٢٠٣

وَ اذْكُرُوا اللّه فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ و هى ايام التشريق سميت معدودات لقلتهن كذا روى عن ابن عباس و غيره و يدل على ذلك قوله تعالى

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ من ايام التشريق يعنى استعجل في النفر و نفر في ثانى ايام التشريق- اتفقوا على انه من لم ينفر و دخل عليه الثالث من ايام التشريق وجب عليه رمى ذلك اليوم و اختلفوا في انه هل يعتبر دخول الليلة الثالثة من ليالى ايام التشريق او الثالث من أيامها فقال الجمهور المعتبر دخول الليل فمن اقام بمنى حتى دخلت الليلة الثالثة لا يحل له النفر حتى يرمى الجمار في اليوم الثالث- و قال ابو حنيفة لا يجب ذلك حتى يصبح بمنى و له ان ينفر من الليل و إذا طلع الفجر لزمه الرمي- قال ابو حنيفة وقت الرمي انما هو النهار فمن نفر من الليل كان كمن سافر قبل وقت الجمعة- و قال غيره الليل و ان لم يكن وقت المرمى فهو وقت للمبيت و المبيت بمنى واجب فبعد دخول الليل وجب المبيت فلا يحل النفر- و اللّه اعلم

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فانه أخذ بالرخصة وَ مَنْ تَأَخَّرَ فى النفر حتى يرمى اليوم الثالث

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ و هو اولى و أفضل و فيه رد على اهل الجاهلية كان منهم من اثم المتعجل و منهم من اثم المتأخر

لِمَنِ اتَّقى اى هذه الاحكام لمن اتقى فانه هو المنتفع به- و قيل لمن اتقى ان يصيب في حجه شيئا مما نهاه اللّه عنه رجع مغفورا لا ذنب عليه سواء تعجل في النفر او تأخر

قال البغوي هذا قول على و ابن مسعود رضى اللّه عنهما- و يؤيده من المرفوع قوله صلى اللّه عليه و سلم من حج للّه و لم يرفث و لم يفسق رجع كيوم ولدته امه- متفق عليه من حديث ابى هريرة و عنه في الصحيحين مرفوعا الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة- و عن ابن مسعود قال- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحج و العمرة ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفى الكبير خبث الحديد رواه الشافعي و الترمذي و عن عمر و نحوه رواه احمد اعلم ان المقام بمنى ايام التشريق و المبيت بها في لياليها و كذا الرمي ليس بركن اجماعا لقوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّه فان الترتيب و التعقيب يدل على المغائرة- و اختلفوا فى وجوبها فقال احمد المبيت و الرمي كلاهما واجبان- و قال مالك المقام و المبيت واجب و الرمي سنة مؤكدة- و قال ابو حنيفة بالعكس و هو رواية عن احمد- و للشافعى قولان أحدهما كاحمد و الثاني كابى حنيفة- و قال بعضهم انما شرع الرمي حفظا للتكبير فان ترك و كبر أجزأه حكاه ابن جرير عن عائشة و غيرها و هذا المذهب يوافق ظاهر الاية لكنه خلاف ما استقر عليه الإجماع احتج احمد بهذه الاية و قال هذه الاية يحتمل إيجاب الامرين و فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التحق بيانا لاجمالها و قد قال خذوا عنى مناسككم-

و قال ابو حنيفة- المقصود بالمقام و المبيت هو الرمي بدليل ما رواه البخاري عن ابن مسعود انه رمى من بطن الوادي فقيل له ان نا ساير مونها من فوقها فقال و الذي لا اللّه غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة فان هذا القول اشارة الى ان هذه الاية في الرمي لا غير- و ما رواه عاصم بن عدى قال- أرخص رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لرعاء الإبل في البيتوتة بمنى يرمون يوم النحر ثم- يرمون الغدو من بعد الغد ثم يرمون يوم النفر- رواه مالك و غيره و في النسائي رخص للرعاء فى البيتوتة يرمون يوم النحر و اليومين الذين بعده يجمعونهما في أحدهما- قال مالك تفسير الحديث انهم يرمون يوم النحر فاذا مضى اليوم الذي يلى يوم النحر رموا من الغد و ذلك اليوم النفر الاول يرمون اليوم الذي مضى قضاء ثم يرمون ليومهم وجه الاحتجاج ان إيجاب قضاء الرمي دون المبيت دليل على وجوب الرمي مقصودا و عدم وجوب المبيت الا تبعا للرمى- قال احمد الترخيص في المبيت للرعاء للضرورة لا يدل على عدم الوجوب مطلقا بل يدل على الوجوب فان الرخصة لا يكون الا فيما هو واجب- و الحجة لمالك انه قد روى عن عمر و ابنه انهما كانا يكبران تلك الأيام خلف الصلوات و في المجالس و على الفراش و الفسطاط و في الطريق و يكبر الناس بتكبيرهما و يتاولان هذه الاية- وجه الاحتجاج ان الذكر في ايام التشريق مطلقا سواء كان بمنى او غيره ليس بواجب اجماعا بل هو مقيد بمنى يدل عليه قوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ يعنى في النفر الاية و لا شك ان المقام هناك بنية التقرب ذكر و انضمام الذكر اللساني اولى و أفضل فمحمل الاية هو المقام بمنى دون الرمي

قلنا هذا لا ينافى ان يكون محمل الاية كلا الامرين المقام و الرمي كما لا يخفى و اللّه اعلم و اعلم انه ثبت بالسنة و هو بيان لا جمال الاية ان الرمي يوم النحر في جمرة العقبة بسبع حصيات و وقته من طلوع الفجر يوم النحر عند ابى حنيفة و مالك- و مما بعد نصف الليل من ليلة النحر عند احمد و الشافعي- و من طلوع الشمس يوم النحر عند مجاهد و الحجة لمجاهد حديث ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قدّم ضعفة اهله و قال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس- رواه الترمذي و قال هذا حديث صحيح-

قلنا هذا محمول على الاستحباب و يدل على الجواز بعد الصبح قبل طلوع الشمس ما رواه الطحاوي بأسانيده عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعثه مع النقل و قال لا ترموا الجمرة حتى تصبحوا «١»-

(١) فى الأصل حتى يسبحوا

و هو حجة لنا على الشافعي و احمد في عدم جواز الرمي قبل الصبح- و ما احتج به الشافعي و احمد من حديث عائشة قالت أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فافاضت- رواه الدارقطني حديث ضعيف في سنده لا ضحاك بن عثمان لينه القطان ثم هو محمول على انها «٢» رمت قبل صلوة الفجر لا قبل طلوع الفجر فهو حجة لنا على مجاهد- و اخر وقته عند ابى يوسف الى الزوال لانه صلى اللّه عليه و سلم رمى الجمرة- يوم النحر ضحوة- و عند الجمهور الى الغروب لحديث ابن عباس قال كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يسئل يوم النحر بمنى فيقول لا حرج- فساله رجل فقال حلقت قبل ان اذبح قال اذبح و لا حرج- قال رميت بعد ما أمسيت فقال لا حرج- رواه البخاري و غيره و معنى قوله بعد ما أمسيت اى بعد الزوال إذ المساء يطلق على بعد الزوال و ليس المراد بعد الغروب لان يوم النحر يطلق قبل الغروب لا بعده و في بعض طرق الحديث صريح ان السؤال كان وقت الظهر- و اخر وقته المكروه الى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر لان النبي صلى اللّه عليه و سلم رخص للرعاء ان يرموا ليلا رواه ابن ابى شيبة عن ابن عباس و هذا يدل على الجواز للمعذور و على الكراهة لغير المعذور و الرمي فى ايام التشريق في ثلثة جمار الجمرة الدنيا و الجمرة الوسطى و الجمرة العقبة يرمى عند كل جمرة بسبع حصيات و أول وقتها في أول ايام التشريق يعنى يوم القرار «٣» و ثانيها يعنى يوم النفر الاول بعد الزوال اجماعا لما في حديث جابر و غيره- ثم لم يرم النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى زالت الشمس و اخر وقته في كل يوم بلا كراهة الى الغروب و للمعذورين الى طلوع الفجر من اليوم الثاني و ذلك مع كراهة لغير المعذور لما مر انه صلى اللّه عليه و سلم رخص للرعاء ان يرموا ليلا و كذا في اليوم الثالث من ايام التشريق يوم النفر الاخر عند الجمهور و به قال ابو يوسف و محمد غير انه لا يجوز الرمي بعد الغروب من ذلك اليوم اجماعا لان تلك الليلة ليست من ايام التشريق-

(٢) فى الأصل انه

(٣) فى الأصل يوم القر

و قال ابو حنيفة يجوز الرمي في ذلك اليوم قبل الزوال- و لم اطلع على دليل لهذا القول غير ما ذكر ابن همام عن ابن عباس انه قال إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمي و الصدر- رواه البيهقي قال و الانتفاخ الارتفاع- و في سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي و ابن معين و الدارقطني و قال احمد متروك الحديث- و هل يشترط الترتيب بين الجمار في ايام التشريق فعند الجمهور الترتيب واجب و عند ابى حنيفة سنة- وجه قول الجمهور- ان كل شى ء لا يدرك بالراى فرعاية جميع الخصوصيات الواردة فيه واجب و لم ينقل فوات الترتيب- و قال ابو حنيفة لو كان الرمي

فى الجمرات الثلاث نسكا واحدا كان مراعات خصوصياته واجبا لكن الرمي في كل جمرة نسك برأسه فلابد في كل واحد منها رعاية خصوصياته و اما الترتيب بين المناسك العديدة فليس بشرط كما ان الترتيب بين الرمي و الذبح و الحلق ليس بشرط-

قلت فكان القياس على قول ابى حنيفة ان ذلك الترتيب ان لم يكن شرطا لكن ليكن واجبا ينجبر بالدم كالترتيب بين الرمي و الذبح و الحلق و لم يظهر لى وجه الفرق بين المسألتين و اللّه اعلم

وَ اتَّقُوا اللّه وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣) فيجازيكم على حسب أعمالكم و إخلاصكم و اللّه اعلم

قال البغوي قال الكلبي و مقاتل و عطاء كان الأخنس بن شريف الثقفي حليف بنى زهرة و سمى الأخنس لانه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بنى زهرة عن قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان رجلا حلو الكلام حلو المنظر و كان يأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيجالسه و يظهر الإسلام و يقول انى لاحبك و يحلف باللّه على ذلك- و كان منافقا و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدنى مجلسه فنزل.

﴿ ٢٠٣