٢٨٤ للّه ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ خلقا و ملكا و ملكا قيل فيه دليل على ان كل ما سواه تعالى متحيز و لا شى ء من الممكنات مجردا و الا لكان بيان خالقيته و مالكيته قاصرا لان الأهم اثبات مالكية المجردات و هذا ليس بشى ء بل التحقيق ان من الممكنات مجردات و هى أرواح البشر و الملائكة و غيرهم و قد انكشف على ارباب القلوب من المجردات القلب و الروح و السر و الخفي و الأخفى و اللّه تعالى اعلم بخلقه ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ و انما اقتصر هاهنا على ذكر ما في السموات و ما في الأرض بناء على قصر نظر العوام عليها و ذكرها كاف للاستدلال على الصانع جلت قدرته- و لان الاستدلال لا يتصور الا بامور مشهودة معلومة للعوام لا بامور مختفية على الخواص و من ثم لم يذكر هاهنا العرش و الكرسي مع انهما ليسا في السموات و الأرض و اللّه اعلم- وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ او تُخْفُوهُ من الرذائل كالنفاق و الرياء و العصبية «١» و حب الدنيا و الغضب و الكبر و العجب و الأمل و الحرص و ترك التوكل و الصبر و الحسد و الحقد و نحو ذلك مما هو من افعال القلوب و النفوس- عن جبير بن مطعم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس منا من دعا على عصبيته و ليس منا من مات على عصبيته رواه ابو داؤد و عن حارثة بن وهب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أخبركم باهل الجنة كل ضعيف متضعّف لو اقسم على اللّه لابره الا أخبركم باهل النار كل عتلّ «٢» جوّاظ «٣» مستكبر- متفق عليه- و في رواية لمسلم كل جواظ زنيم «٤» متكبر- و عن الحسن مرسلا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- حب الدنيا رأس كل خطيئة- رواه البيهقي في شعب الايمان عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب ابى بكر و عمر ايمان و بغضهما نفاق- رواه ابن عدى- و عن جابر مرفوعا حب ابى بكر و عمر من الايمان و بغضهما كفر و حب الأنصار من الايمان و (١) العصبية و التعصب المحامات- نهاية يعنى حمية الجاهلية- منه. (٢) عتل الشديد الجافي الفظ الغليظ من الناس- منه رح. (٣) الجواظ الجموع المنوع و قيل الكثير اللحم المختال- منه رح. (٤) الزنيم الملحق بالقوم ليس منهم- منه رح. بغضهم كفر و حب العرب من الايمان و بغضهم «٥» كفر و من سب أصحابي فعليه لعنة اللّه و من حفظنى فيهم فانا احفظه يوم القيامة- رواه ابن عساكر و عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال- حب علىّ عبادة «٦» و عن علىّ قال و الذي فلق الحبة و برى ء النسمة لعهد النبي الأمي صلى اللّه عليه و سلم الى ان لا يحبنى الا مؤمن و لا يبغضنى الا منافق رواه مسلم و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيك مثل من عيسى «٧» أبغضته اليهود حتى بهتوا امه و أحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له- ثم قال يهلك فيّ رجلان محب مفرط يفرطنى بما ليس في و مبغض يحمله شتانى على ان يبهتنى- رواه احمد و عن ابى هريرة مرفوعا (٥) فى الأصل و بعضهم. (٦) هكذا بياض في الأصل- ابو محمد [.....]. (٧) و في الأصل مثل عيسى. قال اللّه تعالى الكبرياء ردائى و العظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار- رواه مسلم و عن عطية السعدي مرفوعا ان الغضب من الشيطان- رواه ابو داؤد و عن بهزين حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا ان الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصير العسل- رواه البيهقي في الشعب و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أول صلاح هذه الامة اليقين و الزهد و أول فسادها البخل و الأمل- رواه البيهقي و عن سعد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سعادة ابن آدم رضاؤه بما قضى اللّه و من شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى اللّه- رواه احمد و الترمذي- و عن معاذ بن جبل مرفوعا قال يطلع اللّه الى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه الا المشرك او مشاحن- رواه الدارقطني و صححه ابن حبان- و في رذائل النفس و محامدها أحاديث لا تكاد تحصى- و قيل معناه إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ او تُخْفُوهُ- من كتمان الشهادة- كذا قال الشعبي و عكرمة- او من ولاية الكفار فهو نظير ما في ال عمران لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ الى ان قال قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ الاية- كذا قال مقاتل- و التحقيق ان كتمان الشهادة و ولاية الكفار داخلان فيما استقر في أنفسكم و لا وجه للتخصيص بعد ثبوت المؤاخذة على الجميع بالنصوص و الإجماع- و قيل المراد به العزم المصمم على المعاصي من افعال الجوارح قال عبد اللّه بن المبارك قلت لسفيان أ يؤاخذ اللّه العبد بالهمّ قال إذا كان عزما أخذ بها- قلت لو ثبت المؤاخذة على العزم فالعزم ايضا داخل في المعاصي القلبية- لكن الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه قال من هم بسيئة فلم يعمل بها لم يكتب عليه و إذا عمل بها كتب بمثلها- الحديث يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّه يوم القيامة اما حساب عرض حسابا يسيرا فَيَغْفِرُ و ذلك لِمَنْ يَشاءُ مغفرته و اما حساب مناقشة فيأخذ به وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه- قرا ابو جعفر و ابن عامر و عاصم و يعقوب برفع الفعلين على الاستيناف و الباقون بالجزم عطفا على جواب الشرط وَ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ من العذاب و المغفرة و غير ذلك قَدِيرٌ (٢٨٤) لا يمكن لاحد الاعتراض عليه ان شاء عذب على الصغيرة و ان شاء غفر الكبيرة من غير توبة اجمع اهل السنة و الجماعة على ان الحساب على المعاصي القلبية و النفسانية و القالبية حق و التعذيب على الذنوب صغائرها و كبائرها حق لكنه ليس بواجب بل في مشية اللّه تعالى- روى طاؤس عن ابن عباس قال فيغفر لمن يشاء الذنب العظيم يعنى سواء تاب عنه المذنب او لم يتب و يعذب من يشاء على الذنب الصغير لا يسئل عما يفعل- و أنكر المعتزلة و الروافض و غيرهم الحساب و قالت المعتزلة و غيرهم بوجوب العذاب على العصاة و هذه الاية و غيرها من الآيات و الأحاديث حجة لنا عن عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ليس أحد يحاسب يوم القيامة الا هلك قلت او ليس يقول اللّه تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا فقال انما ذلك العرض و لكن من نوقش في الحساب يهلك متفق عليه و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه يدنى المؤمن فيضع عليه كتفه و يستر فيقول أ تعرف ذنب كذا أ تعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتى قرره بذنوبه و راى في نفسه انه قد هلك قال سترتها عليك في الدنيا و انا اغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته فاما الكفار و المنافقون فينادى بهم على رؤس الخلائق هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللّه عَلَى الظَّالِمِينَ- متفق عليه- و عن عائشة قالت جاء رجل فقعد بين يدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه ان لى مملوكين يكذبوننى و يخونوننى و يعصوننى و اشتمهم و اضربهم فكيف انا منهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك و عصوك و كذبوك و عقابك إياهم فان كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك و لا عليك و ان كان عقابك إياهم دون ذنبهم كان فضلا لك و ان كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الحديث- رواه الترمذي و في كلى بابى الحساب و المغفرة أحاديث كثيرة لا تحصى (فصل) و من الناس من يدخلون الجنة بغير حساب عن ابى امامة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول و عدنى ربى ان يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا لا حساب عليهم و لا عذاب مع كل الف سبعون الفا و ثلاث حثيات «١» من حثيات ربى- رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة- و عن اسماء بنت يزيد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يحشر الناس في صعيد واحد يوم القيامة فينادى مناد فيقول اين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون و هم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يؤمر سائر الناس الى الحساب- رواه البيهقي- و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدخل الجنة من أمتي سبعون الفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون و لا يتطيرون و على ربهم يتوكّلون- متفق عليه و عنه كذلك في حديث طويل قلت و الذي يظهر من سياق الكتاب و السنة ان هؤلاء الذين لا يحاسبون هم الصوفية العلية المتعشقة فان اللّه سبحانه علق الحساب برذائل النفس حيث قال وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ او تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّه- و ذكر ابدائها و اخفائها للتسوية كما في قوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ او لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ- و انما علقه برذائل النفس دون اعمال الجوارح مع ان الحساب ليس مختصا بها لانها أشد و اغلظ من اعمال الجوارح و لانه منشأ للمعاصى القالبية غالبا و بعد تزكية النفس (١) حثية واحدة اى غرفة بيديه و حثيات جمع كناية عن المبالغة في الكثرة و الا فلا حثية ثم- نهاية- و حتى خاك انداختن بر شى ء- صراح منه رح. و تصفية القلب لا يصدر المعاصي الا نادرا- كما يدل عليه قوله عليه الصلاة و السلام إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله- و لإن صدرت المعاصي نادرا فالنفس المطمئنة بالخيرات و القلب المصفى عن الزيغ و الكدورات يندم فورا و يتوب الى اللّه متابا بحيث يجعل اللّه سيئاتهم حسنات و كان اللّه غفورا رحيما- عن ابن مسعود مرفوعا- التائب من الذنب كمن لا ذنب له- رواه ابن ماجة و البيهقي و عنه في شرح السنة موقوفا الندم توبة- و هؤلاء القوم هم المسميون بفقراء المؤمنين في قوله صلى اللّه عليه و سلم انا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح اللّه لى فيدخلنى و معى فقراء المؤمنين و لا فخر- و قد مر في تفسير قوله تعالى وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ اعلم ان الفقير من لا شى ء له و هؤلاء القوم لا شى ء لهم من الوجود و توابعه- اما الرذائل و صفات النفس الا مادة بالسوء فقد انسلبت منهم بأسرها- و اما الوجود و صفات الكمال فوجدوها مستعارة مستودعة من اللّه ذى الجلال و الإكرام فلما أدوا الامانة الى أهلها و نسبوها اليه تعالى لم يبق منهم اسم و لا رسم و لذلك لا ترى منهم عجبا و لا كبرياء و لا شيئا من مقتضيات الالوهية الباطلة نعوذ باللّه منها- و كلمة مع فى قوله صلى اللّه عليه و سلم سبعون الفا مع كل الف سبعون الفا- تدل على ان سبعين الفا تابع لكل الف فلعل المراد به (و اللّه اعلم بمراده) انهم سبعون الفا من المكملين مع كل الف منهم سبعون الفا من الكاملين من العلماء الراسخين و الصديقين و الأولياء الصالحين- و قوله صلى اللّه عليه و سلم و ثلاث حثيات من حثيات ربى الظاهر انه ليس المراد به كثرتهم لانه لو أريد الكثرة فحثية واحدة من حثيانه تعالى يتسعه الأولون و الآخرون فانّ الأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ- بل المراد به التنويع- فلعل المراد بالحثيات الثلاث الذين بذلوا أنفسهم في سبيل اللّه و هم الشهداء- و الذين بذلوا عمرهم في طاعة اللّه (ما عدا المذكورين السابقين) من العلماء المريدين المتشبثين بالأولياء- و الذين بذلوا أموالهم ابتغاء مرضات اللّه هؤلاء هم الذين أحبوهم و سلكوا سبيلهم و ان لم يبلغوا درجة الأولين- و قوله عليه الصلاة و السلام و على ربهم يتوكلون صفتهم من حيث الباطن و تتجافى جنوبهم سيماهم من حيث الظاهر- جعلنى اللّه سبحانه منهم بفضله و منّه- روى البخاري و مسلم و احمد و غيرهم عن ابى هريرة و روى مسلم و غيره فحوه عن ابن عباس انه لمّا نزلت وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ او تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّه الاية- اشتد ذلك على اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجثوا على الركب و قالوا- يا رسول اللّه كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة و الصيام و الجهاد و الصدقة و قد أنزلت إليك هذه الاية و لا نطيقها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ تريدون ان تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا و عصينا بل قولوا سمعنا و اطعنا غفرانك ربّنا و إليك المصير- فلما اقتراها القوم و ذلت بها ألسنتهم انزل اللّه تعالى في اثرها-. |
﴿ ٢٨٤ ﴾