٩٥

قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : يعني الإِحرام بحج أو عمرة ، قاله الأكثرون .

والثاني : يعني بالحرم الداخل إلى الحرم ، يقال أحرم إذا دخل في الحرم ، وأَتْهَمَ إذا دخل تهامة ، وأَنْجَدَ إذا دخل نجد ، ويقال أحرم لمن دخل في الأشهر الحرم . قاله بعض البصريين .

والثالث : أن اسم المحرم يتناول الأمرين معاً على وجه الحقيقة دون المجاز من أحرم بحج أو عمرة أو دخل الحرم ، وحكم قتل الصيد فيهما على سواء بظاهر الآية ، قاله علي بن أبي هريرة .

{ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً } فيه قولان :

أحدهما : متعمداً لقتله ، ناسياً لإحرامه ، قاله مجاهد ، وإبراهيم ، وابن جريج .

والثاني : متعمداً لقتله ذاكراً لإِحرامه ، قاله ابن عباس ، وعطاء ، والزهري .

واختلفوا في الخاطىء في قتله الناسي لإِحرامه على قولين .

أحدهما : لا جزاء عليه ، قاله داود .

الثاني : عليه الجزاء ، قاله مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة .

{ فَجَزآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } يعني أن جزاء القتل فى الحرم أو الإِحرام مثل ما قتل من النعم .

وفي مثله قولان :

أحدهما : أن قيمة الصيد مصروفة في مثله من النعم ، قاله أبو حنيفة .

والثاني : أن عليه مثل الصيد من النعم في الصورة والشبه قاله الشافعي .

{ يَحْكُمْ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } يعني بالمثل من النعم ، فلا يستقر المثل فيه إلا بحكم عدلين فقيهين ، ويجوز أن يكون القاتل أحدهما .

{ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ } يريد أن مثل الصيد من النعم يلزم إيصاله إلى الكعبة ، وعنى بالكعبة جميع الحرم ، لأنها في الحرم . واختلفوا هل يجوز أن يهدي في الحرم ما لا يجوز في الأضحية من صغار الغنم على قولين :

أحدهما : لا يجوز قاله : أبو حنيفة .

الثاني : يجوز ، قاله الشافعي .

{ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامٌ مَسَاكِينَ } فيه قولان :

أحدهما : أنه يُقَوِّم المثل من النعم ويشتري بالقيمة طعاماً ، قاله عطاء ، والشافعي .

الثاني : يقوِّم الصيد ويشتري بالغنيمة طعاماً ، قاله قتادة ، وأبو حنيفة .

{ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً } يعني عدل الطعام صياماً ، وفيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه يصوم عن كل مد يوماً ، قاله عطاء ، والشافعي .

والثاني : يصوم عن كل مد ثلاثة أيام ، قاله سعيد بن جبير .

والثالث : يصوم عن كل صاع يومين ، قاله ابن عباس .

واختلفوا في التكفير بهذه الثلاثة ، هل هو على الترتيب أو التخيير على قولين :

أحدهما : على الترتيب ، إن لم يجد المثل فالإطعام ، فإن لم يجد الطعام فالصيام ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعامر ، وإبراهيم ، والسدي .

والثاني : أنه على التخيير في التكفير بأي الثلاثة شاء ، قاله عطاء ، وهو أحد قولي ابن عباس ، ومذهب الشافعي .

{ لِّيذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } يعني في التزام الكفارة ، ووجوب التوبة .

{ عَفَا اللّه عَمَّا سَلَفَ } يعني قبل نزول التحريم .

{ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّه مِنْهُ } فيه قولان :

أحدهما : يعني ومن عاد بعد التحريم ، فينتقم اللّه منه بالجزاء عاجلاً ، وعقوبة المعصية آجلاً .

والثاني : ومن عاد بعد التحريم في قتل الصيد ثانية بعد أوله ، فينتقم اللّه منه .

وعلى هذا التأويل قولان :

أحدهما : فينتقم اللّه منه بالعقوبة في الآخرة دون الجزاء ، قاله ابن عباس ، وداود .

والثاني : بالجزاء مع العقوبة ، قاله الشافعي ، والجمهور .

﴿ ٩٥