|
٩٥ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ يعنى الحيوان الممتنع المتوحش فى اصل الخلقة سواء كان ماكول اللحم او لا كذا فى القاموس و به قال ابو حنيفة رحمه اللّه غير انه خص منه ما ورد فى الحديث جواز قتلها و هى الحية و العقرب و الفارة و الحداة و الغراب و الذئب السبع العادي دون غير العادي فيجوز قتل الكلب لا سيما العقور و الظاهر انه صيد و استيناسها عارضى و قيل انه ليس بصيد فانه غير متوحش بالطبع فى الصحيحين عن ابن عمر سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عما يقتل المحرم من الدواب فقال لا جناح فى قتلهن على من قتلهن العقرب و الفارة و الغراب و الحداة و الكلب العقور و فيهما عن عائشة و عن حفصة نحوه قال ابن الجوزي المراد بالكلب السبع مطلقا لانه يطلق الكلب على السبع قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى قصة عتبة بن ابى لهب اللّهم سلط عليه كلبا من كلابك و قال اللّه تعالى من الجوارح مكلبين قال ابو حنيفة لو سلمنا جواز اطلاق الكلب على السبع لغة لكن فى العرف غلب استعماله فى الحيوان المخصوص و حمل الحديث على العرف العام اولى و اخرج ابو عوانة فى المستخرج من طريق البخاري عن عائشة ذكر فيها ستا و زاد الحية و روى ابو داؤد من حديث ابى سعيد الخدري قال عليه السلام يقتل المحرم الحية و العقرب و الفويسقة و الكلب العقور و الحداة و السبع العادي و يرمى الغراب و لا يقتله و رواه الترمذي و لم يذكر السبع العادي و قال الحسن و يحمل الغراب المنهي عن قتله على غراب الزرع و روى ابن خزيمة و ابن المنذر من حديث ابى هريرة زيادة ذكر الذئب و النمر على الخمس المشهورة لكن قال ابن خزيمة ذكر الذئب و النمر من تفسير الراوي للكلب العقور و فى مرسل سعيد بن المسيب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم يقتل المحرم الحية و الذئب أخرجه ابن ابى شيبة و سعيد بن منصور و ابو داؤد و رجاله ثقات و اخرج مسلم عن عائشة ذكر أربعا و أسقط العقرب عن الخمس المشهور فان قيل كيف يجوز تخصيص الكتاب على اصل ابى حنيفة بأحاديث الآحاد قلنا هذه الحديث تلقته الامة بالقبول فصار فى حكم الحديث المشهور جاز به تخصيص الكتاب او يقال ثبت بالإجماع ان بعض الصيد يجوز قتله للمحرم فصار العام مخصوصا بالبعض فخصصناه بالأحاديث و قال الشافعي و احمد انما يحرم على المحرم قتل ما يحل أكله دون ما لا يحل أكله لان فى الأحاديث اعيان بعضها سباع ضارة و بعضها هو أم قاتلة و بعضها طير لا يدخل فى معنى السباع بل هو حيوان مستخبث اللحم فرتبنا الحكم على استخباث اللحم و خصصنا الاية بالقياس بعد التخصيص بالحديث قلت التعليل فى اباحة القتل باستخباث اللحم غير مناسب لعدم استلزامه المصلحة فلا يجوز القياس و المختار عندى للفتوى ما قال صاحب البدائع ان الحيوان البرى ينقسم الى ماكول و غير ماكول و الثاني الى ما يبتدى بالاذى غالبا و ما ليس كذلك و انما يجوز فى الإحرام قتل ما يبتدى بالاذى غالبا من غير المأكول و هى رواية عن ابى يوسف كذا فى فتاوى قاضى خان و مثله عن مالك و العلة المؤثرة فى القياس البداية بالاذى قلت و الإيذاء على انواع مختلفة فكان النبي صلى اللّه عليه و سلم نبه بالعقرب على ذوات السموم كالزنبور و كل ما يلدغ و بالفارة ما يشاركها فى النقب و التقرض كابن عرس و بالغراب و الحداة على ما يشاركهما فى الاختطاف كالصقر و بالكلب العقور على كل سبع عادى و السنور الأهلي ليس بصيد عند ابى حنيفة لعدم توحشها و الصحيح انها متوحشة و استيناسها عارضى بخلاف المتوحش من الانعام فانها مستأنسة خلقة. (مسئلة) و يلتحق بقتل الصيد الاشارة اليه و الدلالة عليه للذى يريد قتله اجماعا لانه فى معنى القتل إذ هو ازالة الا من عن الصيد لانه أمن بتوحشه و بعده عن الأعين روى الشيخان فى الصحيحين حديث ابى قتادة و فيه أحرموا كلهم الا أبا قتادة لم يحرم فبينما هم يسيرون إذ راوا حمر وحش فحمل ابو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا فاكلوا من لحمها الحديث و فيه فلما أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امنكم أحد امره ان يحمل عليها او أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها ففى الحديث ان النبي صلى اللّه عليه و سلم علق اباحة الاكل بعدم الاشارة. (مسئلة) و يلتحق بالصيد بيض الطائر و قال داؤد لا يضمن و سنذكر ما ورد من الحديث و الآثار فى ضمان البيص. (مسئلة) اجمعوا على ان المحرم إذا اصطاد صيدا او ذبحه كان حكمه حكم الميتة لا يجوز أكله للحلال و لا للمحرم و قال الثوري و ابو ثور و طائفة يجوز أكله و هو كذبيحة السارق و هو وجه للشافعية لنا انه اثم فى ذبحه بمنزلة تارك التسمية عامدا فصار فى معنى ما ذبح فسقا اهل لغير اللّه بخلاف السارق فان الذبح له فى نفسه و انما المانع هناك حق العبد و هو ينجبر بالضمان. (مسئلة) و ان اصطاده حلال و كان امره بالقتل محرم او دل عليه او أشار اليه يحرم أكله للمحرم لما ذكرنا من حديث ابى قتادة حيث علق النبي صلى اللّه عليه و سلم اباحة الاكل للمحرم بعدم الأمر و الاشارة و يجوز أكله للحلال اجماعا وَ مَنْ قَتَلَهُ يعنى الصيد مِنْكُمْ يعنى من المؤمنين المحرمين مُتَعَمِّداً قال سعيد بن جبير و داؤد و ابو ثور و ابو منذر من الشافعية و هى رواية عن احمد بن حنبل ان هذا القيد يفيد انه لا يجب الجزاء إذا قتل مخطيا او ناسيا إحرامه او مكرها او نحو ذلك و قال مجاهد و الحسن انما الجزاء انما يجب إذا قتله عامدا فى قتله ناسيا إحرامه و اما إذا قتله ذاكرا إحرامه فلا حكم عليه و امره الى اللّه تعالى لانه أعظم من ان يكون له كفارة و جمهور العلماء و الائمة الاربعة على انه يجب الجزاء سواء قتله عامدا او ناسيا إحرامه او مكرها او مخطيا او جاهلا للحرمة قال الزهري الجزاء على المتعمد بالكتاب و على المخطى بالسنة و المفهوم ليس بحجة عند ابى حنيفة و عند القائلين به المفهوم دليل ظنى و منطوق الحديث أقوى منه و الإجماع أقوى من الكل لكونه دليلا قطعيا و استدل ابن الجوزي بحديث جابر قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الضبع فقال هى صيد و جعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا رواه الترمذي و قال هذا حديث صحيح و الاستدلال بإطلاق الحكم قيل قوله تعالى متعمدا توطية لقوله تعالى و من عاد فينتقم اللّه منه. (مسئلة) إذا دل المحرم على صيد «١» من يريد قتله باللسان او باليد يجب عليه الجزاء كما يجب بالقتل عند ابى حنيفة و احمد و قال مالك و الشافعي لا يلزم الجزاء على الدال و ان كان يا ثم كمن دل صائما على امرأة فجامعها لا يلزم الكفارة على الدال و لا يفسد صومه و لكن يأثم فكذا هاهنا لان الدلالة ليس بقتل و الجزاء انما هو على القتل بالنص قلنا الدلالة فى معنى القتل و النبي صلى اللّه عليه و سلم سوى بين الاشارة و القتل كما مر فى حديث ابى قتادة و لانه محظورات الإحرام اجماعا فلو لم يجب عليه الجزاء لا يرتفع إثمه و يرتفع اثم القتل بالجزاء فيلزم مزية الدلالة على القتل فان قيل فعلى هذا يلزم ان يجب الكفارة على الدال و ان لم يتعقبه القتل قلنا الدلالة فانية ان يكون كالرمى الى الصيد من اسباب القتل و ذلك ليس بموجب للجزاء ما لم يتعقبه القتل فانه إذا لم يتعقبه القتل لم ينعقد سببا فَجَزاءٌ خبر مبتدأ محذوف يعنى فالواجب عليه جزاء او مبتدأ خبره ظرف مقدم عليه او فاعل ظرف مقدم عليه يعنى فعليه جزاء و الجملة خبر لمن و الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط قرا الجمهور مضافا الى مِثْلُ ما قَتَلَ قيل الاضافة بيانية و الظاهر انه اضافة المصدر الى مفعوله يعنى فعليه ان يجزى مثل ما قتل و قرا الكوفيون فجزاء منونا و مثل مرفوعا بدلا منه او صفة له و مال القرائتين واحد معنى و المراد بالمثل القيمة عند ابى حنيفة و ابى يوسف لان المثل المطلق صورة و معنى هو المشارك فى النوع غير مراد هاهنا اجماعا فبقى ان يراد المثل معنى و هو القيمة و لان القيمة فى قتل بعض الصيد واجب اجماعا و هو ما لا يكون له مثل من النعم و ما كان أصغر من الحمامة كالعصفور و الجراد فلا بد ان يقال بوجوب القيمة فى الجميع كيلا يلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز او عموم المشترك و لان المعهود فى الشرع فى اطلاق المثل ان يراد المشارك فى النوع او القيمة قال اللّه تعالى فى ضمان (١) عن الحكم ان عمر كتب ان يحكم عليه فى جزاء الصيد فى الخطاء و العمد ١٢. العدوان فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل اعتدى عليكم و المراد الأعم اعنى المماثل فى النوع إذا كان المتلف مثليا و القيمة إذا كان قيميا بناء على انه مشترك معنوى و فى الحيوانات أهدر المماثلة الكائنة فى تمام الصورة اجماعا تغليبا للاختلاف الباطني بين افراد نوع واحد فجعل من القيميات فما ظنك إذا انتفى المشاركة فى النوع ايضا و لم يكن هناك الا مشاكلة فى العوارض كطول العنق و الرجلين فى النعامة مع البدنة و ان يعب و يهدر فى الحمامة مع الشاة و عند مالك و الشافعي و احمد و محمد بن الحسن المراد بالمثل حيوان من النعم الاهلية يشابهه الصيد المقتول من حيث الخلقة لان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الضبع صيد و فيه شاة رواه ابو داؤد عن عبد اللّه و كذا روى اصحاب السنن و الحاكم فى المستدرك و احمد و ابن حبان عن جابر و لفظ الحاكم الضبع صيد فاذا أصابه المحرم ففيه كبش و يوكل و قال صحيح الاسناد و روى مالك فى الموطأ و الشافعي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب انه قضى فى الضبع بكبش و فى الغزال بمعز و روى الشافعي و البيهقي عن ابن مسعود قضى فى اليربوع بجفر او جفرة و اخرج البيهقي عن ابن عباس قال فى حمامة الحرم شاة و فى البيضتين درهم و فى النعامة جزور و فى البقر بقرة و فى الحمار بقرة و روى الشافعي و البيهقي عن عثمان بن عفان انه قضى فى أم جنين بحلان من الغنم و لان قوله تعالى مِنَ النَّعَمِ اى الإبل او البقر او الغنم صفة لمثل بيان له و القيمة لا يكون من النعم و أجاب الحنفية عن استدلالهم بان التقديرات المذكورة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن الصحابة انما هى باعتبار القيمة دون المشاكلة الصورية و بانا لا نسلم ان قوله تعالى من النعم صفة لمثل بل هو حال من الضمير المنصوب المحذوف اى مثل ما قتله حال كون المقتول من النعم اى ذات قوائم الأربع و النعم يطلق على الوحشي كما يطلق على الأهلي كذا قال ابو عبيدة و كذا فى القاموس و يرد عليه ان الكلام فى جزاء الصيد مطلقا سواء كان من النعم او من الطير فجعله حالا من المقتول ينافى المقصود قلت و عندى انه صفة لمثل و المراد بالمثل حيوان من النعم الاهلية يماثل المقتول فى القيمة دون بعض العوارض لما ذكر ابو حنيفة من الدليل فعندى انه إذا اختار الجاني الهدى فعليه ان يهدى من النعم الأهلي امثلها و أقربها قيمة من الصيد المقتول ففى حمار الوحش و بقر الوحش و كل ما زاد قيمته على قيمة الشاة سواء كانت قيمته مثل قيمة البقر او دونه يهدى بقرة جيدة او ردية بشرط ان لا يكون قيمة الهدى اقل من قيمة الصيد و فيما زاد على البقر فى القيمة سواء كان مثل البدنة فى القيمة او اقل منها يهدى بدنة و فيما زاد على البدنة يهدى شاة مع بدنة او بقرة و شاة او بدنة و بقرة او بدنتين او بقرتين او شاتين او نحو ذلك يعنى يكون قيمة الهدى مثل قيمة الصيد او اكثر منه و ما كان قيمته كقيمة الشاة جائز التضحية يهدى شاة كذلك و ما يكون قيمته اقل من قيمة الشاة كالضبع و الوبر و اليربوع و الغزال و أم جنين و الحرباء و الضب و الثعلب يهدى عناقا او جفرة او حملا اعنى ما يكون قيمته كقيمة الصيد او اكثر منه من نوع الغنم و فى الحمامة و ما دونه إذا اختار الهدى يهدى ادنى ما يطلق عليه اسم الشاة هذا على اصل الجمهور انه لا يشترط ان يكون الهدى جائز التضحية و هو المختار عندى للفتوى و اما على اصل ابى حنيفة رحمه اللّه فلا بد ان يهدى فى كل ما يكون قيمته اقل من قيمة الشاة شاة جائز التضحية و به قال مالك ان المقتول سواء كان صغيرا او كبيرا صحيحا او معيبا الواجب انما هو الهدى جائز التضحية الكبير الصحيح وجه قولهما ان مطلق الاسم ينصرف اليه و لذا لا يجوز فى هدى المتعة و سائر الجنايات فى الحج ان يهدى الا جائز التضحية لنا ان الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين أوجبوا عناقا و جفرة و لا نسلم ان المذكور فى النص مطلق اسم الهدى حتى ينصرف الى الكامل كما فى هدى المتعة و نحوه بل المذكور هاهنا مثل ما قتل من النعم هديا فالمراد الهدى المماثل بالمقتول اما صورة كما قال الشافعي او قيمة كما قلنا فلا وجه لايجاب الكبير جائز التضحية و ما ذكرنا من التفسير للاية لا يزاحمه اقوال الصحابة فان الصحابة انما حكموا فى الأرنب بعنز لأن العنز يماثل قيمة بقيمة الأرنب و فى الحمامة بشاة لان الشاة ادنى اقسام الهدى و أشبهها و أقربها بالحمامة قيمة بالنسبة الى البقرة و البدنة فلو أراد الهدى يهدى ادنى افراد الشاة و لا دليل على انهم اعتبروا المماثلة فى الخلقة فان قيل روى البيهقي بسند حسن عن ابن عباس و روى ايضا من عطاء الخراسانى عن عمر و عثمان و على و زيد بن ثابت و ابن عباس و معاوية انهم قالوا فى النعامة يقتلها المحرم بدنة و رواه مالك من طريق ابى عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود مكاتبة عن أبيه و قال مالك لم ازل اسمع ان فى النعامة بدنة و لا شك ان حكمهم فى النعامة ببدنة ليس الا لرعاية المشابهة فى طول العنق و الرجلين دون القيمة قلنا فى الأثر ضعف و انقطاع و قال الشافعي هذا غير ثابت عند اهل العلم بالحديث و بالقياس قلنا ان فى النعامة بدنة او يقال لعل بعض افراد النعامة فى بعض الازمنة بلغ قيمة شى ء من الإبل فحكم بعض الصحابة ان فى النعامة بدنة ثم تبعه جماعة من التابعين زعما منهم ان ذلك الصحابي انما حكم بالبدنة عملا بالمماثلة الصورية فشاع ذلك فيهم حتى قال مالك ثم ازل اسمع ان فى النعامة بدنة فان قيل روى البيهقي عن عكرمة قال جاء رجل الى ابن عباس فقال انى قتلت أرنبا و انا محرم فكيف ترى فقال هى تمشى على اربع و العناق تمشى على اربع و هى تجتر «١» و العناق تجتر و يأكل الشجر و كذا العناق اهد مكانها عناقا و هذا صريح فى رعاية المماثلة الصورية و روى ابن ابى شيبة من طريق عطاء ان رجلا اغلق بابه على حمامة و فرخيها ثم انطلق الى عرفات و منى و رجع و قد ماتوا فاتى ابن عمر فجعل عليه ثلثة من الغنم و حكم معه رجل و روى الثوري و ابن ابى شيبة و الشافعي و البيهقي من حديث ابن عباس مثله و هذا ايضا يدل على ان وجوب الشاة فى الحمامة ليس من حيث القيمة و الا لكفت شاة واحدة فى ثلث حمامات و اكثر منها قلنا نعم بعض الآثار تدل على رعاية المشابهة فى الصورة و ذلك عن راى لا عن رواية و ليس علينا اتباع بعض الصحابة مع مخالفة الكتاب و قد قال اللّه تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم و نحن نتيقن ان البدنة ليست مثلا للنعامة و لا الشاة للحمامة فى الصورة و لا فى المعنى و المشابهة فى بعض صفات لا يعبأ بها غير معتبرة عرفا و لغة و الا فجميع الحيوانات لا يخلوا عن مشابهة ما فى صفة من الصفات البتة يَحْكُمُ بِهِ اى بالجزاء او بالمثل ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ «٢» جملة واقعة صفة للجزاء او للمثل لان المثل لا يتعرف بالاضافة فجاز وصفها و وصف ما أضيف إليها بالجملة او حالا من ضمير الجزاء فى خبره او منه إذا رفعته بظرف على الفاعلية قال (١) الاجترار كشيدن و نشخوار كردن شتر و چريدن ١٢. (٢) عن ميمون بن مهران ان أعرابيا اتى أبا بكر فقال قتلت صيدا انا محرم فما ترى علىّ من الجزاء فقال ابو بكر و ابى بن كعب و هو جالس عنده ما ترى فيها فقال الاعرابى أتيتك و أنت خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اسألك فاذا أنت تسأل غيرك فقال ابو بكر فما تنكر يقول اللّه عز و جل يحكم به ذوا عدل منكم فشاورت صاحبى حتى إذا اتفق على شى ء امرناك به و عن ابى بكر المزني قال كان رجلان محرمين فحاش أحدهما ظبيا فقتله الاخر و أتيا عمر و عبد الرحمن بن عوف عنده فقال له عمر ما ترى قال شاة قال و انا ارى ذلك فاهديا شاة فلما مضيا قال أحدهما لصاحبه مادرى امير المؤمنين ما يقول حتى سأل صاحبه فسمعها عمر فردهما و اقبل على القائل ضربا بالدرة قال تقتلون الصيد و أنتم حرم و تغمصون الفتيا ان اللّه تعالى يقول يحكم به ذوا عدل منكم ثم قال ان اللّه لم يرض لعمر وحده فاستعنت لصاحبى ١٢ منه. اكثر الحنفية الواحد يكفى لاعتبار المماثلة كما روى عن كثير من الصحابة انهم حكموا وحدانا و الاثنان أحوط و ابعد من الغلظ و قال الشافعي و جمهور العلماء انه يشترط العدد و العدالة و هو المختار للفتوى اتباعا للنص و اقتداء بعمل الصحابة كما يشهد به الآثار روى مالك عن محمد بن سيرين ان عمر سأله رجل عن جزاء الظبى قال عمر لعبد الرحمن بن عوف تعال حتى احكم انا و أنت فحكما عليه بعنز فقال الرجل هذا امير المؤمنين لا يستطيع ان يحكم فى ظبى حتى دعا رجلا يحكم معه فسمع عمر قوله فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة فقال لا فقال عمر لو انك أخبرتني انك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضربا قال اللّه تعالى فى كتابه يحكم به ذوا عدل منكم. (مسئلة:) اختلف القائلون بالمثل خلقة فقال مالك يحكم الحكمان فى كل زمان حكما مستانفا و قال أكثرهم ان الحكم فى ذلك ما حكم به السلف لا يتجاوز عنه و ما لم يحكموا فيه يستانف فيه الحكم و ما اختلف فيه مجتهد فيه و قال الثوري الاختيار فى ما اختلف فيه السلف الى الحكمين فى كل زمان و القران يبطل هذه الأقوال كلها فان الحكم فى كل زمان مستانفا غير مفيد عند اعتبار المماثلة خلقة إذ الخلقة لا تتفاوت و الاخذ بما حكم به السلف يرده قوله تعالى يحكم به ذوا عدل منكم فانه يقتضى ان يحكم العدلان فى كل زمان مستانفا و لو كان الحكم مرة يكفى للابد لحكم النبي صلى اللّه عليه و سلم فى جميع الصيود او فى اكثر منه و لم يحتج الى حكم الحكمين فى كل مرة فالاية دليل على ان المراد بالمثل هو المثل من حيث القيمة حتى يتصور الاحتياج الى حكم الحكمين فى كل زمان و مكان لاختلاف القيمة باختلاف الازمنة و الامكنة هَدْياً حال من الضمير الراجع الى الى الجزاء او الى المثل او من جزاء و ان نوّن لتخصيصه بالصفة او بدل عن مثل باعتبار محله قال الشافعي و غيره هذا يدفع قول ابى حنيفة ان المراد بالمثل القيمة فان القيمة لا يكون هديا قلت و لا يرد ذلك على ما ذكرت من التفسير للمثل بالحيوان من النعم يماثل الصيد فى القيمة فانه يكون هديا على انه لو كان المراد بالمثل القيمة كما قاله ابو حنيفة فيجوز ان يكون هديا حالا مقدرة اى صائرا ذلك القيمة هديا بواسطة الشراء بها لا يقال حينئذ يحتاج الى التقدير بقوله صائرا من غير ضرورة قلنا الضرورة ثابتة لما ذكرنا و ايضا التقدير لازم على تفسير الشافعي ايضا إذ لا يصح حكمهما بالهدى موصوفا ببلوغه الى الكعبة حال حكمهما به على التحقيق فالتقدير على تفسيركم انه يحكمان به مقدرا بلوغه فلزوم التقدير ثابت غير انه يختلف محله على الوجهين. (مسئلة:) هل يجب فى الهدى السوق أم يجوز ان يشترى بمكة فقال مالك يجب فيه السوق عملا بظاهر قوله تعالى هديا بالِغَ الْكَعْبَةِ وصف به هديا لان إضافته لفظية و قال الجمهور لا يجب السوق بل انما ذكر قوله هديا بالغ الكعبة للدلالة على ان الحرم شرط لذبح الهدى و عليه انعقد الإجماع و كونه مهدى من خارج غير مقصود قلت و الدليل على ان السوق ليس بشرط قصة حجة الوداع ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما قدم مكة قال للناس من كان منكم اهدى فانه لا يحل من شى ء حرم منه حتى يقضى حجه و من لم يكن منكم اهدى فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و ليقصر و ليحلل ثم ليهل بالحج و ليهدو من لم يجد هديا فليصم و هذا صريح فى ان بعض الصحابة لم يسق الهدى و اشتروا هديا بمكة و من لم يجد هديا صام و قد سماه النبي صلى اللّه عليه و سلم هديا حيث قال ثم ليهل بالحج و ليهدو قد قال اللّه تعالى فى التمتع ايضا فما استيسر من الهدى و ما قاله مالك فيمن اشترى الهدى من الحرم الواجب ان يخرج به إذا حج الى عرفة امر لا دليل عليه. (مسئلة) هل يجب التصدق بلحم الهدى على فقراء مكة فقال الجمهور يجب ذلك لان صفة بلوغ الهدى الكعبة يشعر ان ينفق اللحم على مساكين الحرم و قال ابو حنيفة لا يجب ذلك بل يتصدق على من يشاء من المساكين فى الحرم و غيره لان الذبح عبادة غير معقولة فلا بد فيه من رعاية المكان حتى انه من ذبح فى غير الحرم لا يجزيه الا ان يبلغ اللحم قيمة الصيد فينفقه بنية الإطعام و اما انفاق اللحم فعبادة معقولة و لا دليل على التخصيص بمساكين الحرم و ما ذكروا من الاشعار ممنوع أَوْ كَفَّارَةٌ عطف على جزاء قرا نافع و ابن عامر بالاضافة الى طَعامُ مِسْكِينٍ اضافة بيانية و الباقون بتنوين كفارة و رفع طعام على انه عطف بيان او بدل منه او خبر مبتدأ محذوف اى هى طعام مساكين و كلمة او للتخيير «١» تفيد ان الجاني مخير (١) و العطف بكلمة او للتخيير اى تخيير الجاني بين الخصال الثلاثة تخفيفا عليه كما فى خصال كفارة اليمين هذا عند ابى حنيفة و ابى يوسف رح و قال محمد و الشافعي رح الخيار فى تعيين شى ء من الخصال الى الحكمين و لا دليل لهذا القول فى الاية بل الاية تدل على ان المراد بالمثل القيمة و تقدير القيمة مفوض الى الحكمين فاذا حكما بمقدار القيمة فالخيار الى الجاني ان شاء يشترى بها هديا بالغ الكعبة و ان شاع يشترى بها طعاما للمساكين و ان شاء صام مكان كل مسكين يوما و لا مدخل للحكمين فى التعيين فان الحاكم هو اللّه لا غير و انما التخيير للتخفيف رحمة من اللّه تعالى و ذلك فى تخيير الجاني ١٢ منه. بين ان يجزى مثل ما قتل من النعم و بين ان يكفر فيطعم المساكين و بين ان يصوم و قال الشعبي و النخعي جزاء الصيد على الترتيب و الاية حجة لنا عليهما. (مسئلة) اجمعوا على ان بناء الإطعام على القيمة و على ان الصيد إذا لم يكن له مثل من النعم فالمعتبر قيمة الصيد يشترى به طعاما و اما إذا كان له مثل من النعم فعند الجمهور يعتبر قيمة مثله لا قيمته لان الواجب عندهم المثل لا قيمة الصيد و الإطعام بدل عنه فمن قتل حمامة و اختار الإطعام يطعم عندهم قيمة شاة لا قيمة حمامة إذا النظير هو الواجب عينا و عند ابى حنيفة رح يعتبر قيمة الصيد مطلقا لانها هو الواجب عنده و اما على ما قلت ان الواجب على تقدير اختيار الهدى مثله من النعم فالمراد مثله فى القيمة فما زاد الهدى على قيمة الصيد انما التزمه تطوعا او لزمه ضرورة عدم التجزى فى الهدى و لا ضرورة و لا التزام عند اختيار الإطعام فيعتبر قيمة الحمامة لا قيمة الشاة لان المتلف هو المضمون فلا معنى لتقويم غيره لجبره و لا نسلم ان النظير هو الواجب عينا فانه من قتل حمامة لو اهدى بعيرا أجزأه البتة و لو كانت الشاة هى الواجبة عينا لم يجزه البعير على ان القول بان النظير هو الواجب عينا لا يتصور الا إذا كان الواجب على الترتيب كما قال الشعبي و النخعي فيجب اولا النظير فان لم يجد النظير يقضيه بالاطعام و ان لم يجد فبالصيام قضاء غير معقول و ليس كذلك بل الواجب أحد الخصال الثلاثة على التخيير كما ذكرنا فاعتبار احدى الخصال فى الاخرى بلا دليل شرعى باطل و انما اعتبر قدر الإطعام فى الصيام بقوله تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ الطعام صِياماً معطوف على جزاء قال الفراء العدل بالكسر المثل من جنسه و بالفتح المثل من غير جنسه. (مسئلة:) اختلفوا فى مقدار طعام كل مسكين فقال الشافعي ليطعم كل مسكين مدا كما هو كذلك عنده فى كفارة الصوم و الظهار و اليمين و قال ابو حنيفة يطعم كل مسكين نصف صاع من بر او صاعا من شعير او تمر كما هو عنده فى صدقة الفطر و حمل على ذلك الكفارات كلها و الاولى ان يقال نصف صاع من غالب قوت البلد للاجماع على انه هو المقدار للاطعام فى باب الجنايات إذا حلق المعذور راسه حيث امر النبي صلى اللّه عليه و سلم كعبا بتفريق الفرق بين ستة و قد مر الحديث فى سورة البقرة و الحمل على هذا اولى من الحمل على صدقة الفطر لاتحاد جنس الجناية و يشترط عند الجمهور للاطعام مساكين الحرم كما فى انفاق لحم الهدى و لا يشترط ذلك عند ابى حنيفة لما قلنا. (مسئلة:) و لو كان قيمة الصيد اقل من طعام مسكين واحد او فضل شى ء يسير من طعام مسكين او مساكين يعطى ذلك القدر اليسير مسكينا و لا يجب عليه جبر الكسر اجماعا و ان صام عنه صام يوما لان الصوم لا يتجزى و كذا لو اهدى يهدى ادنى ما يطلق عليه اسم الشاة على ما قلت و شاة جائز للتضحية عند ابى حنيفة و مالك لِيَذُوقَ متعلق بمحذوف يعنى أوجبنا ذلك الجزاء او الكفارة ليذوق الجاني وَبالَ أَمْرِهِ اى ثقل فعله و سوء عاقبته هتكه حرمة اللّه و اصل الوبل الثقل يقال طعام و بيل اى ثقيل و منه أخذناه أخذا و بيلا عَفَا اللّه عَمَّا سَلَفَ من قتل الصيد محرما فى الجاهلية او قبل التحريم او فى هذه المرة وَ مَنْ عادَ الى قتل الصيد بعد ذلك المرة فَيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو ينتقم اللّه منه لان الفاء لا تدخل على المضارع إذا وقع جزاء ذهب ابن عباس على ظاهر هذه الاية حيث روى عنه انه إذا قتل المحرم صيدا متعمدا يسأله هل قتلت قبله شيئا من الصيد فان قال نعم لم يحكم و قال له اذهب فينتقم اللّه منك و ان قال لم اقتل قبله شيئا من الصيد حكم عليه فان عاد بعد ذلك لم يحكم عليه و لكن يملأ ظهره و صدره ضربا وجيعا كذا قال البغوي قلت و الاولى ان يقال فى تفسير الاية عفا اللّه عما سلف بأداء الجزاء و من عاد فينتقم اللّه منه يعنى يوجب عليه الجزاء مرة ثانية فان لم يود الجزاء يعذبه فى الاخرة وَ اللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ ممّن أصر على عصيانه. |
﴿ ٩٥ ﴾