|
١٢ قُلْ يا محمد تبكيت للخصم لِمَنْ من استفهامية و الظرف خبر و المبتدأ ما يعنى الأشياء التي هى كائنة فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يعم العقلاء و غيرهم و لذلك أورد بكلمة ما قُلْ للّه تقرير لهم اى هو اللّه لا خلاف بيننا و بينكم فيه و تنبيه على انه لا يمكن لاحد ان يجيب بغيره كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ يعنى التزم و وعد وعدا مؤكدا لا يمكن خلفه الرَّحْمَةَ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما قضى اللّه الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ان رحمتى غلبت غضبى و فى رواية بلفظ ان رحمتى سبقت غضبى رواه البغوي من حديث ابى هريرة و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان للّه مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن و الانس و البهائم و الهوام فبها يتعاطفون و بها يتراحمون و بها يتعاطف الوحوش على أولادها و اخّر تسعة و تسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيمة رواه مسلم قلت لعل المراد بعدد المائة تمثيل التكثير دون تعيين العدد فان ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق كيف و صفات الممكنات متناهية و صفاته تعالى غير متناهية و ما انزل اللّه من الرحمة فى خلقه و خلقها فى قلوبهم انما هى ظل من ظلال رحمة اللّه تعالى و عن عمر بن الخطاب قال قدم على النبي صلى اللّه عليه و سلم سبى فاذا امراة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذا وجدت صبيا فى السبي أخذته فالصقته ببطنها و ارضعته فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ترون هذه طارحة ولدها فى النار قلنا لا و هى تقدر على ان لا تطرحه فقال للّه ارحم بعباده من هذه بولدها و اعلم ان رحمة اللّه تعالى منها ما يترتب عليها نعماء الدنيا و منها ما يترتب عليها نعماء الاخرة لارسال الرسل و إنزال الكتب و نصب الادلة الدالة على التوحيد و الموت و البعث بعدها المفضى الى نعيم الجنان و لقاء الرحمن و العمدة فى الباب و المقصود بالذكر انما هى التي تعلقت بالاخرة كما يدل عليه ما ذكرنا من الأحاديث و يدل عليه قوله تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ يعنى ليجمعن اجزاءكم مبعوثين إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الظاهر ان الى هاهنا بمعنى فى او المعنى ليجمعنكم فى القبور ميتين الى يوم القيمة و يفهم منه التزاما انه ثم يبعثكم فتصدرون أشتاتا لتروا أعمالكم و الجملة جواب قسم محذوف و هو بدل من الرحمة بدل البعض و بهذا يظهر ان المقصود انما هى الرحمة الاخروية و لما كان الكفار مبالغين فى انكار البعث أكده سبحانه بالقسم بعد الانذار على تكذيب المبلغ الصادق و بيان قدرته عليه بقوله لمن ما فى السموات و الأرض و بيان الحكمة فى البعث بقوله كتب على نفسه الرحمة لا رَيْبَ فِيهِ اى فى الجمع او فى اليوم و لما كان مقتضى الاية عموم رحمة اللّه تعالى موهما شمولها للكفار قال اللّه تعالى لدفع ذلك التوهم و بيان ان حرماتهم من رحمة اللّه تعالى بسوء اختيارهم و خسرانهم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالاشراك حيث ضيعوا رأس ما لهم و هو الفطرة السليمة و العقل السليم و فوتوا حظهم من الرحمة و اشتروا به العذاب و النقمة الموصول مبتدأ و خبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الفاء للدلالة على ان خسرانهم فى علم اللّه تعالى سبب لعدم ايمانهم و كان القياس العطف على لا ريب فيه و وجه الفصل تقدير السؤال كانه قيل فلم يرتاب الكافرون فاجيب بان خسرانهم أنفسهم صار سببا لعدم الايمان و جاز ان يكون الموصول منصوبا على الذم و كما يدل هذه الاية على شمول رحمة اللّه تعالى و حرمان الكفار بسوء اختيارهم و خسرانهم يدل عليه حديث ابى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلكم يدخل الجنة الا من شرد على اللّه شرد «١» البعير على اهله رواه الطبراني و الحاكم بسند صحيح. (١) اى اخرج عن طاعته و فارق الجماعة يقال شرد البعير إذا نفر و ذهب فى الأرض ١٢ نهايه. |
﴿ ١٢ ﴾