٢٩

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّه بطاعته و ترك معصيته يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً اى بصيرة في قلوبكم تفرقون بها بين الحق و الباطل و هو المعنى بقوله صلى اللّه عليه و سلم اتقوا فراسته المؤمن فانه ينظر بنور اللّه رواه البخاري في التاريخ و الترمذي عن ابى سعيد و الطبراني و ابن عدى عن ابى امامة و ابن جرير عن ابن عمرو قوله صلى اللّه عليه و سلم استفت نفسك و ان أفتاك المفتون رواه البخاري في التاريخ عن وابصة بسند حسن قلت هذا بعد فناء القلب و تزكية النفس عن الرذائل و حينئذ يتحقق حقيقة التقوى و يسمى هذا في اصطلاح الصوفية بالكشف و المراد بالفرقان نصرا يفرق بين المحقق و المبطل بإعزاز المؤمنين و إذلال الكافرين

و قال مجاهد يجعل له مخرجا في الدنيا و الاخرة عما يحذرون و قال مقاتل بن حيان مخرجا في الدين من الشبهات و هذا يناسب الاول و قال عكرمة نجاة يفرق بينكم و بين ما تخافون و قال الضحاك ثباتا و قال ابن إسحاق فصلا بين الحق و الباطل يظهر اللّه به حقكم و يطفى بطلان من خالفكم و الفرقان مصدر كالرجحان و النقصان وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ اى يمحو عنكم و يستر لكم ما سلف من ذنوبكم وَ يَغْفِرْ لَكُمْ نعمائه روى البزار عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم يخرج لابن آدم ثلثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح و ديوان فيه ذنوبه و ديوان فيه النعم من اللّه فيقول اللّه لاصغر نعمه في ديوان النعم خذى منك من عمله الصالح فتستوعب العمل الصالح فيقول و عزتك ما استوفيت و تبقى الذنوب و النعم و قد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد اللّه ان يرحم عبدا قال يا عبدى قد ضاعفت لك حسناتك و تجاوزت عن سياتك و وهبت لك نعمتى

و اخرج الطبراني عن واصلة بن الأسقع يبعث اللّه يوم القيامة عبدا لا ذنب له فيقول اللّه تبارك و تعالى الى الامرين أحب إليك ان اجزى بعملك او بنعمتي عليك قال يا رب أنت اعلم انى لم اعصك قال خذوا عبدى بنعمة من نعمى فما تبقى له حسنة الا استغرقتها تلك النعمة فيقول بنعمتك و رحمتك و من هاهنا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه لا ينجى أحدا منكم عمله قالوا و لا أنت يا رسول اللّه قال و لا انا الا ان يستغمدنى اللّه برحمة منه و فضل متفق عليه من حديث ابى هريرة و في الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال سددوا و قاربوا و ابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا و لا أنت يا رسول اللّه قال و لا انا الا ان يتغمدنى اللّه برحمته و اليه أشار اللّه سبحانه بقوله وَ اللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) يعنى ما وعدتكم على التقوى ليس مما يوجب ذلك علينا تقويكم بل انما هو تفضل و احسان كالسيد إذا وعد انعاما لعبده على عمل واجب عليه و ان لم ينعم السيد ذلك و قيل معنى يكفر عنكم سيئاتكم يعنى الصغائر و يغفر لكم يعنى ذنوبكم الكبائر.

﴿ ٢٩