|
٥ الْيَوْمَ يعنى الان عند كمال الدين الى يوم القيامة إذ لا نسخ بعد الإكمال أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ كرره للتأكيد و لفظ الطيبات ضد الخبائث مجمل التحق الأحاديث النبوية البينة للطيبات و الخبائث بيانا له ثم قيس على موارد النصوص أشباهها و الأصل فيه ان ما ورد النص بكونه حلالا ظهرانه طيب و ما ورد النص بكونه حراما ظهر كونه خبيثا و ما ورد الأمر بقتله و سماه خبيثا فاسقا فهو خبيث حرام كما روى عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال خمس لا جناح على من قتلهن فى الحرم و الإحرام الفارة و الغراب و الحداة و العقرب و الكلب العقور متفق عليه و عن عائشة عنه صلى اللّه عليه و سلم قال خمس فواسق يقتلن فى الحل و الحرم الحية و الغراب الأبقع و الفارة و الكلب العقور و الحدأة متفق عليه و عن ابى هريرة فى الحية ما سالمنا هم منذ حاربناهم و من ترك شيئا منهم خيفة فليس منا رواه ابو داود و عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثارهن فليس منى رواه ابو داود و النسائي و ما لم يرد النص فيه يقاس اما على الطيّبات بجامع استطابة الطبائع السليمة من العرب و اما على الخبائث بجامع استقذار الطبائع السليمة منهم و كانت الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعون يكرهون ما يأكل الجيف أخرجه ابن ابى شيبة من طريق ابراهيم النخعي و لذا قال جمهور العلماء لا يؤكل من الدواب و الطيور ما يأكل الجيف و النهى عن قتل حيوان لا يدل على حرمته و لا على كراهته ما لم يدل عليه دليل اخر عند الائمة الثلاثة و عند الشافعي رح يدل على تحريمه فلا يحرم الهدهد و الطاووس عند الثلاثة خلافا للشافعى رح- (مسئلة:) كل حيوان ذى ناب من السباع كالاسد و الذئب و النمر و الفهد و الكلب و الهرة و ذى مخلب من الطير كالصقر و الباز و الحدأة و نحوها فاكله حرام عند الائمة الثلاثة و قال مالك رح يكره و لا يحرم شى ء من ذلك لقوله تعالى قل لا أجد فيما اوحى الى محرما على طاعم يطعمه الآية و هذا هو الأصل لمالك فى جميع مسائل الباب قلنا هذه الآية تدل على عدم وجدان الحرمة حالة نزول هذه الاية لا بعد ذلك و سنذكر البحث عن الآية فى موضعها إنشاء اللّه تعالى و قد ظهر حرمة غير المذكورات فى الآية بعد ذلك بنصوص صحيحة تلقته الامة بالقبول منها حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل ذى ناب من السباع فاكله حرام رواه مسلم و عن ابن عباس قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن كل ذى ناب من السباع و ذى مخلب من الطير رواه مسلم قال ابن عبد البر مجمع على صحته و كذا روى عبد اللّه بن احمد فى زيادات المسند من حديث على و فى اسناده علة و روى احمد نحوه من حديث جابر و عن جابر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نهى عن أكل الهر و أكل ثمنها رواه ابو داود و الترمذي (مسئلة:) الضبع و الثعلب حرام عند ابى حنيفة رح مكروه عند مالك رح كسائر السباع و قال الشافعي رح و احمد رح يحلهما و فى رواية عن احمد رح لا يحل الثعلب قال صاحب الهداية هما من السباع و فى الكفاية ان لهما نابان يقاتلان بانيا بهما فلا يؤكلان كالذئب احتج الشافعي رح بحديث جابر انه سئل عن الضبع اصيد هى قال نعم قيل أ يؤكل قال نعم قيل أسمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال نعم رواه الشافعي رح و اصحاب السنن غير ابى داود و البيهقي و صححه البخاري و الترمذي و غيرهما و أعله ابن عبد البر بعبد الرحمن بن ابى عمارة و وثقه ابو ذرعة و النسائي و قال الشافعي رح و ما يباع لحم الضباع الّا بين الصفا و المروة و رواه ابو داود بلفظ سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الضبع فقال صيد و يجعل فيه كبش إذا صاده المحرم قلت كونه صيدا و جزائه بكبش فى الإحرام لا يقتضى حله فانه يجب على المحرم الجزاء بقتل صيد حرم لحمه و الصيد هو الحيوان المتوحش الممتنع بالطبع و حديث حل الضبع لا يقوى قوة حديث حرمة السباع و عند التعارض الترجيح للمحرم على المبيح احتياطا و لئلا يلزم تكرار النسخ كما بين فى الأصول و اماما رواه الترمذي من حديث خزيمة بن جرير او يأكل الضبع أحد فضعيف لا تفاقهم على ضعف عبد الكريم بن امية و الراوي عنه امية بن مسلم- (مسئلة:) يحرم حشرات الأرض مثل الفار و الوزغ و غيرها عند الائمة الثلاثة و قال مالك رح يكره و لا يحرم لما ذكرنا لنا حديث أم شريك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر بقتل الوزغ و قال كان ينفخ على ابراهيم متفق عليه و عن سعد رض بن ابى وقاص ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر بقتل الوزغ و سماه فويسقا رواه مسلم و عن ابى هريرة رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من قتل وزغا فى أول ضربة كتبت له مائة حسنة و فى الثانية دون ذلك و فى الثالثة دون ذلك رواه مسلم و سبق فى الحديث الأمر بقتل الفارة فى الحل و الحرم و تسميته فاسقة فيحرم الحشرات كلها استدلالا بالوزغ و الفارة و منها القنفذ و هو حلال عند مالك رح و الشافعي رح و قال ابو حنيفة رح بتحريمه لانه من الحشرات و لما روى ابو داود من حديث عيسى بن نميلة عن أبيه قال كنت عند ابن عمر فسئل عن القنفذ فقرأ هذه الآية قل لا أجد فيما اوحى الىّ الآية فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة رضى اللّه عنه يقول ذكر القنفذ عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر ان كان النبي صلى اللّه عليه و سلم قاله فهو كما قاله قال البيهقي فيه ضعف و لم يرو الا بهذا الاسناد- (مسئلة:) يحرم الضب و اليربوع عند ابى حنيفة رح و عند مالك رح و الشافعي رح هما حلالان و قال احمد الضبّ حلال و فى اليربوع عنه روايتان احتجوا على حل الضب بحديث ابن عمر رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الضب لست أكله و لا احرمه متفق عليه و عن ابن عباس رض ان خالد بن الوليد أخبره انه دخل مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ميمونة و هى خالته و خالة ابن عباس فوجد عندها ضبا محنوذا «١» فقدمت الضب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الضب فقال خالد ا حرام الضب يا رسول اللّه قال لا و لكن لم يكن بأرض قومى فاجدنى إعافة قال خالد فاجتررته فاكلته و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينظر الى متفق عليه قال ابو حنيفة رح الضب من الحشرات و هذا استدلال فى مقابلة النصّ الصحيح الصريح و ذكر فى الهداية ان النّبى صلى اللّه عليه و سلم نهى «٢» عائشة حين سألت عن أكل الضب و لا اعرف ذلك الحديث- (مسئلة:) يحلّ أكل الجراد ميتا على كل حال و قال مالك رح لا يؤكل منه ما مات على حتف انفه من غير سبب يضع به يعنى يكره احتج الجمهور بحديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحلت لنا ميتتان و الدمان فاما الميتتان فالجراد و الحوت (١) محنوذا بالحاء المهملة و النون و الذال المعجمة اى مشويا ١٢. (٢) حديث عائشة رضى اللّه عنها أورده صاحب المشكوة فى باب ما يحل أكله و ما لا يحل أكله من حديث عبد الرحمن بن شبل نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أكل لحوم الضب رواه ابو داود هكذا وجدت فى اصل النسخة فليحقق. و اما الدمان فالكبد و الطحال رواه الشافعي و احمد و ابن ماجة و الدارقطني و البيهقي من رواية عبد الرحمن بن زيد بن اسلم عن أبيه عنه و عبد الرحمن بن زيد ضعيف متروك و رواه الدارقطني عن زيد بن اسلم موقوفا على ابن عمر فقال و هو أصح و كذا صحح الموقوف ابو ذرعة و ابو حاتم و أخرجه الخطيب من رواية مسور بن الصلت عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابى سعيد الخدري و المسور قد كذبه احمد بن حنبل و قال ابن حبان يروى عن الثقات الموضوعات (مسئلة:) يحرم أكل لحوم الحمر الاهلية و البغال عند الائمة الثلاثة و قال مالك رح يكره لنا حديث ابى ثعلبة قال حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحوم الحمر الاهلية متفق عليه و فى رواية عن احمد رح امر عبد الرحمن بن عوف ينادى بالناس ان لحوم الحمر الانسية لا تحل لمن شهد انى رسول اللّه و عن جابر انه صلى اللّه عليه و سلم نهى عن لحوم الحمر الاهلية و أذن فى الخيل متفق عليه و عنه قال حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم خيبر الحمر الانسية و لحوم البغال و كل ذى ناب من السباع و كل ذى مخلب من الطير رواه الترمذي و قال حديث غريب و رواه احمد بلفظ حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحمر الانسية و لحوم الثعالب و كل ذى ناب من السباع و ذى مخلب من الطير و عنه قال أطعمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحوم الخيل و نهانا عن لحوم الحمر رواه الترمذي و صححه و النسائي و عن ابى هريرة رض ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حرم يوم خيبر كل ذى ناب من السباع و الحمر الانسية رواه احمد و عن البراء بن عازب قال أصبنا يوم خيبر حمرا فاذا ينادى منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اكفئوا القدور متفق عليه و عن على رضى اللّه عنه ان النبىّ صلى اللّه عليه و سلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة و عن لحوم الحمر الاهلية متفق عليه و فى الباب حديث ابى سليط و انس و ابن عباس و سلمة بن الأكوع و عبد اللّه بن ابى اوفى و خالد بن الوليد و عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده و المقدام بن معد يكرب و عمرو بن دينار- (مسئلة:) يحل أكل لحوم الخيل عند الجمهور و به قال ابو يوسف و محمد رحمهما اللّه و قال ابو حنيفة و مالك رحمهما اللّه يكره ثم قيل الكراهة عند ابى حنيفة رح كراهة تحريم و قيل كراهة تنزيه قال صاحب الهداية الاول أصح احتج الجمهور لما مر من حديث جابر اذن فى الخيل و حديث اسماء «١» قال نحرنا فى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرسا فاكلناه و نحن بالمدينة متفق عليه (١) اسماء لم نقف على اسمه- مصحح. زاد احمد فيه نحن و اهل بيته احتج ابو حنيفة رح بقوله تعالى و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة قال خرج مخرج الامتنان و الاكل من أعلى منافعها و الحكيم لا يترك الامتنان بالأعلى و يمن بالأدنى و بحديث خالد بن الوليد عن النبىّ صلى اللّه عليه و سلم انه قال حرام لحوم الحمر الاهلية و خيلها و فى لفظ نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أكل لحوم الخيل و البغال و الحمير رواه احمد برواية صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام عن خالد قال احمد هذا حديث منكر و قال موسى ابن هارون لا يعرف صالح بن يحيى و لا أبوه الا بجده و قال الدارقطني هذا حديث ضعيف قال ابن الجوزي و فى بعض ألفاظ هذا الحديث ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حرمها يوم خيبر قال الواقدي انما اسلم خالد بعد خيبر و اللّه اعلم- (مسئلة:) يكره عند ابى حنيفة رح ابن عرس فانه من سباع الهوام- (مسئلة:) يكره عند الائمة الثلاثة أكل الرخم و البغاث لانهما يأكلان الجيف و الأبقع الذي يأكل الجيف و كذا الغراب و كذا النسر و كذا كل ما يأكل الجيف و لا ياس بغراب الزرع لانه يأكل الحب و ليس من سباع الطير و لا بأس بأكل العقعق لانه يخلط فاشبه الدجاجة و عن ابى يوسف رح انه يكره لان غالب أكله الجيف- (مسئلة:) يحرم أكل الجلّالة و بيضها و لبنها عند احمد رح ما لم يحبس فانكان طائرا فثلثة ايام و ان كان من الإبل فاربعين يوما و البقر ثلثين و الغنم سبعة و الدجاجة ثلثة و فى رواية كلها ثلثة و عند الائمة الثلاثة يكره تحريما ان ظهر النتن فى لحمها او لبنها و تحبس حتى تزول رائحة النجاسة عن ابن عباس قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى لبن الشاة الجلالة رواه احمد و عن ابن عمر قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أكل الجلالة «١» و ألبانها رواه ابو داود و الترمذي و ابن ماجة و عن عبد اللّه بن عمر و قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الإبل الجلالة (١) الجلالة من الحيوان ما يأكل العذرة و الجلة البعرة فوضع موضع العذرة ١٢ نهاية. ان يؤكل لحمها و لا يشرب ألبانها و لا يركبها الناس حتى ينقضه أربعين ليلة رواه البيهقي و الدارقطني و فيه إسماعيل بن ابراهيم ابن مهاجر عن أبيه قال ابن الجوزي هو و أبوه ضعيفان و رواه احمد و ابو داود و النسائي و الحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ نهى عن لحوم الحمر الاهلية و عن الجلالة و عن ركوبها- (مسئلة:) لا يؤكل من حيوان البحر الا السمك عند ابى حنيفة رحمه اللّه و قال مالك رحمه اللّه يؤكل كلها حتى السرطان و الضفدع و كلب الماء و خنزيره لكنه كره الخنزير و حكى انه توقف فيه و قال احمد كلما يعيش و يولد فى البحر يحل أكله الا الضفدع و التمساح و الكوسج و يحتاج عنده غير السمك الى الذبح كخنزير البحر و كلبه و انسانه و اختلف اصحاب الشافعي رح فمنهم من قال مثل قول مالك و منهم من قال مثل قول ابى حنيفة رحمه اللّه و منهم من قال كل ما له شبه فى البر لا يوكل فلا يوكل كلب الماء و خنزيره و انسانه و حيته و فارته و عقربه و يوكل ما سوى ذلك و منهم من قال يؤكل غير التمساح و الضفدع و الحية و العقرب و السرطان و السلحفاة احتج مالك رحمه اللّه و من معه بعموم قوله تعالى أحل لكم صيد البحر من غير فصل و قوله صلى اللّه عليه و سلم فى البحر هو الطهور مائه و الحل ميتته و أجيب بان المراد بالصيد الاصطياد بدليل قوله تعالى و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فان المحرم هو اصطياد صيد البر فأما إذا صاد الحلال صيد البر بلا اعانة من المحرم و لا دلالة حل للمحرم أكله و المراد بالميتة هو السمك و قوله صلى اللّه عليه و سلم ما من دابة فى البحر الا قد ذكاه اللّه عز و جل لبنى آدم رواه الدارقطني من حديث جابر و روى عن عبد اللّه بن سرجس قوله صلى اللّه عليه و سلم ذبح كل نون لبنى آدم قلنا النون هو السمكة و سوق الحديث لعدم الاحتياج الى ذبح السمكة لا لعموم حل ما فى البحر و يدل على حل بعض ما فى البحر سوى السمكة حديث جابر قال غزوت جيش الخبط و امر ابو عبيدة فجعنا جوعا شديدا فالقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر فاكلنا منه نصف شهر فاخذ ابو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته فلما قد منا ذكرنا للنبى صلى اللّه عليه و سلم فقال كلوا رزقا أخرجه اللّه إليكم و أطعمونا ان كان معكم قال فارسلنا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منه فاكله متفق عليه و قالت الحنفية لعل ذلك الحيوان من اقسام السمك كما يدل عليه لفظ الحوت و الحجة على حرمة الضفدع و نحوه مما يستقذر الطبع السليم قوله تعالى و يحرم عليهم الخبائث و حديث عبد الرحمن بن عثمان قال ذكر طبيب عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دواء و ذكر الضفدع يجعل فيه فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن قتل الضفدع رواه احمد و ابو داود و النسائي و البيهقي قال البيهقي هو أقوى ما ورد فى النهى- (مسئلة:) و يكره أكل الطافي من السمك عند ابى حنيفة رحمه اللّه و لا يكره عنه الجمهور احتجوا بما ذكرنا من حديث جابر فى العنبر و قوله صلى اللّه عليه و سلم هو الحل ميتة قلنا ورد فى حديث جابر انه القى البحر حوتا ميتا و معناه القى البحر حوتا فماتت بإلقائه و ذلك حلال اتفاقا و ميتة البحر ما لفظه البحر حتى يكون موته مضافا الى البحر لا ما مات فيه بلا آفة احتج الحنفية بحديث جابر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إذا طفا فلا تأكله و إذا جزر عنه فكله و ما كان على حافته فكله رواه الدارقطني من طريق ابى احمد الزبيري عن سفيان الثوري عن ابى الزبير عن جابر قال الدارقطني لم يسنده عن الثوري غير ابى احمد و رواه وكيع و عبد الرزاق و مومل و غيرهم موقوفا و كذلك روى ابو أيوب السجستاني و عبد اللّه بن عمرو ابن جريح و زهير و حماد بن سلمة و غيرهم عن ابى الزبير موقوفا و لا يصح رفعه و رواه الدارقطني من طريق اخر بلفظ كلوا ما حسر عنه البحر و ما القى و ما وجدتموه ميتا او طافيا فوق الماء فلا تأكلوه قال الدارقطني تفرد به عبد العزيز عن وهب و عبد العزيز ضعيف لا يحتج به قال احمد هو ضعيف و الحديث ليس بصحيح و قال النسائي هو متروك و له طريق اخر رواه ابو داود عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما القى البحر او جزر عنه فكلوه و ما مات فيه و طفى فلا تأكلوه و فى هذا الطريق اسمعيل بن امية و هو متروك قال ابو داود رواه سفيان و أيوب و حماد عن ابى الزبير فوقفوه على جابر و اللّه اعلم- (مسئلة:) حل أكل الأرنب اجماعا لحديث انس قال انفجنا أرنبا بمر الظهران فأخذتها فاتيت بها أبا طلحة فذبحها و بعث الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بوركها و فخذها فقبله متفق عليه- (فائدة) أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحم الدجاج متفق عليه عن ابى موسى (فائدة) عن سفينة أكلت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحم الحبارى رواه ابو داود- وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ المراد بالطعام الذبائح لان سائر الاطعمة لا يختص حلها بالميتة و قوله تعالى الذين أوتوا الكتاب يشتمل اليهود و النصارى و الصابئين ان كانوا يؤمنون بدين نبى و يقرءون بكتاب لا ان كانوا يعبدون الكواكب و لا كتاب لهم حربيا كان الكتابي او ذميا عجميا كان او عربيا او تغلبيا به قال ابو حنيفة رحمه اللّه و قالت الائمة الثلاثة لا يحل ذبيحة نصارى العرب من بنى تغلب قال ابن الجوزي روى أصحابنا حديث ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نهى عن ذبايح نصارى العرب و روى ابن الجوزي بسنده عن على رضى اللّه عنه قال لا تأكلوا من ذبايح نصارى بنى تغلب فانهم لم يتمسكوا من النصرانية بشئ الا شربهم الخمر و رواه الشافعي رحمه اللّه بسند صحيح عنه و اخرج عبد الرزاق من طريق ابراهيم النخعي ان عليّا كان يكره ذبايح نصارى بنى تغلب و نسائهم قلت و لم يظهر لى صحة الحديث المرفوع فى الباب و لو صح فهو حديث احاد لا يصلح ناسخا للكتاب قال البغوي يريد اللّه سبحانه ذبايح اليهود و النصارى و من دخل فى دينهم من سائر الأمم قبل مبعث النبىّ صلى اللّه عليه و سلم و اما من دخل فى دينهم بعد مبعث النبىّ صلى اللّه عليه و سلم يعنى من غير اهل الإسلام فلا تحل ذبيحته قلت و هذا التقييد ليس بشئ عندنا قال صاحب الهداية لا يؤكل ذبيحة المرتد يعنى من كان مسلما ثم ارتد نعوذ باللّه منها فصار يهوديا او نصرانيا او مجوسيا او وثنيا لا يوكل ذبيحته لانه لا ملة له لانه لا يقر على ما انتقل اليه بخلاف الكتابي إذا انتقل الى غير دينه لانه يقر عليه عندنا فيعتبر ما هو عليه عند الذبح لا ما قبله قال فى الكفاية حتى لو تمجس يهودى او نصرانى لا يحل صيده و لا ذبيحته بمنزلة ما لو كان مجوسيا فى الأصل و ان تهود مجوسى او تنصر يوكل ذبيحته و صيده كما لو كان عليه فى الأصل لانه يقر على ما اعتقد عندنا- (مسئلة:) لو ذبح يهودى على اسم عزير و نصرانى على اسم عيسى لا يحل أكله عندنا قال فى الكفاية انما يحل ذبيحة الكتابي فيما إذا لم يذكر وقت الذبح اسم عزير او اسم المسيح و اما إذا ذكر فلا يحل كما لا يحل ذبيحة المسلم إذا ذكر وقت الذبح اسم غير اللّه تعالى لقوله تعالى و ما اهل به لغير اللّه فحال الكتابي فى ذلك لا يكون أعلى من حال المسلم و قال البغوي اختلف العلماء فى هذه المسألة قال ابن عمر لا يحل و ذهب اكثر اهل العلم الى انه يحل و هو قول الشعبي و عطاء و الزهري و مكحول سئل الشعبي و عطاء عن النصراني يذبح باسم المسيح قالا يحل فان اللّه تعالى قد أحل ذبائحهم و هو يعلم ما يقولون و قال الحسن إذا ذبح اليهودي او النصراني فذكر اسم غير اللّه تعالى و أنت تسمع فلا تأكله و إذا غاب عنك فكل فقد أحل اللّه لك قلت و الصحيح المختار عندنا هو القول الاوّل يعنى ذبايح الكتابي تاركا للتسمية عامدا او على غير اسم اللّه تعالى لا يؤكل ان علم ذلك يقينا او كان غالب حالهم ذلك و هو محمل النهى عن أكل ذبايح نصارى العرب و محمل قول على رضى اللّه عنه لا تأكلوا من ذبايح نصارى بنى تغلب فانهم لم يتمسكوا من النصرانية بشئ الا بشربهم الخمر فلعل عليا رضى اللّه عنه علم من حالهم انهم لا يسمون اللّه عند الذبح او يذبحون على غير اسم اللّه تعالى فكذا حكم نصارى العجم ان كان عادتهم الذبح على غير اسم اللّه تعالى غالبا لا يؤكل ذبيحتهم و لا شك ان النصارى فى هذا الزمان لا يذبحون بل يقتلون بالوقد غالبا فلا يحل طعامهم وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ فان قيل النبىّ صلى اللّه عليه و سلم مبعوث الى كافة الناس بشريعة واحدة فما معنى لاختلاف الحل و الحرمة بالنسبة الى هؤلاء و هؤلاء- قلت معناه ان من الأشياء ما هو حلال على كافة الناس من غير شرط كحل ماء البحر و منها ما هو مشروط حلها بشرائط كالصلوة مشروط جوازها بالوضوء و سائر العبادات مشروط إتيانها بالايمان باللّه و رسوله و اخلاص النية و أكل الأموال مشروط حلها بالملك او اذن من المالك فذبايح المؤمنين حلال على الكفار حتى لا يعذبون فى الاخرة بأكلها كما لا يعذبون بإتيان امور مباحة للعالمين إتيانها من غير شرط الايمان بخلاف ذبايح المجوس فانها كالميتة يحرم أكلها على سائر الناس فيعذب الكفّار بأكلها كما يعذبون بترك الايمان و ترك سائر الواجبات المتوقفة على الايمان و إتيان المنهيات قال اللّه تعالى ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين الآية و فائدة هذا القول التفرقة بين ذبايح المسلمين و نسائهم فان ذبايح المسلمين حلال على كافة الناس من غير اشتراط الايمان بخلاف نسائهم فانه يشترط لحل مناكحتهم الايمان- قال الزجاج معناه حلال لكم ان تطعموهم فيكون خطاب الحل مع المسلمين و عبّر البيضاوي ما قال الزجاج بعبارة أصح و اصرح فقال فلا عليكم ان تطعموهم و تبيعوا منهم و لو حرم عليهم لم يجز ذلك و السر فى هذا المقام ما ذكرنا ان حل أكل ذبايح المؤمنين غير مشروط بالايمان بخلاف حل نسائهم و اللّه اعلم وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ عطف على الطيبات او مبتدا خبره محذوف يعنى حل لكم و الجملة معطوفة على قوله و طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم و ما بينهما اعتراض قال البغوي اختلفوا فى معنى المحصنات فذهب اكثر العلماء الى ان المراد منهن الحرائر و أجاز و إنكاح كل حرة مؤمنة كانت او كتابية فاجرة كانت او عفيفة و هو قول مجاهد و قال هؤلاء لا يجوز نكاح الامة الكتابية لقوله تعالى فمما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات جوز نكاح الامة بشرط الايمان و ذهب قوم الى ان المراد من المحصنات العفائف من الفريقين حرائركن او إماء و أجازوا نكاح الامة الكتابية و حرم البغايا من المؤمنات و الكتابيات و هو قول الحسن و قال الشعبي إحصان الكتابية ان تستعف من الزنا و تغتسل من الجنابة قلت و قول البغوي هذا مبنى على اعتبار المفهوم المخالف و هو غير معتبر عند ابى حنيفة رحمه اللّه و يقول بجواز نكاح الامة الكتابية الغير العفيفة ايضا لعموم قوله تعالى و أحل لكم ما وراء ذلكم و عند الشافعي رح المفهوم و ان كان معتبرا لكنه غير معتبر فى قوله تعالى و المحصنات من المؤمنات حيث يجوز نكاح الامة المؤمنة الفاجرة و لذلك قال البيضاوي تخصيصهن بعث على ما هو اولى و إذا لم يعتبر فيه المفهوم فلا وجه لاعتباره فى قوله تعالى و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب و اللّه اعلم و عموم «١» هذه الاية يقتضى جواز نكاح الكتابية الحربية و عليه انعقد الإجماع و كان ابن عباس يقول لا يجوز نكاح الحربية و اللّه اعلم و كان ابن عمر يمنع نكاح الكتابية مطلقا حرة كانت او امة ذمية او حربية لاندراجها فى المشركات قال اللّه تعالى قالت اليهود عزير ابن اللّه و قالت النصارى المسيح ابن اللّه و قال اللّه تعالى و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و فسّر ابن عمر المحصنات فى الآية بالمسلمات و هذا التفسير غير صحيح فان تفسير المحصنات بالمسلمات ليس من اللغة و قد انعقد الإجماع على حل نكاح الحرة الكتابية و انما الخلاف فى الامة الكتابية كما ذكرنا فى سورة النساء لكنه يكره نكاح الكتابية مطلقا اجماعا لاستلزام النكاح مصاحبة الكافرة و موالاتها و تعريض الولد على التخلق بأخلاق الكفار لاجل مصاحبة الام و موانستها قال ابن همام نكح حذيفة و طلحة و كعب بن مالك كتابيات فغضب عمر رضى اللّه عنه فقالوا انطلق يا امير (١) و عن عمر رضى اللّه عنه انه قال المسلم يتزوج النصرانية و لا يتزوج المسلمة نصرانى ١٢. المؤمنين و هذه القصة تدل على جواز النكاح حتى يترتب عليه الطلاق و على كراهته- (فائدة) روى الخلاف بين ابى حنيفة رحمه اللّه و صاحبيه رحمهما اللّه فى نكاح الصابيات جوزه ابو حنيفة رحمه اللّه زعما منه انهم يؤمنون بزبور داود عليه السلام فهم من اهل الكتاب و كذا من أمن بصحف ابراهيم و شيث عليهما السلام و لم يجوزه صاحباه زعما منهما انهم يعبدون الكواكب فهم من المشركين قال فى الهداية و هذا الخلاف محمول على اشتباه مذهبهم فكل أجاب على ما وقع عنده و لا خلاف فى الحقيقة- (مسئلة:) قال فى المستصفى قالوا هذا يعنى الحل إذا لم يعتقد النصراني المسيح الها و اما إذا اعتقده فلا و فى مبسوط شيخ الإسلام و يجب ان لا يؤكل ذبايح اهل الكتاب إذا اعتقدوا ان المسيح اله و ان عزيرا اله و لا يتزوج نسائهم قيل و عليه الفتوى و لكن بالنظر الى الدلائل ينبغى ان يحل الاكل و التزوج انتهى كلامه قال ابن همام و هو موافق لما فى رضاع مبسوط شيخ الإسلام فى ذبحة النصراني انه حلال مطلقا سواء قال بثالث ثلثه اولا و موافق لاطلاق الكتاب هنا قلت الظاهر ان المراد باهل الكتاب فى الاية موحد و هم بدليل قوله تعالى لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و القول بان حكم حرمة نكاح المشركة منسوخ فى حق اهل الكتاب خاصة بهذه الاية بعيد جدا إذ لا فرق بين شرك و شرك و قوله تعالى قالت اليهود عزير ابن اللّه و قالت النصري المسيح ابن اللّه قد قيل ان القائل بذلك طائفتان من اليهود و النصارى انقرضوا كلهم قال ابن همام و يهود ديارنا مصرحون بالتنزيه عن ذلك و التوحيد و اما النصارى فلم ار الا من يصرح بالابنية لعنهم اللّه و ما ذكرنا من قول على رضى اللّه عنه فى منع أكل ذبيحة بنى تغلب و مناكحة نسائهم يؤيد ما قلنا و اللّه اعلم إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ اى مهورهن و تقييد الحل بإتيانها لتاكيد وجوبها و الحث على الاولى و قيل المراد بإتيانها التزامها و ذلك بالنكاح فكانه قال إذا نكحتموهن مُحْصِنِينَ اى مريدين تحصين الفروج بالنكاح غَيْرَ مُسافِحِينَ اى غير مضيعين الماء بالزنا باى مزنية كانت بلا تعيين مزنية وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ صديقات معينات تزنون بهن و الخدن يقع على الذكر و الأنثى وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ اى بشرائع الإسلام فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ لان الايمان شرط لقبول الأعمال وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ قال ابن عباس خسر الثواب روى البخاري من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت سقطت قلادة لى بالبيداء و نحن داخلون المدينة فاناخ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نزل فثنى راسه فى حجرى راقداوا قبل ابو بكر فلكزنى لكزة «١» شديدة و قال حبست الناس فى قلادة ثم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم استيقظ و حضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت. (١) الكز الدفع بالكف ١٢ نهايه. |
﴿ ٥ ﴾