١٨٢ ذلِكَ العذاب بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ من القتل و غير ذلك من المعاصي و عبر بالأيدي عن الأنفس لان اكثر الأعمال المحسوسة بهن و افعال القلوب و اللسان يلزمها و يظهرها اعمال الجوارح وَ أَنَّ اللّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٧) عطف على ما قدمت و وجه سببية نفى الظلم من اللّه تعالى لتعذيب الكفار ان نفى الظلم يستلزم العدل المقتضى اثابة المحسن و معاقبة المسي ء فان قيل نفى الظلم لازم لذاته تعالى لان الظلم من القبائح التي يجب تنزيه اللّه تعالى عنه و إذا كان نفى الظلم مستلزما للعدل المستلزم لاثابة المحسن و معاقبة العاصي يلزم وجوب الاثابة و المعاقبة و ذلك مذهب المعتزلة خلافا لاهل السنة قلنا الظلم فى اللغة وضع الشي ء فى غير موضعه المختص به اما بنقصان او بزيادة و اما بعدول عن وقته او مكانه و ذلك غير متصور من اللّه تعالى لانه يستلزم التصرف فى غير ملكه بغير اذن المالك او على خلاف ما امره به و اللّه سبحانه لو عذب اهل السموات و الأرض بغير جرم منهم لا يكون ذلك ظلما لانه المالك على الإطلاق يتصرف فى ملكه كيف يشاء فالظلم المنفي فى هذا المقام ليس بمعناه الحقيقي بل أريد هاهنا فعله تعالى بعبده ما يعد ظلما لو جرى فيما بينهم و ان لم يكن ذلك ظلما لو صدر منه تعالى و نفى الظلم بهذا المعنى ليس بواجب عليه سبحانه بل هو مبنى على الفضل و جاز ان يقال معنى الاية ان عدم انتقام الأنبياء من الذين قتلوهم و ظلموهم و كذبوهم فى صورة الظلم على الأنبياء و ذلك و ان لم يجب على اللّه تعالى فى ذاته لكن مقتضى فضله على الأنبياء الانتقام من أعدائهم و تعذيبهم فالمراد بالعبيد هاهنا الأنبياء و فيه منقبة لهم بكمال انقيادهم و عبوديتهم طوعا مثل انقياد جميع الأشياء له تعالى يسرا و كرها- و هاهنا توجيه اخر و هو ان يقال ان فيه اشارة الى ان الكفار استحقوا العذاب بحيث لو لم يعذبهم اللّه تعالى لكان ظلما عليهم و منعا لحقهم فهذه الجملة كانها تأكيد لوقوع العذاب عليهم- قال الكلبي ان كعب بن الأشرف و مالك بن الضيف و وهب بن يهود او زيد بن التابوت و فخاص بن عازورا و حيى بن اخطب أتوا النبي صلى اللّه عليه و سلم و قالوا يا محمد تزعم ان اللّه بعثك رسولا إلينا و انزل عليك كتابا و انّ اللّه عهد إلينا فى التورية الّا نؤمن لرسول يزعم انه من عند اللّه حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار فان جئتنا به صدقناك فانزل اللّه تعالى. |
﴿ ١٨٢ ﴾