٦قوله : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } يعني بالزنى . { وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ } يعني يشهدون بالزنى إلى أنفسهم وهذا حكم خص اللّه به الأزواج في قذف نسائهم ليلاعنوا فيذهب حد القذف عنهم . وفي سبب ذلك قولان : أحدهما : ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية أتى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) وهو جالس مع أصحابه فقال : يا رسول اللّه إني جئت أهلي عشاء فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني بأذني فكره رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ما أتاه به وثقل عليه حتى أنزل اللّه فيه هذه الآية . الثاني : ما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سهل بن سعد عويمر أتى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقال : يا رسول اللّه رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع ؟ فأنزل اللّه هذه الآية فقال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { قَدْ أَنزَلَ اللّه عَزَّ وَجَلَّ القُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ } فأمرها رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بالملاعنة فلاعنها فقال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { انظرواْ فَإِنْ جَاءتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ العَينَينِ عَظِيمَ الأَلِيَتِينِ خَدْلَجَ السَّاقِينِ فَلاَ أَحْسَبُ عُوَيمِراً إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيهَا ، وَإنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيمِرَ كَأَنَّهُ وَحْرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ كَاذباً } فجاءت به على النعت الذي نعت رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) في تصديق عويمر وكان بعد ينسب إلى أمه ، قال سعيد بن جبير : ولقد صار أميراً بمصر وإنه ينسب إلى غير أب . فإذا قذف الرجل زوجته بالزنى كان له اللعان منها إن شاء ، وإن لم يكن ذلك لقاذف سواه ، لأن الزوج لنفي نسب ليس منه ورفع فراش قد عرّه مضطر إلى لعانها دون غيره ، فإذا أراد ذلك لاعن بينهما حاكم نافذ الحكم في الجامع على المنبر أو عنده ، ويبدأ بالزوج وهي حاضرة فيقول : أشهد باللّه إني لمن الصادقين فيما قذفت به زوجتي هذه من الزنى بفلان إذا ذكره في قذفه ، وإن لم يذكره في لعانه كان لعانه نافذاً . وإن أراد نفي ولدها قال : إن هذا الولد من زنى ما هو مني فإذا أكمل ما وصفنا أعاده أربعاً كما قال اللّه تعالى : { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِم أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّه إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } والشهادة هنا يمين عبر عنها بلفظ الشهادة في قول مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة هي شهادة فرد بها لعان الكافر والمملوك ولو كانت شهادة ما جاز أن تشهد لنفسها وبلعنها ، والعرب تسمي الحلف باللّه تعالى شهادة كما قال قيس بن الملوح : وأشهَدُ عِنْدَ اللّه أنِّي أُحِبُّها فهذَا لَهَا عِندي فَمَا عِنْدَها لِيا أي أحلف باللّه فيما وصفتها من الزنى ، وهو تأويل قوله : { وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللّه عَلَيهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } فإذا أكمل الخامسة فقد أكمل لعانه ، فتلاعن هي بعده على المنبر أو عنده فتقول وهو حاضر : أشهد باللّه أن زوجي فلاناً هذا من الكاذبين فيما رماني به من الزنى وأن هذا - إن كان الزوج قد نفى في لعانه ولده منها - ما هو من زنى ، تقول كذلك أربعاً ، وهو تأويل قوله تعالى : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ } أي يدفع ، وفي هذا العذاب قولان : أحدهما : أنه الحد ، وهو مذهب مالك ، والشافعي . الثاني : أنه الحبس ، وهو مذهب أبي حنيفة . { أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللّه إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ } ثم تقول في الخامسة وأن عليّ غضب اللّه إن كان زوجي من الصادقين فيما رماني به من الزنى وهو تأويل قوله تعالى : { وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللّه عَلَيَهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } والغضب في لعانها بدلاً من اللعنة في لعان زوجها ، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة المؤبدة بينهما ، وبماذا تقع ؟ فيه أربعة أقاويل : أحدها : بلعان الزوج وحده وهو مذهب الشافعي . الثاني : بلعانهما معاً ، وهو مذهب مالك . الثالث : بلعانهما وتفريق الحاكم بينهما ، وهو مذهب أبي حنيفة . والرابع : بالطلاق الذي يوقعه الزوج بعد اللعان ، وهو مذهب أحمد بن حنبل ثم حرمت عليه أبداً . واختلفوا في إحلالها له إن أكذب بعد اللعان نفسه على قولين : أحدهما : تحل ، وهو مذهب أبي حنيفة . والثاني : لا تحل ، وهو مذهب مالك والشافعي . وإذا نفى الزوج الولد باللعان لحق بها دونه ، فإن أكذب نفسه لحق به الولد حياً أو ميتاً ، وألحقه أبو حنيفة به في الحياة دون الموت . |
﴿ ٦ ﴾