سُورَةُ الْكَهْفِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَعَشْرُ آياَتٍ مكيّة «١» و هى مائة و احدى عشرة اية بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رب يسّر و تمّم بخير اخرج ابن جرير من طريق إسحاق عن شيخ من اهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال بعثت قريش النضر بن الحارث و عقبة بن ابى معيط الى أحبار اليهود «٢» بالمدينة- فقالوا سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته و اخبروهم بقوله فانهم اهل الكتاب الاول- و عندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء- فخرجا حتى أتيا المدينة فسالا «٣» أحبار اليهود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و وصفا «٤» لهم امره و بعض قوله فقالوا لهم سلوه عن ثلاث فان أخبركم بهن فهو نبى مرسل- و ان لم يفعل فالرجل متقوّل سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الاول ما كان من أمرهم فانه كان لهم حديث عجيب- و سلوه عن رجل طاف مشارق الأرض و مغاربها ما كان نبأه- و سلوه عن الروح ما هو- فاقبلا حتى قد ما على قريش- فقالا قد جئناكم بفصل ما بينكم و بين محمّد- فجاءوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسألوه- فقال أخبركم غدا بما سالتم عنه و لم يستثن فانصرفوا و مكث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خمس عشرة ليلة لا يحدث اللّه في ذلك وجبا و لا يأتيه جبرئيل حتى ارجف اهل مكة- حتى احزن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكث الوحى عنه- و شن عليه ما يتكلم به اهل مكة- ثم جاءه جبرئيل من اللّه بسور اصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم و خبر ما سالوه عنه من امر الفتية و الرجل الطوّاف و قول اللّه تعالى و يسئلونك عن الرّوح. قوله تعالى (١) عند البصريين و عند اهل الكوفة مائة و عشرة اية ١٢. (٢) و في الأصل أحبار يهود ١٢. (٣) و في الأصل فسالوا ١٢ [.....]. (٤) و في الأصل و وصفوا ١٢. _________________________________ ١ الْحَمْدُ للّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ اثنى اللّه على نفسه بانعامه على خلقه بما هو أعظم نعمائه على الناس من إنزال القران على واحد منهم- لانه الهادي الى ما فيه كمال العباد الداعي الى ما به ينتظم لهم صلاح المعاش و المعاد- و فيه تلقين للعباد كيف يثنون عليه وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قرأ حفص عوجا في الوصل بسكتة لطيفة على الالف من غير قطع و الباقون يصلون ذلك من غير سكت يعنى شيئا من العوج باختلال في اللفظ أو تناف في المعنى و انحراف من الدعوة الى جناب القدس و خروج شى ء منه من الحكمة و هو في المعاني بكسر العين و فتح الواو كالعوج بفتح العين و الواو في الأعيان- يقال في رأيه عوج و في عصاه عوج- و قيل معناه لم يجعله مخلوقا روى عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى قرءانا عربيّا غير ذى عوج اى غير مخلوق. ٢ قَيِّماً قال ابن عباس اى عدلا يعنى مستقيما معتدلا لا افراط فيه و لا تفريط و قال الفراء قيما على الكتب كلها يشهد بصحتها و ينسخ بعض أحكامها- و قبل اى قيما بمصالح العباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال منصوب بمضمر- قال قتادة تقديره انزل على عبده الكتب و لم يجعل لّه عوجا و لكن جعله قيّما او على الحال من الضمير في له او من الكتاب على ان الواو فى و لم يجعل للحال دون العطف- إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا من المعطوف عليه و لذلك قيل فيه تقديم و تأخير يعنى على تقدير كون الواو للعطف تقديره انزل على عبده الكتب قيّما و لم يجعل لّه عوجا- و فائدة الجمع بين نفى العوج و اثبات الاستقامة و في أحدهما غنى عن الاخر التأييد فربّ مستقيم مشهود له بالاستقامة لا يخلو من ادنى عوج عند التصفح لِيُنْذِرَ العبد بالقران الذين كفروا- حذف المفعول الاول اكتفاء بدلالة القرينة- و اقتصارا على الغرض المسوق اليه بَأْساً اى عذابا شديدا في نار جهنم مِنْ لَدُنْهُ اى صادرا من عنده؟؟؟ أبو بكر بإسكان الدال و إشمامها شيئا من الضم بضم الشفتين كقبلة المحبوب و بكسر النون و الهاء و يصل الهاء بياء- و الباقون بضم الدال و اسكان النون و ضم الهاء و ابن كثير يصلها بواو وَ يُبَشِّرَ قرا حمزة و الكسائي بالتخفيف من الافعال- و الباقون بالتشديد من التفعيل الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ ذكر المفعول الاول هاهنا تعظيما لهم و حثا على الايمان و الأعمال أَنَّ لَهُمْ اى بان لهم أَجْراً حَسَناً هو الجنة و رضوان اللّه تعالى. ٣ ماكِثِينَ فِيهِ اى مقيمين في ذلك الاجر أَبَداً بلا انقطاع. ٤ وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللّه وَلَداً خصصهم بالذكر فكرر الانذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم و لم يذكرالمنذر به هاهنا استغناء بتقدم ذكره. ٥ ما لَهُمْ بِهِ اى بالولد او باتخاذه او بالقول مِنْ عِلْمٍ يعنى يقولون ذلك عن جهل مفرط و توهم باطل او تقليد لما سمعوه من اوائلهم من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به فانهم كانوا يطلقون الأب و الابن بمعنى المؤثر و الأثر او ما لهم باللّه من علم لو علموه لما جوّزوا نسبة اتخاذ الولد اليه- او يقال عدم العلم بالشي ء قد يكون لعدم انكشافه مع وجوده- و قد يكون لانعدامه و استحالته و المراد هاهنا ذلك وَ لا لِآبائِهِمْ الذين تقوّلوه بمعنى التنبّى كَبُرَتْ كَلِمَةً اى عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيه من التشبيه و التشريك و إيهام احتياجه الى ولد يعينه و يخلفه الى غير ذلك من الزيغ و كلمة منصوب على التميز و فيه معنى التعجب و الضمير في كبرت مبهم يفسره كلمة- او راجع الى قولهم اتّخذ اللّه ولدا- و يطلق الكلمة على الكلام المركب ايضا حيث يسمون القصيدة كلمة و قيل أصله من كلمة و هو في محل الرفع على الفاعلية و من زائدة- ثم حذف من فانتصب بنزع الخافض تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ صفة لكلمة تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم و الخارج بالذات هو الهواء الحامل لها- و قيل الجملة صفة لمحذوف «١» هو المخصوص بالذم- لان كبر هاهنا بمعنى بئس تقديره قول يخرج إِنْ يَقُولُونَ اى ما يقولون ذلك إِلَّا كَذِباً صفة لمصدر محذوف اى الا قولا كذبا يعنى ليس لهذا القول مصداق بوجه من الوجوه اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال اجتمع عتبة و شيبة ابني ربيعة و ابو جهل بن هشام و النضر بن الحارث و العاص بن وائل و الأسود بن المطلب و ابو البختري في نفر من قريش- و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد كبر عليه ما راى من خلاف قومه إياه- و انكارهم ما جاء به من النصيحة فاحزنه حزنا شديدا فانزل اللّه تعالى. (١) و في الأصل صفة محذوف. ٦ فَلَعَلَّكَ باخِعٌ اى قاتل نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ اى بعد توليتهم عن الايمان- شبّه النبي صلى اللّه عليه و سلم و إياهم حين تولوا عنه و لم يؤمنوا به و ما تداخله من الأسف على توليتهم عن فارقته احبّته فهو يتحسر على اثارهم و ينجع نفسه وجدا عليهم إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ اى القران شرط مستغن عن الجزاء بما مضى أَسَفاً منصوب على العليّة او الحال اى للتاسف عليهم- او متاسفا عليهم لحرصك على ايمانهم و الأسف فرط الحزن و الغضب. ٧ إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ من الحيوان و النبات و المعادن زِينَةً لَها و لاهلها فان قيل اىّ زينة في الحيّات و العقارب و الشياطين- قيل فيها زينة من حيث انها تدل على صانعها و وحدته و صفاته الكاملة- و قال ابن عباس أراد بهم الرجال خاصة هم زينة الأرض و قيل أراد بهم العلماء و الصلحاء- و قيل الزينة بنيات الأشجار و الأنهار كما قال اللّه تعالى حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها و ازّينت- و قيل المراد بما على الأرض ما يصلح ان يكون زينة لها من نخلوف الدنيا- قلت و يمكن ان يراد بما على الأرض على العموم كما هو الظاهر و كونها زينة من حيث النظام الجملي او من حيث ان لكل شى ء مدخل في الزينة- لان حسن الأشياء الحسنة تعرف كما هى عند معرفة قبح أضدادها لِنَبْلُوَهُمْ اى الناس المفهوم في ضمن قوله تعالى و يبشّر المؤمنين و ينذر الّذين قالوا اتّخذ اللّه ولدا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فى تعاطيه و هو من تزهّد فيه و لم يغتر به و قنع منه بما كفى و صرفه على ما ينبغي- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الدنيا خضرة حلوة و ان اللّه مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون. ٨ وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً «١» جُرُزاً اى ما جعلناها زينة من الحيوان و النبات و غير ذلك من الأشياء جاعلوها ترابا و رفاتا. (١) الصعيد يقال لوجه الأرض و قيل للغبار الذي يصعد و ارض جون اى لا نبت او أكل نباتها و لم يصبها مطر ١٢ منه ر ح. ٩ أَمْ بل ا حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً استفهام تقرير يعنى أعلمت انهم كانوا اية عجبا من آياتنا اى عجيبة- وصفوا بالمصدر مبالغة او على انه بمعنى الفاعل اى معجبا او ذات عجب- و قيل الاستفهام على سبيل الإنكار يعنى انهم ليسوا بأعجب آياتنا فان خلق السموات و الأرض و خلق ما على الأرض من الأجناس و الأنواع التي لا تعدّو لا تحصى مخلوقة منها على طبائع متباعدة و هيات مختلفة ثم ردها إليها كما كانت اعجب منهم- و الكهف الغار الواسع في الجبل و اختلفوا في الرقيم قال سعيد بن جبير هو لوح كتب فيه اسماء اصحاب الكهف و قصتهم دو هذا اظهر الأقاويل ثم وضعوه على باب الكهف و كان اللوح من رصاص و قيل من حجارة- و على هذا يكون الرقيم بمعنى المرقوم اى المكتوب و الرقم الكتابة- و حكى عن ابن عباس انه اسم للوادى الذي فيه كهفهم فعلى هذا هو من رقمة الوادي و هو جانبه- و قال كعب الأحبار هو اسم للقرية التي خرج منها اصحاب الكهف و قيل اسم للجبل الذي فيه الكهف و قيل اصحاب الرقيم قوم آخرون اخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و الطبراني و ابن مردوية عن النعمان بن بشير انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحدث عن اصحاب الرقيم انهم ثلاثة نفر دخلوا الى الكهف و أخرجه احمد و ابن المنذر عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون «١» لاهلهم فاخذتهم السماء فأووا الى الكهف فانحطت صخرة و سدت بابه- فقال أحدهم اذكروا أيكم عمل حسنة لعل اللّه يرحمنا ببركته- فقال واحد استعملت اجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار و عمل بقيته مثل عملهم فاعطيته مثل أجرهم- فغضب أحدهم و ترك اجره فوضعته في جانب البيت ثم مرّبى نفر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء اللّه- فرجع الىّ بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه و قال ان لى عندك حقّا و ذكره حتى عرفته فدفعتها اليه جميعا- اللّهم ان كنت فعلت ذلك لوجهك فاخرج عنا فانصدع الجبل حتى رأووا الضوء- و قال الاخر كانت لى فضيلة و أصاب الناس شدة فجاءتنى امراة فطلبت منى معروفا فقلت ما هو دون نفسك فابت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها- فقال أجيبي له و اعينى عيالك فاتت و سلّمت الىّ نفسها- فلما تكشفتها و هممت بها ارتعدت فقلت مالك قالت أخاف اللّه فقلت خفتيه في الشدة و لم اخفه في الرخاء فتركتها و أعطيتها ملتمسها- اللّهم ان كنت فعلته لاجلك فافرج عنّا فانصدع حتى تعارفوا- و قال الثالث كان لى أبوان هرمان و كانت لى غنم و كنت أطعمهما «٢» و اسقيهما ثم ارجع الى غنمى فحبسنى ذات يوم غنم فلم أرح حتى أمسيت فاتيت أهلي و أخذت محلبى فحلبت فيه و مضيت إليهما فوجدتهما نائمين- فشق علّى ان أوقظهما فتوقفت جالسا و محلبى على يدىّ حتى ايقظهما الصبح فسقيتهما- اللّهم ان فعلته لوجهك فافرج عنا ففرج اللّه عنهم فخرجوا و اللّه اعلم- ثم ذكر اللّه قصة اصحاب الكهف فقال. (١) اى يطلبون لاهلها الكلاء و الغيث ١٢ منه رح. (٢) و في الأصل اطعمتهما و اسقيتهما ١٢. ١٠ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ يعني اذكر إذ أوى الفتية اى صاروا إِلَى الْكَهْفِ يقال أوى فلان الى موضع كذا اى اتخذه منزلا- قال البغوي و هو غار في جبل بيجلوس و اسم الكهف جيرم فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً يوجب لنا الهداية فى الدين و المغفرة من الذنوب و الرزق و الامن من العدوّ وَ هَيِّئْ لَنا قال البيضاوي و اصل التهية احداث هيئة الشي ء مِنْ أَمْرِنا اى من الأمر الذي نحن عليه من الايمان و مفارقة الكفار رَشَداً او المعنى اجعل لنا أمرنا كله رشدا- كقولك رايت منك رشدا اى استقامة على طريق الحق مع تصلب فيه كذا في القاموس و فيه رشد كنصر و فرح رشدا و رشدا و رشادا اهتدى كاسترشد و استرشد طلبه و الرشيد في صفات اللّه تعالى بمعنى الهادي الى سواء الصراط- و الذي حسن تقديره فيما قدر- قال البغوي اختلفوا في سبب مصيرهم الى الكهف قال محمد بن إسحاق مرج اهل الإنجيل و عظمت فيهم الخطايا و طغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام و ذبحوا للطواغيت و فيهم بقايا على دين المسيح متمسكين بعبادة اللّه عزّ و جلّ و كان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام و ذبح للطواغيت و قتل من خالفه- و كان ينزل قرى الروم و لا يترك في قرية نزلها أحدا الا فتنة حتى يذبح للطواغيت و يعبد الأصنام او يقتله- حتى نزل مدينة اصحاب الكهف و هى أفسوس كلما نزلها كبر على اهل الايمان فاستخفوا منه و هربوا في كل وجه- و كان دقيانوس حين نزلها أمران يتبع اهل الايمان في أماكنهم- فيخرجونهم الى دقيانوس فيخيّرهم بين القتل و بين عبادة الأوثان و الذبح للطواغيت- فمنهم من يرغب في الحيوة و منهم من يأبى ان يعبد غير اللّه فيقتل- فلما راى ذلك اهل الشدة فى الايمان باللّه جعلوا يسلمون للعذاب و القتل فيقتلون و يقطعون- ثم يربط ما قطع من أجسامهم على سور المدينة من نواحيها و على كل باب من ابوابها- حتى عظمت الفتنة فلمّا راى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا و اشتغلوا بالصلوة و الصيام و الصدقة و التسبيح و الدعاء- و كانوا من اشراف الروم و كانوا ثمانية نفر بكوا و تضرعوا الى اللّه و جعلوا يقولون ربّنا ربّ السّموات و الأرض لن ندعو من دونه الها لّقد قلنا إذا شططا ان عبدنا غيره- اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة و ارفع عنهم البلاء حتى يعلنوا بعبادتك فبينا هم على ذلك و قد دخلوا في مصلّى لهم أدركهم الشرط «١» فوجدوهم و هم سجود على وجوههم يبكون و يتضرعون الى اللّه عزّ و جلّ فقالوا لهم ما خلّفكم عن امر الملك انطلقوا اليه ثم خرجوا فرفعوا أمرهم الى دقيانوس فقالوا تجمع الناس للذبح لالهتك و هؤلاء الفتية من اهل بيتك يستهزءون (١) شرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده ١٢ منه. بك و يعصون أمرك فلمّا سمع بذلك بعث إليهم فاتى بهم تفيض أعينهم من الدمع «١» معفّرة وجوههم بالتراب فقال ما منعكم ان تشهدوا الذبح لالهتنا التي تعبد في الأرض و تجعلون أنفسكم أسوة كسرات اهل مدينتكم اختاروا اما ان تذبحوا لالهتنا و اما ان أقتلكم- فقال مكسلمينا و هو أكبرهم ان لنا الها ملاء السموات عظمته لن ندعوا من دونه الها إبداله الحمد و التكبير و التسبيح من أنفسنا خالصا إياه نعبد و إياه نسئل النجاة و الخير فاما الطواغيت فلن نعبدها ابدا- فاصنع ما بدا لك و قال اصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال- فلمّا قالوا ذلك امر فنزع عنهم لبوس كانت عليهم من لبوس عظمائهم- ثم قال سافرغ فانجز لكم ما وعدتكم من العقوبة و ما يمنعنى ان اعجل ذلك لكم الا انى أراكم شبانا حديثة أسنانكم و لا أحب ان أهلككم حتى اجعل لكم أجلا تذكّرون فيه و تراجعون عقولكم- ثم امر بحلية كانت عليهم من ذهب و فضة فنزعت ثم امر بهم فاخرجوا عنه- و انطلق دقيانوس الى مدينة سوى مدينتهم قريبا لبعض أموره ...... فلمّا راى الفتية خروجه بادروا قدومه و خافوا إذا قدم مدينتهم ان يذكرهم فأتمروا بينهم ان يأخذ كل منهم نفقته من بيت أبيه فيتصدقوا منها و يتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا الى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له بيجلوس فيمكثون فيه و يعبدون اللّه- حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه فيصنع بهم ما يشاء فلمّا قال ذلك بعضهم لبعض عمد كل فتى منهم الى بيت أبيه فاخذ نفقته فتصدق منها ثم انطلقوا بما بقي معهم و اتبعهم كلب كان لهم حتى أتوا ذلك الكهف فلبثوا فيه- قال كعب الأحبار و مرّوا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا- فقال لهم الكلب يا قوم ما تريدون منى لا تخشون جانبى انا أحب احبّاء اللّه عز و جل فنموا «٢» حتى أحرسكم و قال ابن عباس هربوا ليلا من دقيانوس و كانوا سبعة فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم و تبعهم كلبه فخرجوا من البلد الى الكهف و هو قريب من البلد قال ابن عباس فلبثوا فيه ليس لهم عمل الا الصلاة و الصيام و التسبيح و التكبير و التحميد ابتغاء وجه اللّه- و جعلوا نفقتهم الى فتى منهم يقال له تمليخا و كان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرّا و كان من أجملهم و اجلدهم- و كان إذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا و يأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها- ثم يأخذ ورقة فينطلق الى المدينة فيشترى طعاما و شرابا و يتجسس لهم الخبر هل ذكر هو و أصحابه بشي ء ثم يرجع الى أصحابه فلبثوا بذلك ما لبثوا- ثم قدم دقيانوس المدينة فامر (١) العفرة الغبرة و لون التراب ١٢ منه رح. (٢) و في الأصل فناموا ١٢ منه رح. عظماء أهلها فذبحوا للطواغيت ففزع اهل الايمان و كان تمليخا بالمدينة يشترى لاصحابه طعامهم فرجع الى أصحابه و هو يبكى و معه طعام قليل و أخبرهم ان الجبار قد دخل المدينة و قد ذكروا و التمسوا مع عظماء المدينة ففزعوا و وقعوا سجودا يدعون الى اللّه و يتضرعون و يتعوّذون من الفتنة- ثم ان تمليخا قال يا إخوتاه ارفعوا رءوسكم و أطعموا و توّكلوا على ربكم- فرفعوا رءوسهم و أعينهم تفيض من الدمع فطعموا و ذلك من غروب الشمس ثم جلسوا يتحدثون و يتدارسون و يذكّر بعضهم بعضا فبيناهم على ذلك إذ ضرب اللّه على آذانهم في الكهف و كلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف فاصابه ما أصابهم و هم مؤمنون و موقنون و نفقتهم عند رءوسهم- فلما كان من الغد فقدهم دقيانوس فلم يجدهم فقال لبعضهم قد ساءنى شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا لقد كانوا ظنوا ان لى غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من امرى ما كنت لاحمل عليهم ان هو تابوا و عبدوا الهتى- فقال عظماء المدينة ما أنت بحقيق ان ترحم قوما فجرة مردة عصاة لقد كنت اجّلت لهم أجلا و لو شاءوا لرجعوا في ذلك الاجل و لكنهم لم يتوبوا- فلمّا قالوا ذلك غضب غضبا شديدا ثم أرسل الى ابائهم فاتى بهم فسالهم عنهم فقال أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصونى- فقالوا له اما نحن فلم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا باموالنا فاهلكوها في أسواق المدينة ثم انطلقوا و أرسلوا الى جيل يدعى بيجلوس- فلمّا قالوا له ذلك خلّى سبيلهم و جعل لا يدرى ما يصنع بالفتية فالقى اللّه عز و جل في نفسه ان يأمر بالكهف فيسد عليهم- أراد اللّه ان يكرمهم و يجعلهم اية لامة تستخلف من بعدهم و ان يبين لهم انّ السّاعة لا ريب فيها و انّ اللّه يبعث من في القبور- فامر دقيانوس بالكهف ان يسدّ عليهم و قال دعوهم في الكهف الذي اختاروا كما هم يموتون جوعا و عطشا و يكون كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم و هو يظن انهم إيقاظ يعلمون ما يصنع بهم و قد توفى اللّه أرواحهم وفاة النوم و كلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم ينقلبون ذات اليمين و ذات الشمال ثم ان رجلين مؤمنين من بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهما اسم أحدهما يندروس و الاخر راياش ائتمروا ان يكتبا شان الفتية و أنسابهم و أسماءهم و خبرهم في لوحين من رصاص و يجعلا هما في تابوت من نحاس و يجعلا التابوت في البنيان- و قالا لعل اللّه ان يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عنهم حين يقرأ هذا لكتاب خبرهم ففعلا فبنيا عليه فبقى دقيانوس ما بقي ثم مات هو و قومه و قرون بعده كثيرة و خلفت الملوك بعد الملوك- و قال عبيد بن عمير كان اصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوى ذوائب و كان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم فى ذىّ و موكب و اخرجوا معهم الهتهم التي يعبدونها و قد قذف اللّه في قلوب الفتية الايمان و كان أحدهم وزير الملك فامنوا و أخفى كل واحد إيمانه- فقالوا في أنفسهم نخرج من بين اظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب يجرهم- فخرج شابّ منهم حتى انتهى الى ظل شجرة فجلس فيه- ثم خرج اخر فراه جالسا وحده فرجا ان يكون على مثل امره من غير ان يظهر ذلك- ثم خرج اخر فاجتمعوا الى مكان فقال بعضهم لبعض ما جمعكم و كل واحد يكتم صاحبه إيمانه مخافة على نفسه- ثم قالوا ليخرج كل فئتين فيخلو بصاحبه ثم يغشى كل واحد منكم سره الى صاحبه فاذاهم جميعا على الايمان و إذا كهف في الجبل قريبا منهم فقال بعضهم لبعض فاوآ الى الكهف ينشر لكم ربّكم من رّحمته - فدخلوا الكهف و معهم كلب صيدهم فناموا ثلاث مائة سنين و ازدادوا تسعا و فقدهم قومهم و طلبوهم فعمى اللّه عليهم اثارهم و كهفهم فكتبوا أسماءهم و أنسابهم في لوح ان فلان بن فلان و فلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا في سنة كذا في ملكة فلان بن فلان- و وضعوا اللوح في خزانة الملك فقالوا ليكونن لهذا شأن- و مات ذلك الملك و جاء قرن بعد قرن و قال وهب بن منبه جاء حوارى عيسى صلى اللّه عليه و سلم الى مدينة اصحاب الكهف فاراد ان يدخلها فقيل له ان على بابها صنما لا يدخلها أحد الا سجد له فكره ان يدخلها- فاتى حماما قريبا من المدينة فكان يؤاجر نفسه من الحمامي و يعمل فيه و راى صاحب الحمام في حمامه البركة و علقه فتية من اهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء و الأرض حتى أمنوا و صدقوه و كان شرط على صاحب الحمام ان الليل لى لا يحول بينى و بينه و لا بين الصلاة أحد و كان على ذلك حتى اتى ابن الملك بامراة فدخل بها الحمام فعيّره الحمامي و قال أنت ابن الملك و تدخل مع هذه فاستحيى و ذهب فرجع مرة اخرى فقال له مثل ذلك فسبّه و انتهره و لم يلتفت الى مقالته حتى دخلا معا فماتا في الحمام و اتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام و ابنك فالتمس فلم يقدر عليه و هرب فقال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم على مثل ايمانهم فانطلق و معه كلب حتى اواهم الليل الى الكهف فدخلوه و قالوا نبيت هاهنا الليلة ثم نصبح ان شاء اللّه فترون رأيكم فضرب اللّه على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم دخوله رعب فلم يطق أحد ان يدخله- فقال قائل أ ليس لو قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف و اتركهم فيه يموتون جوعا ففعل قال وهب فعبروا بعد ما سدوا عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان- ثم ان راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف و ادخلت غنمى اليه فاكنّهم من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتح- ورد اللّه أرواحهم من الغد حين أصبحوا- و قال محمد بن إسحاق ثم ملك اهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدوسيس فلمّا بقي في ملكه ثمانية و ستين سنة فتحزّب الناس في ملكه و كانوا أحزابا منهم من يؤمن باللّه و يعلم ان الساعة حق و منهم من يكذّب بها- فكبر ذلك على الملك الصالح فبكى و تضرع الى اللّه و حزن حزنا شديدا لما راى اهل الباطل يزيدون و يظهرون على اهل الحق و يقولون لا حيوة الا الحيوة الدنيا و انما تبعث الأرواح و لا تبعث الأجساد- فجعل بيدوسيس يرسل الى من يظن فيه خيرا و انهم ائمة في الحق- فجعلوا يكذّبون بالساعة حتى كادوا ان يحوّلوا الناس عن الحق و ملة الحواريين- فلمّا راى ذلك الملك الصالح دخل بيته و أغلقه عليه و لبس مسحا و جعل تحته رمادا فجلس عليه- فداب ليله و نهاره زمانا يتضرع الى اللّه و يبكى و يقول اى ربّ قد ترى اختلاف هؤلاء- فابعث إليهم اية تبين لهم بطلان ما هو عليه ثم ان الرحمان الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد ان يظهر على الفتية اصحاب الكهف و يبين للناس شأنهم و يجعل اية و حجة عليهم ليعلموا انّ السّاعة اتية لا ريب فيها و يستجيب لعبده الصالح بيدوسيس ليتم نعمته عليه- و ان يجمع من كان تبدد من المؤمنين- فألقى اللّه في نفس رجل من اهل ذلك البلد الذي فيه الكهف كان اسم ذلك الرجل اولياس ان يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف- فيبنى به حضيرة لغنمه فاستأجر غلامين فجعل ينزعان تلك الحجارة و يبنيان على تلك الحضيرة حتى نزعاما على فم الكهف و فتحا باب الكهف و حجبهم اللّه عن أعين الناس بالرعب- فلمّا فتحا باب الكهف اذن اللّه عزّ و جلّ ذو القوة و السلطان محيى الموتى الفتية ان يجلسوا بين ظهرى الكهف فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم يسلّم بعضهم على بعض كانما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها إذا أصبحوا من ليلتهم- ثم قاموا الى الصلاة فصلوا كالذى كانوا يفعلون- لا يرى في وجوههم و ألوانهم شى ء ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا و هم يرون ان ملكهم دقيانوس في طلبهم- فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقتهم نبئنا بالذي قالوا للناس عنا عشية أمس عند هذا الجبار و هم يظنون انهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون- و قد تخيل إليهم انهم ناموا أطول مما كانوا ينامون حتى يتساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض كم لبثتم نياما قالوا لبثنا يوما او بعض يوم ثم قالوا ربّكم اعلم بما لبثتم- و كل ذلك في أنفسهم يسير- فقال لهم تمليخا أ لستم في المدينة و هو يريد ان يوتى بكم اليوم فتذبحوا للطواغيت او يقتلكم- فما شاء اللّه بعد ذلك فعل فقال لهم مكسلمينا يا إخوتاه اعلموا امّكم مّلاقوا اللّه فلا تكفروا بعد ايمانكم إذا دعاكم عدو اللّه ثم قالوا لتمليخا انطلق الى المدينة فتسمع ما يقال لنابها و ما الذي يذكر عند دقيانوس و تلطّف و لا يشعر بك أحد و ابتغ لنا طعاما فأتنا به و زدنا على الطعام الذي جئتنا به فقد أصبحنا جياعا- ففعل تمليخا كما كان يفعل و وضع ثيابه و أخذ الثياب الذي كان ينتكر فيها- و أخذ ورقا عن نفقتهم التي كانت معهم الذي ضربت بطابع دقيانوس و كانت كخفاف الربع- فانطلق تمليخا خارجا فلمّا مرّ بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مرّ و لم يبال بها حتى اتى باب المدينة مستخفيا يصدعن الطريق تخوّفا ان يراه أحد من أهلها فيعرفه و لا يشعر ان دقيانوس و اهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاث مائة سنة- فلما اتى تمليخا باب المدينة وقع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لاهل الايمان إذا كان امر الايمان ظاهرا فلمّا راها عجب و جعل ينظر إليها مستخفيا و ينظر يمينا و شمالا- ثم ترك ذلك الباب فتحول الى باب اخر من ابوابها فراى مثل ذلك فجعل يخيّل اليه ان المدينة ليست بالتي كان يعرف- و راى ناسا كثيرا محدثين لم يكونوا هم قبل ذلك فجعل يمشى و يتعجب و يخيل اليه انه حيران- ثم رجع الى الباب الذي اتى منه فجعل يتعجب بينه و بين نفسه و يقول يا ليت شعرى ما هذا- اما عشية أمس فكان المسلمون يحبون هذه العلامة و يستخفون بها و اما اليوم فانها ظاهرة لعلّى نائم ثم يرى انه ليس بنائم- فاخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشى بين ظهرى سوقها فيسمع ناسا يحلفون باسم عيسى بن مريم فزاده فرقا و راى انه حيران- فقام مسندا ظهره الى جداد من جدد المدينة و قال في نفسه و اللّه ما أدرى اما عشية أمس فليس على وجه الأرض من يذكر عيسى بن مريم الا قليل و اما الغداة فاسمعهم و كل انسان يذكر عيسى و لا يخاف- ثم قال في نفسه لعل هذا ليست بالمدينة التي اعرف و اللّه ما اعرف مدينة قرب مدنيتنا فقام كالحيران ثم لقى فتى فقال ما اسم هذه المدينة يا فتى قال اسمها أفسوس فقال في نفسه لعل شيئا او امرا اذهب عقلى و اللّه يحق لى ان اسرع الخروج منها قبل ان اخزى فيها او يصيبنى شر فاهلك ثم انه أفاق فقال و اللّه لو عجّلت الخروج من المدينة قبل ان يفطن بي كان أ ليس بي- فدنا من الذين يبيعون الطعام فاخرج الورق التي كان معه فاعطاها رجلا منهم فقال بعنى بهذه الورق طعاما فاخذها الرجل فنظر الى ضرب الورق و نقشها فتعجب منها ثم طرحها الى رجل من أصحابه- فنظر إليها فجعلوا يتطارحون بينهم و يقول بعضهم لبعض ان هذا أصاب كنزا خبيّبا في الأرض منذ زمان و دهر طويل- فلما راهم تمليخا يتشاورون من اجله فرق فرقا شديدا و جعل يرتعد و يظن انهم قد فطنوا به و عرفوه و انهم انما يريدون ان يذهبوا به الى ملكهم دقيانوس و جعل أناس اخر يأتونه فيتعرفونه فلا يعرفونه- فقال لهم و هو شديد الفرق منهم افضلوا علىّ قد أخذتم ورقى فامسكوها و اما طعامكم فلا حاجة لى به- فقالوا من أنت يا فتى و ما شأنك و اللّه لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين و أنت تريد ان تخفيه منا فانطلق معنا و أرنا و شاركنا فيه نخف عليك ما وجدت- فانك ان لم تفعل نأت بك الى السلطان فنسلّمك اليه فيقتلك- فلما سمع قولهم قال قد وقعت و في كل شى ء كنت احذر منه- فقالوا يا فتى انك و اللّه لن تسطيع ان تكتم ما وجدت- فجعل تمليخا لا يدرى ما يقول لهم و ما يرجع إليهم و فرق حتى ما يحير إليهم شيئا- فلما رأوه انه لا يتكلّم أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه ثم جعلوا يقودونه في سلك المدينة حتى سمع به من فيها فسألوه ما الخبر فقيل لهم أخذ رجل عنده كنز فاجتمع اليه اهل المدينة صغيرهم و كبيرهم فجعلوا ينظرون اليه و يقولون و اللّه ما هذا الفتى من اهل هذه المدينة و ما رايناه فيها قط- فجعل تمليخا لا يعرف ما يقول لهم فلما اجتمع اليه فرق فسكت و لم يتكلم- و كان مستيقنا ان أباه و اخوته بالمدينة و ان حسبه بالمدينة من عظماء أهلها و انهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينا هو قائم كالحيران ينتظر حتى يأتيه بعض اهله فيخلصه من بين أيديهم- إذا اختطفوه و انطلقوا به الى رءوس المدينة و مدبريها الذين يدبر ان أمرها- و هما رجلان صالحان اسم أحدهما اريوس و الاخر اشطيوس- فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا انه ينطلق به الى دقيانوس الجبار فجعل يلتفت يمينا و شمالا- و جعل الناس ليسخرون منه كما يسخر من المجنون- و جعل تمليخا يبكى ثم رفع رأسه الى السماء فقال اللّهم اله السماء و الأرض افرغ اليوم علىّ صبرا و ادلج معى روحا منك يؤيدني عند هذا الجبار و جعل يبكى- و يقول في نفسه فرّق بينى و بين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت و لو انهم يعلمون فيأتونى فنقوم جميعا بين يدى الجبار فانّا كنا توافقنا ان لا نفترق فى حيوة و لا موت ابدا- يحدث تمليخا نفسه فيما اخبر أصحابه حين رجع إليهم حتى انتهى الى الرجلين الصالحين اريوس و اشطيوس فلما راى تمليخا انه لا يذهب به الى دقيانوس أفاق و ذهب عنه البكاء- فاخذ اريوس و اشطيوس الورق فنظرا إليها و عجبا منها ثم قال له أحدهما اين الكنز الذي وجدت يا فتى- فقال تمليخا ما وجدت كنزا و لكن هذا ورق ابائى و نقش هذه المدينة و ضربها- و لكنى و اللّه ما أدرى ما شأنى و ما أقول لكم فقال أحدهما فمن أنت- فقال تلميخا اما انا فكنت من اهل هذه المدينة- فقالوا و من أبوك و من يعرفك بها- فانباهم باسم أبيه فلم يجدوا أحدا يعرفه و لا أباه- فقال له أحدهما أنت رجل كذّاب لا تنبئنا بالحق- فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير انه نكس بصره الى الأرض- فقال بعض من حوله هذا رجل مجنون و قال بعضهم ليس بمجنون و لكنه يمحّق نفسه عمدا لكى ينفلت منكم فقال له أحدهما دو نظر اليه نظرا شديدا تظن ان نرسلك و نصدقك بان هذا الورق مال أبيك- و نقش هذا الورق و ضربها اكثر من ثلاث مائة سنة- و انما أنت غلام شاب أ تظن انك تأفكنا و تسخر بنا و نحن شمط كما ترى و حولك سراة اهل المدينة و ولاة أمرها و خزائن هذه البلدة بايدينا و ليس عندنا من هذا الضرب درهم و لا دينار انى لاظن سامر بك فتعذب عذابا شديدا- ثم اوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدته فلمّا قال ذلك فقال لهم تمليخا انبئونى عن شى ء اسئلكم عنه فان فعلتم صدقتكم عمّا عندى قالوا سل لانكتمك شيئا- قال ما فعل الملك دقيانوس قالا ليس نعرف اليوم على وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس و لم يكن الا ملك هلك من زمان و دهر طويل و هلكت بعده قرون كثيرة فقال تمليخا انى إذا لحيران و ما هو بمصدقى أحد من الناس لقد كنافئة على دين واحد و هو الإسلام و ان الملك أكرهنا على عبادة الأوثان و الذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس- فلمّا انتبهنا خرجت لاشترى لهم طعاما و أتجسس الاخبار فانا كنا كما ترون- فانطلقوا معى الى الكهف الذي في جبل بيجلوس أراكم أصحابي فلما سمع اريوس ما يقول تمليخا قال يا قوم لعل هذه اية من آيات اللّه جعلها اللّه لكم على يدى هذا الفتى فانطلقوا بنا معه يرينا أصحابه- فانطلق معه اريوس و اشطيوس و انطلق معهم اهل المدينة كبيرهم و صغيرهم نحو اصحاب الكهف لينظروا إليهم- و لمّا راى الفتية اصحاب الكهفان تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم و شرابهم عن القدر الذي كان يأتى به فيه ظنوا انه قد أخذ فذهب به الى ملكهم دقيانوس- فبينما هم يظنون ذلك و يتخوّفونه إذ سمعوا الأصوات و جبلة الخيل مصعدة نحوهم- فظنوا انهم رسل الجبار دقيانوس بعث إليهم ليؤتى بهم فقاموا الى الصلاة و سلّم بعضهم على بعض و اوصى بعضهم بعضا- و قالوا انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا- فانه الان بين يدى الجبار ينتظر متى نأتيه فبينما هو يقولون ذلك و هو جلوس بين ظهرانى الكهف لم يروا الا اريوس و أصحابه وقوفا على باب الكهف فسبقهم تمليخا فدخل عليهم و هو يبكى- فلمّا رأوه يبكى بكوا معه ثم سألوه عن شأنه فاخبرهم وقص عليهم النبأ كله فعرفوا عند ذلك انهم كانوا قياما بامر اللّه ذلك الزمان كله- و انما أوقظوا ليكونوا اية للناس و تصديقا للبعث- و يعلموا انّ السّاعة اتية لا ريب فيها- ثم دخل على اثر تمليخا اريوس فراى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة- فقام بباب الكهف ثم دعا رجلا من عظماء اهل المدينة ففتح التابوت عندهم فوجد فيه لوحين من رصاص مكتوب فيهما ان مكسلمينا و مخشلمينا و تمليخا و مرطونس و بشرطونس- و بيربوس و دينومس و يطنومونس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة ان يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف فلمّا اخبر بمكانهم امر بالكهف فسد عليهم بالحجارة و انا كتبنا شأنهم و خبرهم ليعلمه من بعدهم ان عثر عليهم- فلما قرءووه عجبوا و حمدوا اللّه الذي أراهم اية البعث فيهم ثم رفعوا أصواتهم بحمد اللّه و تسبيحه- ثم دخلوا على الفتية الى الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهريه سفرة وجوههم لم تبل ثيابهم فخرّ اريوس و أصحابه سجودا و حمدوا للّه الذي أراهم اية من آياته ثم كلم بعضهم بعضا و انبأهم الفتية عن الذين لقوا من ملكهم دقيانوس- ثم ان اريوس و أصحابه بعثوا بريدا الى ملكهم الصالح بيدوسيس ان اعجل لعلك تنظر الى آية من آيات اللّه جعلها اللّه على ملكك و جعلها اية للعالمين لتكون لهم نورا و ضياء و تصديقا للبعث- فاعجل الى فتية بعثهم اللّه عزّ و جل و قد كان توفّاهم اكثر من ثلاث مائة سنين- فلما اتى الملك الخبر قام فرجع اليه عقله و ذهب همه فقال أحمدك رب السموات و الأرض و أعبدك و اسبح لك تطولت علىّ و رحمتنى و لم تطف النور الذي كنت جعلته لآبائي و للعبد الصالح قسطيطينوس الملك فلمّا نبّابه اهل المدينة كبوا اليه و ساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس و ساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف- فلمّا راى الفتية بيدوسيس فرحوا به و خرّوا سجدا على وجوههم- و قام بيدوسيس قدامهم ثم اعتنقهم وركا و هم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون و يحمدونه- ثم قال الفتية لبيدوسيس نستودعك اللّه و السّلام عليك و رحمة اللّه و حفظك اللّه و حفظ ملكك و نعيذك باللّه من شر الجن و الانس- فبينما الملك قائم إذ رجعوا الى مضاجعهم فناموا و توفى اللّه أنفسهم- و قام الملك إليهم و جعل ثيابهم عليهم و امر ان يّجعل كل رجل منهم فى تابوت من ذهب فلمّا امسى و نام أتوه فقالوا له انا لم نخلق من ذهب و لا فضة و لكن خلقنا من تراب و الى التراب نصير فاتركنا كما كنا فى الكهف على التراب حتى يبعثنا اللّه منه فامر الملك حينئذ بتابوت من ساج و حجبهم اللّه حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم- و امر الملك فجعل على باب الكهف مسجدا يصلى فيه و جعل لهم عيدا عظيما و أمران يؤتى كل سنة- و قيل ان تمليخا لمّا حمل الى الملك الصّالح قال الملك من أنت- قال انا رجل من اهل هذه المدينة و ذكر انه خرج أمس او منذ ايام و ذكر منزله و أقواما لم يعرفهم أحد- و كان الملك قد سمع ان فتية فقدوا فى الزمان الاول و ان اسماء هم مكتوبة على اللوح فى الخزانة فدعا اللوح و نظر فى اسمائهم فاذا هو من أولئك القوم- و ذكر اسماء الآخرين فقال تمليخا هم أصحابي- فلما سمع الملك ذلك ركب هو و من معه من القوم فلمّا أتوا باب الكهف قال تمليخا دعونى حتى ادخل على أصحابي فابشّر هو فانّ هم ان رايكم معى دعبتموهم- فدخل فبشّرهم فقبض اللّه أرواحهم و أعمى عليهم اثرهم- فلم يهتدوا إليهم و ذلك قوله عز و جل إذ أوى الفتية الى الكهف الى قوله. ١١ فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ اى ضربنا حجابا على مسامعهم يمنع نفوذ الأصوات فيها و هو النوم اى أنمناهم نوما لا ينبههم الأصوات- فحذف المفعول كما حذف فى قوله بنى على امرأته فِي الْكَهْفِ سِنِينَ ظرفان لضربنا عَدَداً اى ذوات عدد وصف به السنين ليدل على الكثرة فان القليل لا يعد عادة ....... ١٢ ثُمَّ بَعَثْناهُمْ اى أيقظناهم لِنَعْلَمَ اى ليتعلق علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه اولا تعلقا استقباليا ...... أَيُّ الْحِزْبَيْنِ اى الطائفتين أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) اى غاية- اىّ مبتدأ و احصى خبره و هو فعل ماض و أمدا مفعوله و لما لبثوا حال منه و ما مصدرية و ما فى اىّ من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم و المعنى ايّهم ضبط أمدا كائنا لزمان لبثهم- و قيل اللام زائدة و ما لبثوا مفعول لاحصى و هو فعل ماض و ما موصولة و أمدا تميز- و قيل احصى اسم تفضيل من الإحصاء بحذف الزوائد كقولهم حصى للمال و أفلس من ابن المدلف- و أمدا نصب لفعل دل عليه كقوله و اضرب بالسيوف القوانسا-. ١٣ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ اى خبر اصحاب الكهف بِالْحَقِّ متلبسا بالصدق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ اى شبّان جمع فتى كصبى و صبية ..... آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً (١٣) ايمانا و بصيرة يعنى أعطيناهم ايمانا حقيقيّا يحصل بعد فناء النفس فوق الايمان المجازى الذي هو الإقرار باللسان و التصديق بالقلب مع طغيان النفس و كفرانه. ١٤ وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ بالصبر على هجر الوطن و الأهل و المال و الجرأة على اظهار الحق و الرد على دقيانوس الجبار- و ذلك بفناء القلب حتى تمكن فيه حب اللّه و هيبة و خشيته و تخلى عن ملاحظة غيره من الخلائق فصار الناس عنده كالاباعر إِذْ قامُوا بين يدى دقيانوس حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام فَقالُوا مفتخرين رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً اى إذا أشركنا باللّه الها اخر شَطَطاً (١٤) اى قولا ذا شطط اى تجاوز عن القدر و الحد و تباعد عن الحق مفرط فى الظلم من شط يشط إذا بعد. ١٥ هؤُلاءِ مبتدأ قَوْمُنَا عطف بيان له اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ اى من دون اللّه آلِهَةً يعنى الأصنام يعبدونها و الجملة خبر للمبتدا اخبار فى معنى الإنكار لَوْ لا هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ اى على عبادتهم فحذف المضاف بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ اى ببرهان ظاهر فان الدين لا يؤخذ الا بالبرهان و الظن و التقليد لا يجوز اتباعه فى العقائد- و فيه تبكيت فان اقامة البرهان على عبادة الأوثان محال فَمَنْ اى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّه كَذِباً (١٥) و زعم ان له شريكا و ولدا فان الافتراء على كل أحد ظلم فكيف على اللّه تعالى- ثم قال بعضهم لبعض حين تصمموا على الفرار بدينهم. ١٦ وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ يعنى قومكم وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللّه عطف على الضمير المنصوب اى إذ اعتزلتم القوم و معبوديهم الا اللّه فانهم كانوا يعبدون اللّه و الأصنام كسائر المشركين و يجوز ان يكون ما مصدرية يعنى و إذ اعتزلتموهم و عبادتهم الا عبادة اللّه و يجوز ان يكون نافية على انه اخبار من اللّه عن الفتية بالتوحيد معترض بين إذا و جوابه لتحقيق اعتزالهم فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ اى صيروا اليه و اتخذوه مسكنا كيلا يجاوركم الكفار يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ اى ليبسط لكم الرزق و يوسع عليكم فى الدارين مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) بكسر الميم و فتح الفاء اسم فمعز الدولة- اى ما يرتفق اى ينتفع به جزموا بذلك لقوة وثوقهم بفضل اللّه- و قرا أبو جعفر و نافع و ابن عامر مرفقا بفتح الميم و كسر الفاء و هو مصدر من الأوزان الشاذة كالمرجع و المحيض و قياسه فتح العين. ١٧ وَ تَرَى الشَّمْسَ لو رايتهم الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم او لكل أحد إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ قرأ ابن عامر و يعقوب تزورّ بإسكان الزاء المنقوطة و تشديد الراء المهملة على وزن تحمرّ من الافعلال- و الكوفيون بفتح التاء و الزاء مخففا و الف بعدها و الباقون بالزاء المنقوطة المشددة و الف بعدها واصله تتزاور من التفاعل فحذف الكوفيون احدى التاءين و الباقون ادغموها فى الزاء- و كلها من الزور بمعنى الميل يعنى تميل عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ اى جهة اليمنى تقديرة الجهة ذات اسم اليمين فلا يقع عليهم شعاعها وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ اى تقطعهم يعنى تتركهم و تعدل عنهم ذاتَ الشِّمالِ يعنى يمين الكهف و شماله وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ اى متسع من الكهف يعنى فى وسطه بحيث ينالهم روح الهواء و لا يؤذيهم كرب الغار و لا حر الشمس- قال ابن قتيبة كان كهفهم مستقبل بنات النعش فاقرب المشارق و المغارب الى محاذاته مشرق راس السرطان و مغربه- و الشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مقابله بجانب اليمين و هو الذي يلى المغرب و تغرب محاذيه بجانب الأيسر فيقع شعاعها على جنبتيه و يقلل عفونته و يعدل هواه و لا يقع عليهم شعاعها فيوذى أجسادهم و يبلى ثيابهم- و قال بعض العلماء هذا القول خطأ و هو ان كان الكهف مستقبل بنات النعش و لاجل ذلك كان كما ذكر- و لكن اللّه صرف الشمس عنهم يقدرته و حال بينها و بينهم بدليل قوله تعالى ذلِكَ مِنْ آياتِ اللّه اى من عجائب صنعه و دلالات قدرته التي يعتبر بها- و يمكن ان يقال ان ذلك يعنى شأنهم و ايواءهم الى كهف كذلك و اخبارك قصتهم من آيات اللّه مَنْ يَهْدِ اللّه بالتوفيق فَهُوَ الْمُهْتَدِ قرأ نافع و ابو عمرو بالياء وصلا و الباقون يحذفونها فى الحالين يعنى فهو الذي أصاب الفلاح و المراد به اما الثناء عليهم او التنبيه على ان أمثال هذه الآيات كثيرة لكن المنتفع بها من وفقه اللّه تعالى للتامل فيها و الاستبصار بها وَ مَنْ يُضْلِلْ اى من يخذله و لم يرشده فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) اى من يليه و يرشده. ١٨ وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً جمع يقظ لانفتاح عيونهم او لكثرة تقلبهم وَ هُمْ رُقُودٌ نيام جمع راقد كقاعد و قعود وَ نُقَلِّبُهُمْ فى رقدتهم من غير إرادتهم ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ اى مرة للجنبة ذات اسم اليمين و مرة للجنبة ذات اسم الشمال- قال ابن عباس كانوا يتقلبون فى السنة مرة من جانب الى جانب لئلا تأكل الأرض لحومهم «١»- قيل كان يوم عاشوراء يوم تقلبهم- و قال ابو هريرة كان لهم كل سنة لقليبا وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ حكاية حال ماضية و لذلك اعمل اسم الفاعل (١) و فى الأصل لحومها ١٢. و أجاز الكوفيون اعمال اسم الفاعل مطلقا قال مجاهد و الضحاك الوصيد فناء الكهف و قال عطاء الوصيد عتبة الباب و قال السدى الوصيد الباب و هى رواية عكرمة عن ابن عباس قال اكثر اهل التفسير انه كان من جنس الكلاب- و روى عن ابن جريج انه كان أسدا و يسمى الأسد كلبا- فان النبي صلى اللّه عليه و سلم دعا على عتبة بن ابى لهب فقال اللّهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد و الاول المعروف قال ابن عباس كان كلبا انمر و يروى عنه فوق العلطى و دون الكردي و قال مقاتل كان أصغر و قال القرطبي كانت شدة صفرته تضرب الى الحمرة و قال الكلبي لونه كالخليج و قيل لون الحجر- قال ابن عباس اسمه قطمير و عن على عليه السلام اسمه زبان و قال الأوزاعي اسمه تقور و قال السدى ثور و قال كعب صهبا- قال خالد بن معدان ليس فى الجنة شى ء من الدواب سوى كلب اصحاب الكهف و حمار بلغام- قال السدى كان اصحاب الكهف إذا انقلبوا انقلب الكلب معهم فاذا انقلبوا الى اليمين كسر الكلب اذنه اليمنى و رقد عليها- و إذا انقلبوا الى الشمال كسر اذنه اليسرى و رقد عليها لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ فنظرت إليهم يا محمد لَوَلَّيْتَ اى لهربت منهم فِراراً منصوب على المصدرية لانه نوع من التولية او على العليّة او على الحال اى فارا وَ لَمُلِئْتَ قرأ نافع و ابن كثير بتشديد اللام و الباقون بتخفيفها مِنْهُمْ رُعْباً اى خوفا برعب اى يملا صدرك قيل من وحشة المكان و قال الكلبي لان أعينهم كانت مفتحة كالمستيقظ الذي يريد ان يتكلم- و قيل لكثرة شعورهم و طول اظفارهم و تقلبهم من غير حس و لا اشعار- و قيل ان اللّه منعهم بالرعب لئلا يدخل عليهم أحد و هو الصحيح المختار- يدل عليه ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال غزونا مع معاوية رضي اللّه عنه غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه اصحاب الكهف- فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس قد منع ذلك من هو خير منك فقال لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارا- فلم يسمع معاوية و بعث ناسا فقال اذهبوا فانظروا- فلمّا دخلوا الكهف بعث اللّه عليهم ريحا فاحرقتهم- أخرجه ابن ابى شيبة و ابن المنذر و ابن ابى حاتم-. ١٩ وَ كَذلِكَ اى كما أنمناهم فى الكهف و حفظنا أجسادهم من البلى على طول الزمان بَعَثْناهُمْ من تلك النومة الطويلة المشبهة بالموت اية على كمال قدرتنا لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ اى ليتساءل بعضهم بعضا فيتعرفوا حالهم و ما صنع اللّه بهم فيزدادوا يقينا على كمال قدرة اللّه تعالى- و يستبصروا به امر البعث و يشكروا ما الغم به عليهم فعلى هذا اللام لام العلة و قال البغوي اللام لام العاقبة لانهم لم يبعثوا للسوال قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ و هو رئيسهم مكسلمينا كَمْ لَبِثْتُمْ فى نومكم و ذلك انهم استكثروا طول نومهم- و يقال انهم راعهم ما فاتهم من الصلوات فقالوا ذلك قالُوا لَبِثْنا يَوْماً و ذلك انهم دخلوا الكهف غدوة و انتبهوا عشيّة فقالوا لبثنا يوما- ثم نظروا و قد بقيت من الشمس بقية فقالوا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ و هذا الجواب مبنى على غالب الظن و فيه دليل على ان القول بغالب الظن جائز- فلما نظروا الى شعورهم و اظفارهم علموا انهم لبثوا دهرا قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ و قيل ان رئيسهم مكسلمينا لما سمع الاختلاف قال دعوا الاختلاف فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ يعنى تمليخا ..... بِوَرِقِكُمْ قرأ ابو عمرو و حمزة و أبو بكر ساكنة الراء و الباقون بكسرها و معناهما واحد و هى الفضة مضروبة كانت او غير مضروبة هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قيل هى طرطوس و كان اسمها في الجاهلية أفسوس فسموها فى الإسلام طرطوس- و فى حملهم الورق معهم دليل على ان التزود رأى المتوكلين فَلْيَنْظُرْ أَيُّها اى اىّ أهلها بحذف المضاف أَزْكى طَعاماً اى احلّ طعاما حتى لا يكون من غصب او سبب حرام و قيل أمروه ان يطلب ذبيحة من يذبح للّه و كان فيهم مؤمنون يخفون ايمانهم- و قال الضحاك أطيب طعاما و قال مقاتل بن حبان أجود و قال عكرمة اكثر و اصل الزكوة الزيادة و قيل أرخص طعاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ اى ليتكلف فى اللطف فى المعاملة حتى لا يغبن او فى التخفّي حتى لا يعرف وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) من الناس اى لا يفعلن ما يؤدى الى الشعور بنا من غير قصد منه فسمى ذلك اشعارا منه بهم لانه سبب فيه و الضمير فى ٢٠ إِنَّهُمْ راجع الى الأهل المقدر فى ايّها. إِنْ يَظْهَرُوا اى يطلعوا عَلَيْكُمْ او يظفروا بكم يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم بالرجم أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ اى يصيّروكم إليها كرها فالعود بمعنى الصيرورة و قيل هو بمعناه و كانوا اولا فى دينهم فامنوا وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً اى إذا دخلتم فى ملتهم أَبَداً (٢٠). ٢١ وَ كَذلِكَ اى كما أنمناهم و بعثناهم ليزداد و بصيرة أَعْثَرْنا اى اطلعنا الناس يقال عثرن على الشي ء إذا اطلعت عليه و اعثرت غيرى اى اطلعته عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا اى ليعلم الذين اطلعنا هو على حالهم أَنَّ وَعْدَ اللّه بالبعث بعد الموت حَقٌّ لان نومهم و انتباهم كحال من يموت ثم يبعث وَ أَنَّ السَّاعَةَ اى القيامة الموعودة لا رَيْبَ فِيها اى فى إمكانها فان من توفّى نفوسهم و أمسكها ثلاث مائة سنين حافظا أبدانها من التحلل و التفتت ثم أرسلها إليها قادر على ان يتوفّى نفوس جميع الناس ممسكا إياها الى ان يحشر أبدانها فيرد عليها إِذْ يَتَنازَعُونَ ظرف لاعثرنا اى أعثرنا عليهم حين كان الناس يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ اى بين امر دينهم قال عكرمة تنازعوا فى البعث فقال قوم للارواح دون الأجساد- و قال المسلمون البعث للارواح و الأجساد جميعا- فبعثهم اللّه و أراهم ان البعث للارواح و الأجساد جميعا- او فى امر الفتية حين أماتهم ثانيا بالموت فقال بعضهم ماتوا و قال بعضهم ناموا نومهم أول مرة- و قال ابن عباس تنازعوا فى البنيان قال المسلمون نبنى عندهم مسجدا لانهم كانوا على ديننا و قد ماتوا مسلمين و قال المشركون نبنى عليهم بنيانا يسكنه الناس و يتخذونه قرية- او على باب كهفهم بنيانا يمنع الناس عن التطرق إليهم ضنّا بتربتهم لانهم من اهل نسبنا كما قال اللّه تعالى فَقالُوا اى المشركون من اهل القرية ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ اى المسلمون بيدوسيس و أصحابه فانهم كانوا اصحاب ملك و ثروة و حكومة حينئذ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) يصلى فيه المسلمون و يتبركون بهم- و قوله ربّهم اعلم بهم الظاهر انه اعتراض من اللّه تعالى ردّا على الخائضين فى أمرهم فان كلّا من الفريقين انتسبوا أنفسهم إليهم و هم براء من الكفر و أربابها و لم يكونوا من عوام المؤمنين ايضا و ان كانوا منهم فان الصوفي كائن بائن قال الفاضل الرومي هر كسى در ظن خود شد يار من و از درون من نجست اسرار من و قيل انه من كلام المتنازعين كانهم تذاكروا أمرهم و تناقلوا الكلام فى أنسابهم و أحوالهم و مدة لبثهم- فلمّا لم يهتدوا الى حقيقة ذلك قالوا ربّهم اعلم بهم- (مسئلة) هذه الاية تدل على جواز بناء المسجد ليصلى فيه عند مقابر اولياء اللّه قصدا للتبرك بهم و قد كان الشيخ الأستاذ محمد فاخر المحدث رحمه اللّه يكره ذلك مستدلا بما رواه مسلم عن ابن الهياج الأسدي قال قال لى علىّ الا أبعثك على ما بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ان لا تدع تمثالا الا طمسته و لا قبرا مشرفا الا سوّيته- و ما روى مسلم عن جابر قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يجصص القبر و ان يبنى عليه و ان يقعد عليه- و ما روى الشيخان عن عائشة و ابن عباس رضي اللّه عنهم قالا لما نزل برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه و يقول و هو كذلك لعنة اللّه على اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد- قالت يحذّر مثل ما صنعوا قلت هذه الأحاديث تدل على كراهة تجصيص القبور و البناء عليها و جعل القبور مشرفة- و لا دلالة لها على كراهة بناء المسجد بقرب منها- و معنى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد انهم يسجدون الى القبور- كما هو صريح فى حديث ابى مرثد الغنوي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لا تجلسوا على القبور و لا تصلوا إليها- رواه مسلم. ٢٢ سَيَقُولُونَ اى المتنازعون فى عدد الفتية فى زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ اى جاعلهم اربعة بانضمامه إليهم و ثلاثة خبر مبتدأ محذوف اى هم ثلاثة و جملة رابعهم كلبهم صفة لثلاثة و كذا ما بعده وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه قال البغوي روى ان السيد و العاقب و أصحابها من نصارى نجران كانوا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم فجرى ذكر اصحاب الكهف فقال السيد و كان يعقوبيّا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم- و قال العاقب و كان نسطوريّا كانوا خمسة سادسهم كلبهم فرد اللّه عليهم قولهم بقوله رَجْماً بِالْغَيْبِ منصوب على المصدريّة بفعل مقدر يعنى يرجمون رجما و يرمون رميا بالخبر الغائب عنهم يعنى ليس فى خزانة علمهم ذلك- او على العلية متعلق بقوله يقولون و معنى رجما ظنّا وضع الرجم موضع الظن لانهم يقولون كثيرا رجم بالظن مكان قولهم ظن حتى لم يبق بينهم فرق بين العبارتين كذا قال فى المدارك يعنى ليس اخبار الفريقين مستندا الى علم مطابقا للواقع وَ يَقُولُونَ يعنى المسلمين بأخبار الرسول صلى اللّه عليه و سلم و عن جبرئيل سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ادخل الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيها لها بالواقعة حالا من المعرفة لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف و الدلالة على ان اتصافه ثابت- و قيل هذه واو الثمان و ذلك ان العرب يعدّ فيقول واحد اثنان ثلاثة اربعة خمسة ستة سبعة و ثمانية لان العقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة و منه قوله تعالى التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ- و قوله تعالى فى ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً- قال اللّه تعالى قُلْ رَبِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ اى بعددهم ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ٥ منهم اى من النصارى- او الا قليل من الناس و هم المسلمون قال ابن عباس انا من ذلك القليل كانوا سبعة- رواه ابن جرير و الفرياني و غيرهما عنه- و كذا روى ابن ابى حاتم عن ابن مسعود انهم سبعة ثامنهم كلبهم- قال البيضاوي ان اللّه تعالى اثبت العلم بهم لطائفة بعد ما حصر اقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة- فان عدم إيراد القول الرابع في نحو هذا المحمل دليل على العدم مع ان الأصل نفيه- و بعد ما رد القولين الأولين ظهر ان الحق هو القول الثالث و قال البغوي روى عن ابن عباس انه قال هم مكسلمينا و تمليخا و مرطونس و سنونس و سارينونس و ذو نواس و كعسططيونس و هو الراعي- رواه الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد صحيح عنه قال ابن حجر في شرح البخاري في النطق بها اختلاف كثير و لا يقع الوثوق من ضبطها بشي ء فَلا تُمارِ فِيهِمْ اى لا تجادل في شأن الفتية و عددهم إِلَّا مِراءً ظاهِراً اى جدالا بظاهر ما قصصنا عليك من غير تجهيل لهم و لا تعمق فيه إذ لا فائدة في ذلك الجدال وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ اى في شان اصحاب الكهف و عددهم مِنْهُمْ اى من اهل الكتاب أَحَداً (٢٢) اى لا تسئل عن قصتهم سوال مستعلم فان فيما اوحى إليك لمندوحة عن غيره مع انهم لا علم لهم بها- و ايضا لا فائدة لك في زيادة العلم بأحوالهم- و لا سوال متعنت تريد تفضيح المسئول عنه و تزئيف ما عنده- فانه مخل لمكارم الأخلاق و اللّه اعلم- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال حلف النبي صلى اللّه عليه و سلم على يمين فمضى له أربعون ليلة فانزل اللّه تعالى. ٢٣ وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) ٢٤ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللّه و اخرج ابن المنذر عن مجاهد انه قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح و عن اصحاب الكهف و ذى القرنين- فسالوه فقال ايتوني غدا أخبركم و لم يستثن فابطا عنه الوحى بضعة عشر يوما- حتى شق عليه و كذّبته قريش فانزل اللّه هذه الاية- و قد ذكر في أوائل السورة ما اخرج ابن جرير نحوه- و كذا ذكرنا في سورة بنى إسرائيل في تفسير قوله تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ و الاستثناء استثناء من النهى- اى لا تقولنّ لاجل شي ء تعزم عليه انّى فاعل ذلك الشي ء فيما يستقبل من الزمان الّا ان يشاء اللّه- يعنى لا تقولنّ في حال من الأحوال الا متلبسا بمشيته اى الّا قائلا ان شاء اللّه: او في وقت من الأوقات الا وقت مشيّته ان تقوله بمعنى الا وقت ان يأذن لك فيه- و ذلك الوقت انما هو وقت قولك ان شاء اللّه معه- و ليس الاستثناء متعلقا بقوله انّى فاعل لانه لو قال انى فاعل كذا الا ان يشاء اللّه- كان معناه الا ان يعترض مشية اللّه دون فعلى و ذلك لا مدخل فيه للنهى- و هذا نهى تأديب من اللّه لنبيه صلى اللّه عليه و سلم وَ اذْكُرْ رَبَّكَ بالتسبيح و الاستغفار إِذا نَسِيتَ الاستثناء فيه حثّ و تأكيد على الاهتمام في إتيان الاستثناء على كل عزم- او المعنى و اذكر ربّك و عقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليعينك على التدارك- او المعنى إذا نسيت شيئا فاذكره ليذكّرك المنسى- و قال عكرمة معنى الاية و اذكر ربّك إذا غضبت قال وهب مكتوب في الإنجيل ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين اغضب و قال الضحاك و السدىّ هذا في الصلاة عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من نسى صلوة فليصلّها إذا ذكرها- رواه البغوي و في الصحيحين و عند احمد و الترمذي و النسائي بلفظ من نسى صلوة او نام عنها فكفارتها ان يصليها إذا ذكرها- و عن ابى سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من نام عن وتره او نسيه فليصله إذا ذكره- رواه احمد و الحاكم و صححه و قال ابن عباس و مجاهد و الحسن معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن- و من هاهنا جوزوا تأخير الاستثناء و لو بعد سنة ما لم يحنث أخرجه سعيد بن منصور و ابن جرير و الطبراني و الحاكم عن ابن عباس و يؤيد قولهم ما اخرج ابن مردوية عن ابن عباس انه قال لما نزل هذه الاية قال عليه السلام ان شاء اللّه و عامة الفقهاء على خلافه فان الكلام الغير المستقل إذا كان مغيرا لمعنى كلام اخر كالشرط و الاستثناء و الغاية و البدل بدل البعض لا بد ان يكون متصلا به- إذ لو صح الاستثناء و نحو ذلك منفصلا لم يتقرر اقرار و لاطلاق و لا اعتاق و لا يعلم صدق و لا كذب- حكى انه بلغ المنصور ان أبا حنيفة خالف ابن عباس رضي اللّه عنه في الاستثناء المنفصل- فاستحضره لينكر عليه فقال ابو حنيفة هذا يرجع عليك انك تأخذ البيعة بالطاعة أ فترضى ان يخرجوا من عندك فليستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه و امر الطاعن فيه بإخراجه من عنده- و ما روى من قوله صلى اللّه عليه و سلم ان شاء اللّه عند نزول هذه الاية ليس استثناء متعلقا بقوله صلى اللّه عليه و سلم و ايتوني غدا أخبركم يعنى عن اصحاب الكهف و الروح و ذى القرنين- بل هو استثناء متعلق بمقدر تقديره لا اترك الاستثناء ان شاء اللّه تعالى فيما أقول في ثانى الحال انى فاعل ذلك غدا و اللّه اعلم- و قالت الصوفية العلية ان معنى الاية و اذكر ربّك إذا نسيت ما عداه- قالوا ذكر اللّه سبحانه دائما لا يتصوما لم يحصل لقلبه نسيان عما سواه لان قلب الإنسان يشغله شأن عن شأن و ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه- فالذكر الدائم الّذي لا يقع فيه فتور لا يتصور ما لم يحصل لقلبه نسيان دائمى عما سواه و هذه الحالة يعبّر عندهم بفناء القلب و اما الذكر الّذي يعقبه غفلة فلا يعتدون به- و القلب يذكر تارة و يغفل عنه و يذكر غيره اخرى لا يسمى عندهم موحدا- و هذا التأويل انسب بمنطوق الكتاب و أوفق للعربية و ابعد من التجوز لان قوله إذا نسيت ظرف لا ذكر و الظرفية الحقيقية ان يكون الذكر في وقت النسيان- و لا شك ان وقت الذكر مغائر لوقت النسيان على سائر التأويلات السابقة- فلا يكون الظرفية على تلك التأويلات الا مجازا و الحمل على الحقيقة اولى- وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ قرأ نافع و ابو عمرو بالياء وصلا فقط و ابن كثير بالياء في الحالين و الباقون يحذفوها فيهما أي يهدنى رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا المنسى رَشَداً (٢٤) اى خيرا و صلاحا عطف على اذكر- يعنى إذا نسيت الاستثناء او شيئا مما أمرك اللّه بإتيانه فاذكر اللّه بالتسبيح و الاستغفار و استعنه و قل عسى ان يهدين ربّى لشي ء اخر أفضل من هذا المنسى و اقرب منه رشدا- او ذلك الندم و التوبة و الاستغفار مع القضاء و قيل ان القوم لمّا سالوه عن قصة اصحاب الكهف على وجه العناد امره اللّه عزّ و جلّ ان يخبرهم بان اللّه سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو ادلّ من قصة اصحاب الكهف- و قد فعل حيث أتاه علم غيب المرسلين و علم ما كان و ما يكون ما هو أوضح في الحجة و اقرب الى الرشد من خبر اصحاب الكهف- و قال بعضهم هذا شي ء امر اللّه رسوله ان يقوله مع قوله ان شاء اللّه لا اترك الاستثناء ابدا إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان- يعنى إذا ترك الإنسان ان شاء اللّه ناسيا ثم ذكره فتوبته من ذلك ان يقول عسى ان يهدين ربّى لاقرب من هذا رشدا- و على تأويل الصوفية فمعنى الاية و اذكر ربّك إذا نسيت غيره و قل عسى ان يهدين ربّى اى يوصلنى لشي ء هو اقرب من هذا الذكر رشدا و هو ذات اللّه سبحانه الّذي هو اقرب من حبل الوريد. ٢٥ وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ يعنى لبثوا اصحاب الكهف احياء مضروبا على آذانهم- و هذا بيان من اللّه تعالى لما أجمله من قبل حيث قال فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا- و قيل هذا خبر عن اهل الكتاب انهم قالوا ذلك- و لو كان خبرا من اللّه تعالى عن قدر لبثهم لم يكن لقوله قل اللّه اعلم بما لبثوا وجه و هذا قول قتادة- و يدل عليه قراءة ابن مسعود- و قالوا لبثوا في كهفهم- ثم رد اللّه عليهم بقوله قل اللّه اعلم بما لبثوا- و الاول أصح و اما قوله قل اللّه اعلم بما لبثوا معناه ان الأمر في مدة لبثهم كما ذكرنا فان نازعوا في فيها فاجبهم قل اللّه اعلم منكم بما لبثوا و قد اخبر بمدة لبثهم- و قيل ان اهل الكتاب قالوا ان المدة من وقت دخولهم الكهف الى زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم و هذه- فرد اللّه عليهم و قال قل اللّه اعلم بما لبثوا يعنى بعد قبض أرواحهم الى يومنا هذا مضى زمان اللّه اعلم به ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ قرأ حمزة و الكسائي بالاضافة بغير تنوين على مائة- على وضع الجمع في التميز موضع المفرد كما في قوله الأخسرين أعمالا- قال الفراء من العرب من يضع سنين موضع سنة- و قرا الباقون ثلاثمائة بالتنوين فسنين على هذا بدل من ثلاثمائة او عطف بيان- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس و ابن جرير عن الضحاك قالا نزلت و لبثوا في كهفهم ثلاثمائة فقيل يا رسول اللّه سنين أم شهورا فانزل اللّه تعالى سنين وَ ازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قال الكلبي قالت نصارى نجران اما ثلاث مائة فقد عرفنا و اما التسع فلا علم لنا به فنزلت. ٢٦ قُلِ اللّه أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا و قال البغوي روى عن علّى عليه السلام انه قال عند اهل الكتاب انهم لبثوا ثلاث مائة سنة شمسية و اللّه تعالى ذكر ثلاث مائة قمرية و التفاوت بين الشمسية و القمرية في كل مائة سنة ثلاث سنين فيكون في ثلاث مائة تسع سنين فلذلك قال و ازدادوا تسعا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يعنى مختص به تعالى ما غاب من غيره في السموات و الأرض أَبْصِرْ بِهِ اى باللّه تعالى وَ أَسْمِعْ ذكر كماله تعالى في الابصار و السمع بصيغة التعجب للدلالة على ان امره تعالى في الإدراك خارج عما عليه ادراك السامعين و المبصرين إذ لا يحجبه شي ء- و لا يتفاوت دونه لطيف و كثيف و صغير و كبير و خفى و جلى ما لَهُمْ ما لاهل السموات و الأرض مِنْ دُونِهِ اى من دون اللّه مِنْ وَلِيٍّ ينصرهم و يتولى أمرهم وَ لا يُشْرِكُ قال البغوي قرا ابن عامر لا تشرك بالتاء على الخطاب و النهى و لم يذكر الداني في التيسير خلاف ابن عامر- و قرا الجمهور بالياء اى لا يشرك اللّه فِي حُكْمِهِ اى في قضائه او في امره و نهيه أَحَداً (٢٦) منهم و لا يجعل لاحد فيه مدخلا- و قيل الحكم هاهنا بمعنى علم الغيب اى لا يشرك في علم غيبه أحدا- ثم لمّا دل اشتمال القران على قصة اصحاب الكهف من حيث انها من المغيبات بالاضافة الى الرسول صلى اللّه عليه و سلم على انه وحي معجز- امره بان يداوم درسه و يلازم أصحابه فقال. ٢٧ وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ اى القران و اتبع ما فيه و لا تلتفت الى قولهم ايت بقرآن غير هذا او بدّله فانه لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعنى لا أحد يقدر على تبديلها و تغييرها غيره- و قيل معناه لا مغير لما أوعد بكلماته اهل معصية وَ لَنْ تَجِدَ أنت يا محمد مِنْ دُونِهِ ان لم تتبع القران مُلْتَحَداً (٢٧) قال ابن عباس حرزا و قال الحسن مدخلا و قيل مهربا و أصله من الميل-. ٢٨ وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ يا محمد اى احبسها و ثبتها- قال البغوي هذه الاية نزلت في عيينة بن حصير الفزاري اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم قبل ان يسلم- و عنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان و عليه شملة قد عرق فيها و يبده خرصة يشقها ثم ينسجها- قال عيينة للنبى صلى اللّه عليه و سلم اما يؤذيك ريح هؤلاء و نحن سادات مضر و اشرافها فان اسلمنا اسلم الناس و ما يمنعنا عن اتباعك الا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك او اجعل لنا مجلسا و لهم مجلسا- فانزل اللّه تعالى و اصبر نفسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ قرأ ابن عامر بضم الغين و سكون الدال و واو مفتوحة- و الباقون بفتح الغين و الدال و الف بعدها وَ الْعَشِيِّ اى في جميع أوقاتهم او في طرفى النهار يُرِيدُونَ بعبادتهم إياه وَجْهَهُ لفظ الوجه مقحم كما في قوله تعالى و يبقى وجه ربّك- و المعنى يريدون اللّه لا شيئا اخر من الدنيا و الاخرة- قال قتادة نزلت في اصحاب الصفة و كانوا سبع مائة رجل فقراء في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يرجعون الى زرع و لا ضرع و لا تجارة- يصلون صلوة و ينتظرون اخرى- فلما نزلت لهذه الاية قال النبي صلى اللّه عليه و سلم الحمد للّه الّذي جعل في أمتي من امر ربّى ان اصبر معهم- و قد ذكرنا بعض ما ورد في سبب نزول هذه الاية في سورة الانعام في تفسير قوله تعالى و لا تطرد الّذين يدعون ربّهم الاية وَ لا تَعْدُ اى لا تصرف عَيْناكَ عَنْهُمْ الى غيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا حال من الكاف اى تصرف عيناك حال كونك تطلب مجالسة الأغنياء و مصاحبة اهل الزينة من الدنيا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا قال البغوي يعنى عيينة بن حصين- و قيل امية بن خلف اخرج ابن مردوية من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الاية قال نزلت في امية بن خلف الجمحي- و ذلك انه دعا النبي صلى اللّه عليه و سلم الى امر كرهه اللّه من طرد الفقراء عنه و تقريب صناديد اهل مكة فنزلت- و اخرج ابن ابى حاتم عن الربيع قال حدثنا ان النبي صلى اللّه عليه و سلم تصدّى لامية بن خلف و هوساه غافل عما يقال له فنزلت- و اخرج ابن بريدة قال دخل عيينة بن حصين على النبي صلى اللّه عليه و سلم و عنده سلمان فقال عيينة إذا نحن اتيناك فاخرج هذا فنزلت و لا تطع من أغفلنا قلبه اى جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ فى دعائك الى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش- و فيه تنبيه على ان الداعي له الى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن ذكر اللّه سبحانه- و انهما له في لذات الدنيا- حتى خفى عليه ان الشرف بتزكية النفس عن الرذائل و تصفية القلب و تنويرها بنور المعرفة لا بزينة الجسد و انه من أطاعه كان مثله في الغفلة و الغباوة- و المعتزلة لما لم يجوّزوا نسبة الاغفال الى اللّه تعالى قالوا معنى أغفلنا وجدناه غافلا او نسبناه الى الغفلة او هو من قبيل اغفل ابله اى تركها بغير سمة- و اهل السنة السنية جعلوا مجموع النسبتين في قوله تعالى أغفلنا و قوله و اتّبع هويه دليلا على الأمر بين الامرين لاجبر و لا تفويض وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) قال البغوي قال قتادة و مجاهد اى ضياعا- و قيل معناه ضيع امره و عطل أيامه- و قيل ندما و قال مقاتل بن حبان سرفا- و قال الفراء منزوكا- و قيل باطلا- و قيل مخالفا للحق- و قال الأخفش مجاوزا للحد- و قال البيضاوي متقدما على الحق تاركا له وراء ظهره- يقال فرس فرط اى متقدما للخيل و منه الفرط. ٢٩ وَ قُلِ يا محمد الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ مبتدأ و خبر يعنى الحق ما حقه اللّه لا ما يقتضيه الهوى و يجوز ان يكون الحق خبر مبتدأ محذوف و من ربكم حالا يعنى الإسلام او القران هو الحق كائنا من ربكم فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ صيغة تخيير استعمل للتهديد و الوعيد كانه جواب لما قال عيينة للنبى صلى اللّه عليه و سلم اما يؤذيك ريح هؤلاء و نحن سادات مضر و اشرافها فان اسلمنا اسلم الناس و ما يمنعنا عن اتباعك الا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك و معناه الحق كائن من ربك و اللّه يأمر بصبر النفس و المجالسة مع هؤلاء و ينهى عن طردهم فان شئتم أمنوا و ان شئتم فاكفروا لا أبالي بايمان من أمن منكم و لا بكفر من كفر منكم- فان نفع الايمان و مضرة الكفر انما يعود إليكم إِنَّا أَعْتَدْنا هيّئنا لِلظَّالِمِينَ اى الكافرين ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها السرادق الحجرة يطيف بالفساطيط قال في النهاية هو كل ما أحاط بشي ء من حائط او مضرب او خباء- قالوا هو لفظ مفرد معرب إذ ليس في كلامهم اسم مفرد ثالثه الف و بعده حرفان و جاز ان يكون جمع سردق- روى احمد و الترمذي و الحاكم و صححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال سرادق النار اربعة جدر كثف كل جدار أربعين سنة- قال البغوي قال ابن عباس هو حائط من نار- و قال الكلبي هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحضيرة- و قيل دخان يحيط بالكفار و هو الّذي ذكره اللّه انطلقوا الى ظلّ ذى ثلث شعب وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا بشدة العطش يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ اخرج احمد و الترمذي و ابن ابى حاتم و ابن حبان و الحاكم و صححه و البيهقي عن ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في قوله تعالى بماء كالمهل قال كعكر الزيت فاذا قرب اليه سقطت فروة وجهه فيه- و روى احمد و الترمذي و النسائي و الحاكم و صححه و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن المنذر و ابن ابى الدنيا في صفة النار و البيهقي عن ابى امامة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم في قوله تعالى و يسقى من ماء صديد يتجرّعه قال يقرب فيستكرهه فاذ ادنى منه شوى وجهه و وقع فروة رأسه فاذا شربه قطّع امعاءه حتى يخرج من دبره- فيقول و سقوا ماء حميما فقطّع أمعاءهم- و ان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه- و اخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى بماء كالمهل قال اسود كعكر الزيت- و قال البغوي قال ابن عباس هو ماء غليظ مثل دردى الزيت و قال مجاهد هو القيح و الدم- و سئل ابن مسعود عن المهل فدعا بذهب و فضة و أوقد عليهما النار حتى ذابا ثم قال هذا أشبه شي ء بالمهل يَشْوِي الْوُجُوهَ اى إذا قدم يشويها من فرط حرازته- و هو صفة ثانية لماء او حال من المهل او من الضمير في كاف التشبيه بِئْسَ الشَّرابُ المهل وَ ساءَتْ النار مُرْتَفَقاً (٢٩) قال ابن عباس منزلا- و قال مجاهد مجتمعا- و قال عطاء مقرّا و قال القتيبى مجلسا و اصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد فالمعنى متكئا و مستراحا و جئ به لمقابلة قوله حسنت مرتفقا و الا فاى ارتفاق لاهل النار-. ٣٠ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) خبر ان الاولى هى الثانية بما في حيزها- و الراجع محذوف تقديره من احسن عملا منهم- او مستغنى عنه لعموم من احسن عملا- كما هو مستغنى عنه في قولك نعم الرجل زيد- او واقع موقعه الظاهر فان من احسن عملا لا يحسن إطلاقه الا على الذين أمنوا و عملوا الصّالحات. ٣١ أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ اى اقامة يقال عدن الماء بالمكان إذا اقام به سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ جملة أولئك استيناف لبيان الاجر- و يحتمل ان يكون هذا خبرا لانّ الاولى و يكون ان الثانية مع ما في حيزها اعتراضا- او يكون هذا خبرا ثانيا يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ جمع اسورة او أسوار في جمع سوار و من للابتداء مِنْ ذَهَبٍ صفة لاساور و من للبيان- و التنكير في أساور و ذهب لتعظيم حسنها من الإحاطة به- اخرج الطبراني في الأوسط و البيهقي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو ان ادنى اهل الجنة حلية عدلت بحلية اهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه اللّه تعالى به في الاخرة أفضل من حلية اهل الدنيا جميعا و اخرج ابو الشيخ في العظمة عن كعب الأحبار قال ان للّه ملكا يصوغ حلى اهل الجنة من أول خلفه الى ان تقوم الساعة- و لو ان حليّا اخرج من حلى اهل الجنة لذهب بضوء الشمس وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً اخرج ابن السنى و ابو نعيم كلاهما في طب النبي صلى اللّه عليه و سلم عن انس قال كان أحب الألوان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الخضرة مِنْ سُنْدُسٍ و هو مارق من الديباج وَ إِسْتَبْرَقٍ و هو ما غلظ منه- قال البغوي معنى الغلظ في ثياب الجنة أحكامه- و عن عمر الحربي قال السندس هو الديباج المنسوج بالذهب- اخرج النسائي و الطيالسي و البزار و البيهقي بسند حسن عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول اللّه أخبرنا عن ثياب اهل الجنة .... اخلق يخلق أم سيج يسج- فضحك بعض القوم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ممّ نضحكون من جاهل يسئل عالما- ثم قال بل ينشق عنها ثم الجنة مرتين- و اخرج البزار و ابو يعلى و الطبراني من حديث جابر بسند صحيح عن ابى الخير مرثد بن عبد اللّه قال في الجنة شجرة ينبت السندس يكون ثياب اهل الجنة مُتَّكِئِينَ فِيها اى في الجنة خص بالذكر هيئة الاتكاء لكونها هيئة المتنبعين و المملوك على الاسرة عَلَى الْأَرائِكِ و هى السر في الحجال واحدتها اريكة- اخرج البيهقي عن ابن عباس في هذه الاية قال لا يكون الأرائك حتى يكون السرير في الحجلة- فان كان سرير بغير حجلة لا تكون اريكة و ان كان حجلة بغير سرير لا تكون اريكة فاذا اجتمعا كانت اريكة و اخرج البيهقي عن مجاهد قال الأرائك من لؤلؤ و ياقوت نِعْمَ الثَّوابُ اى نعم الجزاء الجنة و نعيمها وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١) اى حسنت الجنات مجلسا و مقرّا- او حسنت الأرائك متكا. ٣٢ وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ الاية- قال البغوي قيل نزلت في أخوين من اهل مكة من بنى مخزوم أحدهما مؤمن و هو ابو سلمة عبد اللّه بن عبد الأسود بن عبد يا ليل روكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى اللّه عليه و سلم و الاخر كافر و هو الأسود بن عبد الأسود بن عبد يا ليل و قيل هذا مثل لعيينة بن حصين و أصحابه مع سلمان و أصحابه- و شبّههما برجلين من بنى إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن و اسمه يهودا في قول ابن عباس و قال مقاتل تمليخا- و الاخر كافر و اسمه قطروس و قال وهب قطفر- و هما اللذان وصفهما اللّه في سورة و الصافات و كان قصتهما على ما حكى عبد اللّه بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراسانى قال كان رجلان مشريكين لهما ثمانية آلاف دينار- و قيل كانا أخوين ورثا أباهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فعمد أحدهما فاشترى أرضا بألف دينار فقال صاحبه اللّهم ان فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار فانى اشتريت منك في الجنة أرضا بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم ان صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال اللّهم ان فلانا بنى دارا بألف دينار فانى اشترى منك دارا بألف دينار في الجنة فتصدق بألف دينار ثم تزوج صاحبه امرأة فانفق عليها الف دينار فقال هذا المؤمن اللّهم انى اخطب إليك من نساء اهل الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم اشترى صاحبه خدما و متاعا بألف دينار فقال هذا اللّهم انى اشترى منك خدما و متاعا بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم انه «١» أصابته حاجة شديدة فقال لو أتيت صاحبى لعله ينالنى منه بمعروف فجلس على طريقه حتى مرّ به في حشمه فقام اليه فنظر اليه الاخر فعرفه فقال فلان قال نعم قال ما شأنك قال أصابتني حاجة بعدك فاتيت لتصيبنى بخير- فقال ما فعل مالك و قد اقتسمنا مالا و أخذت شطره فقص «٢» عليه القصة فقال انك لمن المصدقين بهذا اذهب فلا أعطيك شيئا فطرده- فقضى لهما ان توفيا فنزل فيهما فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم انّى كان لى قرين يقول أ إنّك لمن المصدّقين «٣». و روى انه لما اتى فاخذ بيده و جعل يطوف به و يريه اموال نفسه فنزل فيهما و اضرب لهم اى للكافرين و المؤمنين مثلا رّجلين اى مثل رجلين يعنى حال رجلين مقدرين او موجودين في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم او في الزمان السابق- فرجلين بحذف المضاف بدل من مثل و ما بعده تفسير للمثل جَعَلْنا لِأَحَدِهِما اى للكافر منهما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ اى بستانين من كروم و الجملة بتمامها بيان للتمثيل او صفة لرجلين وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ اى جعلنا الجنتين محفوفتين اى محاطتين بنخل يعنى جعلنا النحلة محيطة بها- يقال حفه القوم إذا احاطوا به- و حففته بهم اى جعلتهم حافين حوله محيطين به- فيزيد الباء كقولك غشيته و غشيت به وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما اى وسط الجنتين زَرْعاً (٣٢) يعنى لم يكن بين الجنتين موضع خراب و كانت الجنتان جامعتين للاقوات و الفواله على الشكل و الترتيب الأنيق. (١) و في الأصل ثم ان صاحبة أصابته ١٢. (٢) و في الأصل فقصه عليه قصة ١٢. (٣) و في الأصل انك لمصدقين ١٢. ٣٣ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ اى اعطت أُكُلَها اى ثمرها أفرد الضمير لافراد لفظ كلتا وَ لَمْ تَظْلِمْ اى لم تنقص مِنْهُ اى من أكلها شَيْئاً يعهد في سائر البساتين فان الثمار يتم في عام و ينقص في عام غالبا وَ فَجَّرْنا قرأ يعقوب «١» بتخفيف الجيم و الباقون بتشديدها- اى شققنا و أخرجنا خِلالَهُما اى وسطها نَهَراً (٣٣) ليدوم شربها و يبقى زهرتها. (١) هذا ليس بشي ء لان يعقوب قرا بالتشديد كالجمهور- و التخفيف مذهب الأعمش- ابو محمد عفا اللّه عنه. ٣٤ وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ قرأ عاصم بفتح الثاء و الميم و ابو عمرو بضم الثاء و اسكان الميم- و الباقون بضمهما و كذلك في قوله و أحبط بثمره- قال الأزهري الثمرة تجمع على ثمر يعنى بفتح الثاء و الميم- و يجمع الثمر على ثمار ثم يجمع الثمار على ثمر بالضمتين- و في القاموس الثمرة محركة حمل الشجر و انواع المال- الواحدة ثمره و ثمرة و جمعه ثمار و جمع الجمع ثمر و جمع جمع الجمع اثمار و الذهب و الفضة و النسل و الولد- قيل المراد انه كان لصاحب البساتين ثمر اى انواع من المال سوى الجنتين كثيرة مثمرة من ثمر ماله إذا كثر- و قال مجاهد يعنى ذهب و فضة و قال البغوي من قرا بفتح الثاء فهى جمع ثمرة و ما يخرجه الشجر من الثمار الماكولة و من قرا بالضم فهى الأموال الكثيرة المثمرة فَقالَ صاحب البستانين لِصاحِبِهِ الفقير المؤمن وَ هُوَ يُحاوِرُهُ اى يراجعه في الكلام من حاور إذا راجع أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً (٣٤) اى حشما و أعوانا و قيل أولادا ذكورا- لانهم الذين ينفرون معه يدل عليه قوله ان ترن انا أقلّ منك مالا و ولدا. ٣٥ وَ دَخَلَ الكافر جَنَّتَهُ بصاحبه يطوف به فيها و يفاخره بها- و افراد الجنة لان الدخول يكون في واحدة واحدة- او لاتصال كل واحدة من جنتيه بالأخرى- او سماهما جنة لاتحاد الحائط و جنتين للنهر الجاري بينهما- أو لأن المراد ما هو جنته الّتي منعته من جنة الخلد الّتي وعد المتقون وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ اى ضار لها لعجبه و كفره قالَ ما أَظُنُّ ان تَبِيدَ اى تفنى هذِهِ الجنة أَبَداً (٣٥) لطول أمله و تمادى غفلته و اغتراره بمهلته- لعل المراد انه زعم انه لا يزال له الغنى و المال و الجنتان ما دام حيّا- و الا فليس من عاقل مومنا كان او كافرا يعلم انه لا يموت و يبقى حيا ابدا- او المراد انه قال ذلك بلسان الحال فان الغافلين المنهمكين في الدنيا و لذاتها يأملون آمالا و يعملون أعمالا كانهم لا يموتون ابدا. فكانّهم يقولون ذلك بلسان الحال. ٣٦ وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً اى كائنة قاله ذلك لكونه كافرا منكرا للبعث- ثم قال على تقدير التنزل و فرض البعث وَ لَئِنْ رُدِدْتُ بعد الموت و البعث إِلى رَبِّي كما زعمت لَأَجِدَنَّ فى الاخرة خَيْراً مِنْها قرأ اهل البصرة و الكوفة بافراد الضمير اى من الجنة الّتي دخلها و قرا الحجازيان و الشامي منهما بتثنية الضمير و كذلك هو في مصاحفهم يعنى خيرا من الجنتين مُنْقَلَباً (٣٦) اى مرجعا و عاقبة- انما قال ذلك لاعتقاده ان اللّه تعالى انما أعطاه ما أعطاه في الدنيا لكرامته على اللّه و استحقاقه ذلك-. ٣٧ قالَ لَهُ اى للكافر صاحِبُهُ المسلم وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ لانه اصل مادتك او مادة أصلك آدم عليه السلام ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ فانها مادتك القريبة ثُمَّ سَوَّاكَ عدلك و كملك إنسانا رَجُلًا (٣٧) ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعل كفره بالبعث كفرا باللّه تعالى لان انكار البعث منشأه الشك في كمال قدرة اللّه و لذلك؟؟؟ رتب الإنكار على خلقه إياه من تراب- فانه من قدر على بدء خلقه من التراب قادر على ان يعيده منه. ٣٨ لكِنَّا قرأ الجمهور بالألف وقفا تبعا للخط و بلا الف وصلا- لان أصله لكن انا فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف و ألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان و ادغمتا و بقي الالف في الخط فيقرأ الالف وقفا كما يقرأ وقفا في انا- و لا يقرأ وصلا كما لا يقرأ في انا وصلا- و قرا ابن عامر و يعقوب بالألف في الوصل ايضا لتعويضها من الهمزة او لاجراء الوصل مجرى الوقف هُوَ اللّه رَبِّي هو ضمير الشان و الجملة خبره- و جاز ان يكون هو ضمير اللّه و اللّه بدله و ربّى خبره و جملة هو اللّه ربّى مفعول لفعل محذوف تقديره أقول هو اللّه ربّى- و جملة أقول خبرانا و الراجع ضمير أقول و الدليل على تقدير أقول عطف قوله وَ لا أُشْرِكُ بِرَبِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَحَداً (٣٨) و الاستدراك من اكفرت كانه قال أنت كافر باللّه لكنى مؤمن موحد كما يقال زيد غائب لكن عمروا حاضر- قال البغوي قال الكسائي فيه تقديم و تأخير مجازه لكن اللّه هو ربّى و على هذا الالف في لكنّا زائد في رسم الخط على خلاف القياس-. ٣٩ وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ يعنى هلّا قلت عند دخولها ما شاءَ اللّه اى الأمر ما شاء اللّه او ما شاء اللّه كائن على ان ما موصولة- او اى شي ء شاء اللّه كان على انها شرطية و الجواب محذوف اقرار بانها و ما فيها بمشية اللّه ان شاء أبقاها و ان شاء أتلفها لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّه يعنى هلّا قلت اعترافا بالعجز على نفسك و القدرة للّه يعنى لا اقدر على حفظها الا بمعونته اللّه- و ان ما تيسر لك من عمارتها و تدبير أمرها فبمعونته و أقداره- روى البيهقي في شعب الايمان من حديث انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من رأى شيئا فاعجبه قال ما شاء اللّه لا قوّة الّا باللّه لم يضره- و كذا روى ابن السنّى عنه بلفظ لم يضره العين و قال البغوي روى عن هشام بن عروة عن أبيه انه كان إذا راى من ماله شيئا يعجبه او دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء اللّه لا قوّة الّا باللّه- ثم قال المؤمن إِنْ تَرَنِ اثبت الياء في الوصل فقط قالون و ابو عمرو و في الحالين ابن كثير- و الباقون يحذفونها في الحالين أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً (٣٩) انا ضمير فصل- او تأكيد للمفعول الاول- و قرئ أقلّ بالرفع على انه خبر انا و الجملة مفعول ثان لترن. ٤٠ فَعَسى رَبِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَنْ يُؤْتِيَنِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير و في الوصل فقط نافع و ابو عمرو و الباقون يحذفونها في الحالين اى يعطنى في الدنيا و الاخرة خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ و هو جواب الشرط وَ يُرْسِلَ عَلَيْها اى على جنتك لاجل كفرك حُسْباناً مِنَ السَّماءِ قال قتادة عذابا- و قال ابن عباس نارا- و قال القتيبي مرامى- و قال البيضاوي و جمع حسبانة و هى الصواعق قيل هو مصدر بمعنى الحساب و المراد به التقدير بتخريبها او عذاب الأعمال السيئة بحسابها فَتُصْبِحَ الجنة صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) اى أرضا ملسا تزلق عليها الاقدام باستيصال بناتها و أشجارها- و قال مجاهد رملا هائلا. ٤١ أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً اى غائرا ذاهبا في الأرض- مصدر يوصف به كالزلق فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ اى للماء الغائر الذاهب في الأرض طَلَباً (٤١) اى ترددا في رده فضلا من رده-. ٤٢ وَ أُحِيطَ اى أحاط العذاب بِثَمَرِهِ اى ثمر جنته او أمواله اى أهلكها من حيث لم يتوقعه صاحبه- و هو مأخوذ من احاطته العدو- فانه إذا أحاط به غلبه و أهلكه فَأَصْبَحَ صاحبها الكافر يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ اى يصفق بيده على الاخرى- او يقلّب كفّيه ظهرا لبطن تأسفا و تلهفا عَلى ما أَنْفَقَ من المال فِيها اى في عملوة الجنة- و هو متعلق بيقلب لان تقليب الكف كناية عن الندم- فكانه قال فاصبح يندم على ما أنفق- او حال اى متحسرا على ما أنفق فيها وَ هِيَ اى الجنة خاوِيَةٌ ساقطة عَلى عُرُوشِها بان سقطت عروشها على الأرض و سقطت الكروم على العروش وَ يَقُولُ ذلك الكافر عطف على يقلّب- و الظاهر عندى ان معنى الاية و أصبح الكافر يقلب كفيه في الدنيا حين راى بستانها خاوية- و يقول يوم القيامة او في القبر حين يرى منزله من الجنة أبدلت بمنزله من النار يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَحَداً (٤٢) فى الدنيا. ٤٣ وَ لَمْ تَكُنْ قرأ حمزة و الكسائي بالياء التحتانية و الباقون بالتاء الفوقانية- لان تأنيث الفاعل غير حقيقى لَهُ فِئَةٌ اى جماعة يَنْصُرُونَهُ يقدرون على نصره بدفع العذاب يوم القيامة أورد المهلك و الإتيان بمثله في الدنيا مِنْ دُونِ اللّه فانه القادر على ذلك وحده لكنه لم ينصره لكفره وَ ما كانَ ذلك الكافر مُنْتَصِراً (٤٣) بقوته عن انتقام اللّه منه. ٤٤ هُنالِكَ اى في ذلك المقام و الحال يعنى حين يبعث يوم القيامة الْوَلايَةُ قرأ الحمزة و الكسائي بكسر الواو يعنى السلطان و الباقون بفتح الواو بمعنى الموالاة و النصرة كقوله تعالى اللّه ولىّ الّذين أمنوا- و قيل بالفتح الربوبية و بالكسر الامارة للّه الْحَقِّ قرأ ابو عمرو و الكسائي الحقّ بالرفع على انه صفة للولاية و يؤيده قراءة أبيّ هنا لك الولاية الحقّ للّه- او خبر مبتدأ محذوف اى هو الحق- و الباقون بالجر على انه صفة للّه كقوله تعالى ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّه مَوْلاهُمُ الْحَقِّ و جاز ان يكون قوله يليتنى لم أشرك بربّى أحدا صادرا من الكافر في الدنيا ندما و توبة من الشرك- او اضطرارا و جزعا حين تذكّر موعظة أخيه و زعم ان ما أصابه أصابه لاجل الشرك فامن او لم يؤمن- و يكون هذا القول منه كقولهم فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- و معنى قوله هنا لك اى في ذلك المقام و الحال اى حال الجزع زعم ان الولاية للّه الْحَقِّ هُوَ اى اللّه سبحانه خَيْرٌ ثَواباً اى أفضل جزاء لاهل طاعته من غيره فانه تعالى يثيبهم في الدنيا على حسب حكمته و في الاخرة ثوابا قويّا مؤيدا بخلاف غيره فانهم يثيبون في الدنيا ان شاء اللّه تعالى اثابة حقيرة فانية فحسب وَ خَيْرٌ عُقْباً (٤٤) قرا عاصم و حمزة بسكون القاف و الباقون بضمها و العقبى هو الجزاء فانه يعقب الطاعة-. ٤٥ وَ اضْرِبْ يا محمد لَهُمْ اى لقومك مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا اى اذكر لهم صفة الحيوة الدنيا في زهرتها و سرعة زوالها او صفتها الغريبة كَماءٍ اى هو كماء و يجوز ان يكون مفعولا ثانيا لا ضرب على انه بمعنى صير أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ اى فالتفت بسبب ذلك الماء نبات الأرض و خالط بعضه بعضا لكثرته و تكاثفه- او اثر في النبات الماء فاختلط النبات بالماء حتى روى و على هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض- لكن لما كان كل من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته فَأَصْبَحَ اى صار النبات عن قريب هَشِيماً و هو ما يبلس و تفتت من النبات تَذْرُوهُ الرِّياحُ قال ابو عبيدة تفرقه- و المشبه به ليس الماء و لا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة و هى حال النبات المتبت بالماء يكون وارفا ثم هشيما تطيّره الرياح فيصير كان لم يكن وَ كانَ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ من الإنشاء و الافناء و غير ذلك مُقْتَدِراً (٤٥). ٤٦ الْمالُ وَ الْبَنُونَ الّذي يفتخر بها عيينة و أشباهه الأغنياء ... زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يتزين بها الإنسان في دنياه و يفني عن قريب- و ليست هى من زاد الاخرة وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ يعنى الأعمال الصالحة الّتي يبقى ثمرها ابد الآبدين خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ من المال و البنين ثَواباً عائدة وَ خَيْرٌ أَمَلًا (٤٦) اى ما يأمله الإنسان- قال البغوي قال على بن ابى طالب رضي اللّه عنه المال و البنون حرث الدنيا و الأعمال الصالحة حرث الاخرة- و قد يجمعها اللّه لا قوام- قال ابن عباس و عكرمة و مجاهد الباقيات الصالحات سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الّا اللّه و اللّه اكبر- و عن ابى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال استكثروا من الباقيات الصالحات قيل و ما هى يا رسول اللّه قال التسبيح و التهليل و التحميد و التكبير و لا حول و لا قوة الا باللّه- رواه احمد و ابن حبان و الحاكم و صححه- و عن جابر قال استكثروا من لا حول و لا قوة الا باللّه فانها تدفع تسعة و تسعين بابا من الضرّ أدناها الهم- رواه العقيلي و اخرج من حديث النعمان بن بشير مرفوعا سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه أكبرهن الباقيات الصالحات و اخرج الطبراني مثله من حديث سعد بن عبادة- و كذا اخرج ابن جرير عن ابى هريرة مرفوعا و عن رجل من الصحابة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أفضل الكلام سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر- رواه احمد و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لان أقول سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس رواه مسلم و الترمذي- و قال سعيد بن جبير و مسروق و ابراهيم الباقيات الصالحات هى الصلاة الخمس و يروى هذا عن ابن عباس- و عنه رواية اخرى انها الأعمال الصالحة و هو قول قتادة. ٤٧ وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ قرأ الكوفيون و نافع بالنون على التكلم و كسر الياء بناء للفاعل و نصب الجبال- و الباقون بالتاء و فتح الياء على صيغة التأنيث و البناء للمفعول و رفع الجبال يعنى نقلعها و نذهب بها فنجعلها هباء منبثا و يوم منصوب باذكر او عطفا على عند ربّك اى الباقيات الصّالحات خير عند ربّك و يوم القيامة وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً اى ظاهرة ليس عليها ما يسترها من شجر او جبل او بناء كذا اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة و قال عطاء و هو بروز ما في بطونها من الموتى و غيرها- فيرى باطن الأرض ظاهرا وَ حَشَرْناهُمْ اى الناس من القبور أورد بصيغة الماضي بعد نسيّر و ترى لتحقيق الحشر- او للدلالة على ان الحشر يكون قبل التسيير و الواو حينئذ للحال بتقدير قد فَلَمْ نُغادِرْ يقال غادره و غدره إذا تركه و منه الغدر لترك الوفاء يعنى لم نترك مِنْهُمْ اى من الناس أَحَداً (٤٧) غير محشور. ٤٨ عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ تشبيه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم فًّا اى مصطفّين لا يحجب أحد أحداقَدْ جِئْتُمُونا يعنى مقولا في حقهم لقد جئتمونا فهو حال من واو عرضوا- و جاز ان يكون لقد جئتمونا عاملا في يوم يوم نسيّرما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعنى حفاة عراة غرلا ليس معكم شي ء ممّا خوّلناكم في الدنيا اخرج الشيخان في الصحيحين و الترمذي في سننه عن ابن عباس قال قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال يا ايها الناس انكم تحشرون الى اللّه حفاة مشاة عراة غرلا ثم قرا كما بدانا اوّل خلق نعيده- و أول من يكسى في الخلائق ابراهيم - و اخرج الشيخان عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا- .............. الرجال و النساء ينظر بعضهم الى بعض- قال يا عائشة الأمر يومئذ أشد من ذلك- و اخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أم سلمة نحوه- و فيه قالت و واسوأتاه ينظر بعضنا الى بعض- فقال شغل الناس قالت ما شغلهم قال نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر و مثاقيل الخردل- و البيهقي عن ابن عباس مرفوعا نحوه و فيه قالت زوجته ينظر بعضنا الى عورة بعض- قال يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- و الطبراني عن سهل بن سعد نحوه- و عن الحسن بن على عليهما السلام مرفوعا نحوه و فيه قالت زوجته يا رسول اللّه فكيف يرى بعضنا بعضا- قال ان الابصار شاخصة فرفع بصرة- و اخرج الطبراني و البيهقي عن سورة بنت زمعة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة عزلا قد الجمهم العرق و بلغ شحوم الاذان- قلت يا رسول اللّه واسوأتاه ينظر بعضنا الى بعض- قال شغل الناس عن ذلك لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- قال القرطبي لا ينافى قوله عراة ما ورد ان الموتى يتزاورون في قبورهم بأكفانهم- لان ذلك يكون في البرزخ فاذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة- لكن يعارض هذه الأحاديث ما رواه ابو داؤد و الحاكم و صححه و ابن حبان و البيهقي عن ابى سعيد الخدري انه لما اختصر دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الميت يبعث في ثيابه الّتي يموت فيها- و ما اخرج ابن ابى الدنيا بسند حسن عن معاذ بن جبل انه دفن امه فامر بها فكفنت في ثياب جدد و قال أحسنوا أكفان موتاكم فانهم يحشرون فيها- و ما اخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال أحسنوا أكفان موتاكم فانهم يبعثون فيها يوم القيامة- قال القرطبي فبعضهم قال بظاهر هذه الأحاديث- و الأكثر حملوا هذه على الشهيد الّذي امر ان يدفن بثيابه الّتي قتل فيها و بها الدم- و ان أبا سعيد سمع الحديث في الشهيد فحمله على العموم و قال البيهقي يجمع بان بعضهم يبعث عاريا و بعضهم بثيابه قلت و هذا الجمع حسن و هذه الاية في حق الكفار بدليل قوله تعالى لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) اى وقتا لانجاز الوعد بالبعث و النشور و ان الأنبياء عليهم السّلام كذبوكم و كلمة بل هاهنا للخروج من قصة الى اخرى و ايضا يدل على ان الحشر عراة مختص بغير الصلحاء قوله صلى اللّه عليه و سلم الابصار شاخصة و قوله لكل امره منهم يومئذ شان يغنيه فانها في حق الكفار و شخص الابصار ايضا من صفتهم و شانهم لاجل الهول دون شان الصلحاء لكن يشكل على هذا قوله صلى اللّه عليه و سلم و أول من يكسى من الخلائق ابراهيم عليه السلام فانه يدل على كون الأنبياء ايضا عراة في أول الأمر اللّهم الا ان يقال يكسى الصلحاء في قبورهم قبل الخروج منها بحلل الكرامة و أول من يكسى منهم ابراهيم و حمل بعضهم حديث ان الميت يبعث في ثيابه على العمل الصالح لقوله تعالى و لباس التقوى ذلك خير. ٤٩ وَ وُضِعَ الْكِتابُ اللام للجنس و المراد بالكتاب كتب اعمال العباد فانها توضع في أيدي الناس في ايمانهم و شمائلهم او في الميزان او بين يدى الرحمن فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ الذين يعطون كتبهم في شمائلهم مُشْفِقِينَ خائفين مِمَّا فِيهِ اى مما هو مكتوب فيه من الذنوب وَ يَقُولُونَ إذا راوها يا وَيْلَتَنا الويل الهلكة ينادون هلكتهم الّتي هلكوا بها من بين المهلكات و معنى النداء اظهار الجزع و تنبيه المخاطبين على ما نزل بهم ما لِهذَا الْكِتابِ استفهام تعجيب لشانه لا يُغادِرُ اى لا يترك صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً قال ابن عباس الصغيرة التبسم يعنى إذا كان في غير محله و الكبيرة القهقهة و قال سعيد بن جبير الصغيرة اللّهم و المسيس و القبلة و الكبيرة الزنا و انما قالا ذلك على سبيل التمثيل و قد ذكرنا الكبائر في سورة النساء في تفسير قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم إِلَّا أَحْصاها اى إلا عدها و أحاط بها المستثنى في محل النصب على انه مفعول ثان للايغادر اى لا يترك صغيرة و لا كبيرة غير محصاة- عن سهل بن سعد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إياكم و محقرات للذنوب فانما مثل مخفرات الذنوب مثل قوم نزلوا بيطن و او فجاء هذا بعود و جاء لهذا بعود فانضجوا خبزتهم و ان محقرات الذنوب لموبقات رواه البغوي و روى الطبراني عن سعد بن جنادة قال لمّا فرغ النبي صلى اللّه عليه و سلم من حنين نزلنا فقرأ من الأرض ليس فيها شي ء- فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اجمعوا من وجد شيئا فليأت به او من وجد عظما او شيئا فليأت به- قال فما كان الا ساعة حتى جعلناه ركابا فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم أ ترون هذا فكذلك يجتمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق اللّه عزّ و جلّ فلا يذنب صغيرة و لا كبيرة فانها محصاة عليه- و روى النسائي و اللفظ له و ابن ماجة و صححه ابن حبان عن عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يا عائشة إياك و محقرات الذنوب فان لها من اللّه طالبا و روى البخاري عن انس قال انكم لتعملون أعمالا هى ادقّ في أعينكم من الشعر كنا نعدّها على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الموبقات- و روى احمد مثله بسند صحيح عن ابى سعيد وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً مكتوبا في الصحف او وجد و اجزاء ما عملوا حاضرا وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) يعنى لا يكتب على العبد من السيئات ما لم يعمل- و لا يزيد في عقابه الملائم لعمله قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فاما عرضان فجدال و معاديره و اما الثالثة فتطائر الصحف بالأيدي فاخذ بيمينه و أخذ بشماله- أخرجه ابن ماجة عن ابى موسى الأشعري و اخرج الترمذي عن ابى هريرة نحوه- و اخرج البيهقي عن ابن مسعود موقوفا- قال الحكيم الترمذي الجدال للاعداء يجادلون لانهم لا يعرفون ربهم فيظنون انهم إذا جادلوه نجوا و قامت حجتهم و المعاذير للّه تعالى يعتذر الى آدم و الى أنبيائه و يقيم حجته عندهم على الأعداء ثم يبعثهم الى النار- و اما العرضة الثالثة للمؤمنين- و هو العرض للمغفرة «١» الا ان يخلوهم فيعاتب مزيد عتابه في تلك الخلوة حتى يذوق و بال الحياء و الخجل ثم بغفرانهم و يرضى عنهم- و اخرج انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث اللّه ريحا فتطيرها بالايمان و الشمائل أول خط فيها اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- و اخرج ابن جرير عن قتادة انه قال سيقرأ يومئذ من لم يكن قاديا في الدنيا- و اذكر. (١) و في الأصل و هو الغرض الا ان يخلوهم- [.....]. ٥٠ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كرده في مواضع لكونه مقدمة للامور المقصودة بيانها في تلك المحال- و هاهنا لمّا شنع على المفتخرين و استقبح صنيعهم قرّر ذلك بانه من سنن إبليس- او لمّا بيّن حال المغرور بالدنيا و المعرض عنها و كان سبب الاغترار بها حب الشهوات و تسويل الشيطان- زهّدهم اولا في زخارف الدنيا بانها عرضة الزوال و الأعمال الصالحة خير و أبقى من أنفسها و أعلاها- ثم نفرهم من الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة- و هذا وجه كل تكرير في القران كانَ مِنَ الْجِنِّ حال بإضمار قد او استيناف للتعليل كانه قيل ماله لم يسجد فقيل لانه كان من الجن فَفَسَقَ اى فخرج عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ اى عن امتثال امره و طاعته فيه دليل على انه كان مامورا بالسجود مع الملائكة- و الفاء للتسبيب و فيه دليل على ان الملائكة لا يعصون اللّه ابدا و انما عصى إبليس لانه كان جنيّا في أصله. قال البغوي قال ابن عباس كان إبليس من حى من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم فالاستثنا و متصل- و قال الحسن كان من الجن و لم يكن من الملائكة فهو اصل الجن كما ان آدم اصل الانس فالاستثناء منقطع و قد مر الكلام في الباب في سورة البقرة- و قول الحسن ان إبليس كان أصلا للجن كما ان آدم اصل للانس بعيد جدا- قال اللّه تعالى ما خلقت الجنّ و الإنس الّا ليعبدون فان هذه الاية و آيات سورة الرحمان و سورة الجن تدل على ان من الجن رجالا مومنين صالحين و منهم قاسطون كانوا لجهنم حطبا- و اما إبليس فهو و ذريته أجمعون «١» اعداء اللّه و اعداء أوليائه حيث قال اللّه تعالى أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ هذه الجملة حال و الاستفهام للانكار على اتخاذهم اولياء عقيب ظهور العداوة منهم- يعنى تستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتى بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠) يعنى إبليس و ذريته بئس البدل عن اللّه في الولاية للظالمين- قال البغوي روى مجاهد عن الشعبي قال انى قاعد يوما إذا قبل حمال فقال أخبرني هل لابليس زوجة قلت ان ذلك لغير بين ما شهدته ثم ذكرت قول اللّه عزّ و جلّ ا فتتّخذونه و ذرّيّته اولياء فعلمت انه لا تكون ذرّية الا من زوجة فقلت نعم- قلت قول الشعبي لا تكون ذرية الّا من زوجة مستفاد من قوله تعالى أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ- قال قتادة الشياطين يتوالدون كما يتوالد ابن آدم- و قيل انه يدخل ذنبه في دبره فليبيض فينفلق البيضة عن جماعة من الشياطين- قال مجاهد من ذرية إبليس لاقين و ولهان دو هو صاحب الطهارة و الصلاة و الهفاف و مرة روبه يكنى وزلنبور (و هو صاحب الأسواق يزين اللغو و الحلف الكاذب و مدح السلعة) و الأعور (و هو صاحب الزنى ينفخ في إحليل الرجل و عجز المرأة) و مطوس (و هو صاحب الاخبار الكاذبة يلقيها في أقواه للناس لا يجدون لها أصلا) و يثور (و هو صاحب المصائب يزين خمش الوجوه و لطم الخدود و شق الجيوب) و و اسم و هو الّذي إذا دخل في بيته و لم يسلم و لم يذكر اللّه بصره من المتاع مالم يرفع او يحسن موضعه- فاذا أكل و لم يذكر اسم اللّه أكل معه) قال الأعمش ربنا دخلت البيت و لم اذكر اسم اللّه و لم اسلم فرايت مطهرة فقلت ارفعوا هذه و خاصمتهم- ثم اذكر فاقول داسم داسم- و روى عن ابى و ابن كعب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال للوضوء شيطان يقال له و لهان فاتقوا وسواس الماء- رواه الترمذي و ابن ماجة و قال الترمذي هذا حديث غريب و ليس اسناده بالقوى عند اهل الحديث لاجد خارجة بن مصعب و عن ابى سعيد الخدري ان عثمان بن ابى العاص اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه ان الشيطان قد حال بينى و بين صلاتى و قراءتى يلبسها علىّ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك شيطان يقال لذنوب فاذا احسسته فتعوذ باللّه منه و اتفل عن يسارك ثلاثا- قال ففعلت ذلك فاذهبه اللّه عنى رواه مسلم و عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فادناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجئى أحدهم فيقول فعلت كذا و كذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرّقت بينه و بين امرأته قال فيدنيه منه و يقول نعم أنت- و قال الأعمش أراه قال فيلتزمه رواه مسلم-. (١) و في الأصل أجمعين- ابو محمد عفى عنه-. ٥١ ما أَشْهَدْتُهُمْ اى ما أحضرت إبليس و ذرّيته- قرا أبو جعفر ما أشهدنهم بالنون و الالف على التعظيم خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ يعنى ما أشهدت بعضهم خلق بعض اى لم نعتضد بهم في خلق الأشياء حتى يستحقوا العبادة و الطاعة- فان استحقاق العبادة من توابع الخالقية و الاشتراك فيها يستلزم الاشتراك فيها- ذكر اللّه سبحانه نفى الاعتضاد اوّلا كناية ثم صرح به فقال وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ اى الشياطين عَضُداً (٥١) اى أنصارا و أعوانا وضع المظهر اى المضلين موضع الضمير ذامّا لهم و استبعادا للاعضاء بهم- و قيل الضمير للمشركين يعنى ما اشهدتهم خلق الأشياء و ما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو أمنوا تبعهم الناس كما يزعمون- فلا تلتفت الى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فانه لا ينبغى لى ان اعتضد بالمضلين لدينى- و تعضده قراءة من قرا و ما كنت بفتح التاء على الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و قال الكلبي الضمير في اشهدتهم للملائكة يعنى ما أشهدت الملائكة خلق شي ء حتى يعبدوا و يقال الهم بنات اللّه- و على هذا يكون قوله و ما كنت متّخذ المضلّين كلام مستأنف ليس فيه وضع المظهر موضع الضمير يعنى ما اعتضدت بالملائكة و لا بالشياطين-. ٥٢ وَ يَوْمَ يَقُولُ قرأ حمزة بالنون على التكلم و الباقون بالياء على الغيبة يعنى يقول اللّه للكافرين نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انهم شركائى او شفعاؤكم ليمنعوكم من عذابى و اضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ و قيل إبليس و فديته فَدَعَوْهُمْ فنادوهم للاغاثة فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فلم يغيثوهم وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ اى بين الكفار و الهتهم مَوْبِقاً (٥٢) اسم مكان يعنى مهلكا يقال أوبقه أي أهلكه كذا قال عطاء و الضحاك و قال ابن عباس هو واد في النار و قال مجاهد واد من حميم و قال عكرمة نهر من نار يسيل نارا على حافته حيّات مثل البغال الدّهم و قال ابن الاعرابى كل حاجز بين شيئين فهو موبق و قيل مصدر- و قال الفراء البين الوصل و المعنى و جعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة نظيره قوله تعالى لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ على قراءة من قرا بالرفع. ٥٣ و رئوا المجرمون اى المشركون النَّارَ فَظَنُّوا أيقنوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها مخالطوها واقعون فيها- اخرج احمد عن ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في قوله تعالى فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها قال ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة كما لم يعمل في الدنيا و ان الكافر ليرى جهنم و يظن انها مواقعه من مسيرة أربعين سنة وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) اى انصرافا او مكانا ينصرفون إليها-. ٥٤ وَ لَقَدْ صَرَّفْنا اى بيّنا بوجوه البيان فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ اى من كل عبارة هى كالمثل في الغرابة ليتذكروا او يتعظوا- و قيل من كل مثل صفة لمحذوف مفعول لصرفنا اى مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلًا (٥٣) قال ابن عباس أراد به النضر بن الحارث و جداله في القرآن و قال الكلبي أراد به ابى بن خلف الجمى و قيل المراد الكفار مطلقا قال اللّه تعالى و يجادل الّذين كفروا بالباطل- و قيل هو على العموم روى البخاري عن على بن ابى طالب عليه السلام ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طرقه و فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة فقال الا تصليان من الليل فقلت يا رسول اللّه ان أنفسنا بيد اللّه فاذا شاء ان يبعتنا بعثنا- فاكصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين قلت ذلك و لم يرجع الىّ شيئا- ثم سمعته و هو مولى يضرب فخذه و هو يقول و كان الإنسان اكثر شي ء جدلا- و قوله جدلا منصوب على التميز من النسبة و المعنى كان جدل الإنسان اكثر الأشياء-. ٥٥ وَ ما مَنَعَ النَّاسَ من أَنْ يُؤْمِنُوا اى من الايمان إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى اى القران و الإسلام و البيان من اللّه عزّ و جل و قيل انه الرسول صلى اللّه عليه و سلم يعنى بعد وضوح الحق وَ يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ اى و من الاستغفار مما صدر عنهم فيما سلف من الكفر و المعاصي إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ حذف المضاف و أقيم مضاف اليه مقامه تقديره الّا تقدير ان تأتيهم سنّة الاوّلين اى سنتنا في الأولين من العذاب المستأصل و قيل تقديره الّا طلب ان تأتيهم سنّة الاوّلين من معائعة العذاب و انتظارهم ذلك- حيث قالوا اللّهمّ ان كان هذا هو الحقّ من عندك فامطر علينا حجارة من السّماء أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ اى العذاب في الاخرة قُبُلًا (٥٥) قال ابن عباس اى عيانا من المقابلة و قال مجاهد فجاءة- قرا اهل الكوفة و ابو جعفر بالضمتين و الباقون بكسر القاف و فتح الباء و هما لفتان معناهما واحد- و قيل بالضمتين جمع قبيلة اى اصناف العذاب نوعا نوعا و انتصابه على الحال من الضمير او العذاب-. ٥٦ وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ بالثواب و الجنة للمؤمنين وَ مُنْذِرِينَ بالعذاب و الحجيم للكافرين- يعنى ما بعثناهم قادرين على ان يأتوا بما اقترح الكفار من الآيات او قادرين على هداية الخلق كلهم مصيطرين عليهم وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ حيث يقولون ابعث اللّه بشرا رسولا- ما أنتم الّا بشر مثلنا- لو شاء اللّه لا نزل ملئكة- لو لا نزّل هذا القران على رجل من القريتين عظيم- أ يكون ما ذبحتم حلالا و ما أماته اللّه و ذبحه بشمشاره خراما و نحو ذلك لِيُدْحِضُوا بِهِ اصل الدحض الزلق و المعنى ليزيلوا بالجدال الباطل الْحَقَّ عن مقره وَ اتَّخَذُوا آياتِي المنزلة في القرآن وَ ما أُنْذِرُوا اى و إنذارهم او الّذي انذروا به من العقاب هُزُواً (٥٦) اى هزوا به قالوا في القرآن لو «١» نشاء لقلنا مثل هذا- يعلّمه بشر- ان هذا الّا أساطير الاوّلين- و قالوا في العذاب لو لا يعذّبنا اللّه بما نقول- و قالوا لذقوم التمر و الزبد و نحو ذلك-. (١) و في الأصل لو شئنا ١٢. ٥٧ وَ مَنْ اى لا أحدا أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ اى وعظ بِآياتِ رَبِّهِ اى آيات القران الّتي اتضح أمرها باعجازها لفظا و معنا فَأَعْرَضَ عَنْها فلم يتدبر فيها و لم يتذكر بها وَ نَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ من الأعمال الخبيثة الناشئة من الكفر و العقائد الباطلة فلم يتفكر في عاقبتها إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تعليل لاعراضهم و نسيانهم فان قلوبهم مكنونة مغطاة بظلمات الكفر مطبوع عليها أَنْ يَفْقَهُوهُ اى لئلا يفقهوه و اللام المقدرة هاهنا للعاقبة- و افراد الضمير المنصوب و تذكيره معه كونه راجعة الى آيات ربه نظرا الى المعنى فان الآيات هى القرآن يعنى لئلا يفقهوا القرآن وَ فِي آذانِهِمْ عطف على قلوبهم يعنى جعلنا في آذانهم وَقْراً اى ثقلا يعنى لم نودع فيها صلاحية استماع الآيات حق استماعها وَ إِنْ تَدْعُهُمْ يا محمد إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً اى إذا كان على قلوبهم اكنة و في آذانهم و قر أَبَداً (٥٧) لقوات استعداد الاهتداء و هذا في أقوام علم اللّه فيهم انهم لا يومنون-. ٥٨ وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ البليغ في المغفرة ذُو الرَّحْمَةِ الموصوف بالرحمة لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ استشهاد على مغفرته و رحمته بامهال قريش مع افراطهم في عداوة النبي صلى اللّه عليه و سلم بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ اى يوم القيامة و يوم بدر لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ اى لن يجدوا إذا جاء الموعد من دون اللّه مَوْئِلًا (٥٨) اى منجا و ملجا يقال وال إذا نجا و وال اليه إذا نجا اليه. ٥٩ وَ تِلْكَ الْقُرى يعنى قرى الأمم الهالكة من الكفا و قوم نوح و عاد و ثمود و أشباههم الموصوف مع الصفة مبتدأ- و خبره أَهْلَكْناهُمْ او مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده و لا بد من تقدير المضاف في الوصف او الصفة حتى يكون مرجعا للضمائر يعنى اصحب تلك القرى او تلك اصحاب القرى أهلكناهم لَمَّا ظَلَمُوا بالكفر و انواع المعاصي كما ظلم كفار قريش وَ جَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ قرأ أبو بكر هاهنا و في الفل بفتح الميم و اللام و حفص بفتح الميم و كسر اللام حملا على ما شذّ من مصادر مفعل كالمرجع و المحيض- و الباقون بضم الميم و فتح اللام من أهلكه يعنى لهلاكهم او لاهلاكهم مَوْعِداً (٥٩) اى وقتا معلوما لم يستقدموه و لم يستاخروه فكذلك كفار قريش لا يسبقون موعدهم و لا يستاخرون-. ٦٠ وَ اذكر إِذْ قالَ مُوسى بن عمران كما يدل عليه الحديث الصحيح لِفَتاهُ يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف عليه السلام قلت لعل نوثا «١» أبا يوشع يكون من ال إفرائيم لبعد الزمان بينهما لا أَبْرَحُ اى لا أزال أسير فحذف الخير لدلالة حاله عليه و هو السفر و دلالة قوله حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فانها يقتضى تقدير خبر يكون بلوغ مجمع البحرين غاية له و يجوز ان يكون أصله لا ببرح ميبرى حتى ابلغ فيكون الاسم محذوفا أقيم المضاف اليه مقامه فانقلب الضمير و الفعل و الخبر حينئذ حتّى ابلغ و ان يكون لا أبرح تامة بمعنى لا أزال عما انا عليه من السير و الطلب و لا أفارقه فلا يستدعى الخبر- و مجمع البحرين ملتقى بحر الفارس و الروم مما يلى المشرق كذا قال قتادة و قال محمد بن كعب طنجه «٢» و قال ابى بن كعب افريقيّة أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) او أسير زمانا طويلا في القاموس الحقبة بالضمتين ثمانون سنة او اكثر و الدهر و السنة و السنون و إخراج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن ابن عباس الحقب الدهر- و قال البغوي (١) و في الأصل نون بلا تنوين ١٢ الفقير الدهلوي. (٢) بفتح مهملة و سكون نون فجيم فتهاء بلد بشاطئ مجر المغرب مجمع البحار ١٢ الفقير الدهلوي. قال عبد اللّه بن عمر الحقب ثمانون سنة و قيل سبعون- أخرجه ابن ابى شيبة و ابن المنذر و ابن ابى حاتم- يعنى يقع أحد الامرين اما البلوغ مجمع البحرين او مضى الحقب و جاز ان يكون او بمعنى الا ان و المعنى لا أبرح أسير حتى ابلغ الا ان امضى زمانا أتيقن معه فوات المجمع- روى البخاري و مسلم عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ان نوف البكالي يزعم ان موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بنى إسرائيل- فقال ابن عباس- كذب عدو اللّه حدثنا ابى بن كعب انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان موسى قام خطيبا في بنى إسرائيل فسئل اى الناس اعلم قال انا- فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم اليه فاوحى اللّه اليه ان لى عبدا بمجمع البحرين هو اعلم منك- قال موسى يا رب فكيف لى به قال خذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمة- فاخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق و انطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخة و و؟؟؟ نا رؤسهما فناما- و اضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سرابا و امسك اللّه عنه جرية الماء فصار عليه مثل الطاق- فلمّا استيقظا نسى صاحبه ان يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما و ليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى اتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا- قال و لم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الّذي امره اللّه به فقال له قتاه ا رايت إذ اوينا الى الصّخرة فانّى نسيت الحوت و ما أنسانيه الا الشيطان و ان اذكره و اتّخذ سبيله في البحر عجبا- قال و كان الحوت لفتاه سربا و لموسى عجبا- فقال موسى ذلك ما كنّا نبغ فارتدّ على اثارهما قصصا قال رجعا يقصان اثارهما حتى انتهيا الى الصخرة- فاذا رجل مسجىّ ثوبا فسلّم عليه موسى فقال الخضر انّى بأرضك السلام قال انا موسى قال موسى بنى إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلمن ممّا علّمت رشدا- قال انّك لن تستطيع معى صبرا يا موسى انى على علم من علم اللّه علمنيه لا تعلمه و أنت على علم من علم اللّه علّمك اللّه لا اعلمه- فقال ستجدنى ان شاء اللّه صابرا و لا اعصى لك امرا قال الخضر فان اتّبعتنى فلا تسئلنى عن شي ء حتّى أحدث لك منه ذكرا- فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول- فلما ركبا في السفينة لم يفجا الا و الخضر قد قلع لوحا من الواح السفينة بالقدوم- فقال موسى قد حملونا بغير نول عمدت الى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا امرا- قال الم اقل انّك لن تستطيع معى صبرا قال لا تواخذنى بما نسيت هو لا ترهقنى من امرى عسرا- قال و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانت الاولى من موسى نسيانا و الوسطى شرطا و الثالثة عمدا- قال و جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة- فقال له الخضر ما علمى و علمك في علم اللّه لا مثل ما تفص هذا العصفور من هذا البحر- ثم خرجا يمشيان على الساحل إذا بصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فاخذ الخضر برأسه فاقتله بيده فقتله فقال له موسى أ قتلت نفسا زكيّة بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا- قال الم اقل لك انّك لن تستطيع معى صبرا- قال و هذه أشد من الاولى- قال ان سالتك عن شي ء بعدها فلا تصحبنى قد بلغت من لّدنّى عذرا- فانطلقا حتّى إذ أتيا اهل قرية استطعما أهلها فابوا ان يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقضّ فاقامه الخضر بيده- فقال موسى قوم اتيناهم فلم يطعمونا و لم يضيفونا لو شئت لتّخذت عليه اجرا- قال هذا فراق بينى و بينك الى قوله ذلك «١» تأويل ما لم تسطع عليه صبرا- قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وددنا ان موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما و اخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم في تفاسيرهم عن ابن عباس ان موسى سال ربه اى عبادك أحب إليك قال الّذي يذكرنى و لا ينسانى- قال فاىّ عبادك أقضي قال الّذي يقضى بالحق و لا يتبع الهوى. قال فاىّ عبادك اعلم قال الّذي يبتغى علم الناس الى علمه عسى ان يصيب كلمة تدله على هدى و ترده عن روى قال ان كان في عبادك اعلم منى فادللنى عليه- قال اعلم منك الخضر قال اين اطلبه قال على ساحل البحر عند الصخرة- قال كيف لى به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فاخبرنى فذهبا يمشيان. (١) و في الأصل ذلك ما لم تسطع- ابو محمد عفى عنه-. ٦١ فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما بينهما ظرف أضيف اليه على الاتساع او بمعنى الوصل- و حاصل المعنى فلما بلغا مجموهما يعنى انتهيا الى الصخرة الّتي عند مجمع البحرين كما مرّ في الصحيح و قد موسى فاضطرب الحوت المشوى و عاش و ذهب في البحر كما مر في الصحيح ليكون ذلك معجزة لموسى او الخضر و في الصحيحين و قال سفيان يزعم ناس ان تلك الصخرة عندها عين الحيوة لا يصيب ماؤها شيئا الا عاش و وثب في البحر و قال الكلبي توضّا يوشع بن نون من عين الحيوة فانتضح على الحوت المالح في المكثل من ذلك الماء فعاش ثم وثب في ذلك الماء- فجعل يضرب بذنبه فلا يضرب بشى من الماء و هو ذاهب إلا يبس- فلما استيقظ موسى نَسِيا حُوتَهُما اى نسيا موسى ان يطلبه و يتعرف حاله و يوشع ان يذكر له ما رأى من حياته و وقوعه في البحر و قال البغوي انما كان الحوت مع يوشع و هو الّذي نسيه و أضاف النسيان إليهما لانهما جميعا تزوداه للسفر كما يقال خرج القوم الى موضع كذا و حملوا من الزاد كذا و انما حمله واحد منهم فَاتَّخَذَ اى جعل الحوت يجعل اللّه تعالى سَبِيلَهُ طريقه فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) اى مسلكا و منه قوله سارب بالنهار و قيل السرب الشق الطويل و قد مر في رواية الصحيح امسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق و نصبه على المفعول الثاني و في البحر حال منه او من السبيل و يجوز تعلقه باتخذ-. ٦٢ فَلَمَّا جاوَزا مجمع البحرين بالسير الى وقت الغداء من اليوم الثاني قالَ موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا اى طعامنا و الغداء ما يعد للاكل غدوة و العشاء ما يعد للاكل عشية لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) اى تعبا و شدة و ذلك انه القى على موسى الجوع بعد مجاوزة الصخرة ليتذكر الحوت و يرجع الى مطلبه و قد مرّ في حديث الصحيحين ان موسى لم يجد نصبا حتى جاوز الموعد. ٦٣ قالَ له قتاة و تذكرّ أَ رَأَيْتَ يعنى أخبرني ما انسانى الحوت إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ الّتي رقدنا عندها قال البغوي قال هقل بن زياد هى الصخرة الّتي دون نهر الزيت فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ اى تركته و فقدته و قيل في الاية إضمار تقديره نسيت ان اذكر لك امر الحوت و ما رايت منه- قال البغوي و ذلك ان يوشع حين راى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى فيخبره فنسى ان يخبره فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد ثم اعتذر و قال وَ ما أَنْسانِيهُ قرأ حفص بضم الهاء في الوصل و كذا في سورة الفتح في قوله تعالى عليه اللّه و الباقون يكرونها فيهما في الحالين- اى ما انسانى ان اذكر لك امر الحوت إِلَّا الشَّيْطانُ يعنى شغلنى الشيطان بوساوسه ان اذكره لك- قال البيضاوي و لعله نسى لاستغرابه في الاستبصار و انجذاب شراشره الى جناب القدس بما عراه عن مشاهدة الآيات الباهرة و انما نسب الى الشيطان هضما لنفسه- او لان عدم احتمال القوة للجانبين و اشتغالها بأحدهما عن الاخر عدّ من نقصان نفسه أَنْ أَذْكُرَهُ وَ اتَّخَذَ الحوت سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) سبيلا عجبا فهو صفة لمفعول ثان أقيم مقامه و الظرف ظرف لغوا و اتخاذا عجيا فهو صفة لمصدر و المفعول الثاني هو الظرف- و قيل هو مصدر فعله المضمر كانه قال في اخر كلامه عجبت عجبا و قيل هذا من قول موسى لما قال له يوشع و اتخذ سبيله في البحر قال موسى عجبا اى عجبت عجبا- و قيل ضمير اتخذ راجع الى موسى اى اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا اى يعجب عجبا فهو حال- ٦٤ قال موسى. ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير و في الوصل فقط نافع و ابو عمرو و الكسائي و الباقون يحذفونها في الحالين يعنى كنا نطلب ذلك لكونه امارة لمكان الخضر فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما اى رجعا في الطريق الّذي جاءا فيه قَصَصاً (٦٤) يقصان قصصا اى يتبعان اثارهما اتباعا- او مقتصين حتى أتيا الصخرة. ٦٥ فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا الجمهور على انه الخضر كما ورد في الصحيح و اسمه بليا بن ملكان و قيل اليسع و قيل الياس و الخضر لقب له- لما روى البغوي بسنده عن همام ابن منبه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انما سمى الخضر خضرا لانه إذا جلس على فروة «١» بيضاء فاذا هى تهتزّ خضرا و قال مجاهد سمى خضرا لانه إذا صلى اخضرّ ما حوله قال البغوي قيل كان من نسل بنى إسرائيل و قيل كان من أبناء الملوك الذين تزهّدوا في الدنيا- و المختار عندى انه لم يكن من بنى إسرائيل لان موسى كان مبعوثا الى بنى إسرائيل أجمعين فلو كان الخضر منهم لكان من اتباع موسى و الظاهر خلافه- و قد مرّ في الحديث الصحيح ان موسى راى الخضر مسيحى بثوب فسلم عليه فقال له الخضر و انّى بأرضك السلام قال انا موسى قال موسى بنى إسرائيل- قال نعم أتيتك لتعلمنى عمّا علّمت رشدا و في رواية اخرى لقيه مسيحى بثوب مستلقيا على قفاه بعض ثوبه تحت راسه و بعضه تحت رجليه- و في رواية لقيه و هو يصلى و يروى لقيه على طنفسه «٢» خضراء على كيد «٣» البحر آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هى الوحى و النبوة وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) اى مما يختص بنا و لا يمكن تحصيله الا من لدنا بتوفيقنا و هو علم الذات و الصفات قال البغوي لم يكن الخضر نبيّا عند اكثر اهل العلم قلت و هذا عندى محل نظر لان العلم- الحاصل للاولياء بالإلهام و غير ذلك علم ظنى يحتمل الخطاء و لذلك ترى تعارض علومهم الملهمة فلو لم يكن الخضر نبيّا لما جاز له قتل نفس زكية بالهام انه لو عاش لارهق أبويه طغيانا و كفرا. (١) الفروة الأرض اليابسة و قيل الهشيم اليابس من النبات ١٢ نهايه سنه رحمه اللّه. (٢) طنفسة بكسر الطاء و الفاء و بضمها و بكسر الطّاء و فتح الفاء انبساط الّذي له خمل دقيق و جمعه طنافس ١٢ نهايه منه رحمه اللّه-. (٣) على كبد البحر اى على اوسط موضع من شاطئه اى من جانبه و طرفه ١٢ نهايه منه رحمه اللّه-. ٦٦ قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ كان حق الكلام جئتك لاتبعك و أصحبك لكن غيّر الأسلوب استيذانا منه في الاتباع و المصاحبة عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير و في الوصل فقط نافع و ابو عمرو و الباقون يحذفونها في الحالين يعنى على شرط ان تعلمنى و هو في موضع الحال من الضمير المرفوع او المنصوب من اتبعك مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قرا ابو عمرو بفتح الراء و الشين و الباقون بضم الراء و اسكان الشين و هما لغتان كالبخل و البخل و معناه إصابة الخير و هو مفعول تعلمنى و مفعول علمت العائد محذوف و كلاهما من علم الّذي له مفعول واحد بمعنى عرف و يجوز ان يكون علة لاتبعك او مصدره أبا ضمار فعله و هذه الاية دليل على ان المفضول قد يكون له فضل جزئى على من هو أفضل منه و على ان الفاضل ينبغى ان يطلب هذه الحصة من الفضل من المفضول و لا يستنكف عنه لما مرّ في تفسير هذه الاية ان موسى سال ربّه اىّ عبادك اعلم قال الّذي ينبغى علم الناس الى علمه عسى ان يصيب كلمة تدله على هدى و يروه عن ردى- و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الكلمة «١» الحكمة ضالّة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها- رواه الترمذي و ابن ماجة بسند حسن عن ابى هريرة و ابن عساكر عن على رضي اللّه عنهما- و من هذا الباب الصلاة المأثورة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم اللّهم صل على محمد و على ال محمد كما صليت على ابراهيم و على ال ابراهيم- قال البغوي في بعض الاخبار انه لمّا قال له موسى ذلك قال له الخضر كفى بالتورية علما و بنى إسرائيل شغلا فقال له موسى ان اللّه أمرني بهذا و قد راى موسى عليه السلام في هذا الكلام غاية التواضع و الأدب و استجهل نفسه و استأذن ان يكون تابعا له و ساله ان يرشده و ينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم اللّه عليه فحينئذ. (١) الكلمة الحكمة هو من باب وجل عدل و روى الكلمة الحكيمة و كلمة الحكمة بالاضافة الفقيه الدهلوي. ٦٧ قالَ له الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها صَبْراً (٦٧) نفى الخضر عن موسى استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كانها مما لا يصح و لا يستقيم- و علّل ذلك و اعتذر عنه بقوله. ٦٨ وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) اى علما و خبرا تميزا و مصدر لان لم تحط به معناه لم تخبره وجه ذلك النفي ان الخضر علم انه يرى منه أمورا منكرة ظاهرا و لا يجوز للانبياء ان يصبروا على المنكرات مالم يظهر عليهم وجه جوازها- قلت و السر في ذلك ان شرائع الأنبياء المرسلين الى الأمم مبنية على قواعد كلية موجبة للصلاح الغالب بالنسبة الى العامة- فينبغى ان يكون وجوه صلاحها ظاهرة بالنسبة الى العامة- و اما الاحكام الّتي يوحى بها افراد الأنبياء الذين لم يبعثوا الى الأمم بل اوحى إليهم لصلاح أنفسهم او امتثال امور بينهم و بين اللّه تعالى فان تلك الاحكام تكون غالبا مبنية على حكمات لا يظهر وجه صلاحها على العامة- و ذلك وجه انكار موسى على ما اتى به الخضر و بناء على مخالفة المشرب (و كون اتحاد المشرب و الانقياد و ترك الاعتراض من شرائط الاستفادة) جعل الخضر عدم استطاعته على الصبر علة لعدم إفادة صحبة الخضر إياه- و وضع العلة موضعه كانّه قال صحبتى لا ينفعك فانّك لن تستطيع معى صبرا. و من هاهنا قالت الصوفية العالية انه يجب على المريد ترك الاعتراض على الشيخ و ان ظهر على يديه منكر ظاهرا بعد ما ثبت عنده انه من اهل الكمال و التكميل فان كان المريد لا يستطيع ذلك لاجل اختلاف المشرب يجب عليه ترك مصاحبته غير منكر كماله- فان قيل كيف يتصور ذلك في الشريعة الحمدية العامة الشاملة المؤبدة الّتي لا يحتمل النسخ و التبديل قلنا هب الأمر كذلك لا يتصور ان يكون شي ء محرما في الدين ليستبيحه «١» أحد فلا يتصور من أحد يدعى الولاية ان يأتى بقتل غلام أبواه مومنان قائلا بان اللّه تعالى الهمنى انه يرهقهما طغيانا و كفرا- لكن قد يكون شي ء مما اختلف فيه اقوال العلماء و كان لصحته وجها مستند الى دليل شرعى كالسماع و الجهر بالذكر فمن اتى به من اولياء اللّه تعالى لا يجوز عليه الإنكار لانه من تقلد عالما لقى اللّه سالما- و قد يكون شى منكرا ظاهرا و ليس هو في الحقيقة كذلك كمن شرب من قارورة ماء مرائيا للناس انه خمر حتى يقل هجوم الخلق عليه و لا يخل؟؟؟؟ (١) و في الأصل يستباحه و ليس يصحيح الفقير الدهلوي-. و قدر يظهر على يدى رجل من اهل اللّه سيئة صغيرة و هو يعترف بكونها سيئة- و قد اجمع العلماء على ان العصمة من خواص النبوة- لا يخل صدور معصية بالولاية فحينئذ ايضا لا ينبغى للمريد ان يعترض على شيخه بل ينكر الفعل فلا يأتى به و لا ينكر كمال فاعله بارتكاب و عامة مواد الإنكار على اولياء اللّه تعالى مقالاتهم المبنية على الكشوف و المشاهدات فتلك المقالات مهما أمكن حملها على محمل صحيح يجب حملها على ذلك قال اللّه تعالى لو لا إذ سمعقوه ظنّ المؤمنون و المؤمنات بانفسهم خيرا- و ان لم يمكن ذلك يحمل تلك المقالات اما على سكر القائل و قد افتى الفقهاء ان السكر إذا حصل بشي ء مباح يكون عذر الا يقع طلاقه و نحو ذلك فكيف إذا حصل بغلبة حب اللّه الّذي هو رأس العبادات و اما على عدم فهم السامع مراد القائل و على ان القائل أراد من كلامه معنى غير ما يفهم منه ظاهرا فان العبارات مقتصرة على بيان معان محسوسة او معقولة مستنبطة من امور محسوسة فاما ما لا نظير له و لا شبيه من حقائق الذات و الصفات إذا تجلت على قلب من له قلب سليم و أراد بيانها و لم يوضع بإزائها ألفاظ- اضطر القائل الى استعارات و تجوزات و تشبيهات غير تامة فلا يجوز للسامع حينئذ ان يحملها على معانيه الظاهرة المخالفة لعقائد اهل السنة حتى ينكر عليه بل يعمل به ما يعمل بالمتشابهات الواردة في كلام اللّه و كلام رسوله صلى اللّه عليه و سلم- و من لم يسلك هذا المسلك لا يزيده الا خسارا كما ان القران لا يزيد الظّالمين الّا خسارا- الا ترى انه من سمع الرّحمن على العرش استوى- و يد اللّه فوق أيديهم فان أنكر كونها قرآنا كفر- و ان اعتقد بكونه تعالى جسما كاد يكون كافرا- فكذلك كلام اولياء اللّه تعالى إذا كان ظاهره مخالفا للشرع لا ينكر عليه و لا يعتقد بظاهره و اللّه اعلم- و لمّا كان موسى عليه السلام شاكا في المصابرة غير واثق من نفسه عليها لم يقطع بذلك و استثنى و. ٦٩ قالَ سَتَجِدُنِي قرأ نافع بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِنْ شاءَ اللّه صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) الجملة معطوفة على صابرا منصوب محلا يعنى صابرا غير عاص او على ستجدنى و لا محل له من الاعراب عاهد موسى عليه السلام على المصابرة لكونها شرطا لافادة الصحبة و قد امره اللّه تعالى بمصاحبته و شك في إتيانه منه لان الاعتراض و المخالفة كان من لوازم مخالفة المشرب ناشيا منها من غير اختيار منه و لاجل ذلك. ٧٠ قالَ له الخضر فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي حذف الياء في الحالين ابن ذكون بخلاف عن الأخفش و أثبتها الباقون في الحالين و كذا رسمها و قرا نافع و ابن عامر و ابو جعفر بفتح اللام و تشديد النون و الآخرون بسكون اللام و تخفيف النون- اتى بالشرط و الجزاء للشك و الاستبعاد في وقوعه و لم يقل لا تسئلنى عَنْ شَيْ ءٍ أعمله ممّا تنكره الان لان السؤال مظنة الاعتراض المانع للاستفادة حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) يعنى حتى ابتدئ لك ببيان .. ٧١ فَانْطَلَقا على الساحل يطلبان السفينة يركبانها فوجدا سفينة فركباها- قال البغوي فقال اهل السفينة هؤلاء لصوص فامروهم بالخروج فقال صاحب السفينة ما هم بلصوص و لكنى ارى وجوه الأنبياء- و قد مر في حديث الصحيحين عن ابى بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه مرت بهم سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها الخضر قد مر في الصحيحين ان الخضر قلع لوحا من الواح السفينة بالقدوم قالَ له موسى أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها و قد حملونا بغير نول فان خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضى الى غرق أهلها- قرا حمزة و الكسائي ليغرق بفتح الياء التحتانية و الراء على صيغة الغائب من المجرد و رفع أهلها بالفاعلية- و الباقون بضم التاء الفوقانية و كسر الراء على صيغة المخاطب من الافعال و نصب أهلها على المفعولية لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) اى عظيما من امر الأمر إذ أعظم- و قال البغوي الأمر في كلام العرب الداهية و اصل كل شي ء شديد كبير- و قال القتيبي اى عجبا- قال البغوي روى ان الخضر أخذ قدحا من زجاج و دقع به محوق السفينة- و قال جلال الدين المحل روى ان الماء لم يدخلها يعنى معجزة للخضر -. ٧٢ قالَ الخضر أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها- صَبْراً (٧٢) تذكير لما ذكره قبل فلما راى موسى ان الماء لا يدخل من الخرق و انه لم يضر باهل السفينة و تذكر ما عاهد. ٧٣ قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ اى بالذي نسبته او بشي ء نسيته يعنى المعاهدة على ترك الاعتراض او بنسياني إياها- اعتذر بالنسيان- و قيل أراد بالنسيان الترك اى لا تواخذنى بما تركت و وصيتك الاول و في الحديث الصحيح المذكور عن ابى بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال كان الاولى من موسى نسيانا و الوسطى شرطا و الثالثة عمدا- و قال البغوي قال ابن عباس انه لم ينس و لكنه من معاريض الكلام فكانه نسى شيئا اخر وَ لا تُرْهِقْنِي اى لا تكلفنى مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) مشقة بالمضايقة و المؤاخذة يعنى ان ذلك يعسر علّى متابعتك- و عسرا مفعول ثان ليرهق يقال رهقه إذا غشيه و ارهقه إياه- و قيل معناه لا تكلفنى مشقة و عاملنى باليسر و لا تعاملنى بالعسر-. ٧٤ فَانْطَلَقا بعد ما خرجا من السفينة حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً بين غلمان يلعبون قال المفسرون فاخذ الخضر غلاما «١» ظريفا وضي ء «٢» الوجه- قال السدىّ كان أحسنهم وجها كان وجهه يتوقد حسنا فَقَتَلَهُ قيل أضجعه ثم ذبحه بالسكين و في الحديث الصحيح المذكور انه أخذ برأسه فاقتلعه بيده- و روى عبد الرزاق هذا الخبر و أشار بأصابعه الثلاث الإبهام و السبابة و الوسطى و قلع رأسه و روى انه رضخ رأسه بالحجارة و قيل ضرب راسه بالجدار- قال ابن عباس كان غلاما لم يبلغ الحلم و هو قول اكثر المفسرين و المستفاد من القران لان الغلام لا يطلق بعد البلوغ- قال ابن عباس لم يكن نبى اللّه يقول أ قتلت نفسا زاكية الا و هو صبى لم يبلغ الحلم- و قال الحسن كان رجلا و قال الكلبي كان فتى يقطع الطريق و يأخذ المتاع و يلجا الى أبويه و قال الضحاك لكان غلاما يعمل بالفساد و تاذّى منه أبواه و في حديث ابى بن كعب عند مسلم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الغلام الّذي قتله الخضر طبع كافرا و لو عاش لارهق أبويه طغيانا و كفرا- و الفاء في قوله فقتله للتعقيب و الدلالة على انه كما لقيه قتله من غير مهلة و استكشاف حال- و لذلك قالَ موسى أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً قرأ الكوفيون و ابن عامر بتشديد الياء من غير الف و الباقون زاكية بالألف و تخفيف الياء و قال البغوي قال الكسائي و الفراء معناهما واحد مثل القاسية و القسيّة و قال ابو عمرو ابن العلاء الزّاكية الّتي لم تذنب قط و الزّكيّة الّتي أذنبت ثم تابت بِغَيْرِ نَفْسٍ- اى لم يقتل نفسا وجب عليه القتل بالقصاص يعنى ان القتل لا يجوز الا في حد او قصاص و لم يوجد شي ء منها- جعل اللّه سبحانه في الاولى خرقها جزاء و اعتراض موسى عليه السلام مستأنفا و في الثانية جعل اعتراض موسى جزاء لما قبله من الشرط- لان القتل أقبح و الاعتراض عليه ادخل و كان جديرا بان يجعل عمدة الكلام و لذلك عقبه بقوله لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) اى منكرا في الشرع- قرا نافع و يعقوب و أبو بكر و ابن ذكوان نكرا في الموضعين هاهنا و في الطلاق بضم الكاف و الباقون بأسكانها- قال قتادة النّكر أعظم من الأمر لانه حقيقة الهلاك و في خرق السفينة كان خوف الهلاك و قيل الأمر أعظم لانه كان فيه تغريق جمع كثير-. (١) وصى الوجه اى حسن الوجه و الوضاءة الحسن ١٢ منه رح-. (٢) الظريف البليغ جيد الكلام- و الظرف في اللسان البلاغة و في الوجه الحسن و في القلب الزكاء ١٢ نهاية منه رح. ٧٥ قالَ الخضر أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها صَبْراً (٧٥) زاد فيه لك مكافحة بالعتاب على رفض العهد مرتين. ٧٦ قالَ له موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَها اى بعد هذه المرة فَلا تُصاحِبْنِي اى فارقنى- قرا يعقوب «١» فلا تصحبنى بغير الف من الصحبة قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي قرأ نافع و ابو جعفر بضم الدال و تخفيف النون و أبو بكر «٢» بإسكان الدال و إشمامها الضم و تخفيف النون و الباقون بضم الدال و تشديد النون يعنى من عندى عُذْراً (٧٦) خالفتك ثلاث مرات روى مسلم عن ابى بن كعب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رحمة اللّه علينا و على موسى (و كذا إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه) لو لا انه عجل لرأى العجب و لكنه اخذه من صاحبه «٣» ذمامة فقال ان سالتك عن شي ء بعدها فلا تصحبنى قد بلغت «٤» منّى عذرا- و روى ابن مردوية بلفظ رحم اللّه أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لا بصرا عجب الا عاجيب. (١) و الصحيح الثابت المقرو من يعقوب باتفاق الطرق كالجمهور بإثبات الالف بعد الصاد و كسر الحاء الا ما انفرد به هبة اللّه عن المعدل عن روح بفتح التاء و اسكان الصاد و فتح الحاء من غير الف و هو غير ماخوذ لردح و اما رويس فلم يذكر عنه خلاف بوجه من الوجوه ابو محمد عفا عنه. (٢) قرا أبو بكر هاهنا بالوجهين الاول بإسكان الدال مع الإشمام و تخفيف النون كاول السورة و هو الّذي في التيسير و الشاطبيه و الكافي و التذكرة و جمع الكتب- و الثاني باختلاس ضمة الدال مع تخفيف النون و الوجهان في جامع البيان و غيره و بالوجهين قرانا و بهما تأخذ- ابو محمد. [.....]. (٣) اخذه من صاحبه عامة اى حياء و اشفاق من الذم و اللوم ١٢ منه رح. (٤) و في القران من لدنّى- ابو محمد عفى عنه. ٧٧ فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس يعنى انطاكية و قال ابن سيرين هى الايكة «٥» و هى ابعد الأرض من السماء و قيل برقة و قال البغوي عن ابى هريرة بلدة بالأندلس- اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما قال البغوي قال ابى بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى أتيا اهل قرية لئام فطافا في المجالس فاستطعماهم فلم يطعموها و استضافاهم و لم يضيفوهما قال قتادة شر القرى الّتي لا تضيف الضيف- قال البغوي و روى عن ابى هريرة قال اطعمتهما امراة من اهل بربر بعد ان طلبا من الرجال فلم يطعموهما- فدعا لنسائهم و لعناد جالهم فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ اى يسقط و هذا من مجاز الكلام لان الجدار لا ارادة له و انما معناه قرب و دنا من السقوط كما يقول العرب دارى تنظر دار فلان إذا كانت تقابلها فَأَقامَهُ قال البغوي روينا عن ابى بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال فقال الخضر بيده فاقامه و قال سعيد بن جبير مسح الجدار بيده فاستقام و روى عن ابن عباس هدمه ثم قعد يبنيه قال السدى بلّ طينا و جعل يبنى الحائط قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ قرأ ابن كثير و يعقوب و ابو عمرو لتّخذت بتخفيف التاء و كسر الخاء من المجرد على وزن تبعت يقال تخذ يتخذ على وزن سمع يسمع و الباقون بتشديد التاء و فتح الخاء من الافتعال على وزن اتبعت أدغمت تاء الكلمة في تاء الافتعال و معناهما واحد مثل تبع و اتّبع معناه لاخذت و ليس من الاخذ عند البصريين كذا قال البيضاوي لان فاءها همزة و الهمزة لا تدغم في التاء. و قال الجوهري الاتخاذ افتعال من الاخذ الا انه أدغمت بعد تليين الهمزة و ابدال التاء يعنى أبدلت الهمزة بالياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت الياء بالتاء لوقوعها فاء الافتعال نحو السر من اليسر- ثم لما كثر استعماله بلفظ الافتعال توهموا ان التاء اصلية فبنوا منه فعل يفعل قالوا تخذ يتخذ- و اهل العربية على خلاف ما قال الجوهري كذا قال الجزري في النهاية عَلَيْهِ اى على بنائه أَجْراً (٧٧) فيه تحريض على أخذ الجعل «١» ليعيشابه و تعريض بان فعله اشتغال بمالا يعنيه- فيه دليل انه اقام الجدار يعنى بناه بمشقة حيث يجوز عليه أخذ الاجر و لو اقامه بالمعجزة لما جاز له أخذ الاجر-. (٥) هكذا في الأصل و قال ابن كثير و البغوي إنها الايلة و قال في مجمع البحار بضم الهمزة و باء و شده لام بلد قرب البصرة ١٢ الفقير الدهلوي-. (١) هكذا في الأصل و في التفسير البيضاوي لينتعشا من الافتعال ١٢ الفقير الدهلوي-. ٧٨ قالَ الخضر هذا الاعتراض الثالث فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ اى سبب الفراق بيننا لان في هذا الاعتراض مدخلا لهوى «٢» النفس بخلاف الاعتراضين السابقين- فان بناء هما كان على الديانة الصرفة او المعنى هذا الوقت وقت الفراق بيننا لوجود اعتراض منك فيه مدخل لهوى النفس و جاز ان يكون هذا اشارة الى الفراق الوعود بقوله فلا تصحبنى- و اضافة الفراق الى البين اضافة المظروف الى الظرف على الاتساع و التجوز- قلت هذه اضافة بمعنى في سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) اى بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرا في الظاهر- و كان ماله على الخير و الصواب- قال البغوي و في بعض التفاسير ان موسى أخذ ثبوبه فقال أخبرني بمعنى ما عملت قبل ان تفارقنى فقال. (٢) هكذا ما قاله بعض غلاة الصوفية و اتبعهم المفسر رحمه اللّه تعالى و لم يعلموا ان هذا جراة عظيمة على أفضل أنبياء بنى إسرائيل و كليم اللّه تعالى و صاحب التوراة و قد تفقوه؟؟؟ به من قبل بعض المفسرين ورده في الكشاف بانه لا يليق بجلالتهما و قال في الروح ان الأثر اطروى فيه عن خبر الامة لغلة ليس بصحيح و اللّه تعالى اعلم ١٢ الفقير الدهلوي-. ٧٩ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ قال كعب كانت السفينة لعشرة اخوة خمسة زمنى و خمسة يعملون في البحر و فيه دليل على ان المسكين يجوز إطلاقه على من له مال لا يبلغ نصابا و لا يكفيه اولا يكون فاضلا عن حاجته الاصلية يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ اى يواجرون و يكتسبون بها فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها اى ان اجعلها ذات عيب وَ كانَ وَراءَهُمْ اى امامهم كقوله تعالى من ورائهم جهنّم و قيل ورائهم خلفهم و كان رجوعهم في طريقهم عليه و الاول أصح يدل عليه قراؤة ابن عباس و كان امامهم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً (٧٩) قال البغوي كان ابن عباس يقرأ كذلك- فخرقها و عيّبها الخضر حتى لا يأخذها الملك الغاصب و كان اسمه جليدى بن كركر و قال محمد بن إسحاق سولة بن جليد الأزدي و قال شعيب الجبائي اسمه هدد بن بدد- قال البغوي «١» و كان حق النظم ان يتاخر قوله فاردتّ ان أعيبها من قوله و كان ودائهم ملك لان ارادة التعييب مسبب عن خوف الغصب و انما قدم للغاية او لان السبب كان مجموع الامرين خوف الغصب و مسكنة الملاك فرتبه على أقوى الجزئين و ادعاهما و عقبه بالآخر على سبيل التقييد و التعميم- قال البغوي روى ان الخضر عليه السلام اعتذر الى القوم و ذكر لهم شأن الملك الغاصب و لم يكونوا يعلمون- بخبره- و قال أردت إذا هى مرّت به ان يدعها لعيبها فاذا جاوز اصلحوها فانتفعوا بها قيل سردوها بقارورة و قيل بالقار- قلت لكن رواية الاعتذار يأبى عنه نظم القرآن فانه صريح في ان الخضر بيّن هذه الحكمة لموسى بعد مجاوزته و بعد قتل الغلام و إصلاح الجدار عند الفراق و لو اعتذر الخضر في أول الأمر لاصحاب السفينة لما خفى على موسى لكونه معه و لما احتاج الخضر الى بيان ذلك لموسى و اللّه اعلم-. (١) و قد راجعت تفسير البغوي فلم أجد هذا ليه في تفسير هذه الاية «الفقير الدهلوي». ٨٠ وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما اى يغشاهما طُغْياناً عليهما وَ كُفْراً (٨٠) بعقوقه و سوء صنيعه و يلحقهما شرا و بلاء او يقرن بايمانهما طغيانه و كفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان و طاغ كافر- او يعذبهما بغلبته فيرتدا بإضلاله او بممالاته على طغيانه و كفره حبّا- قال سعيد بن جبير خشينا ان يحملهما حبه على ان يتّبعاه على دينه و انما خشى ذلك خضر باعلام من اللّه بالوحى- اخرج ابن ابى شيبة عن زيد بن هرمز عن ابن عباس ان نجدة الحرودى كتب اليه كيف قتله رقد نهى النبي صلى اللّه عليه و سلم من قتل الولدان فكتب اليه ان علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك ان تقتل يعنى انما نهى النبي صلى اللّه عليه و سلم لعامة المسلمين الذين لا يوحى إليهم حتى يحصل لهم علم من حال الولدان و الوحى قد انقطع بعد النبي صلى اللّه عليه و سلم فليس نهى النبي صلى اللّه. عليه و سلم متوجها الى خضر و أمثاله- فان قيل مقتضى هذا الكلام ان اللّه تعالى كان يعلم ان ذلك الغلام ان عاش يكون كافرا طاغيا و المفروض المتحقق ان الغلام لم يعش و لم يكفر و لم يطغ حيث قتله الخضر و العلم يكون تابعا للمعلوم فلا بد ان يكون للعلم في الخارج مصداق- فكيف يتصور صحة هذا العلم- لا يقال في جوابه ان وجود الأشياء تابع لعلم اللّه تعالى بخلاف علوم العباد فان العلم هناك تابع للمعلوم مستفاد منه لانا نقول هذا القول لا يجديك نفعا فان العلم سواء كان تابعا للمعلوم او متبوعا له لا بد من مطابقتهما و عدم تخلف أحدهما عن الآخر- فاذا لم يعش الغلام و لم يكفر ظهر عدم تحقق القضية في الواقع فلا يجوز تعلق علم اللّه بالقضية حتى لا يلزم عدم مطابقة العلم بالواقع و الجواب الصحيح الّذي يحسم مادة الشبهة ان صدق الشرطية و تعلق العلم به يقتضى لزوم التالي للمقدم في الواقع- و لا يقتضى وجوده طرفيها فيه الا ترى ان قوله تعالى لو كان فيهما الهة الّا اللّه لفسدتا صادق و العلم به متحقق مع امتناع المقدم- فمقتضى هذا العلم لزوم كفر الغلام لبقائه بحيث لا يحتمل تخلفه- كما ان صدق قولنا ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود يقتضى لزوم وجود النهار لطلوع الشمس لا طلوعها و لا وجوده- فان قيل لزوم أحد الشيئين للاخر يقتضى ان يكون أحد الشيئين علة تامة للشي ء الاخر- او يكونان كلاهما معلولين لعلة واحدة تامة- فما وجه لزوم كفر الغلام لبقائه- قلنا وجه هذا اللزوم على ما قالت الصوفية العلية رضي اللّه عنهم ان وجودات الأشياء كلها في الخارج ظلال للاعيان الثابتة الّتي هى ظلال لصفات اللّه تعالى و لما كانت الأعيان الثابتة كائنة في مرتبة العلم فلذلك قالوا المعلوم تابع للعلم ثم صفات اللّه تعالى منها راجعة الى كونه تعالى هاديا و منها راجعة الى كونه تعالى مضلا فالاشياء الّتي مبادى تعيناتها راجعة الى الهداية ظهور الاهتداء لازم لوجودها لا يمكن ختمها الا على السعادة- و الّتي مبادى تعيناتها راجعة الى الضلالة ظهور الشقاوة و ختمها عليها لازم لوجودها لا يتصور منها الاهتداء و هذا معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم كلّ ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فتسييسر لعمل اهل السعادة و اما من كان من اهل الشقاوة فسييسر لعمل اهل الشقاوة- متفق عليه من حديث علىّ رضي اللّه عنه فمعنى قوله طبع الغلام على الكفر ان مبدء تعينه كان ضلال اسم المضل فموته صغيرا قبل ظهور اثر الضلالة فيه كان أصلح له و لوالديه و كان هذا تفضلا من اللّه تعالى على والديه لا على ما قالت المعتزلة بوجوب الأصلح على اللّه سبحانه إذ لو كان كذلك لم يوجد كافر حيث يجب على اللّه أمانته صغيرا و اللّه اعلم. ٨١ فَأَرَدْنا لعل معناه اشتهينا و دعونا اللّه سبحانه- لان ارادة العبد لا يمكن تعلقه يفعل اللّه سبحانه أسند الخضر هاهنا الارادة الى نفسه و ايضا الى اللّه تعالى حيث قال بصيغة الجمع أردنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما لان التبديل باهلاك الغلام و إيجاد اللّه بدله- و الإهلاك وجد بكسب الخضر و الإيجاد بخالص صنعه تعالى افصح الإسنادان قرا ابو جعفر و نافع و ابو عمرو بالتشديد من التفعيل و الباقون بالتخفيف من الافعال و معناهما واحد- قال البغوي و فرق بعضهم بان التبديل تغيير شي ء او تغيير حاله و عين الشي ء قائم و الابدال دفع شي ء و وضع شي ء اخر مكانه. قلت و هذا الفرق ليس بشي ء إذ لو كان كذلك لما يتصور الجمع بين القرائتين مع كونهما متواترتين بل المراد ان يرزقها ربهما بدله ولدا خَيْراً مِنْهُ زَكاةً اى طهارة من الذنوب و الأخلاق الردية وَ أَقْرَبَ رُحْماً (٨١) قرا ابن عامر و ابو جعفر و يعقوب بضم الحاء الباقون بإسكانها- اى اقرب رحمة و عطفا على والديه و قيل هو من الرحم و القرابة قال قتادة اى أوصل للرحم و ابو بوالديه و انتصاب زكوة و رحما على التمييز و العامل اسم التفضيل و هو خير و أقرب- قال البغوي قال الكلبي أبدلهما اللّه به جارية فتزوجها نبى من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى اللّه على يديه امة من الأمم و عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال أبدلهما جارية ولدت سبعين نبيا و قال ابن جريج أبدلهما بغلام مسلم- و اخرج ابن ابى شبية و ابن المنذر و ابن ابى حاتم عن عطيّة بلفظ فابدلا جارية ولدت نبيا- و اخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله و اخرج ابن المنذر من طريق بسطلم بن جميل عن يوسف بن عمر قال أبدلهما اللّه مكان الغلام جارية ولدت نبيين- و أخرجه «١» البخاري في تاريخه و الترمذي و الحاكم و صححه من حديث ابى الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال مطرف فرح به أبواه حين ولد و حزنا عليه حين قتلى و لو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء اللّه تعالى فان قضاء اللّه المؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب قلت بل فيما يحب العبد او يكره لا بد له ان يخاف مكر اللّه و يستعيذ منه و يرجو رحمة اللّه و يطلبه منه و يرضى بقضاء اللّه و لا يعترض عليه-. (١) و في الأصل و أخرجه في تاريخه «ابو محمد عفى عنه»-. ٨٢ وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قال البغوي كان اسمهما اصرم و صويم وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما من مال كذا قال عكرمة و اخرج البخاري في تاريخه و الترمذي و الحاكم و صححه من حديث ابى الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال كان ذهبا و فضة و اخرج الطبراني عن ابى الدرداء في هذه الاية قال أحلت لهم الكنوز و حرمت عليهم الغنائم و أحلت لنا الغمائم و حرمت علينا الكنوز- قلت لعل معنى حرمت علينا الكنوز ان نكنز الذهب و الفضة و لا نؤدى زكوتها فذلك حرام علينا لقوله تعالى وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- قال ابن عبّاس و ابن عمر كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز و ان كان مدفونا و كل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز و ان لم يكن مدفونا فلعل الزكوة لم تكن واجبة على اهل تلك القرية حينئذ حتى قيل أحلت لهم الكنوز و اللّه اعلم- و قال البغوي روى عن سعيد بن جبير قال كان الكنز صحفا فيها علم و اخرج الحاكم و صححه عن ابن عباس قال ما كان ذهبا و لا فضة و لكن صحف علم- و اخرج ابن ابى حاتم عن الربيع بن انس نحوه و قال البغوي و روى عن ابن عباس انه قال كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبا لمن يوقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا كيف يطمئن إليها لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه- و في الجانب الاخر مكتوب انا اللّه لا اله الا انا وحدي لا شريك لى خلقت الخير و الشر فطوبى لمن محلقته و للخير و أجريته على يديه و ويل لن خلقته للشر و أجريته على يديه كذا اخرج البزار بسند ضعيف عن ابى ذر مرفوعا اخضر منه و أخرجه الخرائطي في قمع الحرص عن ابن عباس موقوفا و كذا اخرج ابن مردوية من حديث على مرفوعا و أخرجه البزار عن ابى ذر رفعة و قال الزجاج الكنز إذا اطلق يتصرف الى كنز المال و عند التقييد يجوز ان يقال عنده كنز علم و هذا اللوح كان جامعا لهما- وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً قيل كان اسمه كاشح و كان من الأتقياء قال البغوي قال ابن عباس حفظا بصلاح أبيهما يعنى امر اللّه الخضر لا صلاح الجدار لاجل حفظ الغلامين بصلاح أبيهما قال محمد ابن المنكدر ان اللّه يحفظ بصلاح العبد ولده و ولد ولده و عترته و عشيرته و اهل دويرات حوله في حفظ اللّه ما دام فيهم- قال سعيد بن مسيب انى أصلي فاذكر ولدي فازيد في صلاتى- و قيل كان بين الغلامين و بين الأب الصالح سبعة اباء و اخرج ابن ابى حاتم من طريق بقية عن سليمان بن سليم ابى سلمة قال مكتوب في التوراة ان اللّه ليحفظ القرن الى القرن الى سبعة قرون و ان اللّه يهلك القرن الى القرن الى سبعة قرون- و في الاية دليل على انه حق على المؤمنين السعى و الرعاية لذريّات الصلحاء مالم يصدر منهم طغيان و كفر فحينئذ يستحقون زيادة الإيذاء كما يدل عليه اية السابقة امّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا و كفرا فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما اى يبلغا الحلم و كمال الرشد و القوة قيل ثمانية عشر سنة و عندى انه أربعين سنة لقوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً- و الظاهر من مذهب ابى حنيفة رحمه اللّه انه خمسة و عشرون سنة فانه إذا بلغ السفيه خمسة و عشرين سنة دفع عنده اليه ماله و قد قال اللّه تعالى فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ... وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ منصوب على الحال من فاعل يبلغا اى يبلغا مرحومين من ربّك او على المصدرية او العلية فان ارادة الخير رحمة و قيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربّك- قال البيضاوي لعل اسناد الارادة اولا الى نفسه يعنى في قوله أردت ان أعيبها لانه هو المباشرة للتعييب و ثانيا الى اللّه و الى نفسه يعنى في قوله أردنا ان يّبدلهما ربّهما خير منه زكوة لان التبديل باهلاك الغلام و إيجاد اللّه بدله- و ثالثا الى اللّه وحده يعنى في هذه الاية لانه لا مدخل له في بلوغ الغلامين- او لان الاول في نفسه شر و الثالث خير و الثاني ممتزج- او لاختلاف حال العارف في الالتفات الى الوسائط وَ ما فَعَلْتُهُ اى ما رأيت منى من خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار عَنْ أَمْرِي اى عن رأى انما فعلته بامر اللّه عزّ و جلّ و علا ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ حذفت تاء الاستفعال تخفيفا و المعنى مالم تطق عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢) قال البغوي روى ان موسى لما أراد ان يفارقه قال له أوصني- قال لا تطلب العلم لتحدث به و اطلبه لتعمل به- قال البيضاوي و من فوائد هذه القصة ان لا يعجب المرء بعلمه و لا يبادر الى انكار مالا يستحسنه فلعل فيه سرّا لا يعرفه- قلت لا سيما إذا كان الرجل الّذي راى منه ما لا يستحسنه ذا علم و ديانة و انقاء فبالحرى اى لا ينكر عليه كما ذكرنا آنفا- و ان يداوم على التعلّم و يتذلل للمعلم و يراعى الأدب في المقال و ان ينبه المجرم على جرمه و يعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه قال البغوي اختلف الناس في ان الخضر عليه السلام حىّ أم ميت- قيل ان الخضر و الياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم و كان سبب حياته فيما يحكى به انه شرب من عين الحيوة و ذلك ان ذا القرنين دخل الظلمه لطلب عين الحيوة و كان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل فاغتسل و شرب و صلى شكر اللّه تعالى و اخطأ ذو القرنين الطريق فعاد و ذهب الآخرون الى انه مات لقول اللّه تعالى وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ- و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد ما صلى العشاء ليلة اريتكم ليلتكم هذه فان على راس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم حى على ظهر الأرض أحد قلت ذكر صاحب الحصين في التعزية ما روى الحاكم في المستدرك عن انس انه لما توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل رجل اشهب اللحية جسم صبيح فتخطار قابهم فبكى ثم التفت الى الصحابة رضي اللّه عنهم فقال ان للّه عزاء من كل مصيبة و عوضا من كل فائت و خلفا من كل هالك فالى اللّه فانيبوا و اليه فارغبوا و نظره إليكم في البلاء فانظروا فانما المصاب من لم يجبر. و انصرف فقال أبو بكر و علىّ هذا الخضر - و قد اشتهر عن اولياء اللّه ملاقاتهم و استفاداتهم عن الخضر عليه السلام فهذا دليل على حياته- و الظاهر ان الخضر عليه السلام لو كان حيّا في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم ما اعتزل عن صحبته فانه كان مبعوثا الى الناس كافة- و لهذا قال عليه السلام لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعى- رواه احمد و البيهقي في شعب الايمان في حديث جابر و سينزل عيسى بن مريم و يقتدى برجل من المسلمين- كذا روى مسلم في حديث عن ابى هريرة عن جابر و لا يمكن حل هذا الاشكال الّا بكلام المجد للالف الثاني رضي اللّه عنه فانه حين سئل عن حيوة الخضر عليه السلام و وفاته توجه الى اللّه سبحانه مستعلما من جنابه عن هذا الأمر- فراى الخضر عليه السلام حاضرا عنده فساله عن حاله فقال انا و الياس لسنا من الاحياء لكن اللّه سبحانه اعطى لارواحنا قوة نتجسد بها و نفعل بها افعال الاحياء من ارشاد الضال و اغاثة الملهوف إذا شاء اللّه و تعليم العلم اللدني و إعطاء النسبة لمن شاء اللّه تعالى- و جعلنا اللّه تعالى معينا للقطب المدار من اولياء اللّه تعالى الّذي جعله اللّه تعالى مدارا للعالم جعل بقاء العالم ببركة وجوده و إفاضته- و قال الخضران القطب في هذا الزمان في ديار اليمن متبع للشافعى في الفقه- قال فنحن نصلى مع القطب صلوة على مذهب الشافعي فبهذا الكشف الصحيح اجتمع الأقوال و ذهب الاشكال و الحمد للّه الكبير المتعال-. ٨٣ وَ يَسْئَلُونَكَ يعنى اليهود او «١» مشركى مكة امتحانا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قال البغوي اختلفوا في اسمه قيل اسمه مرزبان بن مرزية اليوناني من ولد يافث بن نوح عليه السلام و قيل اسمه إسكندر ابن قبيس بن فيلقوس الرومي قلت و هو الأصح لما اخرج ابن إسحاق و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و الشيرازي في الألقاب و ابو الشيخ عن وهب بن منبه اليماني و كان له علم بالأحاديث الاولى انه كان يقول كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره و كان اسمه الإسكندر- و اخرج ابن المنذر عن قتادة قال الإسكندر هو ذو القرنين- قال البغوي و اختلفوا في نبوته فقال بعضهم كان نبيا و قال ابو الطفيل سئل علىّ عن ذى القرنين ا كان نبيا أم كان ملكا قال لم يكن نبيّا و لا ملكا و لكن كان عبدا احبّ اللّه فاحبّه اللّه و ناصح اللّه فناصحه- قلت و كذا اخرج ابن مردوية عن سالم بن ابى الجعد قال سئل على عن ذى القرنين أ نبي هو قال سمعت نبيكم صلى اللّه عليه و سلم يقول هو عبد ناصح اللّه فنصحه «٢» قال البغوي و روى ان عمر سمع رجلا يقول لاخر يا ذو القرنين فقال تسميتم بأسماء الأنبياء فلم ترضوا حتى تسموا بأسماء الملائكة قال و الأكثرون على انه كان ملكا عادلا صالحا قال البغوي و اختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين قال الزهري لانه بلغ قرنى الشمس مشرقها و مغربها و قيل لانه ملك الروم و الفارس و قيل لانه دخل النور و الظلمة و قيل لانه رأى في المنام (١) و في الأصل مشركوا مكة ١٢ ابو محمد عفى عنه-. (٢) خالد بن سعد ان النبي صلى اللّه عليه و سلم سئل عن ذى القرنين فقال ملك يمسح الأرض من سمحتها بالأسباب ١٢ ازالة الخفا- منه رح. كانه أخذ بقرني الشمس- و قيل لانه كان له ذوابتان حسنتان و قيل لانه كان له قرنان تواديهما العمامة قلت و كذا اخرج ابن عبد الحكم عن يونس بن عبيد و نحوه الشيرازي في الألقاب عن قتادة و روى ابو الطفيل عن علىّ عليه السلام انه قال سمى ذا القرنين لانه امر قومه بتقوى اللّه فضربوه على قرنه الايمن فمات فبعثه اللّه يعنى أحياه ثم أمرهم بتقوى اللّه فضربوه على قرنه الأيسر فمات فأحياه اللّه- انتهى كلام البغوي- و اخرج احمد في الزهد و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابو الشيخ في العظمة عن ابى الورقاء قال قلت لعلى بن ابى طالب رضى اللّه عنه ذو القرنين ما كان قرنا لا قال لعلك تحسب ان قرنيه ذهب او فضة كان نبيّا فبعثه اللّه الى ناس فدعاهم الى اللّه تعالى فقام رجل فضرب قرنه الأيسر فمات ثم بعثه اللّه يعنى أحياه ثم بعثه اللّه الى ناس فقام رجل فضرب قرنه الايمن فمات فسماه ذا القرنين قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ خطاب للسائلين مِنْهُ اى من حال ذى القرنين و قيل من اللّه تعالى ذِكْراً (٨٣) اى خبرا. ٨٤ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ اى مكنا امره من التصرف فيها كيف شاء- قال البغوي قال على عليه السلام سخر له السحاب فحمله عليها و مد له الأسباب و بسط له النور كان الليل و النهار عليه سواء فهذا معنى تمكينه في الأرض و هو انه سهل عليه السير فيها و ذلل له طرقها- وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ اراده و توجه اليه و قيل معناه أعطيناه من كلّ شي ء يحتاج اليه الخلق و قيل من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن و محادبة الأعداء سَبَباً (٨٤) يوصل اليه من العلم و القدرة و الآلات- قال البغوي قال الحسن اى بلاغا الى حيث أراد- و قيل معناه قرّبنا اليه أقطار الأرض. ٨٥ فَأَتْبَعَ قرأ اهل الحجاز و البصرة فاتّبع ثمّ اتّبع في الثلاثة بهمزة الوصل و التشديد من الافتعال و الباقون بقطع الالف و سكون التاء من الافعال- قال البغوي قيل معناهما واحد و الصحيح الفرق بينهما فمن قطع بالهمزة فمعناه أدرك و و لحق و من قرء بالتشديد فمعناه سار يقال ما زلت اتّبعته حتى اتبعته اى ما ذلت سرت خلفه حتّى لحقته و كذا روى عن الأصمعي سَبَباً (٨٥) يعنى طريقا نحو المغرب و قال ابن عباس منزلا-. ٨٦ حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ اى منتهى الأرض المسكونة نحو المغرب- وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قرأ ابو جعفر و ابن عامر و حمزة و الكسائي و أبو بكر حمية بالألف غير مهمود على وزن رامية اى حارة- و الباقون مهموزا بغير الف على وزن ملئة من جسئت للبرّ إذا صارت ذات حماة و هى الطينة السوداء- و لا تنافي بين القرائتين لجواز كون العين جامعة للوصفين و جاز ان يكون ياء حامية مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها فحينئذ يتخذ القراءتين اى ذات حماة- قال البغوي سال معاوية كعبا كيف تجد في التوراة اين تغرب الشمس قال نجدها تغرب في ماء و طين- قال البيضاوي لعله بلغ ساحل لمحيط فراها كذلك إذا لم يكن في مطمح نظره غير الماء و الطين و لذلك قال اللّه سبحانه وجدها تغرب و لم يقل كانت تغرب كذا قال القيتبى وَ وَجَدَ عِنْدَها اى عند العين قَوْماً قال البيضاوي قيل كان لباسهم جلود الوحش و طعامهم ما لفظه البحر و كانوا كفارا قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ ذلك القوم بالقتل على كفرهم ان أصروا على كفرهم بعد ما دعوتهم الى الإسلام وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ فعلة حُسْناً (٨٦) يعنى الإكرام و الإرشاد و تعليم الشرائع ان تابوا و اسلموا- فكلمة امّا هاهنا للتقسيم مثل او في قوله تعالى انّما جزاء الّذين يحاربون اللّه و رسوله و يسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا او يصلّبوا او تقطّع أيديهم و أرجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض و قيل كلمة امّا هاهنا للتخيير بين ان يعذبهم بالقتل لكفرهم و بين ان يدعوهم الى الإسلام و هو المراد بقوله ان يتّخذ فيهم حسنا و قيل خيره بين القتل و الاسر و سماه إحسانا في مقابلة القتل و يؤيد الأولين قوله تعالى-. ٨٧ قالَ ذو القرنين امتثالا لامره تعالى او اختيارا لدعوتهم الى الإسلام بعد التخيير أَمَّا مَنْ ظَلَمَ نفسه بالإصرار على الكفر بعد ما دعوته الى الإسلام و استمر على ظلمه الّذي هو الشرك فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ انا و من معى في الدنيا بالقتل ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ ربه في الاخرة عَذاباً نُكْراً (٨٧) اى منكر الم يعهد مثله في نار جهنم. ٨٨ وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً على ما يقتضيه الايمان فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى قرأ حمزة و الكسائي و يعقوب و حفص جزاء منونا منصوبا على الحال اى فله الحسنى يعنى الجنة جزاء يجزى بها او فله في الدارين المثوبة الحسنى جزاء و جاز ان يكون منصوبا على المصدرية لفعل مقدر و الجملة خال اى يجزى بها جزاء او على التمييز و الباقون بالرفع بغير تنوين على الاضافة و الحسنى على هذه القراءة الأعمال الحسنة اى له جزاء الأعمال الحسنى او يقال الحسنى هو الجنة او المثوبة الحسنة و اضافة الجزاء إليها من قبيل مسجد الجامع و جانب الغربي وَ سَنَقُولُ لَهُ اى لمن أمن و عمل صالحا مِنْ أَمْرِنا اى مما نامر به يُسْراً (٨٨) اى سهلا غير شاق تقديره ذا يسر و قال مجاهد يسرا اى معروفا و يستدل بهذا الخطاب من اللّه تعالى لذى القرنين على كونه نبيا يوحى اليه و قال البغوي الأصح انه لم يكن نبيا و المراد به الإلهام- قلت و يمكن ان يكون هذا الأمر من اللّه تعالى على لسان نبى من الأنبياء يكون معه يسدد امره كما كان في بنى إسرائيل أنبياء مع الملوك يسددون أمورهم-. ٨٩ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) اى سلك طرقا و منازل يوصله الى المشرق. ٩٠ حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ يعنى الموضع الّذي تطلع الشمس عليه اولا من معمورة الأرض وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) من اللباس او البناء فان ارضهم لا تحمل بناء و انهم اتخذوا الأسراب بدل الابنية. ٩١ كَذلِكَ اى امر ذى القرنين كما وصفناه في رفعة المكان و بسطة الملك أو أمره في اهل المشرق كامره في اهل المغرب من التخير و الاختيار او هو صفة لمصدر محذوف لوجدها اى وجدها تطلع كما وجدها تغرب او لمصدر لم نجعل اى لم نجعل لهم من دونها سترا كما لم نجعل لاهل المغرب او صفة لقوم يعنى وجدها تطلع على قوم مثل ذلك القوم الذين كانت تغرب عليهم الشمس في الكفر و الحكم وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود و الآلات و العدد و الأسباب خُبْراً (٩١) اى علما تعلق بظواهره و بواطنه منصوب على المصدرية لان في احطنا معنى خبرنا- و المراد كثرة ذلك يعنى بلغ مالديه مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير-. ٩٢ ثُمَّ أَتْبَعَ ذو القرنين سَبَباً (٩٢) اى طريقا ثالثا معترضا بين المغرب و المشرق أخذا من الجنوب الى الشمال. ٩٣ حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ قرأ ابن كثير و ابو عمرو و حفص بفتح السين و الباقون بضم السين قيل هما لغتان معناهما واحد و قال عكرمة ما كان من صنعة بنى آدم فهو بالفتح و ما كان من صنع اللّه فهو بالضم و كذا قال ابو عمرو و قيل السّد بالفتح مصدر و بالضم اسم و المراد بالسّدين هاهنا جبلان سدّ ذو القرنين ما بينهما حاجزا بين يأجوج و ماجوج و من ورائهم و هما جبلا ارمينية و اذربايجان أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قيل جبلان في اواخر الشمال في منقطع ارض الترك منيعان من ورائهما يأجوج و ماجوج أخرجه سعيد بن منصور في سننه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم في تفاسيرهم و بين هاهنا مفعول به و هو من الظروف المتصرفة وَجَدَ مِنْ دُونِهِما اى امام الجبلين قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (٩٣) قرا حمزة و الكسائي يفقهون بضم الياء و كسر القاف من الافعال يعنى لا يفقهون غيرهم قولهم- و قرا الآخرون بفتح الياء و القاف يعنى لا يفهمون كلام غيرهم قال ابن عباس لا يفهمون كلام أحد و لا يفهم الناس كلامهم. ٩٤ قالُوا بتوسط مترجم لهم- و في قراءة ابن مسعود قال الّذين من دونهم يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ قرأ هما عاصم هاهنا و في الأنبياء مهموزين و الآخرون بغير همزوهما اسمان عجميان بدليل منع الصرف و قيل عربيان من اج الظلم إذا اسرع قال البغوي من اجيج النار و هو ضؤها و شهرها شبهوا به لكثرتهم و منع صرفهما للتعريف و التأنيث قال البغوي هم من أولاد يافث بن نوح و قال قال الضحاك هم جيل من الترك و قال قال السدى الترك سرية من يأجوج خرجت فضرب ذو القرنين السد فبقيت خارجة فجميع الترك منهم و عن قتادة انهم اثنان و عشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على احدى و عشرين قبيلة و بقيت قبيلة واحدة فهم الترك و سموا الترك لانهم تركوا خارجين و قال اهل التاريخ أولاد نوح ثلاثة سام و حام و يافث سام ابو العرب و العجم و الروم- و حام ابو الحبشة و الزنج و النوبة- و يافث ابو الترك و الخزر و الصعالية و يأجوج و مأجوج قال ابن عباس في رواية عطاءهم عشرة اجزاء و ولد آدم كلهم جزء و روى عن حذيفة مرفوعا ان يأجوج امة و مأجوج امة كل امة اربعة مائة «١» الف لا يموت الرجل منهم حتى ينظر الى الف من صلبه كلهم حملوا السلاح و هم من ولد آدم يسيرون الى خراب الدنيا قلت لعل معنى الحديث ان كل امة بلغت عددهم اربع مائة الف حين سد عليهم ذو القرنين فاما بعد ذلك فاذا ولد كل رجل منهم الفا مسلحا يبلغ عددهم الى مالا يعلم عدتهم الا اللّه تعالى و معنى يسيرون الى خراب الدنيا انهم إذا خرجوا من السد عند قرب القيامة يسيرون الى خراب الدنيا و اللّه اعلم- و قال البغوي و قيل هم ثلاثة اصناف صنف منهم أمثال الأرزة شجر بالشام طوله عشرون و مائة ذراع في السماء- و صنف منهم عرضه و طوله سواء عشرون و مائة ذراع و هؤلاء لا يقوم لهم جبل و لا حديد- و صنف منهم يفترش أحدهم اذنه و يلتحف بالأخرى لا يمرون بخيل و لا وحش و لا خنزير الا أكلوه و من مات منهم (١) و في تفسير البغوي اربعة آلاف امة و هو الصحيح و لعل ما في الأصل من غلط الناسخ و اللّه تعالى اعلم ١٢ الفقير الدهلوي. أكلوه مقدمتهم بالشام و ساقتهم بخراسان يشربون انهار المشرق و بحيرة طبرية- قلت هذا ايضا حين يخرجون من السد- قال البغوي و عن على رضى اللّه عنه انه قال منهم من طوله شبر و عرضه ذراع و منهم من هو مفرط في الطول- و قال قال كعب هم نادرة من ولد آدم و ذلك ان آدم «٢» احتلم ذات يوم فامتزجت نطفة بالتراب فخلق اللّه من ذلك الماء يأجوج و مأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الام- (٢) هذا مردود فان الأنبياء عليهم الصلاة و السلام معصومون من الشيطان و الاحتلام من الشيطان هكذا في الحاشية الّتي على تفسير البغوي ١٢ الفقير الدهلوي-. و قال البغوي ذكر وهب بن منبه ان ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا صالحا قال اللّه انى باعثك الى امم مختلفة ألسنتهم- منهم امتان بينهما طول الأرض أحدهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك و الاخر عند مطلعها يقال لها منسك- و امتان بينهما عرض الأرض أحدهما في قطر الايمن يقال لها هاويل و الاخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها قاويل- و امم في وسط الأرض منهم الجن و الانس و يأجوج و مأجوج فقال ذو القرنين باىّ قوم أكابرهم و باىّ جمع أكاثرهم و باىّ لسان اناطقهم قال انى ساطوتك و ابسط لك لسانك و أشد عضدك فلا تهولك شي ء و البسك الهيبة فلا يردعك شي ء و أسخر لك النور و الظلمة و اجعلهما من جنودك يهديك النور من امامك و يحوطك الظلمة من ورائك فانطلق حتى اتى مغرب الشمس فوجد جمعا وعد و الا يحصيه الا اللّه فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد فدعاهم الى اللّه و عبادته فمنهم من أمن و منهم من صدّ عنه- فعمد الى الذين تولوا عنهم فادخل عليهم الظلمة فدخلت في أجوافهم و بيوتهم فدخلوا في دعوته- فجند من اهل المغرب جندا عظيما فانطلق يقودهم و الظلمة يسوقهم حتى اتى هاويل فعمل فيهم كفعله في ناسك- ثم معنى حتى اتى الى منسك عند مطلع الشمس فعل و جند فيها كفعله في الامتين- ثم أخذ ناحية الأرض اليسرى فاتى قاويل فعل فيها كعلمه فيما «١» قبلها ثم عمد الى الأمم الّتي في وسط الأرض فلما دناهما يلى منقطع الترك نحو المشرق قالت له امة صالحة من الانس يا ذا القرنين ان بين هذين الجبلين خلقا أمثال البهائم يفترسون الدواب و الوحوش لهم أنياب و اضراس كالسباع يأكلون الحيّات و العقارب و كل ذى روح خلق اللّه في الأرض و ليس يزداد خلق كزيادتهم و لا شك انهم يملكون الأرض و يظهرون عليها و يفسدون فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا و بينهم سدّا- قال ما مكنّى فيه ربّى خير- و قال أعدو الى الصخور و الحديد و النحاس حتى اعلم علمهم- فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقداد واحد يبلغ طول الوجل منهم مثل نصف الرجل المربوع منا- لهم مخاليب كالاظفار في أيدينا و أنياب و اضراس كالسباع و لهم هلب «٢» من الشعر في أجسادهم ما يواريهم و يتقون به من الحر و البرد- لكل أذنان عظيمتان يفترش إحداهما و يلتحف بالأخرى يصيف في إحداهما و يشتوفى الاخرى- «٣» يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا «٤»- فلما عاين ذلك ذو القرنين انصرف الى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما فحفر له الأساس حتى بلغ الماء و جعل حشوه الصخر و طينه النحاس المذاب (١) و في الأصل فيما قبله. (٢) الهلب الشعر و قيل ما غلظ من شعر الذنب بنهاية- قلت لعل المراد بالهلب هاهنا الشعر الغليظ ١٢؟؟؟. (٣) يتساقدون من سقد؟؟؟ الذكر على الأنثى سفادا بالكسر نزا اى جامع ١٢ قاموس- منه رح [.....]. (٤) هذا الأثر الطيل العجيب من مز؟؟؟ حزتان اهل الكتاب لا يصح سنده كما في البيضاوي ١٢ الفقير الدهلوي-. فيصب عليه فصار كانه عرق من جبل تحت الأرض و ذلك قوله عزّ و جلّ انّ يأجوج و مأجوج مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ اى في ارضنا بالقتل و التخريب و إتلاف المزرع- قال الكلبي كانوا يخرجون ايام الربيع الى ارضهم فلا يدعون شيئا اخضر الا أكلوه و لا شيئا يابسا الا حملوه و أدخلوه ارضهم- و قد لقوا منهم أذى شديدا او قيل انهم كانوا يأكلون الناس فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً قرا حمزة و الكسائي هنا و في المؤمنين خرجا بالألف و الباقون بغير الالف و هما لغتان بمعنى واحد اى جعلا و اجرا نخرجه من أموالنا- و قال ابو عمرو الخرج ما تترغب به و الخراج مالزمك أداؤه و قيل الخراج على الأرض و الخرج على الرقاب يقال إذ خرج راسك و خراج مدينتك- و قيل الخراج على الأرض و الذمة و الخرج المصدر عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) يحجز دون خروجهم قرا نافع و ابن عامر و أبو بكر بضم السين و الباقون بفتحها-. ٩٥ قالَ ذو القرنين ما مَكَّنِّي قرأ ابن كثير بنونين مخففتين الاولى مفتوحة و الثانية مكسورة على الأصل من غير ادغام. و الباقون بنون مشددة مكسورة بالإدغام فِيهِ رَبِّي اى ما جعله اللّه لى فيه من المكنة بالمال و الملك خَيْرٌ مما تجعلون لى عليه بإعطاء الجعل فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ اى فعلة او به أتقوى به من الآلات أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ تبرعا رَدْماً (٩٥) حاجزا حصينا و هو اكبر من السدين قولهم نوب مردّم إذا كان رقاع فوق رقاع. ٩٦ آتُونِي قرأ الجمهور بقطع الهمزة و مدة بعدها من الإيتاء بمعنى المناولة فلا منافاة بينها و بين رد الخراج و الاقتصار على المعونة بالأبدان- لان إعطاء الآلة من الاعانة دون الخراج على العمل- فودش على أصله يلقى حركة الهمزة على التنوين قبلها و قرا أبو بكر ردما ائتوني بكسر التنوين و همزة ساكنة بعده جنى جيئونى- و عند الابتداء يكسر همزة الوصل و يبدل الهمزة ياء لاجتماع الهمزتين او لهما مكسورة و الثانية ساكنة زُبَرَ الْحَدِيدِ اى قطعه و الزبرة القطعة الكبيرة- و أصله على قراءة ابى بكر بزبر الحديد لكون الآيتان لازما حذفت الباء كما في قولك امرتك الخير فاتوا بها و بالحطب و الفحم فجعل بعضها على بعض و لم يزل يجعل قطع الحديد على الحطب و الفحم و الحطب و الفحم على قطع الحديد حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ اى بين جانبى الجبل- قرا ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر بضم الصاد و الدال و أبو بكر بضم الصاد و اسكان الدال و الباقون بالفتحتين و كلها لغات من الصدف بمعنى الميل- لان كلا منهما مائل منعدل من الاخر و منه التصادف بمعنى التقابل قالَ ذو القرنين للعلمة انْفُخُوا يعنى اجعلوا فيها نارا فانفخوا في النار حَتَّى إِذا جَعَلَهُ اى الحديد ناراً بالاجماع- أسند الجعل الى ذى القرنين مع انه فعل العلمة لكونه بامره قالَ ذو القرنين آتُونِي قرأ حمزة و أبو بكر بخلاف عنه بهمزة ساكنة بعد اللام بمعنى المجي ء و إذا ابتدا «١» كسر بهمزة الوصل و أبدل الهمزة الساكنة ياء و الباقون بقطع الهمزة و مدة بعدها في الحالين بمعنى الإعطاء يعنى أعطوني قطرا أُفْرِغْ عَلَيْهِ الإفراغ الصب يعنى أصب عليه قِطْراً (٩٦) نحاسا مذابا فاتوا بالنحاس و افرغ النحاس المذاب على الحديد فأكلت النار الحطب الفحم- و صار النحاس المذاب مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس فصار الحديد الاجر و النحاس بمنزلة الطين فصار جبلا صلدا- قال البغوي و في القصة ان عرضه كان خمسون ذراعا- و ارتفاعه مائتا ذراع و طوله فرسخ- فقطرا اسم تنازع فيه الفعلان أتوني و افرغ فاعمل البصريون الثاني و قالوا بالحذف في الاول لدلالة الثاني عليه و قالوا اعمال الثاني اولى لقربه- و لو كان مفعول أتوني لزم إتيان ضمير المفعول لا فرغ حذرا من الالتباس- و قال الكوفيون بأعمال الاول لتقدم اقتضائه و حذف المفعول من الثاني و لا التباس في الحالين-. (١) و في الأصل إذا ابتداء كسر همزة الوصل و ابدال الهمزة الساكنة- ابو محمد عفى عنه. ٩٧ فَمَا اسْطاعُوا أصله استطاعوا قرا الجمهور بحذف التاء «٢» حذرا من تلاقى المتقاربين و قرا حمزة مشددا بإدغام التاء في الطاء جامعا بين الساكنين على غير حده أَنْ يَظْهَرُوهُ ان يعلوه من فوقه لطوله و ملاسته وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) من أسفله لشدته و صلابته. (٢) وجه مخترع لا يكاد يتم في اللفظ الثاني ١٢ الفقير الدهلوي. ٩٨ قالَ ذو القرنين هذا اى السد او الإقدار على تسويته رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي على عباده فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي اى وقت وعده لخروج يأجوج و مأجوج- او لقيام الساعة بان شارف يوم القيامة جَعَلَهُ دَكَّاءَ قرأ الكوفيون بالمد و الهمز بغير تنوين اى أرضا ملساء مستوية- و قرا الباقون بالتنوين من غير همز و مد و هو مصدر بمعنى المفعول اى مدكوكا مبسوطا مساويا للارض وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) كائنا لا محالة انتهى قصة ذى القرنين- قال البغوي و في القصة ان ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفى بشهرزور و ذكر بعضهم ان عمره كان نيفا و ثلاثين سنة. و قال البغوي روى قتادة عن ابى رافع عن ابى هريرة يرفعه ان يأجوج و مأجوج يحفرونه يعنى السد كل يوم- حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الّذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيد اللّه عزّ و جلّ كما كان حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الّذي عليهم ارجعوا فستحفرونه إنشاء اللّه غدا و استثنى فيعودون اليه و هو كهيئته حين تركوه فيحقرونه فيخرجون على الناس فيتبعون المياه و بتحصن الناس في حصونهم منهم- فيرمون سهامهم الى السماء فيرجع فيها كهيئة الدم فيقولون قهرنا اهل الأرض و علونا اهل السماء فيبعث اللّه عزّ و جلّ نغفا «١» فى أقفائهم فيهلكون و ان دواب الأرض ليسمن و يشكر من لحومهم شكرا و روى مسلم عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدجال ذات غداة فخفض فيه و رفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما دخلنا اليه عرف ذلك فينا فقال ما شانكم فقلنا يا رسول اللّه ذكرت الدجال فخفضت فيه و رفعت حتى ظنتاه في طائفة النخل فقال غير الدجال أخوف عليكم ان يخرج و انا فيكم فانا حجيجه دونكم و ان يخرج و لست فيكم فامرؤ حجيج نفسه- و اللّه خليفتى على كل مسلم- انه شاب قطط عينه طافية أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرء عليه فواتح سورة الكهف انه خارج بين الشام و العراق فعاث يمينا و عاث شمالا- يا عباد اللّه فاثبتوا- قلنا يا رسول اللّه؟؟؟ لبنه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة و يوم كشهر يوم كجمعة و سائر أيامه كايامكم- قلنا فذلك اليوم الّذي كسنة أ يكفينا فيه صلوة يوم قال لا اقدر و اله قدره قلنا يا رسول اللّه و ما سراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح فياتى على القوم فيدعوهم فيومنون به و يستجيبون له. (١) نفضاء و د؟؟؟ يكون في الفاف الإبل و الغنم منه رحمه اللّه تعالى-. فيأمر السماء فيمطر عليهم و الأرض فينبت و يروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى و أسبغه ضروعا و امده خواص- ثم يأتى القوم فيدعوهم فيردّون عليه قوله- قال فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بايديهم شي ء من أموالهم و يمر بالخربة فيقول لها اخرجى كنوزك فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل- ثم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل و يتهلل وجهه و يضحك- فبينما هو كذلك إذ بعث اللّه عيسى بن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على اجنحة ملكين إذا طأطا راسه قطر و إذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ- فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه الا مات و نفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه- فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله- ثم يأتى عيسى قوما قد عصمهم اللّه منه فيمسح عن وجوههم و يحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ اوحى اللّه الى عيسى انى قد أخرجت عبادا لى لا يدان لاحد بقتالهم فحرز عبادى الى الطور و يبعث اللّه يأجوج و مأجوج و هم من كلّ حدب ينسلون- فيمر اوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها و يمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء- و يحصر نبى اللّه و أصحابه حتى يكون راس الثور لاحدهم خيرا من مائة دينا و لاحدكم اليوم- فيرغب نبى اللّه عيسى و أصحابه الى اللّه- فيرسل اللّه عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحده ثم يهبط نبى اللّه عيسى و أصحابه الى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم و نتنهم فيرغب نبى اللّه عيسى و أصحابه الى اللّه- فيرسل اللّه طيرا كاهناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء اللّه- ثم يرسل اللّه مطرا لا يكن منه بيت مدر و لا وبر فيغسل الأرض حتى تزكها كالزلفة ثم يقال للارض أنبتي ثمرتك و روى بركتك. فيومئذ يأكل العصابة من الرمانة و يستظلون بعجفها و يبارك في الرسل حتى ان اللقحة من الإبل لتكفى الفئام من الناس و اللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس و اللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينماهم كذلك إذا بعث اللّه ريحا طيبة فياخذهم تحت اباطهم فيفيض روح كل مؤمن و كل مسلم- و يبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة- و في رواية اخرى لمسلم نحو ما ذكرنا و زاد بعد قوله لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر و هو جبل بيت المقدس- فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون نشابهم الى السماء فيرد اللّه عليهم نشابهم مخضوبا دما و روى الترمذي نحوه و فيه فيرسل اللّه طيرا كاعناق البخث فتحملهم فتطرحهم بالمهبل «١»- و يستوقد المسلمون من تسيهم و نشابهم و جعابهم سبع سنين- ثم يرسل اللّه مطرا الى اخر الحديث- ذكر البغوي هذا الحديث ثم قال قال وهب ثم يأتون يعنى يأجوج و مأجوج البحر فيشربون مائه و يأكلون دوابه ثم يأكلون الخشب و الشجر و من ظفروا به من الناس و لا يقدرون ان يأتوا مكة و لا المدينة و لا بيت المقدس- و روى البخاري عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ليحجن البيت و ليعتمرنّ بعد خروج يأجوج و مأجوج- قوله تعالى. (١) المرهبل هو الهوة الذاهبة في الأرض. مجمع البحار-. ٩٩ وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ قيل هذا عند فتح السد يقول تركنا بعض يأجوج و مأجوج يموج اى يدخل بعضهم في بعض كموج الماء و يختلط بعضهم ببعض لكثرتهم و تسابقهم في السير- و قيل هذا عند قيام الساعة يدخل الخلق بعضهم في بعض و يختلط انسهم بجنهم حيارى- و يؤيد هذا التأويل قوله تعالى وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ لقيام الساعة يعنى نفخة البعث فَجَمَعْناهُمْ اى الخلق جَمْعاً (٩٩) للحساب و الجزاء في صعيد واحد. ١٠٠ وَ عَرَضْنا اى ابرزنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) حتى شاهدوها عيانا. ١٠١ الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ اى في غشاء و الغطاء ما يستر الشي ء عَنْ ذِكْرِي اى عن رؤية الآيات و الدلائل على وجودى و صفاتى فاذكر بالتوحيد و التعظيم وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) اسماعا لذكرى و كلاعى و ما يرشدهم الى الحق من القول. و ذلك لما كتب اللّه عليهم من الشقاء و ما القى في قلوبهم من العناد و العداوة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و من يقوم مقامه لكون مبادى تعيناتهم الاسم المضل-. ١٠٢ أَ فَحَسِبَ يعنى أ فظن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي يعنى الملئكة و المسيح و عزيرا و قال ابن عباس يعنى الشياطين الذين أطاعوهم من دون اللّه و قال مقاتل الأصنام سميت عبادا كما قال انّ الّذين تدعون من دون اللّه عبادا أمثالكم مِنْ دُونِي قرأ نافع و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها و قوله من دونى حال من قوله أَوْلِياءَ يعنى أربابا او شفعاء قوله عبادى و اولياء مفعولان ليتّخذوا و ان مع صلتها سد مسد المفعولين لحسب و الاستفهام للانكار يعنى ليس الأمر كذلك بل هم لهم اعداء يتبرءون منهم فان العباد الصالحين اعداء للكافرين و الشياطين و الأصنام- إذا كان يوم القيمة يكفر بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضا و يتبرءون عمن عبدهم- او المفعول الثاني لحسب محذوف حذف كما يحذف الخبر للقرينة يعنى أ فحسبوا اتخاذهم عبادى اولياء نافعا لهم- و قال ابن عباس يريد ا فظن الذين كفروا ان يتخذوا غيرى اولياء انى لا اغضب لنفسى و لا أعاقبهم. فعلى هذا التأويل كلا المفعولين لحسب «١» محذوفان اعنى انى لا اغضب فان ان مع اسمها و خبرها سد مسدهما- و قوله ان يتخذوا مقدر بحرف الجر متعلق بكفروا يعنى باتخاذهم اى بسبب اتخاذهم غيرى اولياء- و جاز ان يقال تقدير الكلام على قول ابن عبّاس أ ظنوا ان الاتخاذ المذكور لا يغضبنى و لا أعاقبهم كلا فعلى هذا المفعول الثاني محذوف فحسب إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (١٠٢) اى منزلا او ما يعد الضيف قبل نزوله- و فيه تهكم و تنبيه على ان لهم وراءها من العذاب ما يستحقر دونه ما سبق منه. (١) و في الأصل محذوف. ١٠٣ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ «٢» بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (١٠٣) نصب على التمييز و جمع لانه من اسماء الفاعلين او لتنوع أعمالهم. (٢) و في الأصل قل هل انبّئكم-. ١٠٤ الَّذِينَ ضَلَّ اى ضاع سَعْيُهُمْ اجتهادهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بسعيهم وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) اى عملا محل الموصول الرفع على الخبر لمحذوف اى هم الّذين ضلّ سعيهم فهو جواب السؤال و الجر على البدل من الأخسرين او النصب على الذم- قال ابن عبّاس و سعد بن ابى وقاص هم اليهود و النصارى حسبوا أنفسهم على الحق و هم على الدين المنسوخ- و قيل هم الرهبان الذين في الصوامع حسبوا أنفسهم انهم تركوا الذّات الدنيا طمعا في الآخرة و قد ضلّ سعيهم لكونهم على الكفر- و قال على بن ابى طالب رضى اللّه عنه هم أهلي حرورا يعنى الخوارج فانهم أول فرقة بغوا على اهل السنة و الجماعة من الصحابة و من معهم و زعموا الهم على الحق- فالمراد بقول علىّ رضى اللّه عنه انهم اهل الأهواء الذين خالفوا اهل السنة فدخل فيهم الروافض و المعتزلة و سائر اهل الأهواء- قلت و الظاهر ان المراد بهم الكفار الذين لا يرون البعث و النشور فيعلمون و يتبعون فيما يرونه نافعا لهم في الحيوة الدنيا و لا يرون وراء الدنيا شيئا و يزعمون انه من يعمل عملا يضره في الدنيا من اعمال الاخرة فهو مجنون سفيه- يدل على ذلك قوله تعالى. ١٠٥ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ المنزلة وَ لِقائِهِ يعنى بالبعث بعد الموت و يشعر هذه الاية بالتشنيع فيمن يعتقد البعث لكنه يقدم اعمال الدنيا على اعمال الاخرة و يتعب لاجل الدنيا و يترك امر الاخرة الى مغفرة اللّه و فضله- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت و العاجز من اتبع نفسه هواها و تمنى على اللّه- رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم بسند صحيح عن انس و اللّه اعلم- و ان كان المراد بالآية اليهود و النصارى فالمعنى انهم لا يعتقدون البعث على ما هو عليه او المراد بلقائه لقاء عذابه فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الّتي عملوها لاكتساب الدنيا او الّتي عملوها طمعا في الثواب و لا يثابون عليها لاجل كفرهم فان الايمان شرط لقبول الحسنات كلها فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) يعنى لا يكون لهم عند اللّه قدر و اعتبار- عن ابى هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انّه به قال ليأتى الرجل العظيم السمين لا يزن عند اللّه جناح بعوضة و قال اقرءوا فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا- متفق عليه و اخرج ابو نعيم و الآجري في هذه الاية عن ابى هريرة انه قال القوى الشديد الأكول يوضع في الميزان فلا يزن شعيرا يدفع الملك من أولئك سبعين الفا دفعة واحدة- او المعنى لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لا؟؟؟ نحباطها بل يلقون في النار بلا وزن او المعنى لا يكون لاعمالهم الّتي يرونها حسنات وزنا في الميزان- قال البغوي قال ابو سعيد الخدري يأتى الناس باعمال يوم القيامة عندهم في العظم كجبال تهامة فاذا وزنوها لم تزن شيئا فذلك قوله عزّ و جلّ فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا- قال السيوطي اختلف اهل العلم هل يختص الميزان بالمؤمنين او يوزن اعمال الكفار ايضا و استدل للاول بقوله تعالى فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- و أجاب القائلون بالثاني بانه مجاز عن عدم الاعتداء بهم لقوله تعالى وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ الاية الى قوله أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- و قال القرطبي الميزان لا يكون لى حق كل واحد و ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان و كذلك من يعجل به الى النار بغير حساب و هم المذكورون في قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ الاية- و هذا الّذي قاله القرطبي يجمع بين القولين و الآيتين- و الفريق الذين فيعجل هم الّذين لا يقام لهم وزن و بقية الكفار ينصب لهم الميزان كذا قال السيوطي- قلت و يحتمل تخصيص الكفار المذكورين بالمنافقين (لانهم الذين يبقون في المسلمين) و اهل الكتاب الذين لا يبدلون بعد لحوق كل امة بما كانت تعبد. ١٠٦ ذلِكَ يعنى الأمر ذلك و قوله جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ جملة مستأنفة مبيّنة له و يجوز ان يكون ذلك مقيد؟؟؟ الجملة خبره و العائد محذوف اى جزاؤهم به او جزاؤهم بدله و جَهَنَّمُ خبره او جزاؤهم خبره و جهنّم عطف بيان للخبر بِما كَفَرُوا اى بسبب كفرهم وَ اتَّخَذُوا و اتخاذهم آياتي وَ رُسُلِي هُزُواً (١٠٦) اى سخرية و هزوا بهم .. ١٠٧ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ فيما سبق في حكم اللّه و وعده جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧) عن ابى هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا سالتم اللّه فاسئلوه الفردوس فانه اوسط «١» الجنة و أعلى الجنة و فوقه عرش الرحمن و منه تفجّر انهار الجنة متفق عليه و اخرج الترمذي و الحاكم عن عبادة بن الصامت و البيهقي «٢» عن معاذ بن جبل نحوه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان الجنة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض و الفردوس أعلاها درجة و من فوقها يكون العرش و منها تفجّر النهار الجنة الاربعة فاذا سالتم اللّه فاسئلوه الفردوس و اخرج البزار عن العرباض بن سارية و الطبراني عن ابى امامة نحوه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا سالتم اللّه فاسئلوه الفردوس فانه أعلى الجنة- و زاد في حديث ابى امامة ان اهل الفردوس يسمعون أطيط العرش- قال البغوي قال كعب ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس فيها ا لا ترون بالمعروف و الناهون عن المنكر و قال مقاتل الفردوس ربوة الجنة و أوسطها و أفضلها و أنعمها- و اخرج احمد و الطيالسي و البيهقي عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جنات الفردوس اربع جنتان من ذهب حليتهما و أبنيتهما و ما فيها و جنتان من فضة الحديث- قلت هذا الحديث يدل على ان كل جنة يسمى بالفردوس و الصحيح هو الاول فاما في هذا الحديث سهو من الراوي او المراد بالفردوس معناه اللغوي- قال كعب الفردوس البستان فيه الأعناب و قال مجاهد هو البستان بالرومية و قال عكرمة (١) قال السيوطي المراد بوسط الجنة خيارها- ١٢ منه رح. (٢) و في الأصل عن عبادة بن الصامت و البيهقي نحوه عن معاذ بن جبل نحوه- ابو محمد عفى عنه. هى الجنة بلسان الحبشة و قال الزجاج لفظ بالرومية منقول الى لفظ العربية و قال الضحاك هى الجنة الملتفة بالأشجار و قيل هى الروضة المستحسنة و قيل هى روضة تنبت ضروبا من النبات و جمعه فراديس فهذا الإطلاق في الحديث من حيث معناه اللغوي- و اما بالمعنى العلمي فهوا على الجنات- فان كان المراد في لاية المعنى اللغوي فالموصول على عمومه و إن كان المعنى العلى فالمراد بالذين أمنوا الذين أمنوا حقيقة الايمان- اخرج البيهقي عن انس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه تبارك و تعالى خلق الفردوس بيده و نظرها على مشرك و مدمن خمر- و اخرج ابن ابى الدنيا في صفة الجنة عن عبد اللّه ابن الحارث بن نوفل قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خلق اللّه تبارك و تعالى ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده و كتب التورية بيده و غرس الفردوس بيده و قال و عزتى و جلالى لا يدخلها مدمن خمر و لا ديوث- قالوا يا رسول اللّه و ما الديوث قال الّذي يقرّ السوء في اهله و قد مر تفسير قوله نزلا. ١٠٨ خالِدِينَ فِيها حال مقدرة لا يَبْغُونَ اى لا يطلبون عَنْها حِوَلًا (١٠٨) تحولا إذ ليس شى أطيب منها حتى ترغب أنفسهم اليه- و يجوز ان يراد به تأكيد الخلود و اللّه اعلم- اخرج الحاكم و غيره عن ابن عباس قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسئل عنه هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فنزلت و يسئلونك عن الرّوح قل الرّوح من امر ربّى و ما أوتيتم من العلم الّا قليلا- فقالت اليهود أوتينا علما كثيرا أوتينا التورية و من اوتى التوراة فقد اوتى خيرا كثيرا فنزلت. ١٠٩ قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ يعنى ماء البحر مِداداً يكتب به و المداد اسم لما يمد به الشي ء كالحبر الدوات و السليط للسراج- و أصله من الزيادة و مجى ء شي ء بعد شي ء قال مجاهد لو كان البحر مدادا للقلم و المقلم يكتب لِكَلِماتِ رَبِّي اى كلمات علمه و حكمته لَنَفِدَ الْبَحْرُ اى جنس ماء البحر باسره لان كل جسم متناد؟؟؟ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي فانها غير متناهية لا تنفد- قراء حمزة و الكسائي تنفد بالياء لتقدم الفعل و إسناده الى مونث غير حقيقى وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ اى بمثل البحر الموجود مَدَداً (١٠٩) زيادة و معونة لان مجموع المتناهي متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون الا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهى الابعاد و المتناهي ينفد قبل غير المتناهي لا محالة- قلت لو فرضنا البحر او الأبحر السبعة و ما زاد مدادا يكتب بها كلمات علمه تعالى فلا شك ان كل جزء منها يقوم بالقلم لا يمكن ان يكتب به ما معنى على ذلك الجزء من الأحوال الطارية عليه- و ان كانت ذلك الأحوال متناهية فكيف ما عداها من الممكنات المعلومة للّه تعالى- فهيهات هيهات احاطة المتناهي لغير المتناهي و قال البغوي قال ابن عباس قالت اليهود أ تزعم انا قد أوتينا الحكمة و في كتابك و من يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا ثم تقول و ما أوتيتم من العلم الّا قليلا- فانزل اللّه هذه الاية يعنى ان ذلك العلم الّذي في الكتب خير كثير في نفسه لكونه متكفلا لصلاح معاشكم و معادكم لكنه فطرة من بحار كلمات اللّه و الباء للتعدية و مثله مفعول لجئنا و مددا تمييز نحو على التمرة مثلها زيدا ولى مثله رجلا. ١١٠ قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ قال ابن عبّاس علّم اللّه عزّ و جلّ رسوله، صلى اللّه عليه و سلم التواضع لئلا يزعى على خلقه فامره ان يقرّ فيقول انى آدمي مثلكم الا انى خصصت بالوحى و أكرمني به يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له قلت فيه سد لباب الفتنة افتتن بها النصارى حين راؤا؟؟؟ عيسى يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيى الموتى و قد اعطى اللّه تعالى لنبيّنا صلى اللّه عليه و سلم من المعجزات أضعاف ما اعطى عيسى عليه السلام فامره بإقرار العبوديّة و توحيد الباري لا شريك و له فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ اى يخاف المصير اليه و يأمل رويته و حسن ثوابه- قال البغوي الرجاء يكون بمعنى الخوف و الأمل جميعا قال الشاعر فلاكل ما ترجو من الخير كائن و لاكل ما ترجو من الشر واقع- فجمع بين المعنيين فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً يرتضيه وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠) اى لا يراى بعمله و لا يطلب على عمله اجرا من أحد غيره تعالى جزاء و لا ثناء اخرج ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا في كتاب الإخلاص عن طاؤس قال قال رجل يا رسول اللّه انى اقف الموقف أريد وجه اللّه و أحب ان يرى موطنى فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الاية فمن كان يرجوا الآية مرسل و أخرجه الحاكم في المستدرك موصولا عن طاوس عن ابن عباس و صححه على شرط الشيخين و اخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال كان رجل من المسلمين يقاتل و هو يحب ان يرى مكاله فانزل اللّه من كان يرجوا لقاء ربّه الاية- و اخرج ابو نعيم و ابن عساكر في تاريخه من طريق السدى الصغير من الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام او تصدق مر؟؟؟ كز بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس له فنزلت في ذلك فمن كان يرجو لقاء ربّه الاية- فان قيل روى الترمذي عن ابى هريرة قال قلت يا رسول اللّه اما في بيتي؟؟؟ في مصلاى إذ دخل علىّ رجل فاعجبنى الحال الّتي رانى عليها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و رحمك اللّه أبا هريرة لك اجر ان اجر السر و اجر العلانية- و روى مسلم عن ابى ذر قال قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ رأيت الرجل يعمل العمل من الخير و يحمده «١» الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن- فان قيل هذان الحديثان «٢» ينافيان ما ذكر في شأن نزول الاية- قلنا لا منافاة أصلا فان ما ذكر في شأن نزول الاية- مراده ان من عمل للّه و يريد ان يراه الناس و يحمده على عمله- او يزيد في عمله إذا راه الناس فهو من الرياء و الشرك الخفي- و اما من عمل للّه و راه الناس و؟؟؟ حمدوه فلستبشر به و هو لا يريد حمد الناس عليه و لاجراء منهم و لا يزيد في عمله لاجلهم فذلك بشره العاجل و له اجر السر و العلانية و اللّه اعلم- و عن جندب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سمّع سمّع اللّه به و من يرائى يرائ اللّه به متفق عليه و عن محمود بن لبيد ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصفر قالوا يا رسول اللّه و ما الشرك الأصفر قال الرياء- رواه احمد و زاد البيهقي في شعب الايمان يقول اللّه لهم حين يجازى للعباد بأعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءا و خيرا و عن ابى هريرة اتقوا الشرك الأصغر قالوا و ما الشرك الأصغر قال الرياء أخرجه ابن مردوية في التفسير و الاصبهانى في الترغيب و الترهيب و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى امّا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته و شركة و في رواية فلنا منه برى هو الّذي عمله- رواه مسلم و عن ابى سعيد بن ابى فضالة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا جمع اللّه الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله للّه أحدا فليطلب ثوابه من عند غير اللّه قال اللّه اغنى الشركاء عن الشرك- رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة و ابن حبان و البيهقي و عن عبد اللّه بن عمرو انه جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من سمع الناس بعلمه سمّع اللّه به مسامع خلقه و حقره و صغره- رواه احمد و البيهقي في شعب الايمان و عن شداد بن أوس قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من صلى يرائى فقد أشرك و من صام يرائى فقد أشرك و من تصدق يرائى فقد أشرك رواه احمد عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يؤتى يوم القيمة بصحف مختمة فتنصب؟؟؟ بين يدى اللّه فيقول القول هذه و اقبلوا هذه فيقول الملائكة و عزتك ما كتبتا الا ما عمل- فيقول هذا كان لغير وجهى و انى لا اقبل اليوم الا ما ابتغى به وجهى و أخرجه البزار و الطبراني في الأوسط و الدار قطنى و الاصبهانى في الترغيب و عن شهر بن عطة قال يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب و في صحيفته أمثال الجبال من الحسنات فيقول رب العزة تبارك و تعالى صليت يوم كذا ليقال صلى فلان انا اللّه لا اله الا انا لى الدين الخالص و صمت يوم كذا ليقال صام فلان انا اللّه لا اله الا انا لى الدين الخالص- (١) و في الأصل يحمد الناس. ابو محمد عفا عنه. (٢) و في الأصل هذين الحديثين- ابو محمد عفا اللّه عنه. فما يزال يمحى شي ء بعد شي ء فيقول ملكاه لغير اللّه كنت تعمل و عن شداد بن أوس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تبارك و تعالى يجمع الأولين و الآخرين ببقيع واحد منفذ البصر يسمعهم الداعي فيقول انا خير شريك فكل عمل لى في دار الدنيا كان فيه شريك فانا ادعه اليوم لشريكى و لا اقبل اليوم الا خالصا- رواه الاصبهانى و عن ابن عباس من رايا بشى من عمله و كّله اللّه اليه يوم القيامة و قال النظر هل يغنى عنك شيئا- و تأويل الاية على طريقة الصوفية فمن يرجوا لقاء اللّه يعنى وصله بلا كيف بالدنو و التدلّى حتى يكون قاب قوسين او ادنى فليعمل عملا صالحا بعد فناء النفس و ازالة رذائلها فان رذائل النفس تفسد العمل و لا تصلح العمل الا بعد فناء النفس- و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا يعنى لا يكون لقلبه تعلق علمى و لا حبى لغير اللّه تعالى- فان التعلق العلمي بالقلب هو الذكر و الذكر هو العبادة- و الحب يقتضى العبادة و المحبوب هو المعبود- فان العبادة هى غاية الذل و التواضع و المرء بذل نفسه و يتواضع فايته عند محبوبه و إنما يحصل ذلك بعد فناء القلب فان قيل العلم بغير اللّه لا ينفك عن اولياء اللّه بل عن الأنبياء ايضا- قلنا العلم بعد فناء القلب لا يكون محله القلب بل يكون قلبه مهبط لتجليات الرحمن- لكنه يتعلق بوراء ذلك المحل لبقاء ماده التكليف على مقتضى الحكمة- و اللّه اعلم- فصل عن ابى الدرداء يرويه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال رواه مسلم و احمد و ابو داؤد و النسائي و روى الترمذي عنه بلفظ من قرا ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال و قال هذا حديث حسن صحيح و روى احمد و مسلم و النسائي عنه بلفظ من قرا العشر الأواخر «١» من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال و عن سهل بن معاذ عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من قرا أول سورة الكهف و آخرها كانت له نور من قدمه الى رأسه- و من قرأها كلها كانت له نورا من الأرض الى السماء رواه البغوي و أخرجه ابن السنى في عمل اليوم و الليلة و احمد في مسنده- عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من قرا سورة الكهف عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلالا الى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم- فان كان مضجعه بمكة كان نورا يتلألأ من مضجعه الى بيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ أخرجه ابن مردوية و عن ابى سعيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (١) و عن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا. في ليلة فمن كان يرجوا لقاء ربّه الاية كان له نورا من عدن الى مكة حشوه الملائكة ١٢- ازالة الحنفاء- منه رحمه اللّه-. قال من قرا سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له النور ما بين الجمعتين- رواه الحاكم و صححه و البيهقي في الدعوات الكبير و رواه البيهقي في شعب الايمان بلفظ من قرا سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه و بين البيت العتيق- و عن البراء بن عازب قال كان رجل يقرأ سورة الكهف و الى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشه سحابة فجعلت تدور و تدنر- و جعل فرسه ينفر فلمّا أصبح اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكر ذلك له فقال تلك السكينة تنزلت بالقران متفق عليه بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه مسئله ما ورد في ان الأنبياء لا يورثون المال بيان درجة الصديق قصة إدريس و دخوله الجنة حديث اتلوا القران و ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا ما ورد في الغىّ انه نهرا و واد في جهنم ما ورد في ورود الناس كلهم في النار ثم ينجى اللّه المتقين- و في تحقيق الورود ما ورد في حشر المتقين ركبانا و حشر الكفار عطاشا مشاة على وجوههم حديث من كنت مولاه فعلىّ مولاه حديث ذكر علىّ عبادة و حبّ علىّ عبادة حديث إذا أحب اللّه عبدا قال لجبرئيل قد أحببت فلانا فاحبه الحديث. |
﴿ ٠ ﴾