١٨٠قوله عز وجل : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } أي فرض عليكم ، وقوله : { إِذَا حَضَرَ } ليس يريد به ذكر الوصية عند حلول الموت ، لأنه في شغل عنه ، ولكن تكون العطية بما تقدم من الوصية عند حضور الموت ، ثم قال تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } ، والخير : المال في قول الجميع ، قال مجاهد : الخير في القرآن كله المال . { إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } " [ العاديات : ٨ ] أي المال ، { إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبَّي } " [ ص : ٣٢ ] { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهمِْ خَيْراً } " [ النور : ٣٣ ] وقال شعيب : { إِنِّي أرَاكُم بِخَيْرٍ } " [ هود : ٨٤ ] يعني الغنى والمال . واختلف أهل العلم في ثبوت حكم هذه الآية ، فذهب الجمهور من التابعين والفقهاء إلى أن العمل بها كان واجباً قبل فرض المواريث لئلا يضع الرجل ماله في البُعَدَاء طلباً للسمعة والرياء ، فلما نزلت آية المواريث في تعيين المستحقين ، وتقدير ما يستحقون ، نسخ بها وجوب الوصية ومنعت السنّة من جوازها للورثة ، وقال آخرون : كان حكمها ثابتاً في الوصية للوالدين ، والأقربين حق واجب ، فلما نزلت آي المواريث وفرض ميراث الأبوين نسخ بها الوصية للوالدين وكل وارث ، وبقي فرض الوصية للأقربين الذين لا يرثون على حالة ، وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وطاوس ، وجابر بن زيد . فإن أوصى بثُلُثهِ لغير قرابته ، فقد اختلف قائلو هذا القول في حكم وصيته على ثلاثة مذاهب : أحدها : أن يرد ثلث الثلث على قرابته ويكون ثلثا الثلث لمن أوصى له به ، وهذا قول قتادة . والثاني : أن يرد ثلثا الثلث على قرابته ويكون ثلثا الثلث لمن أوصى له به ، وهذا قول جابر بن زيد . والثالث : أنه يريد الثلث كله على قرابته ، وهذا قول طاوس . واختلف في قدر المال الذي يجب عليه أن يوصي منه على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه ألف درهم ، تأويلاً ل قوله تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً } أن الخير ألف درهم وهذا قول عليّ . والثاني : من ألف درهم إلى خمسمائة درهم ، وهذا قول إبراهيم النخعي . والثالث : أنه غير مقدر وأن الوصية تجب في قليل المال وكثيره ، وهذا قول الزهري . ثم قال تعالى : { بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ } يحتمل قوله بالمعروف وجهين : أحدهما : بالعدل الوسط الذي لا بخس فيه ولا شطط . والثاني : يعني بالمعروف من ماله دون المجهول . وقوله تعالى : { حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ } يعني بالتقوى من الورثة أن لا يسرف ، والأقربين أن لا يبخل ، قال ابن مسعود : الأجل فالأجل ، يعني الأحوج فالأحوج . وغاية ما لا سرف فيه : الثلث ، لقول النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) { الثلث والثلث كثير }. وروى الحسن أن أبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما وصّياً بالخمس وقالا يوصي بما رضي اللّه لنفسه ، : بالخمس ، وكان يقول : الخمس معروف ، والربع جهد ، والثلث غاية ما تجيزه القضاة . ثم قال تعالى : { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ } يعني فَمَنْ غَيَّرَ الوَصِيَّةَ بعدما سمعها ، وإنما جُعِلَ اللفظ مذكراً وإن كانت الوصية مؤنثة لأنه أراد قول المُوصِي ، وقوله مذكر . { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } أي يسمعونه ويَعْدِلون به عن مستحقه ، إما ميلاً أو خيانة ، وللميت أجر قصده وثواب وصيته ، وإن غُيّرت بعده . |
﴿ ١٨٠ ﴾