٢٢٩قوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } فيه تأويلان : أحدهما : أنه بيان لعدد الطلاق وتقديره بالثلاث ، وأنه يملك في الاثنين الرجعة ولا يملكها في الثالثة ، وهو قول عروة وقتادة ، وروى هشام بن عروة عن أبيه قال : كان الرجل يطلق ناسياً ، إنْ راجع امرأته قبيل أن تنقضي عدتها كانت امرأته ، فغضب رجل من الأنصار على امرأته ، فقال لها : لا أقربك ولا تختلين مني ، قالت له كيف ؟ أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك ، فشكت زوجها إلى النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، فأنزل اللّه تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } الآية . والتأويل الثاني : أنه بيان لسنة الطلاق أن يوقع في كل قول طلقة واحدة ، وهو قول عبد اللّه بن مسعود ، وعبد اللّه بن عباس ، ومجاهد . قوله تعالى : { فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ } فيه تأويلان : الأول : هذا في الطلقة الثالثة ، روى سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين قال : جاء رجل إلى النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقال : الطلاق مرتان فأين الثالثة ؟ قال : { فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ } ، وهذا قول عطاء ، ومجاهد . والثاني : { فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ } الرجعة بعد الثانية { أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ } والإمساك عن رجعتها حتى تنقضي العدة ، وهو قول السدي ، والضحاك . الإحسان هو تأدية حقها ، والكف عن أذاها . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } يعني من الصداق { إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللّه } قرأ حمزة بضم الياء من يخافا ، وقرأ الباقون بفتحها ، والخوف ها هنا بمعنى الظن ، ومنه قول الشاعر : أتاني كلامٌ عن نصيبٍ يقوله وما خِفْتُ بالإسلامِ أنك عائبي يعني وما ظننت . وفي { أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللّه } أربعة تأويلات : أحدها : أن يظهر من المرأة النُّشُوز وسوء الخُلُق ، وهو قول ابن عباس . والثاني : أن لا تطيع له أمراً ، ولا تبرّ له قَسَماً ، وهو قول الحسن ، والشعبي . والثالث : هو أن يبدي لسانها أنها له كارهة ، وهو قول عطاء . والرابع : أن يكره كل واحد منهما صاحبه ، فلا يقيم كل واحد منهما ما أوجب اللّه عليه من حق صاحبه ، وهو قول طاووس ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، روى ثابت بن يزيد ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) { المُخْتِلعَاتُ والمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ }. يعني التي تخالع زوجها لميلها إلى غيره . ثم قال تعالى : { فإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّه فَلاَ جُنَاحَ عَليهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } فيه قولان : أحدهما : افتدت به نفسها من الصداق وحده من غير زيادة ، وهو قول عليّ ، وعطاء ، والزهري ، وابن المسيب ، والشعبي ، والحكم ، والحسن . والقول الثاني : يجوز أن تُخَالِعَ زوجها بالصداق وبأكثر منه ، وهذا قول عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والنخعي ، والشافعي . رَوَى عبد اللّه بن محمد بن عقيل : أن الرُّبَيِّعَ بنت مُعَوّذ بن عفراء حدثته قالت : كان لي زوج يُقِلُّ عليَ الخبز إذا حضر ، ويحرمني إذا غاب ، قالت : وكانت مني زَلَّةٌ يوماً فقلت : أنْخَلِعُ منك بكل شيء أملكه ، قال : نعم ، قالت ففعلت ، قالت : فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان ، فأجاز الخلع ، وأمره أن يأخذ ما دون عقاص الرأس . واختلفوا في نسخها ، فَحُكِيَ عن بكر بن عبد اللّه أن الخلع منسوخ ب قوله تعالى : { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوجٍ وَءَاتَيتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيئاً } " [ النساء : ٢٠ ] وذهب الجمهور إلى أن حكمها ثابت في جواز الخلع . وقد روى أيوب ، عن كثير مولى سَمُرة أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أُتِيَ بامرأة ناشزة ، فأمر بها إلى بيت كثير ، فحبسها ثلاثاً ، ثم دعاها فقال : كيف وجدت مكانك ؟ قالت : ما وجدتُ راحة منذ كنت إلا هذه الليالي التي حبستني ، فقال لزوجها : اخلعها ولو من قرطها . |
﴿ ٢٢٩ ﴾