٢٥

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّه اى يمنعون الناس من ان يدخلوا في دين الإسلام لا يريد بالمضارع حالا و لا استقبالا و انما يريد استمرار الصدّ كقولهم فلان يعطى و يمنع و لذلك حسن عطفه على الماضي و قيل هو حال من فاعل كفروا و خبر ان محذوف دل عليه اخر الآية ان نذقه من عذاب اليم وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ عطف على سبيل اللّه او على اسم اللّه و المراد بالمسجد الحرام المسجد خاصة عند الشافعي و عند ابى حنيفة رحمه اللّه الحرم كله كما في قوله تعالى سبحان الّذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام على ما قيل ان الاسراء من بيت أم هانى اطلق المسجد على الحرم كله لان الغرض الأصلي من عمران مكة اقام الصلاة قال اللّه تعالى حكاية لقول ابراهيم عليه السلام رب انى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى ذرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة و قد فسر الشافعي رحمه اللّه المسجد الحرام في قوله تعالى انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا بالحرم حيث قال يمنع الكفار مطلقا عن دخول الحرم بهذه الآية و قد ذكرنا الكلام عليه في سورة التوبة و يؤيد ارادة الحرم قوله تعالى الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ قرأ ابن كثير بإثبات الياء في الحالين و ورش و أبو بكر في الوصل فقط

و قرا حفص سواء بالنصب على انه مفعول ثان لجعلنا و للناس ظرف لغو او حال من الضمير المستكن في للناس و للناس مفعول ثان و العاكف مرفوع به

و قرا الباقون سواء بالرفع على ان العاكف مبتدأ و سواء خبره مقدم عليه او سواء مبتدأ من قبيل الصفة و العاكف فاعل له و الجملة مفعول ثان لجعلناه و للناس حال من الهاء او ظرف لغو و جاز ان يكون للناس مفعولا ثانيا و الجملة بيان لما سبق يعنى جعلناه للناس بحيث مستوفيه المقيم و البادي اى المسافر المنسوب الى البدو و قال في القاموس البدو و البادية و البداوة و البداة خلاف الحضر يعنى ليس أحدا حق بالمنزل فيه من غيره فمن سبق الى مكان منه لا يجوز لغيره ان يزعجه كذا قال ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة و ابن زيد قالوهما سواء في البيوت و المنازل و قال عبد الرحمن بن سابط كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من اهل مكة بأحق بمنزله منهم و كان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه ينهى الناس ان يغلقوا أبوابهم في الموسم كذا

قال البغوي قلت روى اثر عمر عبد الرحمن بن عبد بن حميد عن نافع عن ابن عمر عنه و عن عمر بن الخطاب ان رجلا قال له عند المروة يا امير المؤمنين اقطع مكانا لى فاعقب «١» و اعرض عنه و قال هو حرم اللّه سواء العاكف فيه و الباد (ازالة الخفا) و قال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد ان عمر قال يا اهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء و قال عبد الرزاق عن ابن جريح كان عطا ينهى عن الكراء في الحرم و أخبرني ان عمر نهى ان يبوب دور مكة

(١) هكذا في الأصل و لعله تصحيف و الصواب فاعقب و اعرض- ١٢ مصحح سيّد حسن عفى عنه.

لان الحاج في عرصاتها فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو و اعتذر لذلك لعمر

فان قيل صح عن عمر انه اشترى دارا بمكة للسجن باربعة آلاف درهم رواه البيهقي و كذا روى البيهقي عن ابن الزبير انه اشترى حجرة سورة و عن حكيم بن خرام انه باع دار الندوة و عن عمر انه اشترى الدور من أهلها حتى وسع المسجد و كذلك عن عثمان قال و كان الصحابة في رباط متوافرين و لم ينقل انكار ذلك قلت يحمل تلك الآثار على بيع بنائها فان البناء ملك للبانى لا محالة و انما المنهي بيع الأرض و من هاهنا قال ابو حنيفة و احمد في أصح الروايتين عنه لا يجوز بيع رباع مكة و لا اجارة دورها فان ارض الحرم عتيق غير مملوك لاحد قال اللّه تعالى ثم محلها الى البيت العتيق و لا شك ان المراد بالبيت العتيق ارض الحرم كله لاختصاص ارض الحرم بذبح الهدايا و القول بان المعنى ثم محلها الى مكان يقرب منه البيت العتيق تكلف و تقديره بلا ضرورة و كذا قال مالك لكن مبنى قوله ان مكة فتحت عنوة و كل بلدة فتحت عنوة فهى وقف لا يجوز بيع اراضيها و قال الشافعي بيع دود مكة و إجارتها جائزة و هى مملوكة لاهلها و به قال الحسن و طاؤس و عمرو بن دينار و جماعة و المراد بالمسجد الحرام في الآية نفسه و معنى الآية جعلناه للناس قبلة لصلواتهم و منسكا متعبدا بحيث مستوفيه العاكف و البادي في تعظيم الكعبة و فضل الصلاة في المسجد الحرام و الطواف بالبيت

قلنا سياق الآية يقتضى اختصاص تسوية العاكف و البادي بالمسجد الحرام مع ان المساجد كلها بهذه المثابة العاكف و البادي في جميع المساجد سواء يجب على كل أحد تعظيم كل مسجد و كل مسجد يستوى فيه ثواب الصلاة و الطاعة لجميع الناس لا يختلف باختلاف الحضر و السفر

قال البغوي قال مجاهد و جماعة مثل ما قال الشافعي قلت بل المروي عن مجاهد مثل قول ابى حنيفة رح روى الطحاوي من طريق ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد انه قال مكة مباح لا يحل بيع رباعها و لا اجارة بيوتها و

روى عبد الرزاق من طريق ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر لا يحل بيع بيوت مكة و لا إجارتها و من الحجة لقولنا هذا ما رواه محمد في كتاب الآثار أخبرنا ابو حنيفة عن عبد اللّه بن ابى زياد عن ابى نجيح عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه حرم مكة فحرام بيع رباعها و أكل ثمنها و كذا روى ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن ابى حنيفة بذلك السند مرفوعا بلفظ مكة حرام و حرام رباعها حرام أحر بيوتها

فان قيل قال الدار قطنى و هم فيه ابو حنيفة رح و الصحيح انه موقوف دعوى الوهم على ابى حنيفة رح شهادة على النفي فلا يقبل و هو ثقة و الرفع من الثقة مقبولة و روى محمد بذلك السند مرفوعا من أكل من أجور بيوت مكة شيئا فانما يأكل نارا و رواه الدار قطنى بسنده عن اسمعيل بن ابراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عبد اللّه بن باباه عن عبد بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مكة مباح لا يباع رباعها و لا يوجر بيوتها قلت اسمعيل بن ابراهيم ضعفه يحيى و النسائي و أبوه ابراهيم بن مهاجر ب ن جابر البجلي ضعفه البخاري و قال ابو حاتم منكر الحديث و قال ابن المديني و النسائي ليس بالقوى لكن قال سفيان و احمد و يحيى بن معين و ابن مهدى لا بأس به و قال أبو بكر البيهقي الصحيح ان هذا الحديث موقوف و روى ابن الجوزي بسنده عن سعيد بن منصور قال حدثنا ابو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان مكة حرام حرمها اللّه عزّ و جلّ لا يحل بيع رباعها و لا اجر بيوتها و هذا مرسل و المرسل عندنا حجة احتج الخصم بقوله تعالى الذين اخرجوا من ديارهم و قوله صلى اللّه عليه و سلم من دخل دار ابى سفيان فهو آمن قاله يوم فتح مكة وجه الاحتجاج ان الاضافة تدل على الملك قالوا و لو كانت الدور غير مملوكة لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج عنها و الجواب ان الاضافة للسكنى او للبناء يقال مسجد النبي صلى اللّه عليه و سلم و مسجد بنى فلان و كون الإخراج ظلما لا يدل على انهم اخرجوا عن ديار مملوكة لهم لتحقق الظلم بإخراجهم عن المسجد الحرام الّذي جعل اللّه للناس كلهم فيه سواء و من اظلم ممن منع مساجد اللّه ان يذكر فيها اسمه و سعى في خرابها و أقوى حججهم في الباب حديث اسامة بن زيد قال قلت يا رسول اللّه اين تنزل غذا في حجته فقال هل ترك عقيل منزلا قال نحن نازلون غدا إنشاء اللّه نجيف بنى كنانه ثم قال لا يرث الكافر المسلم و لا المسلم الكافر متفق عليه و روى ابن الجوزي هذا الحديث قال اسامة يا رسول اللّه أ تنزل دارك بمكة قال و هل ترك عقيل من رباع او دور قال الزهري و كان عقيل ورث أبا طالب هو و طالب و لم يرثه جعفر و لا علىّ شيئا كانا مسلمين و كان عقيل و طالب كافرين يعنى حتى مات ابو طالب قال الحافظ و في رواية محمد بن ابى حفصه قال في آخره و يقال ان الدار الّتي أشار إليها النبي صلى اللّه عليه و سلم كانت دار هاشم بن عبد مناف ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين ولده حين عمّر ثم صار للنبى صلى اللّه عليه و سلم حق أبيه عبد اللّه و فيها ولد النبي صلى اللّه عليه و سلم و ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما هاجر استولى عقيل و طالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما و باعتبار ترك النبي صلى اللّه عليه و سلم حقه منها بالهجرة و قتل طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها و روى الفاكهاني ان عقيلا لم يبع الدار و قال ان الدار لم يزل بيد أولاد عقيل الى ان باعوا لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بمأته الف دينار و الجواب ان بيع عقيل الدار كافر الا يكون حجة على جواز البيع و تاويل الحديث عندى ان الدار لعلها كانت مشغولة بحوائج عقيل ان لم يبع و بحوائج المشترى ان باع فالنبى صلى اللّه عليه و سلم لم يجدها خالية يسكن فيها و لذا قال و هل ترك لنا عقيل منزلا اى منزلا خاليا فحينئذ قول الراوي كان عقيل ورث أبا طالب و شبهه مبنى على زعمه و قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يرث الكافر المؤمن و لا المؤمن الكافر لعله واقعة حال آخر فضم الراوي الحديثين زعما منه ان قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يرث الكافر المؤمن و لا المؤمن الكافر هو الباعث على قوله صلى اللّه عليه و سلم و هل ترك لنا عقيل منزلا فحينئذ قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يرث الكافر المؤمن و لا المؤمن الكافر كلام مستانف فلا حجة في الحديث على كون رباع مكة مملوكة و لو سلمنا ان الحديث تدل على كون رباع مكة جائز البيع فنقول ان ما ذكرنا من الأحاديث الّتي تدل على حرمة بيعها نص في الحرمة يدل بالعبارة و هذا الحديث يدل على اباحة البيع بالاشارة فدلالة ما روينا اولى أقوى ثم لو سلمنا التعارض فعند التعارض يجب تقديم المحرم على المبيح و لذلك قال ابو حنيفة بالكراهة تحريما على أصله و لو كان حصة عبد اللّه للنبى صلى اللّه عليه و سلم فلا يتصور ان يصل تلك الحصة الى عقيل الا بالاستيلاء كما هو مذهب ابى حنيفة ان الكافر يملك مال المسلم بالاستيلاء و لم يقل به الشافعي و لو ملك بالاستيلاء فلا معنى لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في هذا الحديث لا يرث الكافر المؤمن و لا المؤمن الكافر و لو كانت كلها لابى طالب فلا يتصور كونها للنبى صلى اللّه عليه و سلم و لو فرضنا كون ابى طالب مسلما لانه صلى اللّه عليه و سلم لم يكن من ورثة ابى طالب فعلى كل من التقادير يجب صرف قوله صلى اللّه عليه و سلم هل ترك لنا عقيل منزلا عن ظاهره فما ذكرت من التأويل اولى و كيف لا يكون التأويل ما ذكرت فانا لو سلمنا ان عليا و جعفر الم يرثا أبا طالب و انما ورثه عقيل فالنبى صلى اللّه عليه و سلم كان له ان ينزل في على و جعفر عارية كما كان له ان ينزل في ملك عقيل عارية وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ اى في المسجد الحرام سواء كان المراد منه المسجد او الحرم كله على القولين بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ و قيل الحاد في محل النصب على المفعولية و الباء زائدة كما قوله تعالى تنبت بالدهن و قول الأعمش ضمنت برزق عيالنا ارماحنا و بظلم ظرف لغو متعلق بيرد او ظرف مستقر صفة لالحاد او حال من فاعل يرد و قيل مفعول يرد محذوف يتناول كل متناول تقديره من يرد قولا او فعلا فعلى هذا قوله بإلحاد بظلم حالان مترادفان او الثاني بدل من الاول باعادة الجار او صلة له اى يلحد بسبب الظلم اى بان ارتكب منهيا و لو شتم الخادم نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ جواب لمن روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابغض الناس الى اللّه ثلثة ملحد في الحرم و مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية و مطلب دم امرأ بغير حق ليهريق دمه و روى الترمذي و الحاكم و صححه و البيهقي في المدخل و رزين في كتابه عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ستة لعنتهم لعنهم اللّه و كل نبى مجاب الزائد في كتاب و المكذب بقدر اللّه و المتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل اللّه و يذل بذلك من أعز اللّه و المستحل لحرم اللّه و المستحل من عترتى ما حرم اللّه و التارك لسنتى و روى الحاكم عن على مرفوعا نحوه و هذان الحديثان يشعر ان بان المراد بالمسجد الحرام الحرم فان استحلال الحرم و الإلحاد فيه حرام مسجدا كان او غيره و الإلحاد في اللغة الميل و العدول عن قصد السبيل و المراد هاهنا على قول مجاهد و قتادة هو الشرك و عبادة غير اللّه و قال قوم هو كل شي ء كان منهيا عنه من قول او فعل حتى شتم الخادم و قال عطاء هو دخول الحرم غير محرم او ارتكاب شي ء من محظورات الحرم من قتل صيد او قطع شجر و قال ابن عباس هو ان تقتل فيه من لا يقتلك او تظلم فيه من لا يظلمك و هذا معنى قول الضحاك و عن مجاهد تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات و قال حبيب بن ابى ثابت احتكار الطعام بمكة و قال عبد اللّه بن مسعود في قوله من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم قالوا ان رجلا همّ بخطيئة لم يكتب عليه ما لم يعملها و لو ان رجلاهمّ بقتل رجل بمكة و هو بعدن او ببلد اخر اذاقه اللّه من عذاب اليم قال السدى الا ان يتوب و روى عن عبد اللّه بن عمر و انه كان له فسطاطان أحدهما في الحل و الآخر في الحرم فاذا أراد ان يعاتب اهله عاتبهم في الآخر فسئل عن ذلك فقال كنا نحدث ان من الإلحاد فيه ان يقول الرجل كلا و اللّه و بلى و اللّه.

﴿ ٢٥