١٠

وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ يا امة محمّد وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللّه تَوَّابٌ يعود بالرحمة على من يرجع من المعاصي بالندم و الاستغفار حكيم (١٠) فيما فرض عليكم من الحدود و في غيرها جواب لو لا محذوف لتعظيمه اى لفضحكم و عاجلكم بالعقوبة و اللّه اعلم اخرج الشيخان و غيرهما عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير و سعيد بن المسيب و علقمة بن وقاص و عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود عن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم حين قال لها اهل الافك ما قالوا فبرّاها اللّه مما قالوا و كلّ حدثنى طائفة من الحديث و بعض حديثهم يصدق بعضا و ان كان بعضهم اوعى له من بعض- الّذي حدثنى عروة ان عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا أراد سفرا اقرع بين نسائه فايّتهن خرج سهمها خرج بها فاقرع بيننا في غزوة «١» غزاها فخرج سهمى فخرجت و ذلك بعد ما نزل الحجاب فكنت احمل في هودجى و انزل فيه- فسرنا حتى إذا فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من غزوته تلك و قفل دنونا من المدينة قافلين اذن ليلة بالرحيل فقمت فمشيت حتى جاوزت الجيش- فلمّا قضيت شأنى أقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد من جزع اظفار «٢» قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فجسنى ابتغاؤه

(١) هى غزوة بنى المصطلق في السنة السادسة- الفقير الدهلوي-.

(٢) الأظفار جنس من الطيب لا واحد له من لفظه و قيل واحده ظفر و قيل هو من العطر اسود و القطعة منه شبهة بالظفر و جزع اظفار هكذا روى و أريد به العطر المذكور كان يؤخذ و يثقب و يجعل في العقد و القلادة- و الصحيح في الروايات انه من جزع ظفار بوزن قطام و هى اسم مدينة لحمير باليمن- و الجزع ظفار الخرز اليماني- نهاية- حاصل انكه جزع ظفار ظفار الطيبة يعنى و جزع اظفار عقيق يمانى- ١٢ منه رحمه اللّه-.

و اقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لى فحملوا هودجى فرحلوه على بعيري الّذي اركب عليه و هم يحسبون انى فيه- و كان النساء إذ ذك خفافا لم يهبلن و لم يغشهن اللحم انما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رحلوه و رفعوه و كنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل و ساروا- و وجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم و ليس بها داع و لا مجيب فتيمت منزلى الّذي كنت فيه فظننت ان القوم سيفقدونى فيرجعون الىّ- فبينما انا جالسة في منزلى غلبتنى عينى فنمت- و كان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى قد عرس وراء الجيش فادلج فاصبح عند منزلى فراى سواد انسان نائم فعرفنى حين راتى و كان رانى قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى فخمرت وجهى بجلبابي- و اللّه ما كلمنى كلمة و لا سمعت منه كلمة غير استرجاعه و قد أناخ راحلته فوطى على يدها فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى اتينا الجيش بعد ما نزلوا موعرين «١» فى نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأنى و كان الّذي تولّى كبر الافك عبد اللّه بن أبيّ بن سلول فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا و الناس يفيضون في قول اهل الافك و لا أشعر بشي ء من ذلك- و هو يريبنى في وجعي ان لا اعرف من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللطف الّذي كنت ارى منه حين اشتكى انما يدخل علّى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيسلم ثم يقول كيف يتكم ثم ينصرف فذلك يريبنى و لا أشعر بالسرّ حتى خرجت حين نقهت فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع و كان متبرزنا و كنا لا نخرج الا ليلا و ذلك قبل ان يتخذ الكنف قريبا من بيوتنا و أمرنا امر العرب الاول في البرية قبل الغائط فكنا نتاذّى بالكنف ان نتخذها عند بيوتنا- قالت فانطلقت انا و أم مسطح (و هى ابنة ابى دهم بن عبد مناف

(١) و في الصحيح للبخارى رحمه اللّه موغرين بالغين المعجمة لا بالعين المهملة قال في مجمع البحار موغرين من و غرت الهاجرة و أوغر الرجل دخل في ذلك الوقت و وغر صدره إذا اغتاظ او حمى و اوغره غيره قال و روى موعرين بعين مهملة على ضعف انتهى الفقير الدهلوي-.

و أمها بنت صخر بن عامر خالة ابى بكر الصديق و ابنها مسطح بن اثاثة) فاقبلت انا و أم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا- فعثرت أم مسطح في من طها قبل المناصع فقالت تعس «١» مسطح فقلت لها بئس ما قلت ا تسبين رجلا شهد بدرا قالت ابى بنتاه الم تسمعى ما قال قلت ما ذا قال فاخبرتنى بقول اهل الافك فازددت مرضا الى مرضى- فلما رجعت الى بيتي و دخل علّى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسلم ثم قال كيف تيكم قلت أ تأذن لى ان اتى ابوىّ- و انا أريد ان أتيقن الخبر من قبلهما فاذن لى فجئت أبوي و قلت لامّى يا أماه ماذا يتحدث الناس- فقالت يا بنية هونى عليك فو اللّه لقل ما كانت امراة قط وضيئة عند رجل يحبها و لها ضرائر الا أكثرن عليها قلت سبحان اللّه و قد تحدث الناس بهذا فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لايرقألى دمع و لا اكتحل بنوم ثم أصبحت ابكى- و دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم علىّ بن ابى طالب و اسامة بن زيد حسين استلبث الوحى يستشيرهما في فراق اهله- فامّا اسامة فاشار عليه بالذي يعلم من براءة اهله و في رواية و بالذي يعلم بهم في نفسه من الود فقال اسامة يا رسول اللّه «٢» أهلك و لا نعلم الا خيرا- و اما علىّ فقال لم يضيق اللّه عليك و النساء سواها كثيرة و ان تسئل الجارية تصدقك- فدعا بريرة فقال اى بريرة هل رأيت من شي ء يربيك من عائشة قالت له بريرة و الّذي بعثك بالحق ما رايت عليها امرا قط أغمصه عليها اكثر من انها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتاكله قالت فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على المنبر فاستعذر «٣» من عبد اللّه بن أبيّ فقال يا معشر المسلمين من يعذرنى «٤» من رجل قد بلغني أذاه في اهل بيتي فو اللّه ما علمت على أهلي الا خيرا و لقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا و ما يدخل على أهلي الا معى قالت فقام سعد بن معاذ رضى اللّه عنه (أخو بنى عبد الأشهل) يا رسول اللّه انا عذرك «٥»

(١) فى مجمع البحار تعس مسطح اى عثروا نكب لوجهه هو بفتح عين و كسرها انتهى الفقير الدهلوي-.

(٢) أهلك بالنصب اى امسك أهلك او بالرفع اى هم أهلك- الفقير الدهلوي-.

(٣) فاستعذر. [.....].

(٤) من يعذرنى من رجل.

(٥) انا أعذرك- يعنى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من بقوم يعذرى ان كافاته على سوء صنيعه فلا يلومنى فقال سعد انا- نهاية منه رحمه اللّه تعالى-.

فان كان من الأوس اضرب عنقه و ان كان من إخواننا من الخزرج امرتنا ففعلنا أمرك- قالت و قام رجل من الخزرج و كانت أم حسان بنت عمه من فخذه و هو سعد بن عبادة و هو سيد الخزرج- قالت و كان قبل ذلك رجلا صالحا و لكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر «١» اللّه لا تقتله و لا تقدر على قتله و لو كان من أهلك ما احسب ان تقتله- فقام أسيد بن حضير و هو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر اللّه لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين- فثار الحيان الأوس و الخزرج حتى هموا ان يقتتلوا و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قائم على المنبر- قالت فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخفضهم حتى سكتوا و سكت- قالت فبكيت يومى ذلك لا يرقألى دمع ثم بكيت تلك الليلة لا يرقألى دمع و لا اكتحل بنوم و أبواي يظنان ان البكاء فالق كبدى- فبينماهما جالسان عندى و انا ابكى استأذنت علىّ امراة من الأنصار فاذنت لها فجل ست تبكى معى- ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسلم ثم جلس قالت و لم يجلس عندى منذ قيل لى ما قيل قبلها و قد لبث شهرا لا يوحى اليه في شأنى شي ء- قالت فتشهد ثم قال اما بعد يا عائشة فانه قد بلغني عنك كذا و كذا فان كنت بريّة فسيبرئك اللّه و ان كنت ألممت بذنب فاستغفرى اللّه ثم توبى اليه فان العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب اللّه عليه- فلما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس منه قطرة فقلت لالى أجب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما قال فقال و اللّه ما أدرى ما أقول فقلت لامى أجيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت و اللّه ما أدرى ما أقول فقلت (و انا جارية حديثة السن لا اقرأ كثيرا من القرآن) و اللّه لقد عرفت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم و صدقتم به و لئن قلت لكم انى بريّة و اللّه يعلم انى برية لا تصدقونى و لان اعترفت لكم بامر و اللّه يعلم انى منه بريّة لتصدقونى و اللّه لا أجد لى و لكم مثلا الا كما قال ابو يوسف فصبر جميل و اللّه المستعان على ما تصفون

(١) لعمر اللّه قال القسطلاني هو بفتح العين اى و بقاء اللّه انتهى الفقير الدهلوي.

ثم تحولت فاضطجعت على فراشى- قالت و انا حينئذ اعلم انى بريّة و ان اللّه مبرئنى ببراءتي و لكن ما كنت أظن ان اللّه منزل في شأنى وحيا يتلى و لشأنى في نفسى كان احقر من ان يتكلم اللّه فيّ بامر يتلى و لكن أرجو ان يرى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في النوم رويا يبرئنى اللّه بها- فو اللّه ما رام «١» رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مجلسه و لا خرج من اهل البيت أحد حتى انزل اللّه على نبيه فاخذه ما كان يأخذه من برحاء الوحي حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات من ثقل القول الّذي ينزل عليه- فلمّا سرى عنه سرى عنه و هو يضحك و كان أول كلمة تكلم بها ان قال أبشري يا عائشة اما اللّه فقد براك- فقالت لى أمي قومى اليه فقلت و اللّه لا أقوم اليه و لا احمد الا اللّه و هو الّذي انزل براءتي- و انزل اللّه.

(١) ما رام اى ما فارق مجلسه- قسطلانى- الفقير الدهلوي.

﴿ ١٠