد أن سمعوه منه عند إحياء اللّه له ، وهو قول ابن عباس .

والثاني : أنه أشار إلى بني إسرائيل كلهم ، ومن قال بهذا قال : من بعد ذلك : أي من بعد آياته كلها التي أظهرها على موسى .

وفي قسوتها وجهان :

أحدهما : صلابتها حتى لا تلين .

والثاني : عنفها حتى لا ترأف .

وفي قوله تعالى : { مِّنْ بَعْدِ ذلِكَ } وجهان :

أحدهما : من بعد إحياء الموتى ، ويكون هذا الخطاب راجعاً إلى جماعتهم .

والثاني : من بعد كلام القتيل ، ويكون الخطاب راجعاً إلى بني أخيه .

وقوله تعالى : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } يعني القلوب التي قست .

واختلف العلماء في معنى { أَوْ } في هذا الموضع وأشباهه ك

قوله تعالى : { فَكَانَ قَابَ قَوسَين أَوْ أَدْنَى } " [ النجم : ٩ ] على خمسة أقاويل :

أحدها : أنه إبهام على المخاطبين ، وإن كان اللّه تعالى عالماً ، أي ذلك هو ، كما قال أبو الأسود الدؤلي :

أحب محمداً حباً شديداً

وعباساً وحمزة أو علياً

فإن يك حبهم رشدا أُصِبه

ولستُ بمخطئ إن كان غياً

ولا شَكَّ ، أن أبا الأسود الدؤلي ، لم يكن شاكّاً في حبِّهم ، ولكن أَبْهَمَ على مَنْ خاطبه ، وقد قِيل لأبي الأسود حين قال ذلك : شَكَكْتُ ، فقال كلا ، ثم استشهد ب

قوله تعالى : { وَإِنَّا إِيَّاكُم لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } " [ سبأ : ٢٤ ] وقال : أفكان شاكاً مَنْ أخبر بهذا ؟

والثاني : أن { أَوْ } ها هنا بمعنى الواو ، وتقديره فهو كالحجارة وأشد قسوة ، ومثله قول جرير :

جاءَ الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ

والثالث : أن { أَوْ } في هذا الموضع ، بمعنى بل أشد قسوة ، كما قال

تعالى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } " [ الصافات : ١٤٧ ] يعني بل يزيدون .

والرابع : أن معناها الإباحة وتقديره ، فإن شبهتموها بالحجارة كانت مثلها ، وإن شبهتموها بما هو أشد ، كانت مثلها .

والخامس : فهي كالحجارة ، أو أشد قسوة عندكم .

ثم قال تعالى : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ } يعني أن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم القاسية ، لِتَفَجِّرِ الأنهار منها .

ثم قال تعالى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّه } فاختلفوا في ضمير الهاء في { منها } ، إلى ماذا يرجع ؟ على قولين :

أحدهما : إلى القلوب لا إلى الحجارة ، فيكون معنى الكلام : وإن من القلوب لما يخضع من خشية اللّه ، ذكره ابن بحر .

والقول الثاني : أنها ترجع إلى الحجارة ، لأنها أقرب مذكور .

واختلف من قال بهذا ، في هذه الحجارة على قولين :

أحدهما : أنها البرد الهابط من السَّحاب ، وهذا قول تفرد به بعض المتكلمين . والثاني : وهو قول جمهور المفسرين : أنها حجارة الجبال الصلدة ، لأنها أشد صلابة .

واختلف من قال بهذا على قولين :

أحدهما : أنه الجبل الذي جعله اللّه دَكاً ، حين كلم موسى .

والثاني : أنه عام في جميع الجبال .

واختلف من قال بهذا ، في تأويل هبوطها ، على أربعة أقاويل :

أحدها : إن هبوط ما هبط من حشية اللّه ، نزل في ذلك القرآن .

والثاني : . . . . . . . . .

والثالث : أن مِنْ عَظَّم مَنْ أمر اللّه ، يُرَى كأنه هابط خاشع ، كما قال جرير :

لما أتى خبر الزبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع

والرابع : أن اللّه أعطى بعض الجبال المعرفة ، فعقل طاعة اللّه ، فأطاعه ، كالذي رُوِيَ عن الجذع ، الذي كان يستند إليه النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فلما تحول عنه حَنَّ ، رُوِيَ عن النبي أنه قال : { إِنَّ حَجَراً كَانَ يُسَلِّمُ عَلَىَّ في الجاهِليَّةِ إِنِّي لأَعْرَفُهُ الآَنَ } ويكون معنى الكلام ، إِنَّ من الجبال ما لو نزل عليه القرآن ، لهبط من خشية اللّه تذللاً وخضوعاً .

﴿ ٧٤