١١٧

{ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فإن قيل في أي حال يقول له كن فيكون ؟

أفي حالة عدمه أم في حال وجوده ؟ فإن كان في حال عدمه ، استحال أن يأمر إلا مأموراً ، كما يستحيل أن يكون الأمر إلا من آمر ، وإن كان في حال وجوده ، فتلك حال لا يجوز أن يأمر فيها بالوجود والحدوث ، لأنه موجود حادث ؟ .

قيل : عن هذا السؤال أجوبة ثلاثة :

أحدها : أنه خبر من اللّه تعالى عن نفوذ أوامره في خلقه الموجود ، كما أمر في بني إسرائيل ، أن يكونوا قردة خاسئين ، ولا يكون هذا وارداً في إيجاد المعدومات .

الثاني : أن اللّه عز وجل عالم ، بما هو كائن قبل كونه ، فكانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة بعلمه ، قبل كونها مشابهة للأشياء التي هي موجودة ، فجاز أن يقول لها كوني ، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود ، لتصور جميعها له ولعلمه بها في حال العدم .

والثالث : أن ذلك خبر من اللّه تعالى ، عامٌ عن جميع ما يُحْدِثُه ، ويكوّنه ، إذا أراد خلقه وإنشاءه كان ووجد من غير أن يكون هناك قول يقوله ، وإنما هو قضاء يريده ، فعبر عنه بالقول وإن لم يكن قولاً ، كقول أبي النجم :

قد قالت الأنساع للبطن الحق

قدما فآضت كالغسق المحقق

ولا قول هناك ، وإنما أراد أن الظهر قد لحق بالبطن ، وكقوله عمرو بن حممة الدوسي .

فأصبحت مثل النسر طارت فراخه

إذا رام تطياراً يقال له قَعِ

﴿ ١١٧