٧٩

فَتَوَلَّى اى اعرض عَنْهُمْ صالح وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ

فان قيل كيف خاطبهم بقوله أبلغتكم رسالة ربى و نصحت لكم بعد ما اهلكوا بالرجفة قيل كما خاطب النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قتلى بدر بعد ما القوا فى القليب روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى طلحة انه قال لما كان من يوم بدر الثالث امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم براحلة فشد عليها رحلها ثم مشى و معه أصحابه و قالوا ما نرى لينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على سفير القليب فجعل يناديهم يا أبا جهل بن هشام و يا امية بن خلف يا عتبة بن ربيعة و يا شيبة بن ربيعة أ يسركم انكم أطعتم اللّه و رسوله هل وجدتم ما وعد اللّه و رسوله حقا فانى وجدت ما وعدني ربى حقا بئس عشيرة التي كنتم لنبيكم كذبتمونى و صدقنى الناس و قاتلتمونى و نصرنى الناس فجزاكم اللّه عنى من إصابة شرا خوفتمونى أمينا و كذبتمونى صادقا فقال عمر يا رسول اللّه أ تناديهم بعد ثلث كيف تكلم أجسادا لا روح فيها فقال ما أنتم باسمع لما أقول منهم انهم الان يسمعون ما أقول لهم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا علينا شيئا و قيل خاطبهم ليكون عبرة لمن خلفهم و قيل فى الاية تقديم و تأخير تقديرها فتولى عنهم فقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى الاية فاخذتهم الرجفة و كان قصة ثمود على ما ذكره محمد بن إسحاق و وهب و غيرهما كذا اخرج ابن جرير و الحاكم من طريق حجاج عن ابى بكر بن عبد اللّه عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان عادا لما أهلكت عمّرت ثمود بلادهم و خلفوهم و كثروا و عمّروا حتى جعل أحدهم يبنى المسكن من المدر فينهدم و الرجل حىّ فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا و كانوا فى سعة من معاشهم فعتوا و أفسدوا فى الأرض و عبدوا غير اللّه فبعث اللّه إليهم صالحا و كانوا قوما عربا و كان صالح من أوسطهم نسبا و أفضلهم حسبا و موضعا فبعثه اللّه إليهم غلاما شابا فدعاهم الى اللّه عز و جل حتى شمط «١» لا يتبعه منهم الا قليل مستضعفون فلما ألح عليهم صالح بالدعاء و التبليغ و اكثر لهم التحذير و التخويف سألوه ان يريهم اية تكون مصداقا لما تقول فقال لهم اى اية تريدون قالوا تخرج معنا غدا الى عيدنا و كان لهم عيد يخرجون فيه بأصنامهم فى يوم معلوم من السنة فتدعو إلهك و ندعوا الهتنا فان استجيب لك اتبعناك و ان استجيب لنا تتبعنا فقال لهم صالح نعم فخرجوا باوثانهم الى عيدهم و خرج صالح معهم فدعوا أوثانهم و سألوها ان لا يستجاب لصالح فى شى ء مما يدعو به ثم قال جندع بن عمرو بن جواس و هو يومئذ سيد ثمود يا صالح اخرج لنا من هذه الصخرة لصخرة منفردة فى ناحية الحجر يقال لها الكاثبة ناقة مخترجة جوفاء و براء عشراء و المخترجة ما شاكلت البخت من الإبل فان فعلت صدقناك و أمنا بك فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت لتصدقنتى و لتؤمنن بي قالوا نعم فصلى صالح ركعتين دعا ربه فتمخضت «٢» الصخرة تمخض النتوج بولدها ثم تحركت الهضبة فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء و و براء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها الا اللّه تعالى عظ و هم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فامن به جندع بن عمرو و رهط من قومه و أراد اشراف ثمود ان يؤمنوا و يصدقوه فنهاهم ذواب بن عمرو بن لبيد و الحباب صاحب أوثانهم و رباب بن ميمعر و كان كاهنهم و كانوا من اشراف ثمود فلما خرجت الناقة قال لهم صالح هذه ناقة لها شرب و لكم شرب يوم معلوم فمكثت الناقة مع ولدها فى ارض ثمود ترعى الشجرة و تشرب الماء و كانت ترد الماء غبا فاذا كان يومها وضعت الناقة راسها فى بير فى حجر يقال لها بير الناقة فلا ترفع راسها حتى تشرب كل ماء فيها فلا تدع قطرة ثم تتفجح «٣» فيحلبون ما شاؤا من لبن فيشربون و يدخرون حتى تملأ أوانيهم كلها ثم تصدر من غير الفج الذي وردت منه لا تقدر ان تصدر من حيث ترد تضيق عنها حتى إذا كان الغد كان يومهم فيشربون ما شاؤا من الماء و يدخرون ما شاء و اليوم الناقة فهم من ذلك

(١) الشمط الشيب ١٢.

(٢) فتمخضت يعنى أخذها المخاض هو الطلق عند الولادة ١٢.

(٣) تتفجح اى تتباعد فخذيها الفجح تباعد ما بين الفخذين ١٢.

و كانت الناقة تصيف إذا كانت الحر بظهر الوادي فتهرب منها المواشي اغنامهم و بقورهم و إبلهم فتهبط الى بطن الوادي فى حرة وجد به و تشتو ببطن الوادي إذا كان الشتاء فتهرب مواشيهم الى ظهر الوادي فى البرد و الجدب فاضر ذلك بمواشيهم للبلاء و الاختبار فكبر ذلك عليهم فعتوا عن امر ربهم و حملهم ذلك على عقر الناقة فاجمعوا على عقرها و كانت امرأتان من ثمود إحداهما يقال لها عنيزة بنت غنم بن مجلذ تكنى أم غنم و كانت امرأة ذواب بن عمرو و كانت عجوزة مسنة و كانت ذات بنات حسان و ذات مال من ابل و بقر و غنم و امرأة اخرى يقال لها صدوف بنت المختار و كانت جميلة ذات مواش كثيرة و كانتا أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام و كانتا تحبان عقر الناقة لما اضرتهما من مواشيهما فحملتا فى عقر الناقة فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له الحباب قال لها اعقر الناقة و عرضت عليه نفسها ان هو فعل فابى عليها فدعت ابن عم لها يقال له مصدع بن مهرج بن المختار و جعلت له نفسها على ان يعقر الناقة و كانت من احسن الناس و أكثرهم مالا فاجابها الى ذلك و دعت عنيزة بنت غنم قذار بن سالف و كان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه كان لزينة و انه لم يكن لسالف لكنه ولد على فراشه فقالت أعطيك اى بناتي شئت على ان تعقر الناقة و كان قذار عزيزا منيعا فى قومه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فى تفسير قوله تعالى إذا انبعث أشقاها انبعث رجل عزيز عازم منيع فى قومه مثل ابى زمعة رواه البخاري من حديث عبد اللّه بن زمعة فانطلق قذار بن سالف و مصدع ابن مهرج فاستتبعوا بأعوان ثمود فاتبعهم سبعة نفر و كانوا تسعة رهط فانطلق قذار و مصدع و أصحابهما فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء و قد كمن لها قذار فى اصل صخرة على طريقها و كمن لها مصدع فى طريق اخر فمرت على مصدع فرمى بسهم فانتظم به عضلة ساقها و خرجت أم غنم عنيزة و أمرت ابنتها و كانت من احسن الناس فاسفرت لقذار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرت و رغت واحدة تحذر ولدها ثم طعن فى لبتها فنحرها و خرج اهل البلدة و اقتسموا لحمها و طبخوه فلما رأى ولدها ذلك انطلق حتى اتى جبلا منيعا يقال له صور و قيل اسمه فازه فاتى صالح و قيل له أدرك الناقة فقد عقرت فاقبل و خرجوا يتلقونه و يعتذرون اليه يا نبى اللّه انما عقرها فلان و لا ذنب لنا فقال صالح انظروا هل تدركون فصيلها فان أدركتموه فعسى ان يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه فلما رأوا على الجبل ذهبوا لياخذوه فاوحى اللّه تعالى الجبل فتطاول فى السماء حتى ما يناله الطير و جاء صالح فلما رأه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم رغى ثلثا و انفجرت الصخرة فدخلتها فقال صالح لكل رغوة أجل يوم تمتعوا فى داركم ثلثة ايام ذلك وعد غير مكذوب قال ابن إسحاق اتبع السقب اربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة و فيهم مصدع بن مهرج و اخوه ذاب بن مهرج فرماه مصدع بسهم فانتقم قلبه ثم جره برجله فانزلوه فالقوا لحمه مع لحم امه فقال لهم صالح انتهكتم حرمة اللّه فابشروا بعذاب اللّه و نقمته قالوا و هم يستهزءون به و متى ذلك يا صالح و ما اية ذلك و كانوا يسمون الأيام فيهم الأحد الاول و الاثنين العون و الثلاثا دبار و الأربعاء حبار و الخميس مونس و الجمعة العروبة و السبت شيار و كانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح حين قالوا ذلك تصبحون غداة يوم المونس و وجوهكم مصفرة ثم تصبحون يوم العروبة و وجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم شيار و وجوهكم مسودة ثم يصبحكم العذاب يوم أول فلما قال لهم صالح ذلك قال التسعة الذين عقروا الناقة هلم فلتقتل صالحا فان كان صادقا عجلناه قتلا و ان كان كاذبا قد كنا الحقناه بناقته فاتوه ليلا ليبيتوه فى اهله فدفعتهم الملئكة بالحجارة فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح أنت قتلتهم ثم هموا به فقامت عشيرته دونه و لبسوا السلاح و قالوا لهم لا تقتلونه ابدا فقد وعدكم ان العذاب نازل بكم بعد ثلث فان كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم الا غضبا و ان كان كاذبا فانتم من وراء ما تريدون فانفرقوا عنهم ليلتهم فاصبحوا يوم الخميس و وجوهم مصفرة كانما طليت بالخلوف صغيرهم و كبيرهم ذكرهم و أنثاهم و أيقنوا بالعذاب و عرفوا ان قد صدقهم فطلبوا ليقتلوه و خرج صالح هاربا منهم حتى جاء الى بطن من ثمود يقال لهم بنو غنم فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له نفيل و يكنى بابى هدب و هو مشرك فغيّبه و لم يقدروا عليه فغدوا على اصحاب صالح يعذبونهم ليدلوهم عليه فقال رجل من اصحاب صالح يقال له ميدع بن هرم يا نبى اللّه انهم ليعذبوننا لندلهم عليك أ فندلهم قال نعم قل عندى صالح و ليس لكم عليه سبيل فاعرضوا عنه و تركوه و شغله عنه ما انزل اللّه بهم من عذابه فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون فى وجوههم فلما امسوا صاحوا بأجمعهم الا و قد مضى من الاجل يوم فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كانما خضبت بالدماء فصاحوا و بكوا انه العذاب فلما امسوا صاحوا بأجمعهم الا و قد مضى يومان من الاجل و حضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كانما طليت بالقار فصاحوا جميعا الا و قد حضركم العذاب فلما كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم و من اسلم معه الى الشام فنزل رملة فلسطين فلما أصبح القوم تكفنوا و تحنطوا و القوا أنفسهم الى الأرض يقلبون أبصارهم الى السماء مرة و الى الأرض مرة لا يدرون من اين يأتيهم العذاب فلما اشتد الضحى من يوم الأحد اخذتهم الرجفة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين و أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة و صوت كل شى ء فى الأرض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فلم يبق منهم صغير و لا كبيرا لاهلك الا جارية مقعدة يقال لها ذريقة بنت سلف و كانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام فانطلق اللّه رجليها بعد ما عاينت العذاب فخرجت كاسرع ما يرى شى ء قط حتى أتت فرخ و هو وادي القرى فاخبرتهم بما عاينته من العذاب و ما أصابت ثم استسقت من الماء فسقيت فلما أشربت ماتت و ذكر السدى فى عقر الناقة قال فاوحى اللّه تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم ذلك فقالوا ما كنا لنفعل فقال صالح انه يولد فى شهركم هذا غلام فسيعقرها فيكون هلاككم على يديه فقالوا لا يولد لنا ولد فى هذا الشهر الا قتلناه فولد عشرة قتلوا منها تسعة و بقي واحد ازرق احمر فنبت نباتا سريعا فكان إذا مر بآباء التسعة و رأوه قالوا لو كان أبنائنا احياء لكانوا مثل هذا فغضب التسعة على صالح لانه كان سبب قتل أبنائهم فتقاسموا باللّه لنبيتنه و اهله قالوا نخرج فيرى الناس انا قد خرجنا الى سفر فناتى الغار فنكون فيه حتى إذا كان الليل و خرج صالح الى مسجده اتيناه فقتلناه ثم رجعنا الى الغار و كنا فيه ثم انصرفنا الى رحالنا فقلنا ما شهدنا مهلك اهله و انا لصادقون فيصدقوننا و يظنون انا قد خرجنا الى سفر و كان صالح لا ينام معهم فى القرية كان يبيت فى مسجد يقال له مسجد صالح فاذا أصبح أتاهم فوعظهم و ذكرهم فاذا امسى خرج الى المسجد فبات فيه فانطلقوا فدخلوا الغار فسقط عليهم فقتلهم قال اللّه تعالى فمكروا مكرا و مكرنا مكرا و هم لا يشعرون فانطلق ممن قد اطلع على ذلك منهم فاذا هم رضخ فرجعوا يصيحون فى القرية اى عباد اللّه اما رضى صالح ان أمرهم بقتل أولادهم حتى قتلهم فاجتمع اهل القرية على قتل الناقة و قال ابن اسحق انما تقاسم التسعة على تبيت صالح بعد عقرهم الناقة كما ذكرنا قال السدى و غيره فلما ولد ابن العاشر يعنى قذارشب فى اليوم شباب غيره فى الجمعة و شب فى الشهر شباب غيره فى السنة فلما كبر جلس مع الناس يصيبون من الشراب فارادوا ماء يمزجون به شرابهم و كان ذلك اليوم شرب الناقة فوجدوا الماء قد شربته الناقة فاشتد ذلك عليهم و قالوا ما نفعل باللبن لو كنا ناخذ هذا الماء الذي تشربه الناقة فنسقيه أنعامنا و حروثنا كان خيرا لنا فقال ابن العاشر هل لكم فى ان اعقرها لكم قالوا نعم فعقرها روى البخاري فى الصحيح من حديث عبد اللّه بن دينار عن ابن عمه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لما نزل الحجر فى غزوة تبوك أمرهم ان لا يشربوا من بيرها و لا يسقوا منها فقالوا قد عجنا و استقينا فامرهم ان يطرحوا ذلك العجين و يهريقوا ذلك الماء

قال البغوي و قال نافع عن ابن عمر فامرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان يهريقوا ما استقوا من بيرها و ان يعلفوا الإبل العجين و أمرهم ان يسقوا من البير التي كانت تردها الناقة قال و روى ابو الزبير عن جابر قال لما مر النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم بالحجر فى غزوة تبوك قال لاصحابه لا يدخلن أحد منكم هذه القرية و لا تشربوا من مائهم و لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين الا ان تكونوا باكين خائفين ان يصيبكم مثل الذي أصابهم ثم قال اما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم فبعث اللّه الناقة فكانت ترد من هذا الفج و تصدر من هذا الفج و تشرب مائهم يوم وردها فعتوا عن امر ربهم فعقروها فاهلك اللّه سبحانه من تحت أديم السماء من مشارق الأرض و مغاربها الا رجلا واحدا يقال له ابو رغال و هو ابو ثقيف كان فى حرم اللّه فمنعه الحرام من عذاب اللّه فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن و دفن معه غصن من ذهب و أراهم قبر ابى رغال فنزل القوم فابتدروا بأسيافهم و حفروا عنه فاستخرجوا ذلك الغصن و كانت الفرقة المؤمنة من قوم صالح اربعة آلاف خرج بهم صالح الى حضرموت فلما دخلها مات صالح فسمى حضرموت ثم بنى الاربعة آلاف مدينة يقال له حاصورا و قال قوم من اهل العلم توفى صالح بمكة و هو ابن ثمان و خمسين سنة و اقام فى قومه عشرين سنة.

﴿ ٧٩