|
٢٥ وَ اتَّقُوا فِتْنَةً اى معصية لا تُصِيبَنَّ الضمير راجع الى فتنة بتقدير حذف المضاف اى لا يصيبن وبالها الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لا تصيبن صيغة نهى موكد بالنون صفة لفتنة على ارادة القول يعنى اتقوا فتنة يقال فيها لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل تعم الظالم و غيره او صيغة نفي دخلها النون لتضمنها معنى النهى فمعنى الآية الأمر بالاتقاء عن فتنة موصوفة بعموم وبالها من ارتكبها و من لم يرتكبها و اختلفوا في ذلك الفتنة ما هى فقال قوم هى ترك الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر قال ابن عباس امر اللّه المؤمنين ان لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعهم اللّه بعذاب يصيب الظالم و غير الظالم و استدلوا على ذلك بحديث ابى بكر الصديق قال يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الآية يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم و انى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه او شك ان يعمهم اللّه بعقاب من عنده رواه اصحاب السنن الاربعة و قال الترمذي حسن صحيح و صححه ابن حبان و حديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ايها الناس مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر قبل ان تدعوا اللّه فلا يستجيب لكم و قبل ان تستغفروه فلا يغفر لكم ان الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لا يدفع رزقا و لا يقرب أجلا و ان الأحبار من اليهود و النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لعنهم اللّه على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء رواه الاصبهانى و له شاهد من حديث ابن مسعود و حديث عائشه و عن عدى بن عدى الكندي قال حدثنا مولى لنا انه سمع جدى يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان اللّه لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم و هم قادرون على ان ينكروه فلم ينكروه فاذا فعلوا ذلك عذب اللّه العامة و الخاصة رواه البغوي في شرح السنة و المعالم و عن النعمان بن بشير قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل المدهن في حدود اللّه و الواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصاروا بعضهم في أسفلها و بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتاذوا به فاخذ فاسا فجعل ينقر أسفل السفينة فاتوه فقالوا مالك قال تاذيتم بي و لا بد لى من الماء فان أخذوا على يديه انجوه و انجوا بانفسهم و ان تركوه اهلكوه و اهلكوا أنفسهم رواه البخاري قلت و الاستدلال بهذه الأحاديث لا يصح فان مقتضى الأحاديث ان معصية أحد لا يعذب بها غيره الا إذا عمل بها بين اظهر الناس و هم قادرون على الإنكار فلم ينكروا فحينئذ يعم عذاب تلك المعصية فاعلها و من لم يفعلها بل ترك النهى عنها و لا شك ان النهى عن المنكر فريضة تاركها ظالم فشموله عذاب المعصية إصابة عذاب الظالم و ليس ذلك العذاب شاملا للظالم و غيره الم تسمع قصة القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت يعنى طائفة منهم و طائفة كانت ناهية عن المنكر و طائفة لم يأتوا بالمنكر لكنهم تركوا النهى عنه فقال اللّه تعالى فانجينا الذين ينهون عن السوء و أخذنا الذين ظلموا بعذاب فهذا صريح في ان وبال ترك النهى لم ينل غير الظالم و هذه الآية تدل على فتنة ينال وباله الظالم و غيره و قال قوم هى البغي و الفساد في الأرض فانه ينال وباله في الدنيا رجال معصومون يعنى يقتل الناس و ينهب عن قتادة في الاية قال علم و اللّه ذوو الألباب من اصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم حين نزلت هذه الآية انه ستكون فتن و من هاهنا قال ابن زيد أراد بالفتنة افتراق الكلمة و مخالفة بعضهم بعضا و قال الحسن نزلت الآية في على و عمار و طلحة و الزبير عن مطرف قال قلنا للزبير يا أبا عبد اللّه قد ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا و ما أرانا من أهلها فاذا نحن المعنيون بها يعنى ما كان منه يوم الجمل من البغي على على رضى اللّه عنه و كذا قال السدى و الضحاك و قتادة قلت و عندى ان المراد بالفتنة المذكورة ترك الجهاد خصوصا عند النفير العام إذا دعاهم الامام اليه و التولي يوم الزحف بقرينة سياق القصة قال اللّه تعالى و ان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق و قال اللّه تعالى يا ايها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار و قال عز من قائل يا ايها الذين أمنوا استجيبوا للّه و للرسول إذا دعاكم و المراد من إصابة الوبال للظالم و غيره وصول المكروه لجميعهم الا ترى ان ترك القتال يوجب غلبة الكفار و قتل المسلمين و نهب أموالهم من الصغار و الكبار و النساء و القرار من الزحف يوجب قتل المجاهدين الصابرين الا ترى ان المسلمين إذا استزلهم الشيطان يوم أحد نال وباله سائر المسلمين حتى نال بعض المكروه للنبى المعصوم شج وجهه و كسر رباعيته و اللّه اعلم و جاز ان يكون قوله تعالى لا تصيبن نهيا بعد امر باتقاء الذنب و المعنى اتقوا كل فتنة و لا يرتكبن أحد منكم فتنة ما فان وباله يصيب الظالم خاصة و يعود عليه و فائدته ان الظالم منكم أقبح منه من غيركم و هذا معنى ما قال البغوي ليس بجزاء محض و لو كان جزاء لم يدخل فيه النون لكنه نهى و فيه طرف من الجزاء كقوله تعالى يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده تقديره و اتقوا فتنة ان لم تتقوها أصابتكم خاصة فلا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و مثله ادخلوا مساكنكم ان لم تدخلوها يحطمنكم سليمان و جنوده و اللّه اعلم و ليس قوله تعالى لا تصيبن جوابا للامر لان المعنى حينئذ اتقوا فتنة ان تتقوها لا يصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و ليس المعنى ان تتقوها لا يصيبنكم إذ نفي المقيد يرجع الى القيد فالمعنى بل يعمكم و غيركم و فساده ظاهر قال البيضاوي جواب للامر على معنى ان أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة قلت لا بد في جواب الأمر من تقدير شرط ماخوذ من الأمر كما في قول القائل اسلم تدخل الجنة يعنى ان تسلم تدخل الجنة و قوله تعالى ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم يعنى ان تدخلوا لا يحطمنكم فتقدير ان أصابتكم لا يتصور إن كان جوابا للامر بل يكون الشرطية صفة لفتنة و يؤل التأويل الى ما ذكرنا او لا و ايضا لا يجوز ان يكون قوله تعالى لا تصيبن الذين ظلموا جواب قسم محذوف و يكون تقدير الكلام اتقوا فتنة و اللّه لا يصيبن الفتنة الذين ظلموا منكم خاصة بل يعمكم لان الفتنة المامورة بالاتقاء عنها على هذا فتنة منكرة و النكرة إذا أضمرت في قوله تعالى لا تصيبن صارت عامة فيلزم عموم وبال كل معصية الظالم و غيره و فساده ظاهر لانه خلاف الإجماع و خلاف منطوق قوله تعالى لا تزر وازرة وزر اخرى اللّهم الا ان يقال المراد بالفتنة ما ذكرنا من ترك الجهاد و الفرار من الزحف بقرينة السياق و المراد باصابتها إصابة و بالها في الدنيا و اللّه اعلم وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) فاحذروا عقابه بالاتقاء من الفتنة. |
﴿ ٢٥ ﴾