١٨٦ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ بالأمور التكليفية من الزكوة و الصدقات و الصوم و الصلاة و الحج و الجهاد و بالمصائب من الجوائح و العاهات و الخسران و الأمراض و موت الأحباب وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً من هجاء الرسول صلى اللّه عليه و سلم و الطعن فى الدين و إغراء الكفرة على المسلمين أخبرهم بذلك قبل وقوعها لتؤطنوا أنفسهم على الصبر و الاحتمال و تستعدوا للقائها- رومى ابن المنذر و ابن ابى حاتم فى مسنده بسند حسن عن ابن عباس انها نزلت فيما كان بين ابى بكر و فخاص من قوله إِنَّ اللّه فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ كذا قال عكرمة و مقاتل و الكلبي و ابن جريح ان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعث أبا بكر الى فخاص بن عازورا سيد بنى قينقاع ليستمده و كتب اليه كتابا و قال لابى بكر لا تفتاتن علىّ بشى ء حتى ترجع فجاء ابو بكر و هو متوشح بالسيف فاعطاه الكتاب فلما قرا قال قد احتاج ربك الى ان نمده فهم ابو بكر ان يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلى اللّه عليه و سلم لا تفتاتن علىّ بشى ء حتى ترجع فكف و نزلت هذه الاية- و ذكر عبد الرزاق عن الزهري عن عبد اللّه بن كعب بن مالك انها نزلت فى كعب بن الأشرف فانه كان يهجو النبي صلى اللّه عليه و سلم و يسب المسلمين و يحرض المشركين على النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فى شعره و يشبب بنساء المسلمين- قلت و ذلك بعد وقعة بدر لما راى دولة الإسلام و قتل صناديد قريش و ذهب الى مكة ينتدب المشركين لقتال النبي صلى اللّه عليه و سلم و قالت قريش ا ديننا اهدى أم دين محمد قال بل دينكم و هجاه حسان بإذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و فى الصحيح فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم من لى بابن الأشرف فانه قد أذى اللّه و رسوله شعره و قوى المشركين علينا فقال محمد بن مسلمة الأنصاري رضى اللّه عنه انا لك يا رسول اللّه هو خالى انا اقتله قال أنت افعل ان قدرت على ذلك فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل و لا يشرب الا ما تعلق نفسه فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم تركت الطعام و الشراب قال يا رسول اللّه قلت قولا و لا أدرى هل أفي به أم لا فقال انما عليك الجهد و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شاور سعد بن معاذ فقال توجه اليه و أشك له الحاجة و سله ان يسلفك طعاما فاجتمع محمد بن مسلمة و عباد بن بشر و ابو نائلة سلكان بن سلامة و كان أخا كعب من الرضاعة و الحارث بن عبس و الحارث بن أوس بن معاذ بعثه عمه سعد بن معاذ و ابو عبس بن حبر فقالوا يا رسول اللّه نحن نقتله فائذن لنا فلنقل بيننا فانه لا بدلنا ان نقول فيك قال قولوا ما بدا لكم و أنتم فى حل من ذلك فقدّموا بانائلة فجاءه فتحدث معه و تناشدوا الشعر و كان ابو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الأشرف انى قد جئتك لحاجة أريد ذكرها فاكتم علىّ قال افعل قال كان قدوم هذا الرجل بلادنا بلاء عادتنا العرب و رمونا عن قوس واحدة و انقطعت عنا السبل حتى ضاعت العيال و جهدت الأنفس فقال كعب لقد كنت أخبرتك ان الأمر سيصير الى هذا فقال ابو نائلة ان معى أصحابا أردنا ان تبيعنا طعامك و نرهنك و نوثق لك و تحسن فى ذلك قال ترهنونى ابناءكم قالوا انا نستحيى ان نعير أبناءنا فيقال هذا رهينة و سق و هذا رهينة و سقين قال ترهنونى نساءكم قالوا كيف نرهنك نساءنا و أنت أجمل العرب و لا نأمنك و اية امرأة تمتنع منك لجمالك و لكنا نرهنك الحلقة يعنى السلاح و قد علمت حاجتنا الى السلاح قال نعم ان فى السلاح لوفاء و أراد ابو نائلة ان لا ينكر السلاح إذا راه فواعده ان يأتيه فرجع ابو نائلة الى أصحابه فاخبرهم فاجمعوا أمرهم على ان يأتوه إذا امسى لميعاده- ثم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عشاء فاخبروه روى ابن إسحاق و احمد بسند صحيح عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مشى معهم الى بقيع الغرقد ثم وجههم ثم قال انطلقوا على اسم اللّه اللّهم أعنهم ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى بيته فى ليلة مقمرة مثل النهار ليلة اربع عشرة من شهر ربيع الاول- فمضوا حتى انتهوا الى حصن ابن الأشرف ليلا و قال ابو نائلة لاصحابه انى فاتل شعره فاذا رايتمونى استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه فهتف به ابو نائلة و كان ابن الأشرف حديث عهد بعرس فوثب فى ملحفه فاخذت امرأته بناحيتها و قالت انك امرؤ محارب و ان اصحاب الحرب لا ينزلون فى هذه الساعة و انى اسمع صوتا يقطر منه الدم فكلّمهم من فوق الحصن فقال انه ميعاد علىّ و انما هو ابن أختي محمد بن مسلمة و رضيعى ابو نائلة لو وجدوني نائما ما أيقظوني و ان الكريم إذا دعى الى طعنة بليل أجاب- فنزل إليهم متوشحا بملحفة يفوح منها ريح الطيب فتحدث معهم ساعة ثم قالوا يا ابن الأشرف هل لك فى ان نتماشا الى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه قال ان شئتم فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة فقال ابو نائلة نجد منك ريح الطيب قال تحتى فلانة من أعطر نساء العرب- قال فتأذن لى ان أهم قال نعم فادخل ابو نائلة يده فى رأس كعب ثم شم يده فقال ما رايت كالليلة طيبا أعطر قط و كان كعب يدهن بالمسك الغتيت بالماء و العنبر حتى يتلبد فى صدغيه و كان جعدا جميلا- ثم مشى ابو نائلة ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمان اليه و سلسلت يده فى شعره- ثم عاد فاخذ بقرون رأسه حتى استمكن و قال لاصحابه اضربوا عدو اللّه فاختلف أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا «١» فى سيفى فاخذته و قد صاح عدو اللّه صيحة لم يبق حولنا حصن الا أوقدت عليه نار قال فوضعته فى تندؤته ثم تحاصلت عليه حتى بلغت عانته و وقع عدو اللّه- و عند ابن سعد فطعن ابو عيس فى (١) المغول بالكسر شبه سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطيه و قيل هو حديدة دقيقة لها حد ماض وقفا- و قيل هو سوط فى جوفه سيف دقيق يشده العاتك على وسطه ليقال به الناس- نهايه منه رح. خاصرته فجزوا رأس كعب و قد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ بجرح فى رأسه أصابه بعض اسيافنا- فخرجنا نشتد نخاف من يهود الارصاد و قد ابطا علينا صاحبنا الحارث بن أوس لجرح فى رأسه و نزفه الدم فناداهم اقرءوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منى السلام فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما بلغوا بقيع الغرقد اخر الليل كبروا و قد قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلى- فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تكبيرهم بالبقيع كبر و عرف ان قد قتلوه- ثم أتوه يعدون حتى وجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم واقفا على باب المسجد- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم افلحت الوجوه- قالوا و وجهك يا رسول اللّه و رموا برأسه بين يديه فحمد اللّه تعالى على قتله- ثم أتوا بصاحبهم الحارث فتفل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على جرحه فلم يؤذه- فرجعوا الى منازلهم- فلما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على شغينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم و يبايعهم فقتله- و كان خويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم و كان أسن من محيصة- فلما قتله جعل خويصة يضربه و يقول اى عدو اللّه قتلته اما و اللّه لربّ شحم فى بطنك من ماله- قال محيصة و اللّه لو أمرني بقتلك من أمرني بقتله لضربت عنقك- قال لو أمرك محمد بقتلى لقتلتنى قال نعم قال و اللّه ان دينا بلغ بك هذا العجب فاسلم خويصة- فخافت اليهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم- و لم ينطقوا و خافوا ان يبيتوا كما بيّت ابن الأشرف- و عند ابن سعد فاصبحت اليهود مذعورين فجاءوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا قتل سيدنا عيلة فذكرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صنيعه و ما كان يحض عليه و يحرض فى قتاله و يؤذيه ثم دعاهم ان يكتبوا بينهم و بينه صلحا فكان ذلك الكتاب مع على رضى اللّه عنه (مسئلة) احتج الشافعي بهذه القصة على جواز قتل من سبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الكفار او انتفصه او أذاه سواء كان بعهد او بغير عهد- و قال ابو حنيفة لا يقتل المعاهد بسبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لان سبّه كفر و الكفر لا ينافى العهد و عند ابى حنيفة انما قتل ابن الأشرف لانه نقض العهد و ذهب الى مكة لتحريض المشركين على قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان عاهده ان لا يعين عليه أحدا و قد اعانهم (مسئلة) لا يجوز ان يقال ان هذا كان غدرا من محمد بن مسلمة و ابو نائلة رضى اللّه عنهما و قد قال ذلك رجل فى مجلس امير المؤمنين على رضى اللّه عنه فضرب عنقه و انما يكون الغدر بعد أمان و لم يؤمنه محمد بن مسلمة و لا رفقته رضى اللّه عنهم بحال و انما كلمه فى امر البيع و الرهن الى ان تمكن منه (فائدة) وقع فى الصحيح ان الذي خاطب كعبا محمد بن مسلمة و اكثر اهل المغازي على انه ابو نائلة و يمكن الجمع بينهما بان يكون كل منهما كلمه فى ذلك وَ إِنْ تَصْبِرُوا على ما ابتليتم به وَ تَتَّقُوا مخالفة امر اللّه تعالى فَإِنَّ ذلِكَ الصبر و التقوى مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦) مصدر بمعنى المفعول اى من معزومات الأمور التي يجب عليها العزم او مما عزم اللّه عليه اى امر به و بالغ فيه و العزم فى الأصل ثبات الرأى على الشي ء نحو إمضائه و قال عطاء يعنى من حقيقة الايمان- قلت و المراد بالصبر عدم الجزع و الانقياد عند ابتلاء اللّه العبد و ترك الاعتراض عليه و ذا لا ينافى الانتقام من الكفار إذا آذوا المسلمين كما دل عليه قصة ابن الأشرف لعنه اللّه و اللّه اعلم-. |
﴿ ١٨٦ ﴾