١٢

يا أيها النبي . . . . .

{ يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئاً } وذلك أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) لما دخل مكة عام الفتح وبايعة الرجال جاءت النساء بعدهم للبيعة فبايعهن .

واختلف في بيعته لهن على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه جلس على الصفا [ ومعه عمر أسفل منه ] فأمره أن يبايع النساء ، قاله مقاتل .

الثاني : أنه أمر أميمة أخت خديجة خالة فاطمة بنت رسول اللّه بعد أن بايعته ، أن تبايع النساء عنه ، قاله محمد بن المنكدر عن أميمة .

الثالث : أنه بايعهن بنفسه وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه ، قاله عامر الشعبي .

وقيل بل وضع قعباً فيه ماء وغمس فيه يده وأمرهن فغمسن أيديهن ، فكانت هذه بيعة النساء .

فإن قيل فما معنى بيعتهن ولسن من أهل الجهاد فتؤخذ عليهن البيعة كالرجال ؟

قيل : كانت بيعته لهن تعريفاً لهن بما عليهن من حقوق اللّه تعالى وحقوق أزواجهن لأنهن دخلن في الشرع ولم يعرفن حكمه فبينه لهن ، وكان أول ما أخذه عليهن أن لا يشركن باللّه شيئاً توحيداً له ومنعاً لعبادة غيره .

{ ولا يسرقن } فروى أن هند بنت عتبة كانت متنكرة عند أخذ البيعة على

النساء خيفة من رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) لما صنعته بحمزة وأكلها كبده ، فقالت حين سمعته في أخذ البيعة عليهن يقول : { لا يسرقن } واللّه إني لا أصيب من أبي سفيان إلا قوتنا ما أدري أيحل لي أم لا ، فقال أبو سفيان : ما أصبت مما مضى أو قد بقي فهو لك حلال ، فضحك رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) وعرفها فقال : { أنت هند } ؟ فقالت عفا اللّه عما سلف .

ثم قال : { ولا يزنين } فقالت هند يا رسول اللّه أو تزني الحرة ؟

ثم قال : { ولا يقتلن أولادهن } لأن العرب كانت تئد البنات ، فقالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر ، وأنت وهم أبصر .

وروى مقاتل أنها قالت : ربيناهم صغاراً وقتلتوهم كباراً فأنتم وهم أعلم ، فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى .

{ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } فيه ثلاثة أقاويل

 أحدها : أنه السحر ، قاله ابن بحر .

الثاني : المشي بالنميمة والسعي في الفساد .

والثالث : وهو قول الجمهور ألا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن لأن الزوجة كانت تلتقط ولداً وتلحقه بزوجها ولداً ، ومعنى { يفترينه بين أيديهن } ما أخذته لقيطاً ، { وأرجلهن } ما ولدته من زنى ، وروي أن هنداً لما سمعت ذلك قالت : واللّه إن البهتان لأمر قبيح ، وما تأمر إلا بالأرشد ومكارم الأخلاق .

ثم قال : { ولا يعصينك في معروف } فيه أربعة أوجه :

أحدها : أن المعروف ها هنا الطاعة للّه ولرسوله ، قاله ميمون بن مهران .

الثاني : ما رواه شهر بن حوشب عن أم سلمة عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ولا يعصينك في معروف قال : هو النوح .

الثالث : أن من المعروف ألا تخمش وجهها ولا تنشر شعرها ولا تشق جيباً ولا تدعو ويلاً ، قاله أسيد بن أبي أسيد .

الرابع : أنه عام في كل معروف أمر اللّه ورسوله به ، قاله الكلبي .

فروي أن هنداً قالت عند ذلك : ما جلسنا في مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعطيك من شيء وهذا دليل على أن طاعة الولاة إنما تلزم في المعروف المباح دون المنكر المحظور .

﴿ ١٢