١٠٣

قوله تعالى : { مَا جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } يعني ما بحر اللّه من بحيرة ، ولا سيب سائبة ، ولا وصل وصيلة ، ولا حمى حامياً .

روى أبو صالح عن أبي هريرة قال : سمعت رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) يقول لأكثم ابن جون : { يَا أَكْثَمُ رَأَيْتُ عَمْرو بْنَ لُحَيِّ بْنَ قَمْعَةَ بْنَ خَنْدَف يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ ، وَلاَ بِهِ مِنْكَ } فقال أكثم : أخشى أن يضرني شبهه يا رسول اللّه ، فقال : { لاَ إِنَّكَ مُؤْمِنٌ ، وَهُوَ كَافِرٌ ، إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ ، وَبَحَرَ البَحِيرَةَ ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ ، وحَمَى الحَامِي }. ومعنى قوله يجر قصبه في النار ، يعني أمعاءه ، والبحيرة : الفصلة من قول القائل ، بحرت أذن الناقة إذا شقها ، ومنه قول الأبيرد :

وأمسى فيكم عمران يمشي

. . . كأنه جمل بحير

وقد روى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال : دخلت على رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقال ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { أَرَأَيْتَ إِبلَكَ تَكُونَ مُسَلَّمَةً آذَانُهَا فَتَأْخُذَ المُوسَى فَتَجْدَعَهَا تَقُولُ هَذِهِ بَحِيْرَةٌ ، وَتَشُقُّونَ آذَانَهَا تَقُولُونَ هَذِهِ بَحِيْرَةٌ }. قال : فإن ساعِدَ اللّه أشدُّ ، وموسى اللّه أحد ، كل مالك لك حلال لا يحرم عليك منه شيء .

وفي البحيرة ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن البحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن ، فإن كان الخامس ذكراً أكلته الرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى بحروا أذنها أي شقوها ، وتركت ، فلا يشرب لها لبن ، ولا تنحر ، ولا تركب ، وإن كان ميتة اشترك فيه الرجال والنساء ، قاله عكرمة .

والقول الثاني : البحيرة الناقة التي تنجب خمسة أبطن ، فكان آخرها ميتاً ذكراً شقوا أذن الناقة وخلوا عنها ، فلا تُحْلَب وَلاَ تُرْكَب تحرجاً ، قاله أبو عبيدة .

والقول

الثالث : أن البحيرة بنت السائبة ، قاله أبو إسحاق ، وأما السائبة ، فإنها المسيبة المخلاة وكانت العرب تفعل ذلك ببعض مواشيها فتحرم الانتفاع بها على أنفسها تقرباً إلى اللّه تعالى ، قال الشاعر :

عقرتم ناقة كانت لربي

وسائبة فقوموا للعقاب

وكذا كان بعض أهل الإِسلام يعتق عبده سائبة ، ولا ينتفع به ولا بولائه ، وكان أبو العالية سائبة فلما أُتِي مولاه بميراثه فقال : هو سائبة وأبى أن يأخذه .

وأخرجت المسيبة بلفظ السائبة ، كما قيل في عيشة راضية يعني مرضية ، وفي السائبة قولان :

أحدهما : أنها الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سُيِّبَتْ فلم يُرْكَب ظهرها ولم يُجَزّ وبرها ولم يَشْرَب لبنَها إلا ضيفٌ ، وما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أُذُنُها ، وسميت بحيرة ، وخُلِّيَتْ مع أمها ، قاله محمد بن إسحاق . والقول الثاني : أنهم كانوا ينذرون السائبة عند المرض فيسيب الرجل بعيره

ولا يركب ، ولا يجلى عن ماء كالبحيرة ، قاله أبو عبيدة .

أما الوصيلة فأجمعوا على أنها من الغنم ، وفيها ثلاثة أقاويل :

 أحدها : أنها الشاة إذا ولدت سبعة أبطن نُظِرَ في البطن السابع فإن كان جَدْياً ذبحوه ، فأكل الرجال دون النساء ، فقالوا هذا حلال لذكورنا ، حرام على أزواجنا ونسائنا ، وإن كان عناقاً سرحت في غنم الحي ، وإن كان جَدْياً وعناقاً ، قالوا وصلت أخاها فسميت وصيلة ، قاله عكرمة .

القول الثاني : أنها الشاة إذا أتأمت عشر إناث في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر ، جعلت وصيلة ، فقالوا قد وصلت ، وكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الإِناث قاله محمد بن إسحاق .

والقول

الثالث : أن العرب كانت إذا ولدت الشاة لهم ذكراً قالوا هذا لآلهتنا فيتقربون به ، وإذا ولدت أنثى قالوا هذه لنا ، وإذا ولدت ذكراً وأنثى قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها ، قاله أبو عبيدة .

وأما الحام ففيه قول واحد أجمعوا عليه وهو البعير ينتج من صلبه عشرة أبطن ، فيقال حمى ظهره ويخلَّى .

﴿ ١٠٣