٢٦

قُلِ اللّهمَّ الى آخره و يمكن الجمع بينهما- و ذكر البيضاوي انه روى انه صلى اللّه عليه و سلم لما خط الخندق و قطع لكل عشرة أربعين ذراعا و أخذوا يحفرون فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها المعاول فوجهوا سلمان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخبره فجاء و احذ المعول منه فضربها ضربة صدعتها و برق برقا أضاء ما بين لابتيها لكانّ مصباحا فى جوف بيت مظلم فكبر و كبر معه المسلمون فقال أضاءت لى منها قصور حيرة كانّها أنياب الكلاب- ثم ضرب الثانية فقال أضاءت لى منها القصور الحمر من ارض الروم- ثم ضرب الثالثة فقال أضاءت لى قصور صنعاء و أخبرني جبرئيل ان أمتي ظاهرة على كلها فابشروا- فقال المنافقون الا تعجبون يمنّيكم و يعدكم الباطل و يخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة من ارض فارس و انها تفتح لكم و أنتم تحفرون الخندق من الفرق فنزلت هذه الاية- و قد ذكر البيهقي و ابو نعيم فى الدلائل هذه القصة من غير ذكر نزول الاية- بالتحريك الخوف- نهايه منه رح و ذكر ابن خزيمة عن قتادة مختصرا و فيه ذكر نزول الاية قوله تعالى قُلِ يا محمد و المقولة بعد ذلك اللّهمَّ أصله يا اللّه حذف حرف النداء و زيدت الميم عوضا عنه و لذلك لا يجتمعان و هذا من خصائص هذا الاسم الرفيع كدخول حرف النداء عليه مع لام التعريف و قطع همزته و دخول تاء القسم عليه- و قيل أصله يا اللّه امّنا بخير اى اقصدنا فخفف بحذف حرف النداء و متعلقات الفعل و همزته فبقى اللّهم و ربما خففوا فقالوا لا هم و كل ذلك لكثرة الاستعمال نظيره هلم إلينا كان أصله هل امّ إلينا اى هل قصد إلينا- و إذا قيل اللّهم اغفر لى فقوله اغفر لى بيان لامّنا بخير و كذا فى قوله اللّهم العن رعلا و ذكوان فان لعن الأعداء يصلح بيانا لامّنا بخير مالِكَ الْمُلْكِ صفة للمنادى و قيل نداء بعد نداء حذف منه ايضا حرف النداء تقديره يا مالك الملك و لا يجوز جعله صفة للمنادى لان المنادى الاول مكفوف كصوت بلحوق كلمة هو و مثله لا يوصف كذا قال سيبويه و نقض بسيبويه النحوي و دفع بان الصوت هنا لم يبق على معناه بجعله جزءا للكلمة بخلاف ما نحن فيه- و الملك مصدر يشتق منه الملك و المراد به المفعول أريد به عالم الإمكان و اللام للاستغراق فان اللّه تعالى خالقه و مالكه يتصرف فيه كيف يشاء و يهب منه ما يشاء لمن يشاء لا يجوز لاحد ان يتصرف فى شى ء من الأشياء الا باذنه و تمليكه تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ و اللام فى اللفظين للعهد الذهني و المعنى تعطى من الملك ما تشاء من تشاء و تسترد كذلك- عدل من الضمير الى الظاهر وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ فى الدنيا او فى الاخرة او فيهما بالنصر و الأدبار و التوفيق و الخذلان فى الدنيا و الثواب و العذاب فى الاخرة بِيَدِكَ الْخَيْرُ قيل تقديره بيدك الخير و الشر فاكتفى بذكر أحدهما كما فى قوله تعالى سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ اى الحر و البرد و قيل خص ذكر الخير لسياق الكلام فيه حيث وعد النبي صلى اللّه عليه و سلم أمته ملك فارس و الروم و قيل ذكر الخير وحده لانه المقضى بالذات و الشر مقضى بالعرض إذ لا يوجد شر جزئى ما لم يتضمن خيرا كليا او لمراعات الأدب فى الخطاب-

قلت لعل المراد بالخير الوجود فالوجود الحقيقي الذي لاحظّ له من العدم مختص بالواجب لذاته خير محض ليس فيه شائبة من الشر- و الوجود الظلي الذي به تحقق الممكن فى الخارج الظلي مستفاد من الواجب- و العدم الذي هو حصة من الشر فى الممكن ذاتى له غير مستفاد من العلة- و معنى اسناد الشر الى اللّه تعالى ان الممكن الذي الشر داخل فى مفهومه و بعض افراده اكثر شرا من البعض و حصة الوجود منه مستند الى الوجود الحق و اما حصة الشر منه فذاتى له فما اصدق قوله تعالى بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (٢٦) و لا يقدر أحد غيرك على شى ء أصلا و قدرة العباد انما هى قدرة متوهمة بها يسمى العبد كاسبا و اللّه خلقهم و ما يعملون-

قال البيضاوي نبه بهذه الجملة على ان الشر ايضا بيده-

قلنا نعم لكن معنى كونه تعالى قادرا على الشر و كون الشر بيده انه تعالى قادر على عدم افاضة الخير فان القدرة معناه ان شاء فعل و ان شاء لم يفعل و إذا لم يفعل الخير بقي الممكن على الشر الأصلي-.

﴿ ٢٦