سُورَةُ الْمَائِدَةِ مَدَنِيَّةٌوَهِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ آيَةً«١» مدنيّة و هى مائة و عشرون اية و ستّ عشر ركوعا بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) عن عائشة رض قالت المائدة اخر القرآن نزولا فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه و ما وجدتم من حرام فحرموه رواه احمد و النسائي و غيرهما و عن عبد اللّه بن عمر قال اخر سورة المائدة و الفتح رواه احمد و الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه و اخرج ابو عبد عن محمد بن كعب القرظي قال نزلت سورة المائدة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى حجة الوداع فيما بين مكة و المدينة و هو على ناقته تصدعت كتفها فنزل عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كذا اخرج ابن جرير عن الربيع ابن انس و عطية بن قيس قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المائدة من اخر القران تنزيلا فاحلوا حلالها و حرموا حرامها و اخرج ابو داود و النحاس عن ابى ميسرة عن عمرو بن شرحبيل و اخرج ابو داود فى ناسخه و ابن المنذر عن الحسن انه لم ينسخ من المائدة شى ء و اخرج عبد بن حميد و ابو داود فى ناسخه عن الشعبي قال لم ينسخ من المائدة الا هذه الآية يا ايها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر اللّه و لا الشهر الحرام و لا الهدى و لا القلائد- بقية بر ص ١٤. _________________________________ ١ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ العقد العهد الموثق و أصله الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال قال الزجاج هو أوكد العهود و الوقاع و الإيفاء القيام بمقتضى العهد و فى الإيفاء مبالغة ليس فى الوفاء كذا قال التفتازانيّ و الحكم عام يشتمل العقود التي عقدها اللّه تعالى على عباده عامة من يوم الميثاق الى يومنا هذا من التكاليف و تحليل حلاله و تحريم حرامه و ما أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتب فى الايمان بمحمد صلى اللّه عليه و سلم و بيان نعته و ما يعقد الناس بينهم من عقود الأمانات و المعاملات و نحوها و اخرج ابو داود فى ناسخه و الحاكم و صححه عن ابن عباس قال نسخ من هذه السورة آيتان اية القلائد و قوله تعالى فان جاؤك فاحكم بينهم او اعرض عنهم اخرج البيهقي فى شعب الايمان عن مقاتل بن حبان قال بلغنا فى قوله تعالى يا ايها الذين أمنوا أوفوا بالعقود يعنى العهد الذي كان عهدهم فى القرآن فيما أمرهم من طاعته ان يعملوا بها و نهيه الذي نهاهم عنه بالعهد الذي بينهم و بين المشركين و فيما يكون من العهود بين الناس ١٢ منه و بهذه الآية استدلت الحنفية على ان البيع إذا تم بالإيجاب و القبول ليس لاحد من المتعاقدين حق الفسخ إلا بخيار شرط او روية او عيب و به قال مالك و قال الشافعي رحمه اللّه تعالى المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا او يكون البيع خيارا لما روى البخاري هذا اللفظ بعينه من حديث ابن عمر رضى اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و كذا من حديث حكيم بن حزام و إذا ثبت خيار المجلس بالحديث الصحيح قالوا تمام العقد قبل التفرق و بطلان الخيار ممنوع كما ان عند اشتراط الخيار لا يتم العقد قبل انقضاء مدة الخيار و اللّه اعلم ١٢ منه مما يجب الوفاء به و قد ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من آيات المنافق إذا عاهد غدر متفق عليه من حديث عبد اللّه بن عمرو و لما كان مما عقد اللّه سبحانه تحليل حلاله و تحريم حرامه عقبه بقوله عز و جل أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ و البهيمة كل حى لا يميز و الانعام ذات القوائم الأربع و قيل البهيمة ذات اربع قوائم و الانعام الإبل و البقر و الغنم و الاضافة على التقديرين اضافة العام المطلق الى الخاص و هذه الاضافة عند النحويين بمعنى اللام و انما جعلوا الاضافة بمعنى من إذا كان المضاف اليه جنس المضاف و فسروا الجنس بما يكون بينه و بين المضاف عموم من وجه نحو خاتم فضة و كلام البيضاوي و الكشاف يشعران هذه الاضافة بمعنى من و اللّه اعلم و مقتضى هذين التأويلين انه تعالى أراد تحليل ما حرم اهل الجاهلية على أنفسهم من الانعام كالبحيرة و السائبة و قال الكلبي بهيمة الانعام و حشيتها كالظباء و بقر الوحش و نحوهما مما يماثل الانعام فى اجترار العلف من الكرش الى الفم و عدم الأنياب و الاضافة حينئذ الى الانعام لملابسة الشبه من قبيل سجين الماء قال البغوي و روى ابو ظبيان عن ابن عباس قال بهيمة الانعام الاجنة و مثله عن الشعبي فالآية على هذا التأويل يدل على حل أكل الجنين إذا خرج ميتا بعد زكوة امه و قد تم خلقه و به قال الشافعي رح و احمد رح و ابو يوسف رح و محمد رح و شرط مالك الاشعار قال البغوي قال ابن عمر زكوة ما فى بطنها فى زكوتها إذا تم خلقه و نبت شعره و مثله عن سعيد بن المسيب و قال ابو حنيفة رح لا يحل أكل الجنين من غير ذبح مستقل أشعر او لم يشعر احتج الشافعي رح و من معه بحديث ابى سعيد الخدري قال قلنا يا رسول اللّه ننحر الناقة و نذبح البقرة و الشاة فنجد فى بطنها الجنين أ نلقيه أم ناكله فقال كلوه ان شئتم فان زكوته زكوة امه رواه احمد و ابو داود و عن جابر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال زكوة الجنين زكوة امه رواه ابو داود و الدارمي و روى الدار قطنى عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فى الجنين زكوته زكوة امه أشعر او لم يشعر قال الدار قطنى الصواب انه من قول ابن عمر و قال الشافعي رح و من معه ان الجنين جزء من الام حقيقة لانه متصل بها حتى يفصل بالمقراض و قد يتغذى بغذائها و يتنفس بنفسها فاذا كان جزأ منها فالجرح فى الام زكوة له عند العجز عن زكوته كالصيد و قال ابو حنيفة رح الجنين مستقل فى الحيوة يتصور حيوته بعد موتها و هو حيوان دموى و ما هو المقصود من الزكوة و هو الميز بين الدم و اللحم لا يحصل بجرح الام فيه إذ هو ليس بسبب لخروج الدم من الجنين أصلا بخلاف الجرح فى الصيد لانه سبب لخروج الدم ناقصا فيقام مقام الكامل عند التعذر و إذا لم يحصل الميز فالجنين ميتة و قد ثبت حرمة الميتة بدليل قطعى من الكتاب فلا يثبت حله بحديث الآحاد و تاويل بهيمة الانعام فى هذه الاية بالجنين غير ظاهر و لا يلائمه الاستثناء بقوله تعالى إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ المراد بالموصول الميتة و ما اهل لغير اللّه به و ما ذبح على النصب و المنخنقة و الموقوذة و النطيحة و ما أكل السبع و هذه الأشياء كانت داخلة فى بهيمة الانعام و التحريم لما عرض من الموت حتف انفه و نحو ذلك من العوارض فالاستثناء متصل و قيل المراد بهيمة الانعام المذكورة و الاستثناء منقطع و اسناد التلاوة الى الميتة و أخواتها مجازى او بتقدير المضاف اى يتلى عليكم اية تحريمه فالمجاز حينئذ فى الظرف و جازان يراد بالموصول الآية و يقدر المضاف على الموصول يعنى الّا محرم ما يتلى عليكم غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ الصيد يحتمل المصدر و المفعول و غير حال من الضمير فى لكم اى أحلت لكم بهيمة الانعام حال كونكم غير معتقدين حل الصيد فى حالة الإحرام و لما كان تقئيد إحلال الانعام بحال عدم اعتقاد حل الصيد غير ظاهر قال صاحب الكشاف غير محلى الصيد عبارة عن الامتناع عن الصيد كانه قال أحلت لكم بعض الانعام فى حال امتناعكم عن الصيد لئلا يضيق عليكم الأمر و يرد عليه ان حل الانعام غير مقيد بحالة الإحرام حالة الامتناع عن الصيد بل هى حلال فى جميع الأحوال فهذا التقييد انما يصح لو جعل بهيمة الانعام ما يعم الوحشي و الأهلي و هو التأويل الاوّل او يخص بالوحشى و هو التأويل الثالث فجعل حل الصيد مقيدا بحالة عدم الإحرام و التقدير أحلت لكم بهيمة الانعام كلها وحشيا كان او أهليا الا ما يتلى عليكم من الميتة و أخواتها حال كونكم غير معتقدين حل الصيد فى الإحرام يعنى ما أحلت لكم الصيد فى الإحرام حتى تعتقد و أحلها و جاز ان يكون فاعل غير محلى الصيد الشارع جلّ و على و الجمع للتعظيم كانه قال أحللنا لكم بهيمة الانعام حال كوننا غير محلى الصيد لكم وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ الحرم جمع حرام و الجملة حال من المستكن فى محلى الصيد ان كان المستكن ضمير المخاطبين و كذا ان كان المستكن فيه ضمير الشارع المتكلم و يكفى للجملة الحالية الواو و لا يجب الضمير او من الضمير المحذوف اعنى لكم على تقدير كون المستكن ضمير الشارع فقط إِنَّ اللّه يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (ط) فى التحليل و التحريم و غير ذلك لا اعتراض عليه اخرج ابن جرير عن عكرمة و عن السدى نحوه انه قدم الحكم بن هند البكري المدينة فى عير له يحمل طعاما فباعه ثم دخل على النّبى صلى اللّه عليه و سلم فبايعه و اسلم فلما ولى خارجا نظر اليه النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال لمن عنده لقد دخل علىّ بوجه فاجر و ولى بقضاء غادر فلما قدم اليمامة ارتد عن الإسلام و خرج فى عير له يحمل الطعام فى ذى القعدة يريد مكة فلما سمع به اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم تهيأ للخروج اليه نفر من المهاجرين و الأنصار ليقطعوه فى عيره فانزل اللّه تعالى. |
﴿ ١ ﴾