٢٨ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّه مع فيام الدلائل على وجوده وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً- عناصر و اغذية و اخلاطا و نطفا و علقات و مضغات و أجساد «١» ابلا روح- و فيه دليل على ان الإنسان و ان كان مركبا من الاجزاء العشرة- خمسة منها من عالم الخلق- العناصر الاربعة و النفس الحيواني (١) فى الأصل أجساد المنبعثة عنها و خمسة من عالم الأمر- القلب و الروح و السر و الخفي و الأخفى كما يظهر بالفراسة «١» الصحيحة الاسلامية لكن العمدة فيها العناصر الاربعة لا سيما عنصر التراب و لذا قال اللّه تعالى- خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ- و يقول الكافر اى الشيطان ا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (١) الفراسة الصحيحة الاسلامية انما يدل على ان هنالك شيئا غير الجسد يسمى بالقلب تارة و بالروح اخرى و بالسر مرة و بالخفي اخرى فهى جهات و اعتبارات للنفس لا انها حقائق- مجازة بجبالها و اجزاء اولية من الإنسان بل الآيات و الأحاديث و الآثار كلها ناطقة بانحصار الإنسان في جزئين جسم و روح و ان تركب الجسم من اجزاء اخر ثانوية و الروح اعتبر باعتبارات فافهم- لا يخفى ان الثواب و العقاب في القبر انما هو للمكلف المطيع او العاصي و بسائط الاجزاء ليست بمكلفات و لو جاز الجزاء للاجزاء المكلف من دون التأليف لجاز يوم القيامة ايضا فلا يحتاج الى الحشر و غاية ما يثبت من الآيات و الأحاديث ان لبسائط الاجزاء شعورا او حياة بمعنى الإدراك لا ان لها تكليفا و جزاء و ثوابا و عقابا بل يستفاد منها انها غير مكلفة و لا ينال منها العصيان فلابد من تتميم مد الكلام ليصح- قلت دلالة الآيات و الأحاديث على انحصار الإنسان في الجزئين ممنوع بل قوله تعالى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا تدل على ان الروح امر مجرد ليس من قبيل الأجسام و لا يحيط به علم العوام و حديث براء بن عازب و ابى هريرة و غيرهما مرفوعا إذا حضر المؤمن أنت ملائكة الرحمة بحرير بيضاء و أكفان الجنة فيقولون أيتها النفس الطيبة اخرجى الى مغفرة اللّه و رضوانه فتخرج تسيل كما تسيل الماء من السقاء فيجعلونها في ذلك الكفن- و إذا حضر الكافر يقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى منحط اللّه و غضبه فيجعلونها في المسوح يدل على ان النفس امر جسمانى حتى يجعل في الحرير او المسوح و من هذا قال المحققون ان النفس جسم لطيف منبعث من العناصر الاربعة سار في سائر البدن فالروح يتعلق و يمتلى في النفس كما تمتلى الشمس في المراءة و يتصرف في البدن بتوسط النفس لاجل سريانها فيه و عند الموت ينزع النفس من البدن فحينئذ ينقطع تعلق الروح بالبدن و لا يزال تعلق الروح بالنفس ابدا و هى اى النفس تعذب في القبر و يتالم به الروح و هى المشار اليه بانا و هى المكلف بالتكليفات الشرعية لكن يشترط سريانها في البدن هذا و اما تعدد لطائف عالم الأمر فالشرع عنه ساكت و يثبت ذلك بكشف الأولياء و كلامهم فيه مختلف منهم من لم بظهر عليه منها الا واحد فزعم انه شى ء واحد يسمى تارة بالقلب و تارة بالروح و نحو ذلك كما قال المعترض و منهم من ظهر عليه منها اثنان او ثلثة او اربعة و ظهر على المجدد رض خمسة لكل منها كالات على حدة فمن شاء زيادة الوقوف فليطالع كلام المجدد رض و المعتبر انما هو شهادة الإثبات و الاختلاف مبنى على حدة البصيرة و رفعة الدرجة و فوق كل ذى علم عليم- منه نور اللّه مرقده- - و لذا اختص الإنسان بروية اللّه سبحانه دون غيره- و يزعمون المشاهدة القلبية كالمطروح في الطريق- فَأَحْياكُمْ بتأليف الأرواح الخمسة و توديعها فيكم و عطف بالفاء لعدم التراخي بين الاحياء و الموت اللازم للعناصر- ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بعد انقضاء اجالكم- وعد الاماتة الاولى من النعم لان الوجود بعد العدم خير محض فلمناسبة بالموجود الحقيقي- و الاماتة الثانية لكونها وصلة الى الحيوة الابدية ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يوم ينفخ في الصور و اما في القبر فليس بحياة فان الحيوة عبارة عن تأليف الاجزاء العشرة و ليست في القبور- و انتفاؤها لا ينافى الثواب و العذاب في القبر فانهما على بسائط الاجزاء و لا سبيل الى إنكاره لمن يؤمن بقوله تعالى- وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ- و قوله تعالى- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّه يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ- و قوله صلى اللّه عليه و سلم- ان الجبل ينادى الجبل باسمه اى فلانا هل مربك أحد ذكر اللّه فاذا قال نعم استبشر الحديث- رواه الطبراني عن ابن مسعود- و قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها- و ليس المراد التسبيح و السجود بدلالة الحال لان قوله تعالى وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ-و قوله تعالى وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ- يأبى عنه ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) بعد الحشر فيجزيكم بأعمالكم- قرا يعقوب ترجعون في كل القران بفتح التاء و الياء على صيغة المبنى للفاعل- و الاية مدنية خطاب بالكفار و المنافقين من اليهود العالمين بالبعث و النشور- و ان كان خطابا لمنكرى البعث فذلك لتمكنهم من العلم بالبعث بعد نصب الدلائل على صدق الرسول صلى اللّه عليه و سلم و للتنبيه على ان من أحياهم اولا قادر على ان يحييهم ثانيا. |
﴿ ٢٨ ﴾