١٤

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ اى الدعوة المجابة مختصة به تعالى دون غيره كما يدل عليه ما بعده- او المعنى له الدعاء الحق فانه الّذي يحق ان يعبد و يدعى الى عبادته و يسئل منه الحوائج دون غيره- او معناه له الدعاء بالإخلاص- و الحق على هذه التأويلات ضد الباطل- و الاضافة فى الظاهر اضافة و الموصوف الى صفته- فيئوّل على طريقة مسجد الجامع- و جانب الغربي و يقال دعوة المدعو الحق فان المدعو بدعوة اللّه سبحانه بالإخلاص يتحقق- او يقال اضافة الدعوة الى الحق لما بينهما من الملابسة كما يقال رجل صدق- و قيل الحق هو اللّه سبحانه و كل دعاء اللّه دعوة الحق-

فان قيل هذا الحمل غير مفيد فان دعاء اللّه تعالى مختص به تعالى لا محالة كما ان دعاء غيره مختص بغيره

قلنا فى ذكر اللّه تعالى بلفظ الحق اشعار بان دعاؤه حق لان دعاء الحق لا يكون الا حقا و دعاء الباطل لا يكون الا باطلا- فالمعنى على هذا التأويل يؤل الى ما سبق فهو بمنزلة الدعوى مع البرهان-

قال البغوي قال على رضى اللّه عنه دعوة الحقّ التوحيد- و قال ابن عباس رضى اللّه عنهما شهادة ان لا اله الا اللّه-

قلت التوحيد و الشهادة ان كانا تفسيرين للحق فالاضافة حقيقية و المعنى للّه الدعوة الى التوحيد و الشهادة- و المراد بالجملتين ان كانت الاية فى عامر و اربد ان هلاكهما من حيث لم يشعر انه محال من اللّه- و اجابة لدعوة رسوله صلى اللّه عليه و سلم و دالة على انه على الحق- و ان كانت عامة فالمراد وعيد الكفرة على مجادلة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحلول محالة و تهديدهم بإجابة دعوة الرسول صلى اللّه عليه و سلم عليهم او بيان ضلالهم و فساد رأيهم وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ أشياء كائنة مِنْ دُونِهِ يعنى يعبدون الأصنام و يذكرونهم و يسئلون منها حوائجهم فحذف المفعول لدلالة قوله مِنْ دُونِهِ عليه- او المعنى و الذين يدعونهم المشركون كائنة من دون اللّه فحذف الراجع- و المراد بالموصول حينئذ الأصنام لا يَسْتَجِيبُونَ الضمير راجع الى الموصول على التقدير الثاني او الى محذوف موصوف عن دونه على التقدير الاول و المعنى لا يجيبون لَهُمْ اى للكفار بِشَيْ ءٍ يريدونه من نفع او دفع ضر إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ يعنى الا استجابة كاستجابة من بسط كفيه إِلَى الْماءِ و هو عطشان جالس على شفير البئر يمد يده الى البئر فلا يبلغ قعر البئر و يدعو الماء لِيَبْلُغَ فاهُ متعلق بباسط اى يطلب من الماء ان يبلغ فاه وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ لانه جماد لا يشعر بدعائه و لا يقدر على اجابته و الإتيان بغير ما جبل عليه- كذلك الهتهم لا يشعرون بدعائهم و لا يقدرون على اجابتهم فاضافة الاستجابة الى الباسط اضافة المصدر الى المفعول- هذا معنى قول مجاهد و مثله عن على رضى اللّه عنه و عطاء- و قيل شبهوا فى قلة جدوى دعائهم لها بمن أراد ان يغرف الماء ليشربه فبسط كفيه ليقبض على الماء- و القابض على الماء لا يكون فى يده شي ء و لا يبلغ الى فيه منه شي ء- كذلك الّذي يدعو الأصنام و هى لا تضر و لا تنفع لا يكون بيده شي ء و هذا التأويل مروى عن ابن عباس قال كالعطشان إذا بسط كفيه فى الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء و لا يبلغ فاه ما دام باسط كفيه- فهذا مثل ضربه لخيبة الكفار وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ أصنامهم اى عبادتهم لها و طلب حاجتهم منها إِلَّا فِي ضَلالٍ (١٤) فى ضياع و خسار و بطلان- و قال الضحاك عن ابن عباس و ما دعاء الكفرين ربهم جلّ و على الا فى ضلال لان أصواتهم محجوبة عن اللّه تعالى بحجب الكفر و المعاصي و اللّه اعلم-.

﴿ ١٤