١٠٠

وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ الذين هجروا قومهم و عشائرهم و فارقوا أوطانهم و أموالهم يعنى من قريش مكة وَ الْأَنْصارِ الذين نصروا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أووه و أصحابه حين أخرجه قومه يعنى من اهل المدينة و اختلفوا فى السابقين من الفريقين قال سعيد بن المسيب و قتادة و ابن سيرين و جماعة هم الذين صلوا الى القبلتين و قال عطاء بن ابى رباح هم اهل بدر و قال الشعبي هم الذين شهدوا بيعة الرضوان بالحديبية و قيل هم من المهاجرين ثمانية ففر الذين سبقوا الى الإسلام ثم تتابع الناس فى الدخول فى الإسلام بعدهم و هم أبو بكر و على و زبير بن الحارثة و عثمان بن عفان و زبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ابى و قاص و طلحة بن عبيد اللّه

قال البغوي و اختلفوا فى أول من أمن برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد امرأته خديجة مع اتفاقهم على انها أول من أمن برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال بعضهم على ابن ابى طالب و هو قول جابر بن عبد اللّه و يؤيده قول على رضى اللّه عنه (شعر)

سبقتكم الى الإسلام طرا غلاما ما بلغت او ان حلم

قال مجاهد و ابن إسحاق اسلم على و هو ابن عشر سنين و قال بعضهم أول من أمن به بعد خديجة ابو بكر الصديق و هو قول ابن عباس و ابراهيم النخعي و الشعبي و يشهده قول حسان بن ثابت فى اشعاره فى مدح ابى بكر و تسليم النبي صلى اللّه عليه و سلم إياه و قال بعضهم أول من أمن به زيد بن حارثة و هو قول الزهري و عروة ابن الزبير و كان إسحاق بن ابراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول أول من اسلم من الرجال ابو بكر و من النساء خديجة و من الصبيان على و من العبيد زيد بن الحارثة رضى اللّه عنهم أجمعين قال ابن إسحاق فلما اسلم ابو بكر اظهر إسلامه و دعا الى اللّه و الى رسوله و كان رجلا محببا سهلا و كان انسب قريش و أعلمها بما كان فيها و كان تاجر إذا خلق و معروف و كان رجال قومه يأتونه و يألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه و حسن مجالسته فجعل يدعوا الى الإسلام من وثق به من قومه فاسلم على يديه فيما بلغني عثمان و الزبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ابى وقاص و طلحة بن عبيد اللّه فجاء بهم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين اسلموا و صلوا ثم اسلم غيرهم حتى بلغ المسلمون من الرجال و النساء الى تسع و ثلثين فى سبع سنين ثم اسلم عمر بن الخطاب فهو منهم أربعين فاذا اسلم عمر قال المشركون اليوم انتصف منا ثم شاع الإسلام و تقوى بإسلام عمر بعد سبع سنين و من هاهنا قال على رضى اللّه عنه صليت قبل الناس بسبع سنين و السابقون من الأنصار هم الذين بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة العقبة و كانوا ستة فى العقبة الاولى و قيل سبعة و اثنى عشر فى العقبة الثانية و السبعون فى العقبة الثالثة كما سنذكر و الذين أمنوا حين قدم عليهم ابو زرارة و مصعب بن عمير يعلمهم القرآن فاسلم خلق كثير و جماعة من النساء و الصبيان قرا يعقوب و الأنصار بالرفع عطفا على قوله و السابقون و هى قرأة ابى أخرجها ابن جرير و ابو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي و الحاكم و ابو الشيخ عن اسامة و محمد بن ابراهيم التيمي وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ قيل هم بقية المهاجرين و الأنصار سوى السابقين الأولين و قيل هم الذين سلكوا سبيلهم فى الايمان و الهجرة و النصرة الى يوم القيامة قلت و يمكن ان يكون المراد من السابقين المقربين الذين قال اللّه تعالى فيهم و السابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين يعنى من الصحابة و التابعين و اتباعهم فانهم الأولون من هذه الامة و قليل من الآخرين اى آخري هذه الامة يعنى بعد الالف و هم ارباب كمالات النبوة فانهم كثيرون فى الصدر الاول قال المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه الصحابة كلهم كانوا من ارباب كمالات النبوة و اكثر التابعين و بعض من اتباع التابعين و قيل بعد الالف من الهجرة قلت فعلى هذا قوله تعالى من المهاجرين و الأنصار بيان للسابقين الأولين و ليست كلمة من للتبعيض و الذين اتبعوهم بإحسان يشتمل السابقين الآخرين و اصحاب اليمين الذين هم ثلة من الأولين من الصدر الاول و من بعدهم و ثلة من الآخرين الى ما بعد الالف الى يوم القيامة و قال عطاء الذين اتبعوهم بإحسان هم الذين يذكرون الصحابة بالترحم و الدعاء قال ابو صخر حميد بن زياد أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له ما قولك فى اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال جميع اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الجنة محسنهم و سيئهم فقلت له من اين تقول هذا قال أقرأ قوله تعالى و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار «١» الى ان قال رضى اللّه عنهم و رضوا عنه قال و الذين اتبعوهم بإحسان شرط فى التابعين شريطة و هو ان يتبعوهم فى أفعالهم الحسنة دون السيئة قال ابو صخر فكانى لم يقرأ هذه الاية قط و ما عرفت تفسيرها حتى قرأها علىّ محمد بن كعب قلت و اولى بالاحتجاج على كون جميع الصحابة فى الجنة قوله تعالى لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد

(١) و عن حبيب الشهيد عن عمر بن عامر الأنصاري ان عمر بن الخطاب قرا او السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصاري الذين اتبعوهم بإحسان فرفع الأنصار و لم يلحق الواو فى الذين فقال له زيد بن ثابت و الذين فقال الذين فقال زيد امير المؤمنين اعلم فقال ايتوني بالى بن كعب فاتاه فسأله عن ذلك فقال و الذين فقال فنعم إذا فتابع أبيا ١٢.

و قاتلوا و كلا وعد اللّه الحسنى فانه صريح فى ان جميع الصحابة أولهم و آخرهم وعدهم اللّه تعالى الحسنى يعنى الجنة و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسى بيده لو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم و لا نصيفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تمس النار مسلما رأنى او راى من رأنى رواه الترمذي عن جابر و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من أحد من أصحابي يموت بأرض الا بعث قائدا و نور الهم يوم القيامة رواه الترمذي من حديث بريدة و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين من حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ بقبول طاعتهم و ارتضاء أعمالهم وَ رَضُوا عَنْهُ ربا و عن الإسلام دينا و محمد رسولا و نبيا بما القى اللّه حبه فى قلوبهم و بما نالوا من نعم الدنيوية و الدينية وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ قرأ ابن كثير من تحتها كما هو فى ساير المواضع و كذلك فى مصاحف اهل مكة و الباقون بحذف من خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)

﴿ ١٠٠