٢٨٥

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ قلت لعل الصحابة حين نزلت وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ الاية فهموا منه ان اللّه يحاسب على خطرات الأنفس- او انهم بناء على هضم أنفسهم اتهموا أنفسهم بالرذائل فاشتد ذلك عليهم فعلمهم النبي صلى اللّه عليه و سلم طريقة التسليم و الرضاء و التوكل التي هى صفات النفوس المطمئنة الكريمات- و انزل اللّه تعالى لرفع ظنهم عن محاسبة الخطرات و تسلّيتهم بالشهادة على صدق ايمانهم و صحة نياتهم و تزكية نفوسهم و تصفية قلوبهم فان زوال رذائل النفس مقتضى الايمان- و الايمان الحقيقي الكامل لا يكون الا بعد فناء النفس و زوال رذائلها و المطلق ينصرف الى الكامل- و المراد بالمؤمنين المؤمنون الموجودون في ذلك الزمان و هم الصحابة رضى اللّه عنهم كما في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّه وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و التحق بهم من كان ايمانهم كايمانهم من اهل السنة و الجماعة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين و سبعين ملة و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة- قالوا من هى يا رسول اللّه قال ما انا عليه و أصحابي رواه الترمذي عن عبد اللّه بن عمرو كُلٌّ التنوين فيه عوض عن المضاف اليه اى كل واحد منهم-

قال البيضاوي لا يخلو من ان يعطف المؤمنون على الرسول فيكون الضمير الذي ينوب عنه التنوين راجعا الى الرسول و المؤمنين او يجعل المؤمنون مبتدأ فيكون الضمير للمؤمنين و باعتباره يصح وقوع كل مع خبره خبر مبتدأ- و يكون افراد الرسول بالحكم اما لتعظيمه او لأن إيمانه عن مشاهدة و عيان و ايمانهم عن نظر و استدلال آمَنَ بِاللّه وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ قرأ حمزة و الكسائي و كتابه على الافراد يعنى القران و الايمان به يتضمن الايمان بجميع الكتب او المراد بالكتاب الجنس و الفرق بينه و بين الجمع انه شائع في وحدان الجنس و الجمع في جموعه و لذلك قيل الكتاب اكثر من الكتب وَ رُسُلِهِ و قالوا او قائلين لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ اى في الايمان بهم كما فرق اليهود فقالوا نؤمن ببعض و نكفر ببعض- و أحد نكرة فى سياق النفي فعمت كلهم و لذلك دخل عليه بين-

و قرا يعقوب لا يفرّق على الغيبة و الضمير راجع الى كل نظرا الى لفظه كضمير أمن راجع اليه وَ قالُوا الضمير راجع الى الرسول و المؤمنين جميعا او الى لفظة كل من حيث المعنى سَمِعْنا قولك وَ أَطَعْنا أمرك و أجبناك-

قال البغوي روى عن حكيم بن جابر رضى اللّه عنه ان جبرئيل عليه السلام قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم حين نزلت هذه الاية- ان اللّه قد أثني عليك و على أمتك فسل تعطه فسال بتلقين اللّه عز و جل فقال غُفْرانَكَ اى اغفر غفرانك او نسئلك غفرانك رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) المرجع بعد الموت و هو اقرار منهم بالبعث فهو داخل فى الايمان- و ما ذكرنا من حديث الصحيحين يدل على «١» ان قولهم سمعنا إلخ كان قبل نزول هذه الاية فذكر اللّه تعالى حكاية عنهم و ثناء عليهم و هو الأرجح-.

(١) فى الأصل يدل ان لو لهم ١٢.

﴿ ٢٨٥