١٥

قوله عز وجل : { وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْه إحْسَاناً } في قراءة أهل الكوفة وقرأ الباقون حسناً . قال السدي : يعني براً .

{ حَمَلْتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } أي حملته بمشقة ووضعته بمشقة . وقرىء كرهاً بالضم والفتح . قال الكسائي والفراء في الفرق بينهما أن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه ، وبالفتح ما حمل على غيره .

{ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَ ثُونُ شَهْراً } الفصال مدة الرضاع ، فقدر مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً ، وكان في هذا التقدير قولان :

أحدهما : أنها مدة قدرت لأقل الحمل وأكثر الرضاع ، فلما كان أكثر الرضاع أربعة وعشرين شهراً ل

قوله تعالى : { حَولَينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } " [ البقرة : ٢٣٣ ] دل ذلك على أن مدة أقل الحمل ما بقي وهو ستة أشهر ، فإن ولدته لتسعة أشهر لم يوجب ذلك نقصان الحولين في الرضاع ، قاله الشافعي وجمهور الفقهاء .

الثاني : أنها مدة جمعت زمان الحمل ومدة الرضاع ، فإن كانت حملته تسعة أشهر ؛ أرضعته أحداً وعشرين شهراً ، وإن كانت حملته عشرة أشهر أرضعته شهراً لئلا تزيد المدة فيهما عن ثلاثين شهراً ، قاله ابن عباس .

{ حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } وفي الأشد تسعة أقاويل :

أحدها : أنه البلوغ ، قاله ابن مالك والشعبي وزيد بن أسلم .

الثاني : خمسة عشر سنة ، قاله محمد بن أويس .

الثالث : ثماني عشرة سنة ، قاله ابن جبير .

الرابع : عشرون سنة ، قاله سنان .

الخامس : خمسة وعشرون سنة ، قاله عكرمة .

السادس : ثلاثون سنة ، قاله السدي .

السابع : ثلاثة وثلاثون سنة ، قاله ابن عباس .

الثامن : أربعة وثلاثون سنة ، قاله سفيان الثوري .

التاسع : أربعون سنة ، وهو قول عائشة ، والحسن .

{ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } فيه ثلاثة أقاويل

 أحدها : لأنها زمان الأشد ، وهو قول من ذكرنا .

الثاني : لأنها زمان الاستواء ، قال زيد بن أسلم : لم يبعث اللّه نبياً حتى يبلغ الأربعين .

وقال ابن زيد : وقوله تعالى لموسى { وَاسْتَوَى } قال بلغ أربعين سنة . وقال الشعبي : يثغر الغلام لسبع ويحتلم لأربع عشرة ، وينتهي طوله لإحدى وعشرين سنة ، وينتهي عقله لثمان وعشرين ، فما زاد بعد ذلك فهو تجربة ويبلغ أشده لثلاث وثلاثين .

الثالث : لأنها أول عمر بعد تمام عمر ، قال ابن قيس .

{ رَبِّ أَوْزِعْنِي } قال سفيان معناه ألهمني

. قال ابن قتيبة : والأصل في الإيزاع هو الإغراء بالشيء ، ويقال فلان موزع بكذا أي مولع به .

{ أَن أَشْكُر نِعْمَتَكَ الَّتي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أنعمت علي بالبر والطاعة ، وأنعمت على والدي بالتحنن والشفقة .

الثاني : أنعمت عليَّ بالعافية والصحة ، وعلى والديَّ بالغنى والثروة ، وفي النعمة على كل واحد منهما نعمة على الآخر لما بينهما من الممازجة والحقوق الملتزمة .

وحكى أبو زهير عن الأعمش قال : سمعتهم يقولون إن الولد يأتيه رزقه من أربع خلال : يأتيه رزقه وهو في بطن أمه ، ثم يولد فيكون رزقه في ثدي أمه ، فإذا تحرك كان رزقه على أبويه ، فإذا اجتمع وبلغ أشده جلس يهتم للرزق ويقول من أين يأتيني رزقي ، فاختصت الأم بخلتين من خلال رزقه ، واشترك أبوه في الثالثة ، وتفرد هو

بالرابعة ، فذهب عنه الهم لما كان موكلاً إلى غيره ، واهتم لما صار موكلاً إلى نفسه ليتنبه بذلك على التوكل على خالقه ليكون نقى لهمته وأقل لحيرته وأدرّ لرزقه ، وليعلم أن لأمه عليه حقاً يعجز عن أدائه لما عانت من موارد رزقه ما عجز الخلق عن معاناته . { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } يحتمل وجهين

: أحدهما : في بر الوالدين .

الثاني : في ديني .

{ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَتِي } يحتمل وجهين

: أحدهما : أن يدعو بإصلاحهم لبره وطاعته لإضافته ذلك إلى نفسه .

الثاني : أن يدعو بإصلاحهم لطاعة اللّه وعبادته وهو الأشبه ، لأن طاعتهم للّه من بره ، ولأنه قد دعا بصلاح ذرية قد تكون من بعده .

وفيه لأصحاب الخواطر أربعة أوجه :

أحدها : قاله سهل : اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيد حق .

الثاني : قاله أبو عثمان : اجعلهم أبراراً ، أي مطيعين لك .

الثالث : قاله ابن عطاء وفقهم لصالح أعمال ترضى بها عنهم .

الرابع : قاله محمد الباقر رضي اللّه عنه : لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلاً .

{ إنِّي تُبْتُ إِلَيكَ } قال ابن عباس : رجعت عن الأمر الذي كنت عليه .

وفي هذه الآية قولان :

أحدهما : أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه ، قاله مقاتل والكلبي .

الثاني : مرسلة نزلت على العموم ، قاله الحسن .

﴿ ١٥