٨٩

لا يُؤاخِذُكُمُ «١» اللّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ قرأ ابن ذكوان عاقدتم من المفاعلة بمعنى فعل

و قرا ابو بكر و حمزة و الكسائي عقدتم بغير الف مخففا على وزن ضربتم و الباقون مشددا من التفعيل و قد مر تفسير الاية فى سورة البقرة و اقسام الايمان و أحكامها و ان المراد بالمؤاخذة المؤاخذة الاخروية و بما عقدتم الايمان ما تعلق القصد بتوثيقه و الزام شى ء من فعل او ترك به على نفسه صيانة لذكر اسم اللّه تعالى فتكون لا محالة فى الإنشاء و هذا القسم من اليمين يوجب ذلك الفعل او الترك على الحالف بقوله تعالى يا ايها الذين أمنوا أوفوا بالعقود و قوله تعالى و لكن يواخذكم بما عقدتم يعنى بنكث ما عقدتم او يواخذكم بما عقدتم ان حنثتم و حذف للعلم.

(١) روى ابو الشيخ و عبد بن حميد عن سعيد بن جبير ان اللغو ان تحرم ما أحل اللّه لكم تكفر عن يمينك و لا تحرمه لا يؤاخذكم اللّه به و لكن بما عقدتم الايمان فان مت عليه أخذت به ١٢ [.....].

(مسئلة:) ينعقد اليمين عند جمهور العلماء و الائمة الاربعة بحرف القسم ملفوظا او مقدرا مقترنا باسم من اسماء اللّه تعالى او ما يدل على ذاته تعالى نحو و الذي نفسى بيده و الذي لا اله غيره و مقلب القلوب و رب السموات و الأرض و نحو ذلك و قال بعض مشائخ الحنفية كل اسم لا يسمى به غيره تعالى فهو يمين و ما يسمى به غيره ايضا كالحليم و العليم و القادر و الوكيل و الرحيم و نحو ذلك لا يكون يمينا الا بالنية او العرف او دلالة الحال و كذا ينعقد عند الجمهور بكل صفة من صفاته و قال ابو حنيفة ينعقد بكل صفة يحلف بها عرفا كعزة اللّه و جلاله و عظمته و كبريائه لا بما لا يحلف عرفا كعلم اللّه و إرادته و مشيته و لمشايخ العراق هاهنا تفصيل اخر و هو ان الحلف بصفات الذات يكون يمينا و بصفات الفعل لا يكون يمينا و صفات الذات ما لا يوصف اللّه تعالى بضده كالقدرة و الجلال و الكبرياء و العظمة و العزة و صفات الفعل ما يوصف به و بضده كالرحمة و الغضب و الرضاء

و السخط و القبض و البسط.

(مسئلة) لو حلف بالقران يكون يمينا عند الائمة الثلاثة و عند ابى حنيفة لا يكون يمينا لعدم العرف و قال ابن همام و لا يخفى ان الحلف بالقران الان متعارف فيكون يمينا يعنى عنه ابى حنيفة ايضا كما هو قول الائمة الثلاثة و كذا الكلام لو حلف بالمصحف فان المراد به القران دون القراطيس و حكى ابن عبد البر فى التمهيد فى المسألة اقوال الصحابة و التابعين و اتفاقهم على إيجاب الكفارة فيها قال و لم يخالف فيها الا من لا يعتد بقوله و اختلفوا فى قدر الكفارة فقال مالك و الشافعي يلزم كفارة واحدة و عن احمد رح روايتان إحداهما كالجمهور و الثانية يلزم بكل اية كفارة و لو قال و حق اللّه كان يمينا عند الثلاثة خلافا لابى حنيفة و لو قال لعمر اللّه و ايم اللّه قال ابو حنيفة يمين نوى او لم ينو و هى رواية عن احمد و قال بعض اصحاب الشافعي و هى رواية عن احمد ان لم ينو لا يكون يمينا.

(مسئلة) من حلف بالكعبة او بالنبي لا يكون يمينا و لا يجب عليه الكفارة عند الائمة الثلاثة و هى رواية عن احمد و فى اظهر الروايتين عنه الحلف بالنبي يكون يمينا لنا قوله صلى اللّه عليه و سلم من كان حالفا فليحلف باللّه او ليصمت متفق عليه من حديث ابن عمر و عنه قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من حلف بغير اللّه فقد أشرك رواه ابو داؤد و عن ابن مسعود موقوفا لان احلف باللّه كاذبا أحب الىّ ان احلف بغير اللّه صادقا قال صاحب الهداية هذا إذا قال و النبي اما لو قال ان فعلت كذا فهو برئ عن النبي صلى اللّه عليه و سلم او عن الكعبة او هو يهودى او نصرانى او كافر يكون يمينا لانه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد جعله واجب الامتناع و قد أمكن القول بوجوبه لغيره فجعلناه يمينا كما نقول فى تحريم الحلال فان تحريم الحلال عند نايمين و قال الشافعي رح تحريم الحلال لا يكون يمينا لنا ان النبي صلى اللّه عليه و سلم حرم مارية و شرب العسل فنزل يا ايها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم كذا فى الصحيحين و غيرهما و سنذكر فى سورة التحريم ان شاء اللّه تعالى.

(مسئلة) و لو قال ان فعلت كذا فهو يهودى او برئ من الإسلام او نحو ذلك فى شى ء قد فعله فهو الغموس و لا يكفر عند ابى حنيفة اعتبارا بالمستقبل و قيل يكفر لانه تنجيز معنى قال صاحب الهداية و الصحيح انه لا يكفر إن كان يعلم انه يمين و إن كان عنده انه يكفر بالحلف يكفر لانه رضى بالكفر عن بريدة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قال انى برئ من الإسلام فان كان كاذبا فهو كما قال و ان كان صادقا لن يرجع الى الإسلام سالما رواه ابو داؤد و النسائي و ابن ماجة.

(مسئلة) لو ذكر فعل القسم على صيغة الماضي مقترنا باسم اللّه او صفة من صفاته فقال أقسمت باللّه او حلفت باللّه او شهدت باللّه او عزمت باللّه لا فعلن كذا فهو يمين بلا خلاف و لو قالبصيغة المضارع نحو اقسم باللّه او احلف باللّه او اشهد باللّه او اعزم باللّه فهو يمين عند ابى حنيفة و احمد و عند الشافعي لا يكون يمينا الا بالنية لاحتمال ان يريد بالمستقبل الوعد قالت الحنفية المضارع حقيقة فى الحال مجاز فى الاستقبال لا ينصرف اليه الا بقرينة السين او سوف او نحو ذلك.

(مسئلة) لو قال أقسمت او اقسم او حلفت او احلف و نحو ذلك من غير ذكر اسم اللّه تعالى و صفة فهو يمين عند ابى حنيفة نوى او لم ينو شيئا و ان نوى غيره يصدق ديانة لا قضاء و قال مالك و احمد فى رواية و زفران نوى يكون يمينا و الا فلا لاحتمال اليمين بغير اللّه و قال الشافعي لا يكون يمينا و ان نوى

قلنا الحلف باللّه هو المعهود و المشروع و بغيره محظور فيصرف الى المشروع عند عدم النية و احتج فى هذه المسألة بحديث ابن عباس ان رجلا راى رويا فقصها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ابو بكر ايذن لى فاعبرها فاذن له فعبرها ثم قال أصبت يا رسول اللّه قال أصبت و اخطأت قال أقسمت يا رسول اللّه لتخبرنى قال لا تقسم هكذا رواه احمد و قد اخرج فى الصحيحين بلفظ اخر فانه قال و اللّه لتخبرنى بالذي اخطأت قال لا تقسم و اللّه اعلم فَكَفَّارَتُهُ اى كفارة نكثه او كفارة معقود الايمان او كفارة ما عقدتم الايمان إذا حنثتم و الكفارة الفعلة التي من شانها ان يكفر الخطيئة و يذهب إثمها و يسترها إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ و الإطعام جعل الغير طاعما سواء كان بالتمليك او الإباحة و من ثم قال ابو حنيفة لو غدّاهم و عشّاهم اكلتين مشبعتين من غير تمليك جاز قليلا أكلوا او كثيرا كذا ذكر الكرخي بإسناده الى الحسن خلافا للشافعى رحمه اللّه فعنده يشترط التمليك اعتبارا بالزكاة و صدقة الفطر و لان التمليك ادفع للحاجة فلا ينوب منابه الإباحة

قلنا المنصوص عليه فى الزكوة الإيتاء و فى صدقة الفطر الأداء و هما للتمليك حقيقة بخلاف الإطعام لانه حقيقة فى التمكين من الطعم

فان قيل لما كان الإطعام حقيقة فى التمكين ينبغى ان لا يجوز التمليك و إلا لزم الجمع بين الحقيقة و المجاز

قلنا فى التمليك من الطعم ايضا او يقال جواز التمليك انما هو بدلالة النص و الدلالة لا يمنع العمل بالحقيقة كما فى حرمة الضرب و الشتم مع التأفيف لان النص ورد فى دفع حاجة الاكل فالتمليك الذي هو لدفع كل حاجة و منها الاكل اجوز اخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن جرير و ابن ابى حاتم عن على بن ابى طالب رض فى قوله تعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين قال يغديهم و يعشيهم ان شئت خبزا و لحما او خبزا و زيتا او خبزا و سمنا او خبزا و تمرا-

(مسئلة) لو كان فيمن أطعمهم صبيا فطيما لا يجزيه لانه لا يستوفى كاملا-

(مسئلة) لا بد من الادام فى خبز غير الحنطة ليمكنهم الاستيفاء الى الشبع فى صورة الإباحة و فى خبز الحنطة لا يشترط ان كان اوسط طعام اهله بغير ادام.

(مسئلة) ان اعطى مسكينا واحدا عشرة ايام يجوز عند ابى حنيفة و ان اطعم فى يوم واحد عشر مرات لا يجوز و قيل هذا إذا كان بالاباحة و اما إذا كان بالتمليك فيجوز لان الحاجة الى التمليك يتجدد فى يوم واحد و لا يتجدد الحاجة الى الاكل فى يوم واحد عشر مرات و إذا دفع الى فقير و أحد طعام عشرة مساكين دفعة واحدة فى يوم واحد و لو بالتمليك لا يجوز هذا كله قول ابى حنيفة وجه قوله ان المقصود سدخلة المحتاج و الحاجة يتجدد فى كل يوم فالدفع اليه فى اليوم الثاني كالدفع الى غيره و لا يتجدد الحاجة فى يوم الى الاكل عشر مرات و قال مالك و الشافعي و هو الصحيح من مذهب احمد و به قال اكثر اهل العلم لا يجوز اطعام مسكين واحد عشرة ايام و لو بالتمليك لانه تعالى نص على عشرة مساكين و بتكرر الحاجة فى مسكين واحد لا يصير هو عشرة مساكين و التعليل بان المقصود سدخلة المحتاج الى اخر ما ذكر مبطل لمقتضى النص فلا يجوز.

(مسئلة) و إذا ملك الطعام عشرة مساكين فالقدر الواجب لكل مسكين عند اهل العراق مدان و هو نصف صاع

قال البغوي يروى ذلك عن عمرو على و قال ابو حنيفة نصف صاع من بر او صاع من شعير او تمر و هو قول الشعبي و النخعي و سعيد بن جبير و مجاهد و الحكم و قال مالك مد و هو رطلان بالبغدادي و قال احمد مد من حنطة او دقيق و مدان من شعير او تمر و رطلان من خبز اى خبز حنطة و قال الشافعي مد النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو رطل و ثلث رطل من غالب قوة البلد و لا يجوز عنده دفع الخبز و لا الدقيق بل إعطاء الحب

قال البغوي و هو قول زيد بن ثابت و ابن عباس و ابن عمر و به قال سعيد بن المسيب و القاسم و سليمان بن يسار و عطاء و الحسن و كذلك الخلاف فى جميع الكفارات و يجوز دفع القيمة من الدراهم و الدنانير عند ابى حنيفة خلافا لغيره و ذكر الكرخي بإسناده الى عمر قال صاع من تمر او شعير او نصفه من بر و بإسناده الى علىّ قال كفارة اليمين نصف صاع من حنطة و بإسناده الى مجاهد قال كل كفارة فى القران فهو نصف صاع من بر لكل مسكين و روى ابن الجوزي فى التحقيق بسنده عن سليمان بن يسار قال أدركت الناس و هم يعطون فى طعام المساكين مدا مدا و يروى ان ذلك يجزى عنهم و فى الباب حديث ابى سلمة ان سليمان بن صخر و يقال له سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته كظهر امه حتى يمضى رمضان فلما مضى نصف من رمضان وقع عليها ليلا فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكر ذلك له فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعتق رقبة قال لا أجدها قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال اطعم ستين مسكينا قال لا أجد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعروة بن عمرو أعطه ذلك الفرق و هو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا او ستة عشر صاعا يطعم ستين مسكينا رواه الترمذي و روى ابو داؤد و ابن ماجة و الدارمي عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر نحوه قال كنت أصبت من النساء ما لا يصيب غيرى و هذا الحديث حجة للشافعى و غيره من قال ان لكل مسكين هذا احتج ابو حنيفة بحديث رواه الطبراني عن أوس بن الصامت قال فاطعم ستين مسكينا ثلثين صاعا قال لا املك ذلك الا ان تعيننى فاعانه النبي صلى اللّه عليه و سلم بخمسة عشر صاعا و أعانه الناس حتى بلغ انتهى قلت لعل كان ذلك من الحنطة و روى ابو داؤد من طريق ابن إسحاق عن معمر بن عبد اللّه بن حنظلة عن يوسف بن عبد اللّه بن سلام فى حديث أوس بن الصامت انه قال صلى اللّه عليه و سلم فانى ساعينه بفرق من تمر قال يا رسول اللّه و انا أعينه بفرق اخر قال أحسنت قال الفرق ستون صاعا

و اخرج الحديث ايضا بهذا الاسناد الا انه قال و المكتل ثلثون صاعا قال ابن همام و هذا أصح لانه لو كان ستين لم يحتج الى معاونتهما ايضا بفرق اخر فى الكفارة

و اخرج ابو داؤد عن ابى سلمة بن عبد الرحمن قال الفرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا

و اخرج ابو داؤد فى حديث سلمة بن صخر البياضي قال فاطعم و سقا من تمر بين ستين مسكينا قال و الذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشيين ما املك لنا طعاما قال فانطلق الى صاحب صدقة بنى زريق فليدفعها إليك فاطعم ستين مسكينا و سقا من تمر و كل أنت و عيالك بقيتها الحديث أخرجه احمد و ابو داؤد

(مسئلة) يجوز دفع الطعام و تمليكه لصغير يقبل عنه وليه و هل يجزى بصغير لم يطعم الطعام قال الثلاثة نعم و قال احمد لا.

(مسئلة) ان ادى الى ذمى قال ابو حنيفة يجوز لاطلاق النص و قد قال اللّه تعالى لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين الاية و عند الجمهور لا يجوز قياسا على الزكوة فانه لا يجوز صرف الزكوة الى الذمي اجماعا مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ محله النصب لانه صفة مفعول محذوف تقديره ان تطعموا عشرة مساكين طعاما من اوسط ما تطعمون او الرفع على البدل من اطعام

قال البغوي اى من خير قوة عيالكم قلت و الظاهر ان المراد المتوسط فى الكيفية لا أعلى و لا ادنى فمن كان غنيا يأكل اهله أطعمة لذيذة يجب فى التغدي و التعشي ان يطعم الفقراء على غالب قوة اهله و هذا الكلام يدل على ما قال ابو حنيفة بجواز عطاء الفقير على وجه الإباحة اخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن ابى حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى من اوسط ما تطعمون قال من عسركم و يسركم و فى رواية ليس بارفعه و لا أدناه و جمع الأهل بالياء و النون شاذ لعدم العلمية أَوْ كِسْوَتُهُمْ عطف على اطعام او على من اوسط ان جعل بدلا لان البدل هو المقصود و ادنى الكسوة ما يجوز به الصلاة عند مالك و احمد و هو المروي عن محمد ففى الرجل يجزى السراويل فقط او الإزار فقط او القميص فقط و فى المرأة لا بد من ثوبين قميص و خمار و عند ابى حنيفة و ابى يوسف أدناه ما يستر عامة البدن فلا يجوز السراويل و ان صح صلوته فيه لان لابسه يسمى فى العرف عريانا و المأمور به جعله مكتسيا و يجوز ان يعطى قميصا سابلا للمرأة و ان لم يصح صلوتها بدون الخمار لانها مكتسية عرفا لا عريانة اخرج ابن مردويه عن حذيفة قال

قلنا يا رسول اللّه او كسوتهم ما هو قال عباءة و كذا اخرج الطبراني و ابن مردوية عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال عباءة لكل مسكين و عند الشافعي رح يجوز اقل ما يقع عليه اسم الكسوة فيجوز عنده العمامة فحسب و السراويل فقط و القميص فقط و فى القلنسوة لاصحابه وجهان ان اطعم خمسا و كسى خمسا قال ابو حنيفة و احمد يجوز و قال مالك و الشافعي لا يجوز أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ يعنى اعتاق انسان و يجوز فى كفارة اليمين و الظهار اعتاق رقبة كافرة عند ابى حنيفة لاطلاق النص و عند مالك و الشافعي و احمد لا يجوز الا مؤمنا حملا للمطلق على المقيد الوارد فى كفارة القتل

قلنا المطلق يجرى على إطلاقه و المقيد على تقئيده و لا وجه لحمل أحدهما على الاخر.

(مسئلة) مقتضى كلمة او إيجاب احدى الخصال الثلث مطلقا و يخير المكلف فى التعيين اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال لما نزلت اية الكفارة قال حذيفة يا رسول اللّه نحن بالخيار قال أنت بالخيار ان شئت كسوت و ان شئت أطعمت فمن لم يجد فصيام ثلثة ايام متتابعات فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شيئا من ذلك و عجز عنها بان لا يفضل ماله عن الديون و عن قوته و قوة عياله و حوائجه ما يطعم او يكسو او يعتق و قال بعض العلماء إذا ملك ما يمكنه الإطعام او أحد أخواته و ان لم يفضل عن كفاية فليس هو بعاجز و هو قول الحسن و سعيد بن جبير و روى ابو الشيخ عن قتادة ان كان عنده خمسون درهما فهو ممن يجد و يجب عليه الإطعام و انكانت اقل فهو ممن لا يجد و يصوم

و اخرج ابو الشيخ عن ابراهيم النخعي قال إذا كان عنده عشرون درهما فعليه ان يطعم.

(مسئلة) العبد لا كفارة له الا الصوم لانه لا يقدر على الإطعام و الاكساء و الاعتاق لعدم مالكية المال و لو أعتق عنه مولاه او اطعم او اكسى لا يجزيه و كذا المكاتب و المستسعى.

(مسئلة) لو صام العبد فعتق قبل ان يفرغ و لو بساعة فاصاب مالا وجب عليه استيناف الكفارة و كذا الفقير إذا صام فاصاب مالا قبل ان يفرغ من الصيام استأنف الكفارة.

(مسئلة) المعتبر عندنا كونه واجدا عند ارادة التكفير و عند الشافعي عند الحنث لنا ان الصوم خلف عن المال كالتيمم فانما يعتبر فيه وقت الأداء فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ خبر مبتدأ محذوف و الجملة جزاء للشرط يعنى فكفارته صيام ثلثة ايام.

(مسئلة) لا يجب عند مالك التتابع فى الصيام لاطلاق النص بل يستحب و عن الشافعي قولان الجديد الراجح انه يستحب و لا يجب و قال ابو حنيفة و احمد و هو أحد قولى الشافعي رح انه يجب وجه قول احمد و رواية الشافعي حمل المطلق على المقيد الوارد فى كفارة القتل و الظهار و وجه القول الجديد للشافعى ان هذه الكفارة يحاذيها الاصلان فى التتابع و عدمه فحمله على كفارة القتل و الظهار يقتضى التتابع و حمله على صوم المتعة بناء على انه دم جبر عنده يوجب التفرق فترك الحمل على كل منهما و عمل بإطلاق النص هاهنا و وجه قول ابى حنيفة العمل بقراءة ابن مسعود فانه قرا ثلثة ايام متتابعات و هى مشهورة يجوز به تقئيد مطلق النص لانه داخل على الحكم دون السبب.

(مسئلة) يمين الكافر لا ينعقد و لا يلزمه الكفارة عند ابى حنيفة و قال الائمة الثلاثة ينعقد يمينه و يلزمه الكفارة بالحنث لنا انه ليس باهل اليمين لانها تنعقد لتعظيم اسم اللّه تعالى و مع الكفر لا يكون معظما و يرد عليه انه فى الدعاوى يستحلف الكافر المنكر اجماعا و لانه ليس أهلا للكفارة لكونها عبادة قلت و مقتضى هذا الدليل انه لو حلف الكافر ثم اسلم و حنث بعد الإسلام يلزمه الكفارة و اللّه اعلم.

ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ و حنثتم فان الكفارة لا تجب الا بعد الحنث اجماعا استدل احمد و الشافعي بهذه الاية على جواز تقديم الكفارة قبل الحنث و هو أحد الروايتين عن مالك لانه أضيف الكفارة الى اليمين دون الحنث و الاضافة دليل بسببية المضاف اليه للمضاف الواقع حكما شرعيا او متعلقه كما فى ما نحن فيه فان الكفارة متعلق الحكم الذي هو الوجوب و إذا ثبت سببيته جاز تقديم الكفارة على الحنث لانه حينئذ شرط و التقديم على الشرط بعد وجود السبب ثابت شرعا كما فى الزكوة جاز تقديمها على الحول بعد وجود السبب الذي هو ملك النصاب و كما فى تقديم التكفير بعد الجرح على المقتول قبل الموت و بناء على هذا الدليل لا فرق بين الكفارة بالمال و الصوم و عند مالك و احمد و به قال الشافعي فى القديم و فى القول الجديد للشافعى يجوز تقديم الكفارة بالمال قبل الحنث و لا يجوز بالصوم لان تقديم الأداء على الوجوب بعد السبب لم يعرف شرعا الا فى العبادة المالية و لا يجوز تقديم الصوم و الصلاة قبل وجوبهما و عند ابى حنيفة لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث مطلقا هو يقول ان سبب الكفارة هو الحنث دون اليمين لان الكفارة انما وجبت لستر الجناية و دفع الإثم و لا جناية و لا اثم الا بالحنث و اليمين ليست بسبب للحنث و لا للكفارة بل للبر إذا قل ما فى السبب ان يكون مفضيا اليه و اليمين ليس كذلك لانه مانع عن عدم المحلوف عليه فكيف يكون مفضيا اليه نعم قد يتفق تحققه اتفاقا و الاضافة قد يكون الى الشرط كما فى صدقة الفطر و لو سلم ان اليمين سبب فلا شك فى ان الحنث شرط للوجوب فلا يقع التكفير واجبا قبله فلا يسقط الوجوب قبل ثبوته و لا عند ثبوته بفعل وجد قبله و لم يكن واجبا و كان مقتضى هذا الدليل عدم جواز أداء الزكوة قبل الحول و صدقة الفطر قبل الفطر لكن ثبت جواز ادائهما قبل وجوبهما بالنص على خلاف القياس فيقتصر على موردهما اما الزكوة فلحديث على رضى اللّه عنه ان العباس سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى تعجيل صدقة قبل ان تحل فرخص له فى ذلك رواه ابو داؤد و الترمذي و ابن ماجة و الدارمي و اما صدقة الفطر فلما رواه البخاري عن ابن عمر فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صدقة الفطر الى ان قال فى آخره و كانوا يعطون قبل الفطر بيوم او يومين و هذا مما لا يخفى على النبي صلى اللّه عليه و سلم بل لا بد من كونه بإذن سابق فان الاسقاط قبل الوجوب مما لا يعقل فلم يكونوا يقدمون الا بسمع قبله كذا قال ابن همام و الصحيح عندى ان اليمين سبب للكفارة كما يدل عليه الاضافة غير ان الحنث شرط لكونه سببا كما حقق فى اصول الفقه ان التعليق بالشرط فى قوله ان دخلت الدار فانت طالق مانع عن السبب دون الحكم عند ابى حنيفة و عند الشافعي مانع عن الحكم فهذا الكلام لا يكون سببا للطلاق الا بعد دخول الدار و زوال المانع و قبل ذلك كان سببا لمنع المرأة عن الدخول كذلك الحلف باللّه تعالى سبب للبر و بعد فوات البر و الحنث تصير سببا للكفارة فالكفارة قبل الحنث أداء قبل السبب بخلاف الزكوة فان سببه المال و بخلاف صدقة الفطر فان سببه الراس و قد يستدل على جواز التكفير قبل الحنث بحديث ابى الأحوص عوف بن مالك عن أبيه قال قلت يا رسول اللّه أ رأيت ابن عم لى اتيه اسأله فلا يعطينى و لا يصلنى ثم يحتاج الىّ فياتينى فيسألنى و قد حلفت ان لا أعطيه و لا أصله فامرنى ان اتى الذي هو خير و اكفر عن يمينى رواه النسائي و ابن ماجة و فى رواية قال قلت يا رسول اللّه يأتينى ابن عمى فاحلف ان لا أعطيه و لا أصله قال كفر عن يمينك و عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى و اللّه إنشاء اللّه لا احلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا كفرت عن يمينى و اثبت الذي هو خير متفق عليه و عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك و ات الذي هو خير و فى رواية فات الذي هو خير و كفر عن يمينك متفق عليه و عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه و ليفعل رواه مسلم و الاحتجاج بهذه الأحاديث على جواز تقديم الكفارة على الحنث لذكر الكفارة فى بعض الروايات قبل ذكر الحنث ليس بشئ لان الواو لمطلق الجمع دون الترتيب

فان قيل قد ورد فى بعض الروايات بكلمة ثم روى ابو داؤد حديث عبد الرحمن بن سمرة بلفظ فكفر عن يمينك ثم ات الذي هو خير و فى المستدرك من حديث عائشة كان عليه الصلاة و السلام إذا حلف لا يحنث حتى انزل اللّه كفارة اليمين فقال لا احلف الى ان قال الا كفرت عن يمينى ثم أتيت الذي هو خير

قلنا هى رواية شاذة مخالفة لما فى الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة و قد ذكرنا و لما فى البخاري من حديث عائشة و فيه العطف بالواو و قد شذت الرواية بثم لمخالفتهما روايات الصحيحين و السنن و المسانيد وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ قيل أراد به ترك الحلف اى لا تحلفوا لكل امر و الصحيح ان المراد منه حفظ اليمين عن الحنث و إيفاء ما أوجب على نفسه القيام بمقتضاه و يؤيده قوله تعالى يا ايها الذين أمنوا أوفوا بالعقود و الحكم فى الباب ان المحلوف عليه ان كان طاعة لزمه الوفاء بها و هل له ان يعدل عن الوفاء الى الكفارة مع القدرة على الوفاء قال ابو حنيفة و احمد ليس له ذلك عملا بهذه النص و قال الشافعي الاولى ان لا يعدل فان عدل جاز و لزمه الكفارة و عن مالك روايتان كالمذهبين و كذا ان حلف على امر مباح ليس تركه خيرا من فعله و ان كان المحلوف عليه معصية يجب عليه ان يحنث و يكفر لان اثم المعصية لازم و اثم الحنث مكفر بالكفارة و ان حلف على ترك امر مستحب فالاولى ان يحنث و يكفر قال اللّه تعالى لا نجعلوا اللّه عرضة لايمانكم يعنى حاجزا مانعا من الحسنات و قال عليه السلام كفر عن يمينك و ات بالذي هو خير عن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال انى احلف لا اعطى أقواما ثم يبدو لى ان أعطيهم فاطعم عشرة مساكين صاعا من شعير او صاعا من تمر او نصف صاع من قيح و عن عائشة قالت كان ابو بكر إذا حلف لم يحنث حتى نزلت اية الكفارة و كان بعد ذلك يقول لا احلف على يمين فارى غيرها خيرا منها الا أتيت الذي هو خير و قبلت رخصة اللّه رواه ابن ابى شيبة و عبد الرزاق و البخاري و ابن مردوية.

(فصل فى النذر) إذا نذر شيئا معلقا بشرط يريد وجوده كما يقول ان شفى مريضى فعلىّ صوم يجب عليه الوفاء كما يجب بالنذر المنجز اجماعا و ان نذر شيئا معلقا بشرط يريد عدمه كما يقول ان فعلت كذا يريد ترك ذلك الفعل فعلىّ حج فعن ابى حنيفه انه لزمه الوفاء و الصحيح انه رجع عن هذا القول و قال أجزأه كفارة يمين و هو قول محمد و به قال احمد فيخرج بالوفاء و بالكفارة يميل الى أيهما شاء و فى رواية عن احمد ان الواجب الكفارة لا غير و عن الشافعي كالروايتين الأخريين و قال مالك فى صدقة المال يلزمه الثلث و فى غيره يلزمه الوفاء احتج مالك بحديث ابى لبابة انه قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم ان من توبتى ان اهجر دار قومى التي أصبت فيها الذنب و ان انخلع مالى كله صدقة قال عليه السلام يجزى عنك الثلث و الحجة لجواز الكفارة حديث عقبة بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم و حديث عمران بن حصين لا نذر فى غضب و كفارته كفارة اليمين رواه احمد و النسائي نحوه.

(مسئلة) من نذر نذرا لا يمكنه وفائه اما بان لا يطيقه كحج ماشيا و صوم الدهر او كان النذر بمعصية يكفر عنه كفارة يمين لان النذر إيجاب شى ء على نفسه و إيجاب شى ء يقتضى تحريم ضده و التحريم يمين و اللام المستعمل فى النذر فى قوله للّه علىّ كذا يجئى بمعنى القسم قال اللّه تعالى لعمرك و فى الباب حديث عائشة لا نذر فى معصية و كفارته كفارة اليمين رواه احمد و ابو داؤد و الترمذي و النسائي و روى النسائي عن عمران بن حصين نحوه و عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من نذر نذر الم يسمه فكفارته كفارة يمين و من نذر نذرا فى معصية فكفارته كفارة يمين و من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين و من نذر نذرا اطاقه فليف به رواه ابو داؤد و ابن ماجة و وقفه بعضهم على ابن عباس و عن عبد اللّه بن مالك ان عقبة بن عامر سأل النبي صلى اللّه عليه و سلم عن اخت له نذرت ان تحج حافية غير مختمرة قال مروها فتخمر و لتركب و لتصم ثلثة ايام رواه اصحاب السنن الاربعة و الدارمي.

(مسئلة) من حلف على يمين و قال إنشاء اللّه متصلا بيمينه فلا حنث عليه لحديث ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من حلف على يمين فقال إنشاء اللّه فلا حنث عليه رواه اصحاب السنن الاربعة و الدارمي و ذكر الترمذي ان جماعة وقفوه على ابن عمر كَذلِكَ اى مثل ذلك البيان يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ آياتِهِ اى اعلام شرايعه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ على نعمة التعليم او نعمة أداء الواجب و فراغ الذمة و حصول مرضاة اللّه تعالى و درجات القرب و الثواب فان مثل هذا التبين يسهل الأداء.

﴿ ٨٩