٥١

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ اخرج الطبراني و البيهقي فى الدلائل عن ابن عباس نحوه و اختلفوا فى تفسير الجبت و الطّاغوت فقال عكرمة هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون اللّه و يؤيّده ما روينا من القصّة و روى عنه ان الجبت بلسان الحبشة الشيطان قلت لعل ذلك الصنم سمى باسمه و قال ابو عبيدهما كل معبود يعبد من دون اللّه لكن العطف يقتضى المغايرة و التحقيق ان الجبت أصله الجبس و هو الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاء و الطّاغوت فعلوت من الطغيان و التجاوز عن الحد فى الكفر و العصيان أصله طغووت قلبت اللام بالعين ثم قلبت الواو الفا لتحركها و انفتاح ما قبلها فصار طاغوت كذا فى الصحاح و القاموس فعلى هذا جاز اطلاق الجبت على كل ما لا خير فيه و الطاغوت على كل ما تجاوز الحد فى العصيان و لذا سمى بالجبت حيى بن اخطب و بالطاغوت كعب ابن الأشرف كذا قال الضحاك و قال عمرو الشعبي و مجاهد الجبت السحر و الطاغوت الشيطان و قال محمد بن سيرين الجبت الكاهن و الطاغوت الساحر و قال سعيد بن جبير و ابو العالية بعكس ذلك و روى البغوي بسنده عن قبيصة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال العيافة «١» و الطرق «٢» و الطيرة «٣» من الجبت يعنى لا خير فى شى ء منها قلت فالظاهر ان المراد بالجبت هاهنا الأوثان إذ لا خير فيها أصلا و بالطاغوت شياطين الأوثان و كان لكل صنم شيطان يعبر عنه فيغتر به الناس روى البيهقي عن ابى الطفيل رضى اللّه عنه انه بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد لهدم العزى يوم فتح مكة قال ابو الطفيل فقطع خالد السمرات ثم رجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فقال هل رايت شيئا قال لا قال فاتك لم تهدمها فرجع خالد فلما رات السدنة خالدا انبعثوا فى الجبل و هم يقولون يا عزى خبلتيه «٤» يا عرى عورته و الا فموتى برغم فخرجت اليه امراة سوداء عريانة ناشزة الرأس تحثوا لتراب على رأسها و وجهها فجرّد خالد سيفه و هو يقول يا عزى كفرانك لا سبحانك انى رأيت اللّه قد هانك، فضربها بالسيف فجزلها باثنتين ثم رجع الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فقال نعم تلك العزى قد يئست ان تعبد ببلادكم ابدا- كذا فى سبيل الرشاد و اللّه اعلم اخرج احمد و ابن ابى حاتم عن ابن عبّاس قال لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش ا لا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه يزعم انه خير منا و نحن اهل الحجيج و اهل السدانة و اهل السقاية قال أنتم خير منه فنزلت فيهم إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و نزلت هذه الاية وَ يَقُولُونَ يعنى كعب الأشرف و أصحابه لِلَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة ابى «٥» سفيان و غيره هؤُلاءِ يعنى

(١) العيافة زجر الطير و التفاؤل بأسمائها و أصواتها و ممرها يقال عاف يعيف عيفا إذا زجر و حدس وطن نهاية منه رح.

(٢) الطرق الضرب بالحصى الذي تفعله النساء نهاية منه رح.

(٣) الطيرة التشاوم بالشي ء و أصله فيما يقال التطير بالسوانح و البوارح من الطير و الظباء و غيرهما نهاية حزرى منه رحمه اللّه تعالى.

(٤) الخبل الجنون و الفساد أصله من النقصان ثم صار الهلاك خبالا نهاية منه رحمه اللّه.

(٥) فى الأصل ابو سفيان-.

كفّار مكة أَهْدى أقوم و ارشد مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى اللّه عليه و سلم سَبِيلًا (٥١) دينا و طريقا

و اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش و غطفان و بنى قريظة حيى بن اخطب و سلام بن ابى الحقيق و ابو رافع و الربيع بن ابى الحقيق و ابو عمارة و هودة بن قيس و كان سائرهم من بنى النضير فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار اليهود و اهل العلم بالكتب الاولى فسئلوهم أ ديننا خير أم دين محمد فقالوا دينكم خير من دينه و أنتم اهدى منه و ممن تبعه فانزل اللّه تعالى هذه الاية الى قوله ملكا عظيما، و ذكر البغوي انه لمّا سال ابو سفيان كعبا عن ذلك قال كعب اعرضوا على دينكم فقال ابو سفيان نحن ننحر للحجيج الكوماء و نسقيهم الماء و نقر الضيف و نفك العاني و نصل الرحم و نعمّر بيت ربّنا و نطوف به و نحن اهل الحرم و محمد فارق دين ابائه و قطع الرحم و فارق الحرم و ديننا القديم و دين محمد الحديث فقال كعب و اللّه أنتم اهدى سبيلا مما عليه محمد.

﴿ ٥١