١٢٥ وَ اذكر إِذْ جَعَلْنَا ادغم ابو عمرو و هشام الذال من إذ في الجيم هاهنا و حيث وقع و كذا فى الزاء نحو إذ زيّن و في السين نحو إذ سمعتموه- و الصاد نحو إذ صرفنا- و التاء نحو إذ تبرّا و الدال نحو إذ دخلوا- و ادغم ابن ذكوان في الدال وحدها و خلف «٢» في الدال و التاء و اظهر خلاد و الكسائي عند الجيم فقط و نافع و ابن كثير و عاصم يظهرون الذال عند ذلك كله الْبَيْتَ الكعبة غلب عليها كالنجم على الثريا (٢) و كذا خلف في اختياره- ابو محمد عفا عنه [.....] مَثابَةً لِلنَّاسِ اى مرجعا يثوبون اليه من كل جانب- او موضع ثواب لهم بحج و عمرة و صلوة فيها قال عليه الصلاة و السلام صلاته في المسجد الحرام بمائة الف صلوة- رواه ابن ماجة وَ أَمْناً اى مأمنا يأمنون فيه من إيذاء المشركين فانهم كانوا لا يتعرضون لاهل مكة و يقولون هم اهل اللّه و يتعرضون لمن حوله كما قال اللّه تعالى أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه اللّه يوم خلق السموات و الأرض فهو حرام بحرمة اللّه الى يوم القيامة و انه لن يحل القتال فيه لاحد و لم يحل لى الا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة اللّه الى يوم القيامة لا يعضد شوكه و لا ينفر صيده و لا يلتقط لقطته الا من عرّفها و لا يختلى خلاها- فقال العباس يا رسول اللّه الا الاذخر فانه لقينهم و لبيوتهم فقال الا الاذخر- متفق عليه من حديث ابن عباس و في رواية ابى هريرة نحوه- وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى و المراد به الركعتان بعد الطواف روى مسلم فى حديث طويل عن جابر بن عبد اللّه حتى إذا اتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلثا و مشى أربعا ثم تقدم الى مقام ابراهيم عليه السلام فقرا وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فجعل المقام بينه و بين البيت و اللّه اعلم- و كلمة من للتبعيض ان كان المراد بمقام ابراهيم الحرم كله كما قال ابراهيم النخعي- او المسجد كما قال ابن يمان- او مشاهد الحج كلها عرفة و مزدلفة و غيرهما كما قال به بعض الناس- و للابتداء ان كان المراد بمقام ابراهيم الحجر الذي في المسجد يصلى اليه الائمة- و ذلك الحجر هو الذي قام عليه ابراهيم عند بناء البيت و كان اثر أصابع رجليه عليه بينا فاندرس بكثر المسح بالأيدي و هذا القول أصح و يدل عليه ما ذكرنا من حديث جابر- فتقديره و اتخذوا مصلى قريبا من مقام ابراهيم يعنى في المسجد او في الحرم- قرا نافع و ابن عامر بفتح الخاء على الماضي عطفا على جعلنا- و قرا الآخرون بالكسر على الأمر فهو معطوف على جعلنا بتقدير و قلنا اتّخذوا- او على المقدر عاملا لاذ يعنى و اذكروا إذ جعلنا و اتخذوا او اعتراض معطوف على مقدر تقديره توبوا اليه و اتخذوا- و على التقديرين الأخيرين خطاب لامة محمد صلى اللّه عليه و سلم عن انس قال قال عمر بن الخطاب وافقت ربى في ثلث و وافقنى ربى في ثلث قلت يا رسول اللّه لو اتخذت مقام ابراهيم عليه السلام مصلى فانزل اللّه و اتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى- و قلت يا رسول اللّه يدخل عليك البر و الفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فانزل اللّه تعالى اية الحجاب قال و بلغني معاتبة النبي صلى اللّه عليه و سلم بعض نسائه فدخلت عليهن فقلت ان انتهيتن او ليبدّلن اللّه رسوله خيرا منكن فانزل اللّه عز و جل عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ الاية- رواه البخاري و هذه الاية حجة لابى حنيفة و مالك في القول بوجوب الركعتين بعد كل أسبوع من الطواف لان صيغة الأمر للوجوب و الاخبار ادل على الثبوت و الوجوب و كان القياس فرضية الركعتين للنص القطعي لكن لما كان ورد الاية فى تلك الصّلوة ثابتا بأحاديث الآحاد قلنا بالوجوب دون الفرضية- و ايضا ثبت الركعتين بمواظبة النبي صلى اللّه عليه و سلم عليهما من غير ترك مرة و لا مرتين مع قوله صلى اللّه عليه و سلم خذوا عنى مناسككم- عن ابن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان إذا طاف في الحج او العمرة أول ما تقدم سعى ثلثة و مشى اربعة ثم سجد سجدتين ثم تطوف بين الصفا و المروة- متفق عليه و في البخاري تعليقا قال اسمعيل بن امية قلت للزهرى ان عطاء يقول يجزيه المكتوبة من ركعتى الطواف قال السنة أفضل لم يطف النبي صلى اللّه عليه و سلم اسبوعا قط الأصلي ركعتين- وصله عبد الرزاق عن الزهري كما ذكرنا- و وصله ابن ابى شيبة عن الزهري بلفظ مضت السنة ان مع أسبوع ركعتين و قال احمد بن حنبل الأمر للاستحباب و هى رواية عن مالك و للشافعى قولان- و لا يجوز حمل الأمر على الاستحباب لانه مجاز الا عند عدم تصور الوجوب و يجوز ركعتى الطواف في جميع المسجد بل خارج المسجد ايضا اجماعا- و في الصحيحين في حديث أم سلمة- قال ص إذا أقيمت صلوة الصبح فطوفى على بعيرك و الناس يصلون قالت ففعلت ذلك- و لم تصل يعنى أم سلمة بعد الطواف حتى خرجت اى من المسجد او من مكة- و روى البخاري تعليقا ان عمر رضى اللّه عنه صلى ركعتى الطواف خارج الحرم بذي طوى رواه مالك قلت و ذلك للزوم الحرج غالبا في تقييد الصلاة بموضع معين- الا ترى انه كان القياس عدم جواز الصلاة و الصوم و الحج و الزكوة إذا لم يقترن النية و الإخلاص مع جميع اجزائها مقارنا للاداء لقوله تعالى فَادْعُوا اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- و قوله عليه الصلاة و السلام انما الأعمال بالنيات- متفق عليه من حديث عمر لكنه للزوم الحرج في ذلك جازت الصلاة و الحج بوجود النية عند الإحرام و الزكوة بوجودها عند إفراز قدر الواجب عن المال- و لما كان في اشتراط النية عند أول جزء من الصيام يعنى عند طلوع الفجر و هو أوان نوم و غفلة غالبا حرج جاز الصوم بالنية من الليل بل عند ابى حنيفة رحمه اللّه يجوز النية في الصوم الى الضحوة الكبرى كذلك كان القياس تقييد ركعتى الطواف بالمقام لظاهر الاية لكنه جازت ركعتا «١» الطواف في المسجد بل في الحرم كلها للزوم الحرج في تعيين المصلى مع كثرة الطائفين- (١) فى الأصل ركعتى- و قد سمى اللّه تعالى الحرم كله بالمسجد حيث قال الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ الاية- و قال ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ- و اما صلوة عمر رضى اللّه عنه بذي طوى فكانه قضاء للواجب للضرورة- او نقول ذكر مقام ابراهيم وقع اتفاقا جريا على الغالب عند عدم الازدحام كما في قوله تعالى وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ و ذلك لان أسبوع الطواف ينتهى على الحجر الأسود عند المقام فالغالب الصلاة عند المقام ان لم يمنع مانع كما ان الغالب كون الربائب في الحجور و اللّه اعلم- قال البغوي روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما اتى ابراهيم بإسماعيل و هاجر و وضعهما بمكة و أتت على ذلك مدة و نزلها الجرهميون و تزوج إسماعيل منهم امراة و ماتت هاجر استأذن ابراهيم سارة ان يأتى هاجر فاذنت له و شرطت عليه ان لا ينزل- فقدم ابراهيم عليه السلام و قد ماتت هاجر فذهب الى بيت إسماعيل فقال لامراته اين صاحبك قالت ذهب يتصيد و كان إسماعيل يخرج من الحرم فيصيد فقال لها ابراهيم هل عندك ضيافة قالت ليست عندى و سالها عن عيشهم فقالت نحن في ضيق و شدة و شكت اليه فقال لها إذا جاء زوجك فاقرايه السلام و قولى له فليغير عتبة بابه- و ذهب ابراهيم فجاء إسماعيل عليهما السلام فوجد ريح أبيه فقال لامراته هل جاءك أحد قالت جاءنى شيخ صفته كذا و كذا كالمستخفة بشأنه قال فما قال لك قالت قال اقرئي زوجك السلام و قولى فليغير عتبة بابه- قال ذاك ابى و قد أمرني ان أفارقك الحقي باهلك فطلقها و تزوج منهم اخرى فلبث ابراهيمعليه السلامما شاء اللّه ان يلبث ثم استأذن سارة ان يزور إسماعيل فجاء ابراهيم حتى انتهى الى باب إسماعيل فقال لامراته اين صاحبك قالت ذهب يتصيد و هو يجى ء ان شاء اللّه تعالى فانزل رحمك اللّه قال هل عندك ضيافة قالت نعم فجاءت باللبن و اللحم- و سالها عن عيشهم فقالت نحن بخير و سعة فدعا لهما بالبركة و لو جاءت يومئذ بخبز بر او شعير او تمر لكانت اكثر ارض اللّه برا و شعيرا و تمرا- و قالت له انزل حتى اغسل رأسك فلم ينزل- فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الايمن فوضع قدمه عليه فغسلت شق رأسه الايمن ثم حولته الى شقه الأيسر فغسلت شق رأسه الأيسر فبقى اثر قدميه عليه فقال لها إذا جاء زوجك فاقرايه السلام و قولى له قد استقامت عتبة بابك فاضبطها فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامراته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ احسن الناس وجها و أطيبهم ريحا فقال لى كذا و كذا و قلت له كذا و كذا و غسلت رأسه و هذا موضع قدميه فقال ذلك ابراهيم و أنت العتبة أمرني ان امسكك- ثم لبث عنهم ما شاء اللّه تعالى ثم جاء بعد ذلك و إسماعيل عليه السلام يبرى ء نبلا تحت دوحة قريبة من زمزم فلما راه قام اليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد و الولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل ان اللّه أمرني بامر أ تعيننى عليه قال أعينك عليه- قال ان اللّه تعالى أمرني ان ابني بيتا فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتيه بالحجارة و ابراهيم عليهما السلام يبنى فلما ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام ابراهيم على حجر المقام و هو يبنى و إسماعيل يناوله الحجارة و هما يقولان رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- و في الحديث- الركن و المقام ياقوتتان من يواقيت الجنة- رواه مالك عن انس مرفوعا و عن ابن عمر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الركن و المقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس اللّه نورهما و لو لم يطمس نورهما لاضاء اما بين المشرق و المغرب- رواه الترمذي و ذكر البغوي بلفظ لو لا ما مسته أيدي المشركين لاضاءتا ما بين المشرق و المغرب- و لاهل الاعتبار هاهنا استنباط و هو ان في كل مكان مكث فيه رجل من اهل اللّه تعالى حينا من الدهر ينزل هناك بركات من السماء و سكينة تجذب القلوب الى اللّه تعالى و يتضاعف هناك اجر الحسنات و كذا وزر السيئات و اللّه اعلم- وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ اى امرناهما و أوصينا إليهما أَنْ طَهِّرا اى بان طهرا و يجوز ان يكون ان مفسرة لتضمين العهد معنى القول بَيْتِيَ اضافه اليه تفضيلا يعنى ابنيا على الطهارة و التوحيد قال سعيد بن جبير و عطاء طهراه من الأوثان و الريب و قول الزور- و قيل بخراه و خلّقاه- قرا نافع و هشام و حفص بفتح الياء هاهنا و في سورة الحج و زاد حفص في سورة نوح لِلطَّائِفِينَ حوله وَ الْعاكِفِينَ المقيمين عنده او المعتكفين فيه وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) جمع راكع ساجد يعنى المصلين. |
﴿ ١٢٥ ﴾