٥قوله عز وجل : { أَلاَ إنَّهُمُ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } فيه خمسة أقاويل : أحدها : يثنون صدورهم على الكفر ليستخفوا من اللّه تعالى ، قاله مجاهد . الثاني : يثنونها على عداوة النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ليخفوها عنه ، قاله الفراء والزجاج . الثالث : يثنونها على ما أضمروه من حديث النفس ليخفوه عن الناس ، قاله الحسن . الرابع : أن المنافقين كانوا إذا مرّوا بالنبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) غطوا رؤوسهم وثنوا صدورهم ليستخفوا منه فلا يعرفهم ، قاله أبو رزين . الخامس : أن رجلاً قال إذا أغلقت بابي وضربت ستري وتغشيت ثوبي وثنيت صدري فمن يعلم بي ؟ فأعلمهم اللّه تعالى أنه يعلم ما يسرون وما يعلنون . { أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمُ } يعني يلبسون ثيابهم ويتغطون بها ، ومنه قول الخنساء : أرعى النجوم وما كُلّفتُ رعيتها وتارةً أتغشّى فضل أطماري وفي المراد ب { حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } أربعة أقاويل : أحدها : الليل يقصدون فيه إخفاء أسرارهم فيما يثنون صدورهم عليه . واللّه تعالى لا يخفى عليه ما يسرونه في الليل ولا ما يخفونه في صدروهم ، فكنى عن الليل باستغشاء ثيابهم لأنهم يتغطون بظلمته كما يتغطون إذا استغشوا ثيابهم . الثاني : أن قوماً من الكفار كانوا لشدة بغضتهم لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) يستغشون ثيابهم يغطون بها وجوههم ويصمون بها آذنهم حتى لا يروا شخصه ولا يسمعوا كلامه ، وهو معنى قول قتادة . الثالث : أن قوماً من المنافقين كانوا يظهرون لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بألسنتهم أنهم على طاعته ومحبته ، وتشتمل قلوبهم على بغضه ومعصيته ، فجعل ما تشتمل عليه قلوبهم كالمستغشي بثيابه . الرابع : أن قوماً من المسلمين كانوا يتنسكون بستر أبدانهم ولا يكشفونها تحت السماء ، فبين اللّه تعالى أن المنسك ما اشتملت قلوبهم عليه من معتقد وما أظهروه من قول وعمل . ثم بيَّن ذلك فقال : { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : ما يسرون في قلوبهم وما يعلنون بأفواههم . الثاني : ما يسرون من الإيمان وما يعلنون من العبادات . الثالث : ما يسرون من عمل الليل وما يعلنون من عمل النهار ، قاله ابن عباس . { إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } قيل بأسرار الصدور . قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق الثقفي . |
﴿ ٥ ﴾