٧

إِنْ أَحْسَنْتُمْ بالطاعة أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لان ثوابه لها و اللّه تعالى غنى عن طاعتكم وَ إِنْ أَسَأْتُمْ بالفساد فَلَها ذكر اللام موضع عليها ازدواجا يعنى و بالها عليها فَإِذا جاءَ وَعْدُ اى وقت وعد عقوبة المرة الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ اى بعثناهم ليسوءوا وجوهكم اى يجعلوها بادية اثار المساءة فيها- حذف بعثنا هاهنا لدلالة ذكره اولا عليه- قرا الكسائي و يعقوب «١» لنسوءا بالنون و فتح الهمزة على التكلم و التعظيم على وفق قضينا و بعثنا

و قرا ابن عامر و حمزة و ابو بكر بالياء التحتانية و فتح الهمزة على صيغة الغائب الواحد اى ليسوءا اللّه وجوهكم او ليسوءا الوعد او البعث و الباقون بالياء التحتانية و ضم الهمزة على صيغة الجمع المذكر للغائب اى ليسوءوا العباد أولوا البأس الشديد وجوهكم-

قال البغوي سلط اللّه عليهم الفرس و الروم و خردوش و ططيوس حتّى قتلوهم و سبوهم و نفوهم عن ديارهم وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعنى بيت المقدس و نواحيه كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا اى ليهلكوا ما عَلَوْا اى ما غلبوا و استولوا عليه او مدة علوهم تَتْبِيراً (٧)

قال البغوي قال محمّد بن إسحاق كانت بنوا إسرائيل فيهم الأحداث و الذنوب و كان اللّه فى ذلك متجاوزا عنهم محسنا إليهم و كان أول ما نزل بهم بسبب ذنوبهم كما اخبر اللّه على لسان موسى عليه السلام ان ملكا منهم كان يدعى صديقه و كان اللّه تعالى إذا ملك الملك عليهم بعث معه نبيّا يسدّده و يرشده لا ينزل عليهم الكتب انما يؤمرون باتباع التورية و الاحكام الّتي فيها فلما ملك ذلك الملك بعث اللّه معه شعيا بن امضيا و ذلك قبل مبعث زكريا و يحيى و عيسى عليهم السلام- و شعيا

(١) و يعقوب مع ابى عمرو- ابو محمّد.

هو الّذي بشر بعيسى و محمّد عليهما الصلاة و السلام فقال أبشري أورشليم الان يأتيك راكب الحمار و من بعده صاحب البعير- فملك ذلك الملك بنى إسرائيل و بيت المقدس زمانا فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث و شعيا معه بعث اللّه سخاريب ملك بابل معه ستمائة الف رأية فاقبل سائرا حتّى نزل حول بيت المقدس- و الملك مريض فى ساقه قرحة- فجاء النبي شعيا فقال له يا ملك بنى إسرائيل ان سخاريب ملك بابل قد نزل بك هو و جنوده بستمائة الف رأية و قدها بهم الناس و فرقوا- فكبر ذلك على الملك فقال يا نبى اللّه هل أتاك وحي من اللّه فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل اللّه بنا و بسخاريب و جنوده- فقال لم يأتينى وحي فبينماهم على ذلك اوحى اللّه الى شعيا النبي عليه السلام ان ايت ملك بنى إسرائيل فمره ان يوصى وصية و يستخلف على ملكه من يشاء من اهل بيته- فاتى شعيا ملك بنى إسرائيل صديقة فقال ان ربك قد اوحى الىّ ان أمرك ان توصى وصيتك و تستخلف من شئت على ملكك من اهل بيتك فانك ميّت- فلما قال ذلك شعيا لصديقة اقبل على قبلته فصلّى و دعا و بكى فقال و هو يتضرع و يبكى و يتضرع الى اللّه بقلب مخلص- اللّهم رب الأرباب و اله الالهة يا قدوس المتقدس يا رحمان يا رءوف الّذي لا تأخذه سنة و لا نوم اذكرني بعملي و فعلى و حسن قضائى على بنى إسرائيل و ذلك كله منك و أنت اعلم به منى سرى و علانيتى لك- و ان الرحمان استجاب دعاءه و كان عبدا صالحا- فاوحى اللّه الى شعيا ان تخبر صديقة ان ربه قد استجاب له و رحمه و اخّر اجله خمس عشرة سنة و أنجاه من عدوه سخاريب- فاتاه شعيا فاخبره بذلك- فلما قال له ذلك ذهب عنه الروع و انقطع عنه الحزن و خرّ ساجدا و قال يا الهى و اله ابائى لك سجدت و سبحت و كرّمت و عظّمت أنت الّذي تعطى الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء عالم الغيب و الشهادة أنت الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و أنت ترحم و تستجيب دعوة المضطرين أنت الّذي أجبت دعوتى و رحمت تضرعى فلما رفع رأسه اوحى اللّه الى شعيا ان قل للملك صديقة فيامر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى فيصبح و قد برئ ففعل فشفى-

و قال الملك لشعيا سل ربك ان يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال اللّه لشعيا قل انى قد كفيتك عدوك و انجيتك منهم و انهم سيصبحون كلهم موتى الا سخاريب و خمسة نفر من كتّابه- فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بنى إسرائيل ان اللّه قد كفاك عدوك- فاخرج فان سخاريب و من معه قد هلكوا- فلمّا خرج الملك التمس سخاريب فلم يوجد فى الموتى فارسل الملك فى طلبه فادركه الطلب فى مغارة و خمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر- فجعلوهم فى الجوامع ثم أتوا بهم ملك بنى إسرائيل فلما راهم خرّ ساجدا من حين طلعت الشمس الى العصر- ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم الم يقتلكم بحوله و قوته و نحن و أنتم غافلون- فقال سخاريب قد أتاني خبر ربكم و نصره إياكم و رحمته الّتي يرحمكم بها قبل ان اخرج من بلادي فلم أطع مرشدا و لم يلقنى فى الشقوة إلا قلة عقلى و لو سمعت او عقلت ما غزوتكم- فقال صديقة الحمد للّه رب العزة الّذي كفاناكم بما شاء ان ربنا لم يبقك و من معك لكرامتك على ربك و لكنه انما أبقاك و من معك لتزدادوا شقوة فى الدنيا و عذابا فى الاخرة- و لتخبروا من ورائكم بما رايتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم- و لو لا ذلك لقتلتكم و لدمك و دم من معك أهون على اللّه من دم قراد لو قتلت ثم ان ملك بنى إسرائيل امر امير حرسه فقذف فى رقابهم الجوامع و طاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس و ايليا و كان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم- فقال سخاريب لملك بنى إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فامر بهم الملك الى سجن القتل- فاوحى الى شعيا النبي عليه السلام ان قل لملك بنى إسرائيل يرسل سخاريب و من معه لينذروا من ورائهم و ليكرمهم و ليحملهم حتّى يبلغوا بلادهم فبلّغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما امر به- فخرج سخاريب و من معه حتّى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فاخبرهم كيف فعل اللّه بجنوده فقال له كهانه و سحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم و خبر نبيهم و وحي اللّه الى نبيهم فلم تطعنا و هى امة لا يستطيعها أحد مع ربهم- و كان امر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم اللّه تذكرة و عظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات و استخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان عليه جده يعمل عمله فلبث سبع عشرة سنة- ثم قبض اللّه ملك بنى إسرائيل صديقة فمرج امر بنى إسرائيل و تنافسوا الملك بعده حتّى قتل بعضهم بعضا و نبيهم شعيا عليه السلام معهم و لا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال اللّه لشعيا تم فى قومك فاوحى على لسانك فلما قام النبي انطق اللّه على لسانه بالوحى فقال يا سماء اسمعي و يا ارض انصتى فان اللّه يريد ان يقص شأن بنى إسرائيل الذين رباهم بنعمته و اصطنعهم لنفسه و خصّهم بكرامته و فضلهم على عباده- و هم كالغنم الضائعة الّتي لا راعى لها فاوى شاذتها و جمع ضالتها و جبر كسيرها و داوى مريضها و اسمن مهزولها و حفظ سمينها- فلمّا فعل ذلك بطرت فتنا طحت فقتل بعضها بعضا حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر اليه اخر كسير- فويل لهذه الامة الخاطئة الذين لا يدرون انّى جاءهم الحين- ان البعير مما يذكر وطنه فيستابه و ان الحمار مما يذكر الارى الّذي يشبع عليه فيراجعه و ان الثور مما يذكر الارى الّذي يشبع عليه فيراجعه و ان الثور مما يذكر المرح الّذي سمن منه فينتابه- و ان هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين و هم أولوا الألباب و العقول ليسوا ببقر و لاحمز انى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون فى ارض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمران فيها- و كان لها ربّ حكيم قوى فاقبل عليها بالعمارة و كره ان يخرب ارضه و هو قوى او ان يقال ضيع و هو حكيم فاحاط عليها جدارا و شيّد فيها قصرا و انط نهرا و صفّ فيها غراسا من الزيتون و الرمان و النخيل و الأعناب و ألوان الثمار كلها- و ولّى ذلك و استحفظه ذا رأى و همة حفيظا قويا أمينا فلمّا اطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض هذه- نرى ان يهدم جدارها و قصرها و يدفن نهرها و يقبض فمها و يحرق غرسها حتّى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها- قال اللّه قل لهم فان الجدار دينى و ان القصر شريعتى و ان النهر كتابى و ان القيم نبيى و ان الغراس هم- و ان الخروب الّذي اطلع الغراس أعمالهم الخبيثة و انى قد قضيت عليهم قضاء هم على أنفسهم و انه مثل ضربته لهم- يتقرّبون الىّ بذبح البقر و الغنم و ليس ينالنى اللحم و لا أكله- و يدعون ان يتقرّبوا الىّ بالتقوى و الكف عن ذبح الأنفس الّتي حرمتها فايديهم مخضوبة منها و ثيابهم متزملة بدمائها- و يشيدون لى البيوت مساجد و يطهرون أجوافها و يتنجسون قلوبهم و أجسادها و يدنسوها- و يروقون لى المساجد و يزيّنونها و يخربون عقولهم و اخلاقهم و يفسدونها- فاىّ حاجة لى الى تشييد البيوت و لست أسكنها و اىّ حاجة لى الى ترويق المساجد و لست أدخلها انما أمرت برفعها لا ذكر و اسبح فيها- يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا و صلينا فلم تنور صلاتنا و تصدقنا فلم تزك صدقاتنا و دعونا بمثل حنين الحمار و بكينا بمثل عواء الذئاب فى كل ذلك لا يستجاب لنا- قال اللّه فاسألهم ما الّذي يمنعنى ان استجيب لهم الست اسمع السامعين و ابصر الباصرين و اقرب المجيبين و ارحم الراحمين- فكيف ارفع صيامهم و هم يلبّسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام- و كيف أنور صلاتهم و قلوبهم صاغية الى من يحاربنى و يحادّنى و ينتهك محارمى- أم كيف يزكوا عندى صدقاتهم و هم يتصدقون باموال غيرهم انما اجر عليها أهلها المعصومين- أم كيف استجيب دعاءهم و انما هو قول بألسنتهم و الفعل من ذلك بعيد انما استجيب للوادع اللين و انما اسمع قول المستعف المسكين- و ان من علامة رضائى رضاء المساكين- يقولون لما سمعوا كلامى و بلّغتهم رسالتى انها أقاويل متقوّلة و أحاديث متوارثة و تأليف مما يؤلف السحرة و الكهنة- و زعموا انهم لو شاءوا ان يأتوا بحديث مثله فعلوا- و لو شاءوا ان يطلعوا على علم الغيب بما يوحى إليهم الشياطين اطلعوا- و انى قد قضيت يوم خلقت السماء و الأرض قضاء أثبته و حتمته على نفسى و جعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد انه واقع فان صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى انفذه او فى اىّ زمان يكون- و ان كانوا ان يقدرون على ان يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة الّتي بها أمضيه فانى مظهره على الدين كله و لو كره المشركون و ان كانوا يقدرون على ان يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة الّتي بها ادبّر امر ذلك القضاء ان كانوا صادقين- و انى قد قضيت يوم خلقت السموات و الأرض ان اجعل النبوة فى الاجراء و ان اجعل الملك فى الرعاء و العز فى الأذلاء و القوة فى الضعفاء و الغنى فى الفقراء و العلم فى الجهلة و الحكم فى الأميين- فسلهم متى هذا و من القائم به و من أعوان هذا الأمر و أنصاره ان كانوا يعلمون- فانى باعث لذلك نبيّا اميّا ليس بفظّ و لا غليظ و لاصحاب فى الأسواق و لا متزين بالفحش و لا قوال للحياء- اسدده لكل خميل واهب له كل خلق كريم ثم اجعل السكينة لباسه و البر شعاره و التقوى ضميره و الحكمة معقوله و الصدق و الوفاء طبيعته و العفو و المعروف خلقه و العدل سيرته و الحق شريعته و الهدى امامه و الإسلام ملته و احمد اسمه- اهدى به بعد الضلالة و اعلم به من الجهالة و ارفع به بعد الخمالة و أشهر به بعد النكرة و اكثر به بعد القلة و اغنى به بعد العيلة و اجمع به بعد الفرقة و اؤلف به بين قلوب مختلفة و أهواء متشتة و امم متفرقة- و اجعل أمته خير امة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر توحيدا لى و ايمانا بي و إخلاصا لى- يصلّون لى قياما و قعودا و ركعا و سجودا- و يقاتلون فى سبيلى صفوفا و زحوفا- و يخرجون من ديارهم و أموالهم ابتغاء رضوانى- الهمهم التكبير و التوحيد و التسبيح و التحميد و المدحة و التمجيد لى فى مسيرهم و مجالسهم و مضاجعهم و متقلبهم و مثواهم- يكبرون و يهللون و يقدسون على رءوس الاشراف و يطهرون لى الوجوه و الأطراف و يعقدون الثياب على الانصاف- قربانهم دماؤهم و أناجيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار- و ذلك فضلى أوتيه من أشاء و انا ذو الفضل العظيم- فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فادركه الشيطان و أخذ بهدبة من ثوبه فاراهم إياها فوضعوا المنشار فى وسطها فنشروها حتّى قطعوها و قطعوه فى وسطها- و استخلف اللّه على بنى إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشية بن اموص و بعث لهم ارميا بن حلقيا نبيّا من سبط هارون بن عمران- و ذكر ابن إسحاق انه الخضر عليه السلام و اسمه ارميا سمى الخضر لانه جلس على فروة «١» بيضاء فقام عنها

(١) الفروة الأرض اليابسة و قيل الهشيم اليابس من النيان ١٢ نهايه منه رحمه اللّه [.....].

و هى تهتز خضراء فبعث اللّه ارميا الى ذلك الملك يسدده و يرشده ثم عظمت الأحداث فى بنى إسرائيل و ركبوا المعاصي و استحلوا المحارم فاوحى اللّه الى ارميا ان ايت قومك من بنى إسرائيل فاقصص عليهم ما أمرك به و ذكّرهم نعمى و عرفهم باحداثهم- فقال ارميا يا رب انى ضعيف ان لم تقولى عاجز ان لم تبلغنى مخذول ان لم تنصرنى- قال اللّه تعالى الم تعلم ان الأمور كلها تصدر عن مشيّتى و ان القلوب و الالسنة بيدي أقلبها كيف شئت انى معك و لم يصل إليك شي ء معى- فقام ارميا فيهم و لم يدر ما يقول فالهمه اللّه فى الوقت خطبة بليغة بيّن لهم فيها ثواب الطاعة و عقاب المعصية و قال فى آخرها عن اللّه عز و جل و انى حلفت بعزتي لأقيّضنّ لهم فتنة يتحير فيها الحليم و لا سلطنّ عليهم جبارا قاسيا البسه الهيبة و انزع من صدره الرحمة يتبعه عسكر مثل سواد الليل المظلم- ثم اوحى اللّه الى ارميا انى مهلك بنى إسرائيل بيافث و يافث اهل بابل فسلط اللّه عليهم بخت نصر فخرج عليهم فى ستمائة الف رأية و دخل بيت المقدس بجنوده و وطى الشام و قتل بنى إسرائيل حتّى أفناهم و خرّب بيت المقدس و امر جنوده ان يملا كل واحد منهم ترسه ترابا ثم يقذفه فى بيت المقدس ففعلوا ذلك حتّى ملاوه ثم أمرهم ان يجمعوا من فى بلاد بيت المقدس كلهم فاجتمع عندهم كل صغير و كبير من بنى إسرائيل فاختار منهم سبعين الف صبى- فلمّا خرجت غنائم جنده و أراد ان يقسمهم فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه ايها الملك لك الغنائم كلها و اقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بنى إسرائيل- فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فاصاب كل رجل منهم اربعة غلمة-

و فرق من بقي من بنى إسرائيل ثلاث فرق فثلثا أقرّ بالشام و ثلثا سبى و ثلثا قتل- و ذهب بناشية بيت المقدس و بالصبيان السبعين الالف حتّى أقدمهم بابل فكانت هذه الوقعة الاولى الّتي انزل ببني إسرائيل بظلمهم فذلك قوله تعالى فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعنى بخت نصر و أصحابه- ثم ان بخت نصر اقام فى سلطانه ما شاء اللّه- ثم راى رؤيا أعجبته إذ راى شيئا أصابه فانساه الّذي راى- فدعا دانيال و حنانيا و عزاريا و ميشائيل و كانوا من ذرارى الأنبياء و سالهم عنها قالوا أخبرنا عنها نخبرك بتأويلها قال ما أذكرها و لان لم تخبرونى بها و بتأويلها لا نزعن أكتافكم- فخرجوا من عنده فدعوا اللّه و تضرعوا اليه فاعلمهم الّذي سالهم عنه فجاءوه فقالوا رايت تمثالا قدماه و ساقاه من فخار و ركبتاه و فخذاه من نحاس و بطنه من فضة و صدره من ذهب و رأسه و عنقه من حديد (قال صدقتم) فبينا أنت تنظر اليه قد أعجبك أرسل اللّه صخرة من السماء فدقّته فهى الّتي أنسيتها- قال صدقتم فما تأويلها قالوا تأويلها انك اريت ملك الملوك بعضهم كان ألين ملكا و بعضهم كان احسن ملكا و بعضهم كان أشد ملكا- الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة احسن من ذلك و أفضل و الذهب أفضل و احسن من الفضة ثم الحديد ملكك فهو أشد و أعز مما كان قبله و الصخرة الّتي رايت أرسل اللّه من السماء فدقّته هى يبعثه اللّه من السماء فيدق ذلك اجمع و يصير الأمر اليه- ثم ان اهل بابل قالوا لبخت نصر ارايت هؤلاء الغلمان الّذي كنا سالناك ان تعطينا ففعلت فانا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد راينا نساءنا انصرفت عنا وجوههن إليهم فاخرجهم من بين أظهرنا او اقتلهم قال شأنكم بهم فمن أحب منكم ان يقتل من كان فى يده فليفعل- فلما قربوهم الى القتل بكوا الى اللّه و قالوا يا رب أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعدهم اللّه ان يحييهم فقتلوا الا من استبقى بخت نصر منهم دانيال و حنانيا و عزاريا و ميشائيل- ثم لما أراد اللّه هلاك بخت نصر انبعث فقال لمن فى يده من بنى إسرائيل ارايتم هذا البيت الّذي أخربت و الناس الذين قتلت منهم فما هذا البيت- قالوا هذا بيت اللّه و هؤلاء اهله كانوا من ذرارى الأنبياء فظلموا و تعدّوا فسلطتّ عليهم بذنوبهم- و كان ربهم رب السموات و الأرض و رب الخلق كلهم يكرّمهم و يعزّهم فلمّا فعلوا ما فعلوا اهلكهم و سلط عليهم غيرهم- فاستكبر و ظن انه بجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل قال فاخبرونى كيف لى ان اطلع الى السماء العليا فاقتل من فيها و اتخذها ملكا فانى قد فرغت من ملك الأرض- قالوا ما يقدر عليها أحد من الخلائق قال لتفعلن اولا قتلنكم عن آخركم فبكوا و تضرعوا الى اللّه فبعث اللّه عليه بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتّى عضت بام دماغه فما كان يقر و لا يسكن حتّى يؤجاله رأسه على أم دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ليرى اللّه العباد قدرته- و نجّى اللّه من بقي من بنى إسرائيل فى يده فردّهم الى الشام فبنوا فيه و كثروا حتّى كانوا على احسن ما كانوا عليه و يزعمون ان اللّه تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم- ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها و ليس معهم عهد من اللّه عز و جل و كانت التورية قد أحرقت- و كان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل فرجع الى الشام يبكى عليها ليله و نهاره و قد خرج من الناس و هو كذلك- إذ اقبل اليه رجل و قال يا عزير ما يبكيك قال ابكى على كتاب اللّه و عهده الّذي كان بين أظهرنا لا يصلح دنيانا و آخرتنا غيره قال أ فتحبّ ان ترد إليك ارجع فصم و تطهّر و طهّر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا- فرجع عزير فصام و تطهّر و طهّر ثيابه ثم عهد الى المكان الّذي وعده فجلس فيه فاتاه ذلك الرجل باناء فيه ماء و كان ملكا بعثه اللّه اليه فسقاه من ذلك الإناء فتمثلت التورية فى صدره- فرجع الى بنى إسرائيل فوضع لهم التورية فاحبوه حبّا لم يحبوا حبه شيئا قط ثم قبضه اللّه- و جعلت بنو إسرائيل بعد ذلك يحدثون الأحداث و يعود اللّه عليهم و يبعث فيهم الرسل ففريقا يكذّبون و فريقا يقتلون حتّى كان اخر من بعث اللّه فيهم من أنبيائهم زكريا و يحيى و عيسى عليهم السلام و كانوا من بيت ال داود فمات زكريا و قيل قتل زكريا- فلما رفع اللّه عيسى من بين أظهرهم و قتلوا يحيى بعث اللّه عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش فسار إليهم باهل بابل حتّى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم امر رأسا من رءوس جنوده يدعى يبورز أذان صاحب الفيل فقال انى قد كنت حلفت بإلهي لان اظفرت على اهل بيت المقدس لاقتلنهم حتّى تسيل دماؤهم فى وسط عسكرى الا ان لا أجد أحدا اقتله- فامره ان يقتلهم حتّى يبلغ ذلك منهم و ان يبورز أذان دخل بيت المقدس فقام فى البقعة الّتي كانوا يقربون فيها قربانهم- فوجد فيها دما يغلى فسالهم فقال يا بنى إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلى أخبروني خبره- قالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فكذلك يغلى و لقد قرّبنا منذ ثمان مائة سنة القربان فيقبل منا الا هذا- فقال ما صدقتمونى قالوا لو كان كاول زماننا ليقبل منا و لكن قد انقطع منا الملك و النبوة و الوحى فلذلك لم يقبل منا- فذبح منهم يبورز أذان على ذلك الدم سبعمائة و سبعين زوجا من رءوسهم فلم يهدأ- فأمر فاتى بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يبرد- فلما راى يبورز أذان ان الدم لا يهدا قال لهم يا بنى إسرائيل ويلكم اصدقونى (و اصبروا على امر ربكم فقد طال ما ملكتم فى الأرض تفعلون فيها ما شئتم) قبل ان لا اترك منكم نافخ نار ذكر و لا أنثى الا قتلته- فلمّا راوا الجهد و شدة القتل صدقوا الخبر فقالوا ان هذا دم نبىّ كان ينهانا عن امور كثيرة من سخط اللّه فلو اطعناه فيها لكان ارشد لنا و كان يخبرنا يأمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه- قال يبورز أذان ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الان صدقتمونى لمثل هذا ينتقم ربكم منكم- فلما راى يبورز أذان انهم صدقوه خر ساجدا و قال لمن حوله أغلقوا أبواب المدينة و اخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش و خلافى بنى إسرائيل- و قال يا يحيى بن زكريا قد علم ربى و ربك ما أصاب قومك من أجلك و ما قتل منهم فاهدا بإذن ربك قبل ان لا أبقى من قومك أحدا فهدا الدم بإذن اللّه- و رفع يبورز أذان عنهم القتل و قال امنت بما امنت به بنو إسرائيل و أيقنت انه لا رب غيره- و قال لبنى إسرائيل ان خردوش أمرني ان اقتل منكم حتّى تسيل دماؤكم وسط عسكره و انى لست أستطيع ان أعصيه- قالوا له افعل ما أمرت به فامرهم فحفروا خندقا و امر باموالهم من الخيل و البغال و الحمير و الإبل و البقر و الغنم فذبحها حتّى سال الدم فى العسكر و امر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم- فلم يظن خردوش الا ان ما فى الخندق من بنى إسرائيل فلمّا بلغ الدم عسكره أرسل الى يبورز أذان ان ارفع عنهم القتل ثم انصرف الى بابل و قد أفنى بنى إسرائيل او كاد يفنيهم و هى الوقعة الاخيرة الّتي انزل اللّه لبنى إسرائيل فقوله تعالى لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فكانت الوقعة الاولى بخت نصر و جنوده و الاخرى خردوش و جنوده و كانت أعظم الوقعتين- فلم تقم بعد ذلك لهم رأية و انتقل الملك بالشام و نواحيها الى الروم و اليونانية- الا ان بقايا بنى إسرائيل كثروا و كانت لهم الرياسة ببيت المقدس و نواحيها على غير وجه الملك- و كانوا فى نعمة الى ان بدلوا و أحدثوا الأحداث فسلط اللّه عليهم ططيوس بن اسيانوس الرومي فاخرب بلادهم و طردهم عنها و نزع اللّه عنهم الملك و الرياسة و ضرب عليهم الذلة فليسوا فى امة الا و عليهم الصغار و الجزية و بقي بيت المقدس خرابا الى ايام عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه فعمّره المسلمون بامره- و قال قتادة بعث اللّه عليهم فى الاولى جالوت فسبّى و خرّب ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم فى زمان داؤد- فاذا جاء وعد الاخرة بعث اللّه عليهم بخت نصر فسبّى و خرّب ثم قال.

﴿ ٧