٩٧ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ منها ان الطير تطير فلا تعلوا فوقه- و منها ان الجارحة تقصد صيدا خارج الحرم فاذا دخلت الصيد فى الحرم كفت عنه و منها مَقامُ إِبْراهِيمَ مبتدا محذوف خبره او بدل من آيات بدل البعض من الكل و هو الحجر الذي قام عليه ابراهيم لبناء البيت حين ارتفع البناء و كان فيه اثر قدميه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي فاثر الصخرة الصماء و غوصهما فيها الى الكعبين- و تخصيصها بهذه الاية «١» من بين الصخار و بقاؤه دون اثار سائر الأنبياء و حفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة كل ذلك اية- و من ثم قيل ان مقام ابراهيم عطف بيان للايات و قيل أراد بمقام ابراهيم جميع الحرم وَ مَنْ دَخَلَهُ اى الحرم كانَ آمِناً من القتل و النهب جملة ابتدائية او شرطية معطوفة من حيث المعنى على مقام ابراهيم يعنى آيات بينات منها مقام ابراهيم و منها الامن لمن دخل الحرم فان العرب فى الجاهلية كانت تقتل بعضهم بعضا و تغير بعضهم على بعض و من دخل الحرم لا يتعرضونه كذا قال الحسن و قتادة و اكثر المفسرين نظيره قوله تعالى أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ- و قال ابو حنيفة رحمه اللّه معناه من دخله كان أمنا لا يجوز قتله- فمن وجب عليه القتل «٢» قصاصا او حدا خارج الحرم فالتجا الى الحرم لا يستوفى منه لكنه لا يطعم و لا يبائع و لا يشارى حتى يخرج فيقتل كذا قال ابن عباس و قال الشافعي و غيره يستوفى منه القصاص و ان دخل فيه و اما إذا ارتكب الجريمة فى الحرم يستوفى منه عقوبته اتفاقا و مر فى تفسير قوله تعالى وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ انه لا يجوز فى الحرم البداية فى القتال مع الكفار ايضا فلو غلب الكافرون و دخلوا الحرم و العياذ باللّه أخرجهم بالأيدي او ضربهم بالسياط و نحوها او حاصرهم و حبس عنهم الطعام و الشراب حتى يخرجوا عن الحرم فيقاتلهم او يبتدءون بالقتال فيقاتلهم ثمه- فهذه الاية خبر بمعنى الأمر يعنى من دخله فامّنوه كقوله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ يعنى لا ترفثوا و لا تفسقوا- و قيل معناه (١) فى الأصل الا لاية. (٢) فى الأصل قتل-. من دخله معظما له متقربا الى اللّه عز و جل كان أمنا يوم القيامة من العذاب- اخرج ابو داود الطيالسي فى مسنده و البيهقي فى شعب الايمان من حديث انس و الطبراني فى الكبير و البيهقي فى الشعب من حديث سلمان و الطبراني فى الأوسط من حديث جابر و الدارقطني فى سننه من حديث حاطب انه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مات فى أحد الحرمين بعث يوم القيامة أمنا من النار- و اخرج الحارث بن ابى اسامة فى مسنده عن سالم بن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابعث يوم القيامة بين ابى بكر و عمر ثم اذهب الى اهل بقيع الغرقد فيبعثون معى ثم انظر الى اهل مكة حتى يأتونى فابعث بين اهل الحرمين- و اخرج ابو نعيم فى دلائل النبوة عن سالم عن أبيه موصولا و اخرج الخطيب عن ملك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم احشر يوم القيامة بين ابى بكر و عمر حتى اقف بين الحرمين فيأتى اهل المدينة و اهل مكة وَ للّه اى استقر له و افترض عَلَى النَّاسِ المراد بالناس الأحرار العقلاء البالغون فلا يجب الحج على المجانين و الصبيان لعدم اهليتهم للخطاب و لا على العبيد بالإجماع فلو حج الكافر او الصبى العاقل او العبد ثم اسلم الكافر و بلغ الصبى و أعتق العبد يجب عليه حجة الإسلام ثانيا بالإجماع و سند الإجماع حديث ابن عباس ايّما صبى حج ثم بلغ الحنث فعليه ان يحج حجة اخرى و أيما أعرابيّ حج ثم هاجر فعليه ان يحج حجة اخرى و أيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة اخرى رواه الحاكم و المراد بالأعرابي الذي لم يهاجر من لم يسلم فان مشركى العرب كانوا يحجون قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين و رواه ابن ابى شيبة فذكر نحوه و روى ابو داود مرسلا عن محمد بن كعب القرظي و فى الباب عن جابر و سنده ضعيف و هذه الأحاديث تلقته الامة بالقبول و انعقد على مقتضاه الإجماع فجاز به تخصيص الكتاب حِجُّ الْبَيْتِ قرا ابو جعفر و حمزة و خلف- ابو محمد و الكسائي و حفص بكسر حاء حجّ البيت فى هذا الحرف خاصة و الباقون بالفتح و الكسر لغة نجد و الفتح لغة اهل الحجاز و هما لغتان فصيحتان و معناهما واحد و فى المدارك ان بالكسر اسم و بالفتح مصدر- و الحج فى اللغة القصد و المراد هاهنا عبادة مخصوصة فيها إجمال التحق بيانه بفعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بالآيات مثل قوله تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ و قوله تعالى وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ و نحو ذلك (مسئلة) اجمع الامة على ان الحج أحد اركان الإسلام فرض على الأعيان عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بنى الإسلام على خمس شهادة ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و اقام الصلاة و إيتاء الزكوة و الحج و صوم رمضان متفق عليه و فى الباب أحاديث كثيرة «١» مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ اى الى البيت سَبِيلًا الموصول بدل من الناس (١) عن عمرانه قال لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة- الزكوة- منه رحمه اللّه. بدل البعض خصص له فلا يجب الحج على غير المستطيع و السبيل الطريق منصوب على المفعولية و اليه حال منه مقدم عليه و المراد به الذهاب على طريقة جرى النهر يعنى من استطاع ذهابا الى البيت و لاجل قصر الحكم على المستطيع اجمع العلماء على انه يشترط لوجوب الحج ان يكون الطريق أمنا و المنازل الماهولة معمورة يوجد فيه الزاد و الماء و عند فوات الا من لا يجب الحج و كون البحر «١» بينه و بين مكة إذا كانت السلامة غالبة لا يمنع وجوب الحج عندهم خلافا لاحد قول الشافعي و كذلك يشترط عند ابى حنيفة و مالك الصحة فلا يجب عندهما على الضعيف و الزمن و ان كان له مال يمكن ان يستنيب من يحج عنه لانه غير مستطيع بنفسه و الحج عبادة بدنية و المقصود من العبادات البدنية اتعاب النفس فلا يحصل مقصوده بالاستنابة و قال الشافعي و احمد هو مستطيع بماله قال البغوي يقال فى العرف فلان مستطيع لبناء داروان كان لا يفعله بنفسه و انما يفعله بماله و باعوانه- قلنا هو غير مستطيع على الحج الذي هو عبارة عن اركان مخصوصة و انما هو مستطيع على الانفاق و المقصود فى البناء ليس إتيانه بنفسه بخلاف العبادات البدنية فلا يجرى فيه ذلك العرف و احتج الشافعي و احمد بحديث ابن عباس رضى اللّه عنهما قال كان الفضل ردف النبي صلى اللّه عليه و سلم فجاءت امراة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها و تنظر اليه و جعل النبي صلى اللّه عليه و سلم يصرف وجه الفضل الى الشق الاخر فقالت يا رسول اللّه ان فريضة اللّه على عباده فى الحج أدركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يمسك على الرحل أ فأحج عنه قال نعم و فى رواية لا يستطيع ان يستوى على الراحلة فهل تقضى عنه ان أحج عنه قال نعم و ذلك فى حجة الوداع- متفق عليه و الجواب انه حديث احاد لا يجوز به نسخ الكتاب المقتضى لاشتراط الاستطاعة و قد قيل فى الجواب ان معناه فريضة اللّه على عباده فى الحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف ابى بصفة عدم الاستطاعة ا (١) و فى فتاوى قاضيخان مذهب ابى حنيفة انه لو كان بينه و بين مكة بحر فهو مخوف الطريق يعنى لا يفترض عليه الحج و جيحون و سيحون و الدجلة و الفرات انهار و ليست ببحار- منه رحمه اللّه. فاحج عنه اى هل يجوز لى ذلك او هل فيه اجر و منفعة له فقال نعم و تعقب بان فى بعض ألفاظه و الحج مكتوب عليه و نحوه و أجيب بانه لو صح تلك الألفاظ فهو ظن من امراة ظنت ظنا و تعقب بان النبي صلى اللّه عليه و سلم أجابها عن سوالها و لو كان ظنها غلطا لبينه لها و أجيب بانه انما أجابها عن سوالها ا فاحج عنه فقال حجى عنه لما راى من حرصها على إيصال الخير و الثواب لابيها و يؤيده ما رواه عبد الرزاق من حديث ابن عباس فزاد فى الحديث حجى عن أبيك فان لم تزده خيرا لم تزده شرا- لكن جزم الحفاظ بانها رواية شاذة و الاولى ان يحمل الحديث على من استقر فى ذمته صحيحا ثم طرا عليه ضعف و زمانة فانه لا يسقط عنه الحج بل يجب عليه ان يحج عنه غيره من ماله ما دام حيّا او يوصى به عند موته و إذا مات و لم يحج يحج عنه وارثه او يحج عنه أجنبيا من ماله ان شاء فالحج عن الغير قضاء بمثل غير معقول ثبت بهذا الحديث كما ثبت الفدية عن الصوم فى حق الشيخ الفاني بنص الكتاب- و افتراض الحج كان عام الحديبة سنه بقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ للّه و هذه قصة حجة الوداع فلعل أباه ضعف فى تلك السنين بعد الوجوب و اللّه اعلم و كذا يشترط البصارة عند ابى حنيفة فلا يجب الحج على الأعمى و ان وجد قائدا لأنه غير مستطيع بنفسه و الاستطاعة بالغير غير معتبر عنده و قال ابو يوسف و محمد و الجمهور الأعمى إذا وجد قائدا يجب عليه الحج و كذا الخلاف فى وجوب الجمعة على الأعمى و لاجل اشتراط الاستطاعة يشترط عند ابى حنيفة فى حق المرأة ان يكون معها زوجها او ذو محرم منها إذا كان بينها و بين مكة ثلاثة مراحل و قال احمد يشترط ذلك مطلقا طال المسافة او قصرت فان لم يكن لها رجل كذلك او كان و لا يخرج معها او كان لا يخرج معها الا بأجرة و هى لا تقدر على الاجرة لا يجب عليها الحج و ذلك لانها ممنوعة عن السفر الا و معها زوجها او ذو محرم منها و المهجور شرعا كالمهجور عادة فصارت غير مستطيعة- وجه قول ابى حنيفة فى اشتراط مسافة ثلاثة ايام حديث ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا تسافر المرأة ثلاثا الا معها ذو محرم- متفق عليه و فى رواية لمسلم لا يحل لامراة تؤمن باللّه و اليوم الاخر تسافر مسيرة ثلاث «١» ليال الا و معها ذو محرم- و فى رواية فوق ثلاث و فى الباب مقيدا بثلاثة ايام حديث ابى هريرة رواه مسلم و الطحاوي- و فى رواية للطحاوى فوق ثلاث ليال- و حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ثلاثة ايام رواه الطحاوي- و حديث ابى سعيد الخدري رواه مسلم و الطحاوي بلفظ ثلاثة ايام فصاعدا- و فى رواية لمسلم بلفظ فوق ثلاث و بلفظ اكثر من ثلاث- و قال احمد التقييد بالثلاث او اكثر من (١) فى الأصل ثلاثة. الثلاث اتفاقي مع ان المفهوم غير معتبر عند ابى حنيفة فكيف يستدل به على اباحة السفر فيما دون ذلك و لو كان احترازيا لتعارض رواية ثلاث برواية فوق ثلاث و وجه قول احمد فى المنع فى ما دون الثلاث انه وقع فى الصحيحين حديث ابى هريرة بلفظ مسيرة يوم و ليلة و فى رواية لمسلم مسيرة يوم و فى لفظ له مسيرة ليلة و فى حديث ابى سعيد الخدري عند مسلم و غيره مسيرة يومين و عند الطحاوي مسيرة ليلتين و فى حديث ابى هريرة عند ابى داود و الطحاوي لا تسافر المرأة بريدا الا مع زوج او ذى رحم محرم و رواه ابن حبان فى صحيحه و الحاكم و قال صحيح على شرط مسلم- و للطبرانى فى معجمه ثلاثة أميال فظهران التقييد بيوم او يومين او ثلاثة ايام ليس الا تمثيلا لاقل الاعداد و اليوم الواحد أول العدد و اقله و البريد مرحلة واحدة غالبا و الاثنان أول الكثير و اقله و الثلاث أول الجمع و اقله و قد ورد من الأحاديث بلا تقييد منها حديث ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تسافر المرأة الا مع ذى محرم و لا يدخل عليها رجل الا و معها محرم فقال رجل يا رسول اللّه انى أريد ان اخرج فى جيش كذا و كذا و امراتى تريد الحج قال اخرج معها- متفق عليه- و فى الباب حديث ابى سعيد الخدري و ابى هريرة- و قال الشافعي جاز للمرءة ان تخرج للحج مع نساء ثقات و فى رواية مع امراة واحدة ثقة و إذا خرجت مع نساء ثقات يشترط ان يكون مع إحداهن ذو محرمها- و فى المنهاج انه لا يشترط ذلك و فى رواية عن الشافعي جاز لها الخروج من غير نساء و قال مالك لتخرج للحج جماعة من النساء ان كان الطريق أمنا و الحجة عليهما ما روينا- و المراد بالاستطاعة الاستطاعة على سفر معتاد بحيث لا يلحقه حرج و من ثم يشترط عند الجمهور ان يكون له زاد و راحلة فاضلا عما لا بد منه و عن الديون و عن نفقة عياله الى حين عوده فان المشغول بالحاجة الاصلية كالمعدوم و لذا لا يجب فيه الزكوة و من لا زاد له اولا راحلة له لا يستطيع السفر غالبا و الحرج مدفوع فى الشرع «١» و قال داود لا يشترط لوجوب الحج زاد و لا راحلة- و قال مالك ان كان هو ممن له عادة بالسؤال (١) و ان كان الا فاقى فقيرا و تبرع ولده بالزاد و الراحلة لا يثبت بها الاستطاعة خلافا للشافعى و ان كان المتبرع أجنبيا له فيه قولان و قيل فى الأجنبي لا يثبت الاستطاعة قولا واحدا و له فى الولد قولان- فتاوى قاضيخان- منه رحمه اللّه. او كان يمكنه ان يكتسب فى الطريق لا يشترط له الزاد و ان كان قادرا على المشي لا يشترط له الراحلة و قد قال اللّه تعالى وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ قلنا الواقع فى جواب الأمر يكون اخبارا عن الواقع و لا يكون دليلا على وجوب الحج بلا راحلة و القدرة على المشي امر خفى و قد يزول القدرة فى أثناء الطريق فلا بد من اشتراط زاد و راحلة من ابتداء السفر كيلا يفضى الى الهلاك- و احكام الشرع عامة الا ترى انه يجوز للسلطان قصر الصلاة و إفطار الصوم فى مسافة السفر مع عدم المشقة و لا يجوز لمن يشق عليه الصوم فى ادنى من مسافة السفر- و الحجة للجمهور حديث انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى قوله تعالى مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قيل يا رسول اللّه ما السبيل قال الزاد و الراحلة «١»- رواه الدارقطني و البيهقي و الحاكم و قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين- و رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة و قال صحيح على شرط مسلم و رواه سعيد بن منصور فى سننه من طرق اخر صحيحة عن الحسن مرسلا- و رواه الشافعي و الترمذي و ابن ماجة و الدارقطني من حديث ابن عمر قام رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه ما يوجب الحج قال الزاد و الراحلة قال الترمذي حسن لكن فيه ابراهيم بن يزيد الجوزي المكي قال احمد و النسائي متروك الحديث و رواه ابن ماجة و الدارقطني من حديث ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الزاد و الراحلة- يعنى فى تفسير هذه الاية و سنده ضعيف و رواه الدارقطني من حديث جابر بن عبد اللّه و من حديث على بن ابى طالب و ابن مسعود و عائشة و عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده و طرقها كلها ضعيفة- و من الحجة على وجوب التزود فى الحج قوله تعالى وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى - روى البخاري و غيره عن ابن عباس قال كان اهل اليمن يحجون (١) قال بعض العلماء ان كان الرجل تاجرا يعيش بالتجارة فملك مقدار ما لو رقع منه الزاد و الراحلة لذهابه و إيابه و نفقة أولاده و عياله من وقت خروجه الى وقت رجوعه و يبقى له بعد رجوعه رأس مال التجارة التي كان يتجربها كان عليه الحج و الا فلا- و ان كان صاحب ضيعة ان كان له من الضياع ما لو باع مقدار ما يكفى الزاد و الراحلة ذاهبا و جائيا و نفقة عياله و أولاده و يبقى له من الضيعة قدر ما يعيش بغلة الباقي يفترض عليه الحج و الا فلا- و ان كان حرّاثا أكارا فملك مالا يكفى الزاد و الراحلة ذاهبا و جائيا و نفقة أولاده و عياله من خروجه الى رجوعه و يبقى له آلات الحراثين من البقر و نحو ذلك كان عليه الحج و الا فلا- فتاوى قاضيخان منه رحمه اللّه-. فلا يتزودون و يقولون نحن متوكلون فاذا قدموا مكة سألوا الناس فانزل اللّه تعالى وَ تَزَوَّدُوا الاية- وَ مَنْ كَفَرَ يعنى أنكر وجوب الحج كذا قال ابن عباس و الحسن و عطاء- اخرج عبد بن حميد فى تفسيره عن نقيع قال قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذه الاية فقام رجل من هذيل فقال يا رسول اللّه فمن تركه فقد كفر قال من تركه لا يخاف عقوبته و لا يرجو ثوابه- نقيع تابعي فالحديث مرسل- و قال سعيد بن المسيب نزلت فى اليهود حيث قالوا الحج الى مكة غير واجب و اخرج سعيد بن منصور و ابن جرير عن الضحاك مرسلا انه لما نزل صدر الاية جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ارباب الملل فخطبهم و قال ان اللّه كتب عليكم الحج فحجوا فامنت به ملة واحدة يعنى المسلمين و كفرت به خمس ملل يعنى المشركين و اليهود و النصارى و الصابئين و المجوس فنزل وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ- و اخرج سعيد بن منصور عن عكرمة قال لما نزلت وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً الاية قالت اليهود فنحن مسلمون فقال لهم النبي صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه فرض على المسلمين حج البيت فقالوا لم يكتب علينا و أبوا ان يحجوا فانزل اللّه وَ مَنْ كَفَرَ الاية- و الظاهر انه وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه و تغليظا على تاركه و معنى كفر انه لم يشكر المنعم على صحة جسمه و سعة رزقه و هذان التأويلان جاريان فى حديث ابى امامة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من لم تحبسه حاجة ظاهرة او مرض حابس او سلطان جائر و لم يحج فليمت ان شاء يهوديا و ان شاء نصرانيا رواه البغوي و الدارمي فى مسنده و أورده ابن الجوزي فى الموضوعات و تعقبه الحفاظ و حديث على عليه السلام من ملك زادا و راحلة يبلغه الى بيت اللّه و لم يحج فلا عليه ان يموت يهوديا او نصرانيا رواه الترمذي و ضعفه فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧) أكد اللّه سبحانه امر الحج فى هذه الاية بوجوه ١ بالدلالة على وجوبه بصيغة الخبر- ٢ و ابرازه فى صورة الاسمية- و ٣ إيراده على وجه يفيد انه حق واجب للّه فى رقاب الناس- ٤ و تعميم الحكم اولا و تخصيصه ثانيا فانه كايضاح بعد إبهام و تكرير للمراد- ٥ و تسمية ترك الحج كفرا من حيث انه فعل الكفرة- ٦ و ذكر الاستغناء فانه فى هذا الموضع يدل على المقت و الخذلان- ٧ و وضع المظهر بلفظ عام شامل لمرجع الضمير موضعه لما فيه من مبالغة التعميم و الدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان و الاشعار بعظم السخط و اللّه اعلم- و اضافة الحج الى البيت يقتضى ان سبب وجوب الحج هو البيت و لذا لا يتكرر الحج فى العمر لعدم تكرر البيت- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحج مرة فمن زاد فتطوع- رواه احمد و النسائي- و البيت عبارة عن لطيفة ربانية فى بعد موهوم مهبط لتجليات ذاتية مختصة به و ليس اسما لسقف او جدارا و حجر او تراب الا ترى انه لو نقل الحجارة و التراب الى موضع اخر و ترك ذلك المكان خاليا او بنى بناء اخر لا يجوز السجود الى موضع اخر بل الى تلك العرضة الشرقاء فصورة الكعبة مع كونها من عالم الخلق امر مبطن لا يدركه حس و لا خيال بل هو مع كونه من المحسوسات ليس بمحسوس و كونه فى جهة ليس له جهة متمثل و لا مثل له هذا شأن صورت الكعبة فما ادراك ما حقيقتها سبحان من جعل الممكن مراءة للوجوب- و جعل العدم مظهرا للوجوب و الوجود- و فوق حقيقة الكعبة حقيقة القران و فوق ذلك حقيقة الصلاة و هناك ينتهى سير السالك بتوسط النبي صلى اللّه عليه و سلم و تحصل فى تلك المقامات الفناء و البقاء و فوق ذلك مقام المعبودية الصرفة لا مجال للسير هناك الا بالنظر قف يا محمد فان اللّه يصلى كناية عن ذلك المقام و اللّه هو العلام. |
﴿ ٩٧ ﴾