|
٨٢ وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قال البغوي كان اسمهما اصرم و صويم وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما من مال كذا قال عكرمة و اخرج البخاري في تاريخه و الترمذي و الحاكم و صححه من حديث ابى الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال كان ذهبا و فضة و اخرج الطبراني عن ابى الدرداء في هذه الاية قال أحلت لهم الكنوز و حرمت عليهم الغنائم و أحلت لنا الغمائم و حرمت علينا الكنوز- قلت لعل معنى حرمت علينا الكنوز ان نكنز الذهب و الفضة و لا نؤدى زكوتها فذلك حرام علينا لقوله تعالى وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- قال ابن عبّاس و ابن عمر كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز و ان كان مدفونا و كل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز و ان لم يكن مدفونا فلعل الزكوة لم تكن واجبة على اهل تلك القرية حينئذ حتى قيل أحلت لهم الكنوز و اللّه اعلم- و قال البغوي روى عن سعيد بن جبير قال كان الكنز صحفا فيها علم و اخرج الحاكم و صححه عن ابن عباس قال ما كان ذهبا و لا فضة و لكن صحف علم- و اخرج ابن ابى حاتم عن الربيع بن انس نحوه و قال البغوي و روى عن ابن عباس انه قال كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبا لمن يوقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا كيف يطمئن إليها لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه- و في الجانب الاخر مكتوب انا اللّه لا اله الا انا وحدي لا شريك لى خلقت الخير و الشر فطوبى لمن محلقته و للخير و أجريته على يديه و ويل لن خلقته للشر و أجريته على يديه كذا اخرج البزار بسند ضعيف عن ابى ذر مرفوعا اخضر منه و أخرجه الخرائطي في قمع الحرص عن ابن عباس موقوفا و كذا اخرج ابن مردوية من حديث على مرفوعا و أخرجه البزار عن ابى ذر رفعة و قال الزجاج الكنز إذا اطلق يتصرف الى كنز المال و عند التقييد يجوز ان يقال عنده كنز علم و هذا اللوح كان جامعا لهما- وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً قيل كان اسمه كاشح و كان من الأتقياء قال البغوي قال ابن عباس حفظا بصلاح أبيهما يعنى امر اللّه الخضر لا صلاح الجدار لاجل حفظ الغلامين بصلاح أبيهما قال محمد ابن المنكدر ان اللّه يحفظ بصلاح العبد ولده و ولد ولده و عترته و عشيرته و اهل دويرات حوله في حفظ اللّه ما دام فيهم- قال سعيد بن مسيب انى أصلي فاذكر ولدي فازيد في صلاتى- و قيل كان بين الغلامين و بين الأب الصالح سبعة اباء و اخرج ابن ابى حاتم من طريق بقية عن سليمان بن سليم ابى سلمة قال مكتوب في التوراة ان اللّه ليحفظ القرن الى القرن الى سبعة قرون و ان اللّه يهلك القرن الى القرن الى سبعة قرون- و في الاية دليل على انه حق على المؤمنين السعى و الرعاية لذريّات الصلحاء مالم يصدر منهم طغيان و كفر فحينئذ يستحقون زيادة الإيذاء كما يدل عليه اية السابقة امّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا و كفرا فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما اى يبلغا الحلم و كمال الرشد و القوة قيل ثمانية عشر سنة و عندى انه أربعين سنة لقوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً- و الظاهر من مذهب ابى حنيفة رحمه اللّه انه خمسة و عشرون سنة فانه إذا بلغ السفيه خمسة و عشرين سنة دفع عنده اليه ماله و قد قال اللّه تعالى فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ... وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ منصوب على الحال من فاعل يبلغا اى يبلغا مرحومين من ربّك او على المصدرية او العلية فان ارادة الخير رحمة و قيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربّك- قال البيضاوي لعل اسناد الارادة اولا الى نفسه يعنى في قوله أردت ان أعيبها لانه هو المباشرة للتعييب و ثانيا الى اللّه و الى نفسه يعنى في قوله أردنا ان يّبدلهما ربّهما خير منه زكوة لان التبديل باهلاك الغلام و إيجاد اللّه بدله- و ثالثا الى اللّه وحده يعنى في هذه الاية لانه لا مدخل له في بلوغ الغلامين- او لان الاول في نفسه شر و الثالث خير و الثاني ممتزج- او لاختلاف حال العارف في الالتفات الى الوسائط وَ ما فَعَلْتُهُ اى ما رأيت منى من خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار عَنْ أَمْرِي اى عن رأى انما فعلته بامر اللّه عزّ و جلّ و علا ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ حذفت تاء الاستفعال تخفيفا و المعنى مالم تطق عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢) قال البغوي روى ان موسى لما أراد ان يفارقه قال له أوصني- قال لا تطلب العلم لتحدث به و اطلبه لتعمل به- قال البيضاوي و من فوائد هذه القصة ان لا يعجب المرء بعلمه و لا يبادر الى انكار مالا يستحسنه فلعل فيه سرّا لا يعرفه- قلت لا سيما إذا كان الرجل الّذي راى منه ما لا يستحسنه ذا علم و ديانة و انقاء فبالحرى اى لا ينكر عليه كما ذكرنا آنفا- و ان يداوم على التعلّم و يتذلل للمعلم و يراعى الأدب في المقال و ان ينبه المجرم على جرمه و يعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه قال البغوي اختلف الناس في ان الخضر عليه السلام حىّ أم ميت- قيل ان الخضر و الياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم و كان سبب حياته فيما يحكى به انه شرب من عين الحيوة و ذلك ان ذا القرنين دخل الظلمه لطلب عين الحيوة و كان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل فاغتسل و شرب و صلى شكر اللّه تعالى و اخطأ ذو القرنين الطريق فعاد و ذهب الآخرون الى انه مات لقول اللّه تعالى وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ- و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد ما صلى العشاء ليلة اريتكم ليلتكم هذه فان على راس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم حى على ظهر الأرض أحد قلت ذكر صاحب الحصين في التعزية ما روى الحاكم في المستدرك عن انس انه لما توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل رجل اشهب اللحية جسم صبيح فتخطار قابهم فبكى ثم التفت الى الصحابة رضي اللّه عنهم فقال ان للّه عزاء من كل مصيبة و عوضا من كل فائت و خلفا من كل هالك فالى اللّه فانيبوا و اليه فارغبوا و نظره إليكم في البلاء فانظروا فانما المصاب من لم يجبر. و انصرف فقال أبو بكر و علىّ هذا الخضر - و قد اشتهر عن اولياء اللّه ملاقاتهم و استفاداتهم عن الخضر عليه السلام فهذا دليل على حياته- و الظاهر ان الخضر عليه السلام لو كان حيّا في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم ما اعتزل عن صحبته فانه كان مبعوثا الى الناس كافة- و لهذا قال عليه السلام لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعى- رواه احمد و البيهقي في شعب الايمان في حديث جابر و سينزل عيسى بن مريم و يقتدى برجل من المسلمين- كذا روى مسلم في حديث عن ابى هريرة عن جابر و لا يمكن حل هذا الاشكال الّا بكلام المجد للالف الثاني رضي اللّه عنه فانه حين سئل عن حيوة الخضر عليه السلام و وفاته توجه الى اللّه سبحانه مستعلما من جنابه عن هذا الأمر- فراى الخضر عليه السلام حاضرا عنده فساله عن حاله فقال انا و الياس لسنا من الاحياء لكن اللّه سبحانه اعطى لارواحنا قوة نتجسد بها و نفعل بها افعال الاحياء من ارشاد الضال و اغاثة الملهوف إذا شاء اللّه و تعليم العلم اللدني و إعطاء النسبة لمن شاء اللّه تعالى- و جعلنا اللّه تعالى معينا للقطب المدار من اولياء اللّه تعالى الّذي جعله اللّه تعالى مدارا للعالم جعل بقاء العالم ببركة وجوده و إفاضته- و قال الخضران القطب في هذا الزمان في ديار اليمن متبع للشافعى في الفقه- قال فنحن نصلى مع القطب صلوة على مذهب الشافعي فبهذا الكشف الصحيح اجتمع الأقوال و ذهب الاشكال و الحمد للّه الكبير المتعال-. |
﴿ ٨٢ ﴾