١٠٥

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الجار و المجرور اسم فعل جعلا اسما لالزموا فلذلك نصب أنفسكم يعنى الزموا إصلاحها و احفظوها لا يَضُرُّكُمْ يحتمل الرفع على انه مستانف و الجزم على انه جواب امر او على انه نهى ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قيل نزلت الاية لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفار و يتمنون ايمانهم اخرج احمد و الطبراني و غيرهما عن ابى عامر الأشعري قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن هذه الاية فقال لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم

و قال مجاهد و سعيد بن جبير الاية فى اليهود و النصارى يعنى عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من اهل الكتاب إذا اهتديتم فخذوا منهم الجزية و اتركوهم و قيل كان الرجل إذا اسلم يقال سفهت أباك اخرج ابن ابى حاتم عن عمر مولى عفرة قال انما نزلت هذه يا ايها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لان الرجل كان ليسلم و يكفر أبوه او اخوه فلما دخل فى قلوبهم حلاوة الايمان دعوا ابائهم و إخوانهم الى الإسلام فقالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا فانزل اللّه هذه الاية و ليست الاية فى ترك الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لان من الاهتداء الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر على حسب طاقته عن ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه قال يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الاية يا ايها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم و انكم تضعون على غير موضعها فانى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك ان يعمهم اللّه بعقابه رواه ابن ماجة و الترمذي و صححه و فى رواية ابى داؤد إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم اللّه بعقاب و فى اخرى له ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على ان يغيروا ثم لا يغيرون الا يوشك ان يعمهم اللّه بعقاب و فى اخرى له ما من قوم يعمل فيهم المعاصي و هم اكثر ممن يعمله الحديث و فى رواية ليأمرون بالمعروف و لينهن عن المنكر او ليسلطن سبحانه عليكم شراركم فليسومونكم سوء العذاب ثم ليدعن اللّه عز و جل خياركم فلا يستجاب لكم و

قال البغوي روى عن ابن عباس انه قال فى هذه الاية مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر ما قبل منكم فان رد عليكم فعليكم أنفسكم ثم قال ان القران نزل منه اى قد مضى تأويلهن قبل ان ينزلن و منه اى وقع تأويلهن على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و منه اى وقع تأويلهن بعد النبي صلى اللّه عليه و سلم بيسير و منه اى يقع تأويلهن بعد اليوم و منه اى يقع تأويلهن فى اخر الزمان و منه اى يقع تأويلهن يوم القيامة ما ذكر من الحساب و الجنة و النار فما دامت قلوبكم و اهوائكم واحدة و لم تلبسوا شيعا و لم يذق بعضكم بأس بعض فامروا و انهوا و إذا اختلفت القلوب و الأهواء و البستم شيعا و ذاق بعضكم بأس بعض فامرأ و نفسه فعند ذلك جاء تاويل هذه الاية و روى عبد بن حميد و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ و البيهقي فى الشعب عن ابى العالية هذه القصة عن عبد اللّه بن مسعود و روى الترمذي و ابن ماجة عن ابى ثعلبة الخشني فى قوله تعالى عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم فقال اما و اللّه لقد سالت عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال بل ائتمروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر حتى إذا رايت شحا مطاعا و هوى متبعا و دنيا مؤثرة و إعجاب كل ذى راى برايه و رايت امر الابد لك منه فعليك نفسك و دع امر العوام فان ورائكم ايام الصبر فمن صبر فيهن قبض على الجمر للعامل فيهن اجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قالوا يا رسول اللّه اجر خمسين منهم قال اجر خمسين منكم و قيل نزلت الاية فى اهل الأهواء قال ابو جعفر الرازي دخل على صفوان بن محرز شاب من اهل الأهواء فذكر شيئا من امره فقال صفوان الا ادلك على خاصة اللّه تعالى خص بها أوليائه يا ايها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إِلَى اللّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً الضال و المهتدى فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيجزى كل على حسب عمله ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره فيه وعد و وعيد للفريقين ذكر البغوي

و اخرج نحوه البخاري و ابو داؤد و الترمذي عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان تميما الداري و عدى بن بدا خرجا الى الشام للتجارة و كانا حينئذ نصرانيين و معهما بديل مولى عمرو بن العاص و كان مسلما فلما قدموا الشام مرض بديل و دوّن ما معه فى صحيفة و طرحها فى متاعه و لم يخبرهما به و اوصى إليهما ان يدفعها متاعه الى اهله و مات بديل ففتّشا متاعه و أخذا منه اناء فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشا بالذهب فغيباه ثم قضيا حاجتهما فانصرفا الى المدينة فدفعا الى اهل الميت ففتّشوا فاصابوا صحيفة فيها تسمية ما كان معه فجاؤا تميما و عديا فقالوا هل باع صاحبنا شيئا من متاعه قالا لا قالوا فهل اتجر تجارة قالا لا قالوا فهل طال مرضه فانفق على نفسه قالا لا فقالوا انا وجدنا فى متاعه صحيفة فيها تسمية ما معه و انا قد فقدنا منها اناء من فضة مموها بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال من فضة قالا لا ندرى انما اوصى لنا بشئ فامرنا ان ندفعه إليكم فدفعناه و ما لنا من علم بالاناء فجحدوا فترافعوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت.

﴿ ١٠٥