٤٩

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ الاستفهام للتعجيب من حال من يزكى نفسه لان غرضه من تزكية نفسه اعتلاؤه بين الناس و لا يحصل ذلك بتزكيته نفسه بل يوجب ذلك دناءة فى أعين الناس و انما يحصل الاعتلاء و الزكاء بتزكية اللّه تعالى و جعله عاليا ناميا فيما بين عباده ذكر البغوي و الثعلبي عن الكلبي انها نزلت فى رجال من اليهود منهم بحرى بن عمرو و النعمان بن اوفى و مرحب بن زيد أتوا بأطفالهم الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا محمد هل على هؤلاء ذنب فقال لا قالوا ما نحن الا كهيئتهم ما عملنا بالنهار يكفّر عنا بالليل و ما عملنا بالليل يكفر عنا بالنهار فانزل اللّه تعالى هذه الاية و قال الحسن و الضحّاك و قتادة نزلت فى اليهود و النصارى حين قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللّه وَ أَحِبَّاؤُهُ و قالوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ، قلت و ان كان سبب نزول الاية خاصّا لكن الحكم عام و قال ابن مسعود هو تزكية بعضهم لبعض، روى عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال انّ الرجل ليغدوا من بيته و معه دينه فيأتى الرجل لا يملك له و لا لنفسه ضرّا و لا نفعا فيقول و اللّه أنت لذيت و ذيت فيرجع الى بيته و ما معه من دينه شى ء ثم قرا ا لم تر الى الّذين يزكّون أنفسهم

(مسئلة) لا يجوز لاحد ان يزكى نفسه و يثنى عليها و ينسبها الى الطهارة من الذنوب، و ايضا لا يجوز ان يحكم لغيره بالطهارة الأعلى سبيل حسن الظن المأمور به فان الحكم بغير العلم لا يجوز قال اللّه تعالى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ و تزكية نفسه يفضى الى العجب و الكبر المنهيين ايضا و فى نفس الأمر ما لكل أحد عند اللّه تعالى من القرب و الثواب لا يعلمه الّا اللّه تعالى و لذلك قال بَلِ اللّه يُزَكِّي اى يحكم بالطهارة او يطهر من الذنوب بالمغفرة و يصلح مَنْ يَشاءُ فانه القادر على التطهير و بما ينطوى عليه الإنسان هو العليم الخبير و فيه اشعار بأنه يجوز تزكية نفسه او غيره باعلام من اللّه تعالى بتوسط الوحى او الإلهام بشرط ان لا يكون ذلك على وجه البطر و التكبر فانها من رذائل النفس و هذا هو محمل ما ورد فى الأحاديث قوله صلى اللّه عليه و سلم انا سيد ولد آدم و لا فخر و قد مر فى البقرة و قوله صلى اللّه عليه و سلم و اللّه انى لامين فى السّماء أمين فى الأرض لمّا عرّض المنافقون بانه جارّ فى القسمة و قوله صلى اللّه عليه و سلم و اللّه لا تجدون بعدي اعدل عليكم منى رواه الطبراني و الحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة و احمد عن ابى سعيد و قوله صلى اللّه عليه و سلم ابو بكر و عمر سيّدا كهول اهل الجنة و الحسن و الحسين سيّدا شباب اهل الجنة و فاطمة سيدة نساء اهل الجنة و كذا ما ورد فى كلام الأولياء بناء على الهام من اللّه تعالى كقول غوث الثقلين قدمى هذه على رقبة كل ولى اللّه وَ لا يُظْلَمُونَ الضمير راجع الى من يشاء اللّه تزكيته فانهم يثابون على زكائهم و لا ينقص من ثوابهم او الى الناس أجمعين المفهوم فى ضمن ما سبق يعنى ان اللّه لا يظلم الناس فى التزكية فتيلا بل لا يزكى الا من يستأهله و لا يترك الا من لا يستأهله او الى الذين يزكون أنفسهم فانهم يعاقبون على قدر جريمتهم و لا يظلمون فَتِيلًا (٤٩) فى الصّحاح هو ما تقتله بين أصابعك من خيط او وسخ و يضرب بها المثل فى الشي ء الحقير و قيل هو الخيط الذي فى شق النواة منصوب على المصدر اى لا يظلمون ظلما فتيلا اى ادنى ظلم بقدر الفتيل.

﴿ ٤٩