١٨

أَنَّ اللّه يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملئكة وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ من الانس و الجن يعنى المؤمنين منهم و كلمة من و ان كان يعم المؤمن و الكافر لكن خص منه الكافر بكلام مستقل و هو قوله تعالى و كثير حق عليهم العذاب فبقى المؤمنون مراد او انما فسرت هكذا لان كلمة من لذوى العقول و لما عطف عليه قوله وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ فان حقيقة العطف للمغائرة و حمل البيضاوي كلمة من على العموم و قال من يجوز ان تعم اولى العقل و غيرهم او على التغلب و قال اكثر المحققين ان من لا يعبر به عن غير الناطقين الا إذا جمع بينهم و بين غيرهم فعلى تقدير ارادة العموم قوله و الشمس إلخ من قبيل عطف الخاص على العام أفردها بالذكر لشهرتها و استبعاد ذلك منها و المراد بالسجود عند المحدثين و العلماء المتقدمين الطاعة الاختيارية فان الجمادات و ان كانت أمواتا عندنا لكن لها حيوة ما و هى مطيعة طاعة اختيارية للّه تعالى قال اللّه تعالى قالتا اتينا طائعين و قال في وصف الحجارة و ان منها لما يهبط من خشية اللّه و قال و ان من شي ء الا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الجبل ينادى الجبل يا فلان هل مرّ بك أحد يذكر اللّه رواه الطبراني من حديث ابن مسعود

قال البغوي هذا مذهب حسن موافق لقول اهل السنة وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مبتدأ وَ كَثِيرٌ نكرير للاول تأكيدا و مبالغة في الكثرة و خبره حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ لعدم انخراطهم في الساجدين فهذا لجملة مخصصة بكلمة من مخرجة للكافرين من ان يرادوا بها و قيل كلمة من في قوله تعالى من في الأرض بمعنى ما للعموم و المراد بالسجود كون الممكنات كلها متسخرة لقدرته غير آبية عن تدبيره دالة بذواتها على عظمة تدبرها و قوله و كثير من الناس مبتدأ خبره محذوف دل عليه خبر قسيمه يعنى حق لهم الثواب او فاعل لفعل محذوف تقديره و يسجد له سجود طاعة اى بوضع الجبهة على الأرض كثير من الناس و على التقديرين قوله كثير من الناس جملة مستانفة و قوله كثير حق عليهم العذاب مستانفة اخرى و من قال بجواز عموم المشترك يعنى استعمال لفظ واحد مشترك في المعنيين في كل واحد من مفهوميه معا و اسناده باعتبار أحد المعنيين الى امر و باعتبار المعنى الآخر الى امر آخر قالوا قوله و كثير من الناس مفرد معطوف على ما سبق و المعنى يسجد له سجود التسخر جميع الكائنات و سجودا الطاعة كثير من الناس و كثير حق عليهم العذاب لاجل ابائهم عن سجود الطاعة جملة مستانفة و جاز ان يكون مفردا معطوفا على الساجدين بالمعنى الأعم موصوفا بقوله حق عليهم العذاب وَ مَنْ يُهِنِ اللّه مبتدأ فيه معنى الشرط و خبره المتضمن بمعنى الجزاء قوله فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ يعنى من يهينه اللّه بالشقاوة لا يكرمه أحد بالسعادة هذه الحملة معطوفة على الاسمية السابقة او حال إِنَّ اللّه يَفْعَلُ ما يَشاءُ من الإكرام و الاهانة و السعادة و الشقاوة مختصان بمشية اللّه تعالى.

﴿ ١٨