١٦

{ وأن لو استقاموا على الطريقة } ذكر ابن بحر أن كل ما في هذه السورة من { إن } المكسورة المثقلة فهو حكاية لقول الجن الذين استمعوا القرآن فرجعوا إلى قومهم منذرين ، وكل ما فيها من { أن } المفتوحة المخففة أو المثقلة فهو من وحي الرسول .

وفي هذه الاستقامة قولان :

أحدهما : أنها الإقامة على طريق الكفر والضلالة ، قاله محمد بن كعب وأبو مجلز وغيرهما .

الثاني : الاستقامة على الهدى والطاعة ، قاله ابن عباس والسدي وقتادة ومجاهد فمن ذهب إلى أن المراد الإقامة على الكفر والضلال فلهم في قوله { لأَسْقَيْناهم ماءً غَدَقاً } وجهان :

أحدهما : بلوناهم بكثرة الماء الغدق حتى يهلكوا كما هلك قوم نوح بالغرق ، وهذا قول محمد بن كعب .

الثاني : لأسقيناهم ماء غدق ينبت به زرعهم ويكثر مالهم .

{ لِنَفْتِنَهم فيه } فيكون زيادة في البلوى ، حكى السدي عن عمر في قوله { لأسقيناهم ماء غدقاً } أنه قال : حيثما كان الماء كان المال ، وحيثما كان المال كانت الفتنة ، فاحتملت الفتنة ها هنا وجهين :

أحدهما : افتننان أنفسهم .

الثاني : وقوع الفتنة والشر من أجله .

وأما من ذهب إلى أن المراد الاستقامة على الهدى والطاعة فلهم في تأويل قوله { لأسقيناهم ماءً غدقاً } أربعة أوجه :

أحدها : معناه لهديناهم الصراط المستقيم ، قاله ابن عباس .

الثاني : لأوسعنا عليهم في الدنيا ، قاله قتادة .

الثالث : لأعطيناهم عيشاً رغداً ، قاله أبو العالية .

الرابع : أنه المال الواسع ، لما فيه من النعم عليهم بحياة النفوس وخصب الزروع ، قاله أبو مالك والضحاك وابن زيد .

وفي الغدق وجهان :

أحدهما : أنه العذب المعين ، قاله ابن عباس ، قاله أمية بن أبي الصلت :

مِزاجُها سلسبيلٌ ماؤها غَدَقٌ

عَذْبُ المذاقةِ لا مِلْحٌ ولا كدرٌ

الثاني : أنه الواسع الكثير ، قاله مجاهد ، ومنه قول كثير : وهبتُ لسُعْدَى ماءه ونباته

فما كل ذي وُدٍّ لمن وَدَّ واهبُ .

لتروى به سُعدى ويروى محلّها

وتغْدقَ أعداد به ومشارب

فعلى هذا فيه وجهان :

أحدهما : أنه إخبار عن حالهم في الدنيا .

الثاني : أنه إخبار عن حالهم في الآخرة لنفتنهم فيه .

فإن قيل إن هذا وارد في أهل الكفر والضلال كان في تأويله ثلاثة أوجه :

أحدها : افتتان أنفسهم بزينة الدنيا .

الثاني : وقوع الفتنة والاختلاف بينهم بكثرة المال .

الثالث : وقوع العذاب بهم كما قال تعالى : { يوم هم على النار يُفْتًنون } " [ الذاريات : ١٣ ] أي يعذبون .

وإن قيل إنه وارد في أهل الهدى والطاعة فهو على ما قدمنا من الوجهين .

وهل هو اختبارهم في الدنيا ففي تأويله ثلاثة أوجه :

أحدها : لنختبرهم به ، قاله ابن زيد .

الثاني : لنطهرهم من دنس الكفر .

الثالث : لنخرجهم به من الشدة والجدب إلى السعة والخصب .

فإن قيل إنه إخبار عمّا لهم في الآخرة ففي تأويله وجهان :

أحدهما : لنخلصهم وننجيهم ، مأخوذ من فَتَن الذهب إذا خلّصه مِن غشه بالنار كما قال تعالى لموسى عليه السلام : { وفَتَنّاك فُتوناً } " [ طه : ٤٠ ] أي خلصناك من فرعون . الثاني : معناه لنصرفنهم عن النار ، كما قال تعالى { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أَوْحَينْا إليك لتفْتري علينا غيره } " [ الإسراء : ٧٣ ] أي ليصرفونك { ومَنْ يُعْرِضْ عن ذِكْرِ ربِّه } قال ابن زيد : يعني القرآن وفي إعراضه عنه وجهان :

أحدهما : عن القبول ، إن قيل إنها من أهل الكفر .

الثاني : عن العمل ، إن قيل إنها من المؤمنين .

{ يَسْلُكْهُ عذاباً صَعَداً } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه جب في النار ، قاله أبو سعيد .

الثاني : جبل في النار إذا وضع يده عليه ذابت ، وإذا رفعها عادت ، وهو مأثور ، وهذان الوجهان من عذاب أهل الضلال .

والوجه

الثالث : أنه مشقة من العذاب يتصعد ، قاله مجاهد .

﴿ ١٦