|
٣٠ وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قوله إذا أنتم قليل يعنى اذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا و إذ قالوا اللّهم فان هذه السورة مدنية و هذا المكر و القول كان بمكة روى ابن إسحاق و عبد الرزاق و احمد و ابن جرير و ابو نعيم و ابن المنذر و الطبراني عن ابن عباس و عبد الرزاق و عبد بن حميد عن قتادة ان قريشا لما أسلمت الأنصار رأت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد كانت له شيعة و أصحابا من غير بلدهم و رأوا خروج أصحابه المهاجرين إليهم عرفوا انهم نزلوا دارا و أصابوا جوارا و منعة فحذروا خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إليهم و عرفوا انه قد اجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة و هى دار قصى بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى امرا لا يتشاورن فيها فاجتمعوا لذلك و اتعدوا و كان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من اهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون و عسى ان لا تعدموا منه رايا و لا نصحا قالوا أجل ادخل فدخل معهم و اجتمع فيها اشراف قريش عتبة و شيبة ابنا ربيعة و طعيمة بن عدى و النضر ابن الحارث بن كلدة و ابو البختري بن هشام و زمعة بن الأسود و ابو جهل بن هشام و نبيه و منبه ابنا حجاج و امية بن خلف و ابو سفيان بن حرب و جبير بن معطم و حكيم ابن حزام و اسلم الثلاثة الاخيرة بعد ذلك و غيرهم من كان منهم و من غيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض ان هذا الرجل قد كان من امره ما قد رأيتم و انا و اللّه ما ناء منه على الوثوب علينا بمن اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا فتشاوروا فقال قائل منهم نقل السهيلي عن عبد السلام انه ابو البختري بن هشام احبسوه في الحديد و أغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير و النابغة و من مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي لعنه اللّه و اللّه ما هذا لكم برأى و اللّه لئن حبستموه في بيت ليخرجن امره من وراء الباب الذي اغلقتم دونه الى أصحابه فيوشك ان يثبوا عليكم فيقاتلوكم و يأخذوه من ايديكم قالوا صدق الشيخ فقال قائل منهم ذكر السهيلي انه ابو الأسود ربيعه بن عمر أخو بنى عامر بن لوى نخرجه من بين أظهرنا فلا يضرنا ما صنع و اين وقع إذا غاب عنا و فرغنا منه فاصلحنا أمرنا و ألفتنا فقال الشيخ النجدي لعنه اللّه ما هذلكم برأى الم تروا الى حسن حديثه و حلاوة منطقة و غلبة قلوب الرجال بما يأتي به و اللّه لئن فعلتم ذلك فيذهب فيستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم حتى يطاكم به فياخذ أمركم من ايديكم ثم يفعل بكم ما أراد فأروا فيه رايا غير هذا فقال ابو جهل و اللّه ان لى فيه رايا ما أراكم وقفتم عليه بعد قالوا و ما هو يا أبا الحكم قال ارى ان ناخذ من كل قبيلة شابا جلدا حسيبا وسطا ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا عليه بأجمعهم فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا به بالعقل فعقلناه لهم فقال الشيخ النجدي القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي لا راى غيره و قال شعر الرأي رايان راى ليس يعرفه هاد و راى كنصل السيف معروف يكون اوله عزو مكرمة يوما و آخره حمد و تشريف فتفرق القوم على ذلك و هم مجتمعون له فانى جبرئيل عليه السلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي تبيت عليه و أخبره بمكر القوم و اذن اللّه تعالى في الخروج فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيبيتون عليه فلما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكانهم قال لعلي رضى اللّه عنه نم على فراشي و تسبح بردائي الأخضر الحضرمي فنم فيه فانه لن يخلص إليك منهم امر تكرهه و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينام في برده ذاك إذا نام فلما اجتمعوا قال ابو جهل ان محمدا يزعم انكم ان تابعتموه على امره كنتم ملوك العرب و العجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن «١» و ان أنتم لم تفعلوا كان له فيكم ذبيح ثم بعثتم بعد موتكم فجعل لكم النار تحرقون فيها فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه حفنة «٢» من تراب ثم قال نعم انا أقول ذلك و أنت أحدهم و أخذ اللّه تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذرى التراب على رؤسهم و هو يتلوا هذه الآيات يس و القرآن الحكيم الى قوله فهم لا يبصرون و لم يبق منهم رجل الا و قد وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على رأسه ترابا و انصرف الى حيث أراد ان يذهب فاتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنظرون هاهنا قالوا محمدا قال خيبكم اللّه عز و جل قد و اللّه خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا الا و قد وضع على راسه ترابا و انطلق لحاجته فما (١) الأردن موضع معروف من ارض الشام قريب بيت المقدس ١٢. (٢) الحفنة الكف ١٢. ترون ما بكم و وضع كل رجل منهم يده على راسه فاذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا رضى اللّه عنه على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متسبحا برداء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيقولون و اللّه ان هذا محمدا نائم عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علىّ عن فراشه فقالوا و اللّه لقد صدقنا الذي كان حدثنا و ذهب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى غار ثور و سيجى باقى قصة خروجه صلى اللّه عليه و سلم في سورة التوبة إنشاء اللّه تعالى روى الحاكم عن ابن عباس قال شرى عليّ نفسه و لبس ثوب النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم نام مكانه و كان المشركون يرمون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجعلوا يرمون عليا و يرونه النبي صلى اللّه عليه و سلم و جعل عليّ يتضور «١» فاذا هو عليّ فقالوا انك لليئم انك لتتضور و كان صاحبك لا يتضور و لقد استنكرناه فيك و روى الحاكم عن على بن الحسين قال ان أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان اللّه علىّ و قال في ذلك شعر (١) اى ينقلب ظهر البطن ١٢. وقيت بنفسي خير من وطى الحصى و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر رسول اله أخاف ان يمكروا به فنجاه ذو الطول الإله من المكر و بات رسول اللّه في الغار آمنا موقى و في حفظ الإله و في ستر و بت أراعيهم و ما يتهمونه و قد وطنت نفسى على القتل و الاسر قال ابن إسحاق و كان مما نزل في ذلك اليوم و ما اجتمعوا له قوله تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ اى يحبسوك و يوثقوك كما قال به ابو الحقيق أَوْ يَقْتُلُوكَ كما قال به ابو جهل و ارتضى به إبليس لعنهما اللّه سبحانه أَوْ يُخْرِجُوكَ كما قال به أخو بنى عامر وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّه ط المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة و ذلك ضربان مكر محمود و هو ان يتحرى بذلك فعل جميل و مذموم و هو ان يتحرى به فعل قبيح لكن اسناده الى اللّه تعالى انما يحسن للمزاوجة و لا يجوز إطلاقها ابتدا علما فيه من إيهام الذم و المعنى انهم احتالوا لابطال امر محمد و اطفاء نور اللّه و اللّه تعالى احتال لاتمام امره و نوره و إهلاك أعدائه وَ اللّه خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣) فان فعله تعالى خير كله و حسن جميل و قيل معنى مكر اللّه انه يرد مكرهم و قيل معناه يجازيهم على المكر و قال بعضهم من مكر اللّه امهال العبد و تمكينه من اعراض الدنيا و لذلك قال أمير المؤمنين من وسع عليه دنياه و لم يعلم انه مكر فهو مخدوع عن عقله و اخرج ابن جرير من طريق عبيد ابن عمير عن المطلب بن وداعة ان أبا طالب قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم ما يأتمر بك قومك قال يريدون ان يسجنونى او يقتلونى او يخرجونى قال من حدثك بهذا قال ربى قال نعم الرب ربك فاستوص به خيرا قال انا استوصى به بل هو يستوصى بي فنزلت و إذ يمكر بك الذين كفروا الآية قال ابن كثير ذكر ابى طالب فيه غريب بل منكر لان القصة ليلة الهجرة و ذلك بعد موت ابى طالب بثلث سنين اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال قتل النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم بدر صبرا عقبة بن ابى معيط و طعيمة بن عدى و النضر بن الحارث و كان المقداد اسر النضر فلما امر بقتله قال المقداد يا رسول اللّه اسيرى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه كان يقول في كتاب اللّه ما يقول قال و فيه أنزلت. |
﴿ ٣٠ ﴾