٤٠

إِنَّ اللّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ المثقال مفعال من الثقل و الذرة هى النملة الصغيرة الحمراء و قيل الذرة اجزاء الهباء المرئية فى الكوة و لا يكون لها ثقل و المعنى ان اللّه لا يظلم شيئا و فيه اشارة الى ان ما اعدّ اللّه تعالى للكافرين من العذاب المهين عدل ليس بظلم بل ترك تعذيبهم بعد اتلافهم حقوق اللّه تعالى من التوحيد و العبادة و حقوق الوالدين و الأقربين و غيرهم كانّه ظلم بالنسبة الى من ما منعوا عن الحقوق و يمكن ان يقال انهم استحقوا العذاب بحيث لو منعوا عن التعذيب كانوا كانهم ظلموا و الظلم عبارة عن وضع الشي ء فى غير محلّه و فعل شى ء لا يجوز فعله و ذلك غير متصور من اللّه تعالى فانه تعالى خالق الأشياء مالك الملك لو عذب العالمين من غير ذنب لا يكون ظلما لكن المراد هاهنا انه لا يفعل فعلا لو صدر ذلك الفعل من غيره عد ظلما يعنى انه تعالى لا ينقص من أجور الطاعات و لا يزيد فى عقاب المعاصي روى البغوي بسنده عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه لا يظلم المؤمن حسنة ثياب عليها الرزق فى الدنيا و يجزى بها فى الاخرة و امّا الكافر فيطعم فى الدنيا حتى إذا افضى الى الاخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا رواه احمد و مسلم و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا خلص المؤمنون من النار و أمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه فى الحق يكون له فى الدنيا باشدّ مجادلة من المؤمنين بربهم فى إخوانهم الذين ادخلوا النار قال يقولون ربّنا إخواننا كانوا يصلون معنا و يصومون معنا و يحجّون معنا قال فيقول اذهبوا فاخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار الى انصاف ساقيه و منهم من أخذته الى كعبيه فيخرجونهم فيقولون ربنا قد أخرجنا من امرتنا قال ثم يقول اخرجوا من كان فى قلبه وزن دينار من الايمان ثم من كان فى قلبه وزن نصف دينار حتى يقول من كان فى قلبه مثقال ذرّة قال ابو سعيد فمن لم يصدق هذا فليقرا هذه الاية إِنَّ اللّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً قال فيقولون ربنا قد أخرجنا من امرتنا فلم يبق فى النار أحد فيه خير ثم يقول اللّه عز و جلّ شفعت الملائكة و شفعت الأنبياء و شفع المؤمنون و بقي ارحم الراحمين قال فيقبض قبضة من النّار او قال قبضتين ناسا لم يعملوا للّه خيرا قطّ قد احترقوا حتى صاروا حمما فيؤتى بهم الى ماء يقال له ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما ينبت الحبّة فى حميل السيل قال فيخرج أجسادهم مثل اللؤلؤ فى أعناقهم الخاتم عتقاء اللّه فيقال لهم ادخلوا الجنّة فما تمنيتم او رأيتم شيئا فهو لكم، قال فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العلمين قال فيقول فانّ عندى لكم أفضل منه فيقولون ربنا و ما أفضل من ذلك فيقول رضائى عنكم فلا أسخط عليكم ابدا رواه البغوي بسنده و فى الصحيحين نحوه فى حديث طويل و ليس فيهما قول ابى سعيد فمن لم يصدق هذا فليقرا هذه الاية و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه سيخلص رجلا من أمتي على رؤس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة و تسعون سجلا كل سجل مدّ البصر ثم يقول اللّه أ تنكر هذا شيئا أظلمك كتبتى الحافظون فيقول لا يا ربّ فيقول افلك عذر او حسنة فبهت الرجل قال لا يا ربّ فيقول بلى ان لك عندنا حسنة و انه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها اشهد ان لا اله الا اللّه و ان محمدا عبده و رسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال انك لا تظلم قال فيوضع السجلات فى كفة و البطاقة فى كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة قال فلا يثقل مع اسم اللّه شى ء رواه ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و صححه و قال قوم معنى هذه الاية إِنَّ اللّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ للخصم على الخصم بل يأخذ له منه و لا يظلم مثقال ذرّة يبقى له بل يثيبه عليها و يضعفها له كما قال وَ إِنْ تَكُ حذف النون من غير قياس تشبيها بنون الرفع و لم يعد الواو التي حذفت لالتقاء الساكنين بعد حذف النون و هذا خلاف قياس اخر و كانهم لم يعيدوها تحرزا عن صورة ابقاء حرف العلة فى اخر الكلمة مع الجازم حَسَنَةً واحدة قرا اهل الحجاز بالرفع على ان تكون تامة و حسنة فاعلها و الباقون بالمنصب على انها ناقصة و ضمير الاسم راجع الى مثقال ذرّة و انث الضمير لتانيث الخبر او لاضافة المثقال الى مؤنث يعنى ان يك مثقال ذرّة حسنة يُضاعِفْها اى يجعلها أضعافا كثيرة عن ابى هريرة قال و اللّه لقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول انّ اللّه ليضاعف الحسنة الفى الف حسنة رواه ابن جرير و ابن ابى شيبة وَ يُؤْتِ صاحبه مِنْ لَدُنْهُ تفضّلا زائدا على ما وعد فى مقابلة العمل أَجْراً عَظِيماً (٤٠)

قال البغوي قال ابو هريرة إذا قال اللّه اجرا عظيما فمن يقدر قدره عن ابن مسعود قال إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين و الآخرين ثم نادى مناد الا من كان يطلب مظلمة فليجى ء الى حقّه فليأخذ فيفرح المرء ان يكون له الحق على والده او ولده او زوجته او أخيه فيأخذ منه و ان كان صغيرا و مصداق ذلك فى كتاب اللّه عز و جلّ فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ الاية و يؤتى بالعبد و ينادى مناد على رءوس الأولين و الآخرين هذا فلان فمن كان له عليه حق فليأت الى حقّه ثم يقال له ات هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب من اين و قد ذهبت الدنيا فيقول اللّه عزّ و جلّ لملائكته انظروا فى اعماله و أعطوهم منها فان بقي مثقال ذرّة حسنة قالت الملائكة يا ربنا بقي له مثقال ذرّة حسنة فيقول اللّه ضعّفوه لعبدى و أدخلوه بفضل رحمتى الجنة و مصداق ذلك فى كتاب اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اللّه لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها و ان كان عبدا شقيا قالت الملائكة الهنا فنيت حسناته و بقي طالبون فيقول اللّه عزّ و جلّ خذوا من سيئاتهم فاضيفوها الى سيئاته ثم صكّوا له صكا الى النار رواه البغوي و كذا روى ابن المبارك و ابو نعيم و ابن ابى حاتم-.

﴿ ٤٠