١١

{ إلاَّ مَن ظَلَمَ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه أراد من غير المسلمين لأن الأنبياء لا يكون منهم الظلم ، ويكون منهم هذا الاستثناء المنقطع .

الوجه الثاني : أن الاستثناء يرجع إلى المرسلين .

وفيه على هذا وجهان :

أحدهما : فيما كان منهم قبل النبوة كالذي كان من موسى في قتل القبطي ، فأما بعد النبوة فهم معصومون من الكبائر والصغائر جميعاً .

الوجه الثاني : بعد النبوة فإنه معصومون فيها مع وجود الصغائر منهم ، غير أن اللّه لطف بهم في توفيقهم للتوبة منها ، وهو معنى

قوله تعالى :

{ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ } يعني توبة بعد سيئة

. { فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي غفور لذنبهم ، رحيم بقبول توبتهم

١١

إلا من ظلم . . . . .

قوله تعالى : { إِنِّي ءَانَسْتُ نَاراً } فيه وجهان :

أحدهما : رأيت ناراً ، قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون .

الثاني : أحسست ناراً ، قاله قتادة ، والإيناس : الإحساس من جهة يؤنس بها .

{ سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ } فيه وجهان :

أحدهما : سأخبركم عنها بعلم ، قاله ابن شجرة .

الثاني : بخبر الطريق ، لأنه قد كان ضل الطريق ، قاله ابن عباس .

{ أَوْ ءَاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ } والشهاب الشعاع المضي ، ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب ، قال الشاعر :

في كفِّهِ صعدة مثقفة

فيها سنان كشعلة القبسِ

والقبس هو القطعة من النار ، ومنه اقتبست النارَ ، أخذت منها قطعة ، واقتبست منه علماً إذا أخذت منه علماً ، لأنك تستضيء به كما تستضيء بالنار .

{ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي لكي تصطلون من البرد ، قال قتادة : وكان شتاء .

قوله تعالى { فَلَمَّا جَاءَهَا } يعني ظن أنها نار ، وهي نور ، قال وهب بن منبه : فلما رأى موسى وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً ، فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها ، فمالت إليه فخافها فتأخر عنها ، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها ، إلى أن :

{ نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } .

وفي { بُورِكَ } ثلاثة أوجه :

أحدها : يعني قُدِّس ، قاله ابن عباس .

الثاني : تبارك ، حكاه النقاش .

الثالث : البركة في النار ، حكاه ابن شجرة ، وأنشد لعبد اللّه بن الزبير :

فبورك في بنيك وفي بنيهم

إذا ذكروا ونحن لك الفداء

وفي النار وجهان

: أحدهما : أنها نار فيها نور .

الثاني : أنها نور ليس فيها نار ، وهو قول الجمهور .

وفي { بُورِكَ مَن فِي النَّارِ } خمسة أقاويل :

أحدها : بوركت النار ، و { مَن } زيادة ، وهي في مصحف أُبي : { بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا } قاله مجاهد .

الثاني : بورك النور الذي في النار ، قاله ابن عيسى .

الثالث : بورك اللّه الذي في النور ، قاله عكرمة ، وابن جبير .

الرابع : أنهم الملائكة ، قاله السدي .

الخامس : الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق .

وفي قوله : { وَمَن حَوْلَهَا } وجهان :

أحدهما : الملائكة ، قاله ابن عباس .

الثاني : موسى ، قالها أبو صخر .

{ وَسُبْحَانَ اللّه رَبِّ الْعَالَمِينَ } فيه وجهان

: أحدهما : أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قوله اللّه : { سبْحَانِ اللّه رَبِّ الْعَالَمِينَ } استعانة باللّه وتنزيهاً له ، قاله السدي .

الثاني : أن هذا من قول اللّه ومعناه : وبورك فيمن يسبح اللّه رب العالمين ، حكاه ابن شجرة . ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى .

وفي ذلك الكلام قولان :

أحدهما : أنه كلام اللّه تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي . قال وهب بن منبه : ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه .

والثاني : أن اللّه خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى ، حكاه النقاش .

﴿ ١١