٢٤

إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللّه

و اخرج ابن المنذر عن مجاهد انه قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح و عن اصحاب الكهف و ذى القرنين- فسالوه فقال ايتوني غدا أخبركم و لم يستثن فابطا عنه الوحى بضعة عشر يوما- حتى شق عليه و كذّبته قريش فانزل اللّه هذه الاية- و قد ذكر في أوائل السورة ما اخرج ابن جرير نحوه- و كذا ذكرنا في سورة بنى إسرائيل في تفسير قوله تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ و الاستثناء استثناء من النهى- اى لا تقولنّ لاجل شي ء تعزم عليه انّى فاعل ذلك الشي ء فيما يستقبل من الزمان الّا ان يشاء اللّه- يعنى لا تقولنّ في حال من الأحوال الا متلبسا بمشيته اى الّا قائلا ان شاء اللّه: او في وقت من الأوقات الا وقت مشيّته ان تقوله بمعنى الا وقت ان يأذن لك فيه- و ذلك الوقت انما هو وقت قولك ان شاء اللّه معه- و ليس الاستثناء متعلقا بقوله انّى فاعل لانه لو قال انى فاعل كذا الا ان يشاء اللّه- كان معناه الا ان يعترض مشية اللّه دون فعلى و ذلك لا مدخل فيه للنهى- و هذا نهى تأديب من اللّه لنبيه صلى اللّه عليه و سلم

وَ اذْكُرْ رَبَّكَ بالتسبيح و الاستغفار إِذا نَسِيتَ الاستثناء فيه حثّ و تأكيد على الاهتمام في إتيان الاستثناء على كل عزم- او المعنى و اذكر ربّك و عقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليعينك على التدارك- او المعنى إذا نسيت شيئا فاذكره ليذكّرك المنسى- و قال عكرمة معنى الاية و اذكر ربّك إذا غضبت قال وهب مكتوب في الإنجيل ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين اغضب و قال الضحاك و السدىّ هذا في الصلاة عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من نسى صلوة فليصلّها إذا ذكرها- رواه البغوي و في الصحيحين و عند احمد و الترمذي و النسائي بلفظ من نسى صلوة او نام عنها فكفارتها ان يصليها إذا ذكرها- و عن ابى سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من نام عن وتره او نسيه فليصله إذا ذكره- رواه احمد و الحاكم و صححه و قال ابن عباس و مجاهد و الحسن معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن- و من هاهنا جوزوا تأخير الاستثناء و لو بعد سنة ما لم يحنث أخرجه سعيد بن منصور و ابن جرير و الطبراني و الحاكم عن ابن عباس و يؤيد قولهم ما اخرج ابن مردوية عن ابن عباس انه قال لما نزل هذه الاية قال عليه السلام ان شاء اللّه و عامة الفقهاء على خلافه فان الكلام الغير المستقل إذا كان مغيرا لمعنى كلام اخر كالشرط و الاستثناء و الغاية و البدل بدل البعض لا بد ان يكون متصلا به- إذ لو صح الاستثناء و نحو ذلك منفصلا لم يتقرر اقرار و لاطلاق و لا اعتاق و لا يعلم صدق و لا كذب- حكى انه بلغ المنصور ان أبا حنيفة خالف ابن عباس رضي اللّه عنه في الاستثناء المنفصل- فاستحضره لينكر عليه فقال ابو حنيفة هذا يرجع عليك انك تأخذ البيعة بالطاعة أ فترضى ان يخرجوا من عندك فليستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه و امر الطاعن فيه بإخراجه من عنده- و ما روى من قوله صلى اللّه عليه و سلم ان شاء اللّه عند نزول هذه الاية ليس استثناء متعلقا بقوله صلى اللّه عليه و سلم و ايتوني غدا أخبركم يعنى عن اصحاب الكهف و الروح و ذى القرنين- بل هو استثناء متعلق بمقدر تقديره لا اترك الاستثناء ان شاء اللّه تعالى فيما أقول في ثانى الحال انى فاعل ذلك غدا و اللّه اعلم-

و قالت الصوفية العلية ان معنى الاية و اذكر ربّك إذا نسيت ما عداه- قالوا ذكر اللّه سبحانه دائما لا يتصوما لم يحصل لقلبه نسيان عما سواه لان قلب الإنسان يشغله شأن عن شأن و ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه- فالذكر الدائم الّذي لا يقع فيه فتور لا يتصور ما لم يحصل لقلبه نسيان دائمى عما سواه و هذه الحالة يعبّر عندهم بفناء القلب و اما الذكر الّذي يعقبه غفلة فلا يعتدون به- و القلب يذكر تارة و يغفل عنه و يذكر غيره اخرى لا يسمى عندهم موحدا- و هذا التأويل انسب بمنطوق الكتاب و أوفق للعربية و ابعد من التجوز لان قوله إذا نسيت ظرف لا ذكر و الظرفية الحقيقية ان يكون الذكر في وقت النسيان- و لا شك ان وقت الذكر مغائر لوقت النسيان على سائر التأويلات السابقة-

فلا يكون الظرفية على تلك التأويلات الا مجازا و الحمل على الحقيقة اولى- وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ قرأ نافع و ابو عمرو بالياء وصلا فقط و ابن كثير بالياء في الحالين و الباقون يحذفوها فيهما أي يهدنى

رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا المنسى رَشَداً (٢٤) اى خيرا و صلاحا عطف على اذكر- يعنى إذا نسيت الاستثناء او شيئا مما أمرك اللّه بإتيانه فاذكر اللّه بالتسبيح و الاستغفار و استعنه و قل عسى ان يهدين ربّى لشي ء اخر أفضل من هذا المنسى و اقرب منه رشدا- او ذلك الندم و التوبة و الاستغفار مع القضاء و قيل ان القوم لمّا سالوه عن قصة اصحاب الكهف على وجه العناد امره اللّه عزّ و جلّ ان يخبرهم بان اللّه سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو ادلّ من قصة اصحاب الكهف- و قد فعل حيث أتاه علم غيب المرسلين و علم ما كان و ما يكون ما هو أوضح في الحجة و اقرب الى الرشد من خبر اصحاب الكهف- و قال بعضهم هذا شي ء امر اللّه رسوله ان يقوله مع قوله ان شاء اللّه لا اترك الاستثناء ابدا إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان- يعنى إذا ترك الإنسان ان شاء اللّه ناسيا ثم ذكره فتوبته من ذلك ان يقول عسى ان يهدين ربّى لاقرب من هذا رشدا- و على تأويل الصوفية فمعنى الاية و اذكر ربّك إذا نسيت غيره و قل عسى ان يهدين ربّى اى يوصلنى لشي ء هو اقرب من هذا الذكر رشدا و هو ذات اللّه سبحانه الّذي هو اقرب من حبل الوريد.

﴿ ٢٤