١٣٠ وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ استبعاد و انكار لان يكون أحد يرغب عن ملته الواضحة الغراء اى لا يرغب أحد عن ملته- و الرغبة إذا عدى بالى فالمراد به الارادة و ان عدى بعن فالمراد به الترك إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ السفه في الأصل الخفة و يقال لمن يتعجل في الافعال باتباع الهوى و الشهوة من غير تدبر و تفكر في منافعه و مضاره خفيف و سفيه- و ضده الحليم- و يسند السّفه بهذا المعنى الى نفس الشخص و الى رأيه فيقال زيد سفيه و سفه نفسه و سفه رأيه اى خف نفسه فيأتى بالافعال على خلاف ما اقتضاه العقل و خف رأيه و حينئذ لا يتعدى الى مفعول و قد يستعمل بحرف الجر فيقال سفه زيد في نفسه و في رأيه و لمّا كان السفه و الخفة مستلزم لاهانة النفس و اهلاكها و خفة الرأى مستلزم للجهل فيستعار و يقال سفه نفسه اى أهانها او أهلكها او جهلها فحينئذ يتعدى الى مفعول- او يقال تعدى الى مفعول بتضمين معنى أهلك- او أهان او جهل و لهذا قيل في تفسير الاية سفه نفسه اى جعلها مهانا و ذليلا حيث كفر بخالقه و عبد مخلوقا مثله- و قال ابو عبيدة أهلك نفسه- و قال الجمهور نصب بنزع الخافض و إفضاء الفعل اليه و المعنى سفه في نفسه- و قال الفراء أصله سفه نفسه بالرفع فلما أسند الفعل الى صاحبها نصب على التميز كما يقال ضقت به ذرعا و طاب زيد نفسا في ضاق ذرعى و طاب نفس زيد- و قال ابن كيسان و الزجاج معناه جهل نفسه و ذلك انه من عبد غير اللّه فقد جهل نفسه لانه لم يعرف اللّه خالقها- و قد جاء من عرف نفسه فقد عرف ربه- قلت و معنى من عرف نفسه فقد عرف ربه انه من عرف حقيقة نفسه انه ممكن لا يقتضى ذاته وجوده و لا بقاءه لا يتصور له في نفسه وجود و لا قيام و لا بقاء- و لا يجوز حمله على نفسه حملا أوليا نحو زيد زيد الا بعد انتسابه الى واجب وجوده قائم بنفسه قيوم لغيره لو لاه لم يوجد غيره و هو كالاصل للظلال و هو نور السموات و الأرض قيم الأشياء و اقرب الى الأشياء من أنفسها حيث لم يجز حمل أنفسها عليها الا بعد انتسابها اليه فقد عرف ربا واجبا واحد قيوما نورا مبينا قريبا و من سفه نفسه اى جهلها جهل ربه و في الاخبار ان اللّه تعالى اوحى الى داود اعرف نفسك و أعرفني- فقال يا رب كيف اعرف نفسى و كيف أعرفك- فاوحى اللّه تعالى اليه اعرف نفسك بالضعف و العجز و الفناء و أعرفني بالقوة و القدرة و البقاء- و اعلم ان الجهل يكون ضد العلم الذي هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع المتعلق بالنسبة الحكمية التي بين القضية فيقتضى المفعولين- و العلم يحصل بالبداهة او بالاستدلال او الوحى او الإلهام و ضده الجهل و هو عدم أصلي يستند الى عدم تلك الأشياء و يكون ضد المعرفة التي يقتضى مفعولا واحدا و هو من باب التصورات و يحصل المعرفة بالبداهة او البصيرة الموهوبة لارباب القلوب و المراد بالسفه هو الجهل بالمعنى الثاني حيث عدى الى مفعول واحد اى لم يعرف نفسه بالبصيرة و اللّه اعلم- وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ نديما و خليلا فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الأنبياء الصَّالِحِينَ (١٣٠) فى مراتب القرب- الصلاح ضد الفساد و ذلك بالمعاصي القلبية او القالبية فكمال الصلاح بالعصمة و دون ذلك بدون ذلك و المراد هاهنا كماله و في هذه الاية حجة و بيان لما سبق فانه من كان هذا شأنه فلا يرغب عن اتباعه إلا سفيه جاهل ضعيف العقل. |
﴿ ١٣٠ ﴾