سُورَةُ الشُّعَرَاءِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَتَانِ وَسَبْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً‏‏

مكيّة الّا اربع آيات من اخر السّورة من قوله و الشّعراء يتّبعهم الغاوون و هى مائتان و سبع و عشرون اية روى الحاكم فى المستدرك عن معقل بن يسار قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعطيت طه و الطواسين و الحواميم من الواح موسى ربّ يسّر و تمّم بالخير

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

طسم قرا حمزة «و خلف- ابو محمد» و الكسائي و ابو بكر هاهنا و فى القصص و النمل بامالة الطاء و اهل المدينة بين بين و الباقون بالفتح و اظهر النون عند الميم هاهنا و فى القصص ابو «١» جعفر و حمزة «بل قرا هل المدينة بابا الفتح ابو محمد» و ادعمها الباقون-

قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس انه قال طسمّ عجزت العلماء عن تفسيرها و روى على بن طلحة الوالبي عن ابن عباس انه قسم و هو اسم من اسماء اللّه عز و جل و قال قتادة اسم من اسماء القران

و قال مجاهد اسم للسورة و قال محمد بن كعب القرظي اقسم اللّه بطوله و سنانه و مجده و الحق انه رمز بين اللّه و بين رسوله.

(١) قرا ابو جعفر بالسكت على المقطعات فى جميع القران و الا لمار فى السكت لازم. ابو محمد عفا اللّه عنه.

٢

تِلْكَ اشارة الى السورة او القران آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ الظاهر اعجازه و صحته او المظهر للاحكام و سبيل الهدى.

٣

لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ اى قاتل نفسك غمّا يقال بخع نفسه كمنع قتلها غمّا و اصل البخع ان يبلغ الذبح البخاع بالفتح و هو عرق فى الصلب و يجرى فى أعظم الرقبة و ذلك حد الذبح و هو غير النخاع بالنون فيما زعم الزمخشري ثم استعمل فى كل مبالغة أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ اى لئلا يومنوا او كراهة الا يكونوا مومنين نزلت هذه الاية حين كذّبه اهل مكة و شق ذلك عليه لما كان يحرص على ايمانهم و جاز ان يكون شدة غمه صلى اللّه و سلم على عد ايمانهم خوفا من اللّه تعالى ان يعاقب لاجل انكار قومه فهذه الاية تسلية للنبى صلى اللّه عليه و سلم و كلمة لعل للترجى و هاهنا للاشفاق يعنى اشفق على نفسك و لا تغتم فانّك ان تغنم فلعلك تقتل نفسك غمّا فانا لم نشأ ايمانهم فانه.

٤

إِنْ نَشَأْ ايمانهم نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً اى دالة ملجئة الى الايمان او بلية قاصرة عليه فَظَلَّتْ عطف على تنزل و معناه فنظل أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ او منقادين قال قتادة لو شاء اللّه لانزل عليهم اية يذلّون بها فلا يلوى أحد منهم بعده معصية لا نزول عليهم و قال ابن جريح معناه لو شاء اللّه لانزل بهم امرا من أموره لا يعمل أحد منهم بعده معصية أورد خاضعين موضع خاضعة لوفاق رؤس الاى و قيل أصله فظلوا لها خاضعين فزيدت الأعناق مقحما لبيان موضع الخضوع و ترك الخبر على أصله و قيل أصله ظلت اصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف الاصحاب و اقام الأعناق مقامهم لان الأعناق إذا خضعت فاربابها خاضعون فجعل الفعل اولا للاعناق ثم جعل خاضعين للرجال و قال الأخفش رد الخضوع على المضمر الّذى أضاف الأعناق اليه و قيل لما وصفت الأعناق بالخضوع و هو من صفات العقلاء أجريت مجراهم و قال قوم ذكر الصفة لمجاورتها المذكر و هو قوله هم على عادة العرب فى تذكير المؤنث إذا أضافوه الى المذكر و تأنيث المذكر إذا أضافوه الى المؤنث و قيل أراد بالعنق جميع البدن كما فى قوله تعالى ذلك بما قدّمت يداك و ألزمناه طائره فى عنقه و المعنى فظلوا خاضعين

و قال مجاهد أراد بالأعناق الرؤساء الكبراء و المعنى فظلت كبراؤهم لها خاضعين و قيل أراد بالأعناق الجماعات يقال جاء القوم عنقا عنقا اى جماعات و طوائف.

٥

وَ ما يَأْتِيهِمْ اى كفار مكة عطف على مضمون جملة سابقة او حال مِنْ ذِكْرٍ موعظة او طائفة من القران يذكر اللّه سبحانه من زائدة فى محل الرفع مِنَ الرَّحْمنِ من الابتداء صفة للذكر اى منزل منه على نبيه مُحْدَثٍ انزاله و ان كان قديما فى الوجود إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ استثناء مفرغ حال من الضمير المنصوب فى يأتيهم او المرفوع يعنى ما يأتيهم فى حال الا فى حال اعراضهم عن الايمان به.

٦

فَقَدْ كَذَّبُوا بالذكر بعد اعراضهم و أمعنوا فى تكذيبه بحيث ادى بهم الى الاستهزاء المخبر به عنهم ضمنا فى قوله تعالى فَسَيَأْتِيهِمْ إذا نزل بهم العذاب يوم بدر او يوم القيامة أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من انه كان حقا او باطلا كان حقيقا بان يصدّق و يعظم قدره او يكذب فيستخف امره و يستهزا به.

٧

أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ الاستفهام للانكار و ابو او للعطف على محذوف و التقدير أ يطلبون اية على ما يدعيه محمد صلى اللّه عليه و سلم من التوحيد و البعث بعد الموت و لم ينظروا الى الأرض يعنى لا ينبغى لهم طلب الاية و قد نظروا الى الأرض و هى اية فان انكار النفي اثبات كَمْ أَنْبَتْنا فِيها بدل اشتمال من الأرض و كم خبرية يعنى الم ينظروا الى كثرة أنبأتنا فيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف من النبات كَرِيمٍ حسن محمود كثير المنفعة غذاء للناس او الدواب و دواء مفيدة فائدة ما اما وحده او مع غيره و ايضا كرم كل زوج من نبات الأرض دلالته على قدرة الخالق على إيجاده و إعادته بعد الاعدام و توحده و صفات كماله و كل لاحاطة الافراد و كم لكثرتها.

٨

إِنَّ فِي ذلِكَ اى فى إنبات تلك الأصناف او فى واحد منها لَآيَةً حوالة على فاعل واجب لذاته تام القدرة و الحكمة سابغ النعمة و الرحمة وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ فى علم اللّه و قضائه فلذلك لم ينفعهم تلك الآيات العظام و قال سيبويه كان هاهنا زائدة و المعنى و ما كان أكثرهم مؤمنين بعد مشاهدة الآيات.

٩

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على انتقام من الكفرة الرَّحِيمُ حيث امهلهم او العزيز فى انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب و أمن ..

١٠

وَ اذكر إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى حين راى الشجرة و النار معطوف على مضمون قوله لعلّك باخع نفسك فان التقدير لا تحزن على كفر قومك و لا تبخع نفسك و اذكر وقت نداء ربك موسى و فيه تسلية للنبى صلى اللّه عليه و سلم و جاز ان يكون كلاما مستانفا و الظرف متعلق بقوله قال رب ان ائت ان مفسرة لنادى او مصدرية اى ايت او بان ايت الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بالكفر و استعباد بنى إسرائيل و سومهم سوء العذاب من ذبح الأبناء و غير ذلك.

١١

قَوْمَ فِرْعَوْنَ بدل او عطف بيان لما سبق و لعل الاقتصار على القوم للعلم بان فرعون كان اولى بذلك أَ لا يَتَّقُونَ استفهام للانكار و التّوبيخ و معناه الأمر اى ليتقوا أنفسهم عن عذاب اللّه بطاعته و يحتمل ان يكون التقدير أ لا يا قوم اتقون فهو بتقدير القول حال من فاعل ايت يعنى ايت قائلا لهم من اللّه الا يا قوم اتقون نظيره الا يسجدوا بتقدير الا يا قوم اسجدوا.

١٢

قالَ موسى رَبِّ إِنِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بإسكانها أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ

١٣

وَ يَضِيقُ صَدْرِي قرأ الجمهور بالرفع عطفا على أخاف و يعقوب بالنصب عطفا على يكذّبون و كذا الخلاف فى قوله وَ لا يَنْطَلِقُ لِسانِي لاجل عقدة كانت فيه و يضيق صدرى لاجل عدم مساعدة اللسان لبيان المرام فى اقامة الحجة الدافعة للتكذيب و

قال البغوي اى يضيق صدرى من تكذيبهم فَأَرْسِلْ الوحى او أرسل جبرئيل بالوحى إِلى هارُونَ الفاء للسببيّة

قال البيضاوي رتّب استدعاء ضم أخيه اليه و اشراكه له فى الأمر على الأمور الثلاثة خوف التكذيب و ضيق القلب انفعالا عنه اى عن التكذيب و ازدياد الحبسة فى اللسان بانقباض الروح الى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق لانها إذا اجتمعت الأمور مست الحاجة الى معين يقوى قلبه و يتوب منابه متى يعتريه الحبسة حتى لا يحمل دعوته و ليس ذلك تعللا منه و توقفا فى امتثال الأمر بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله.

١٤

وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ على حذف المضاف اى تبعه ذنب او دعوى ذنب و المراد قتل القبطي سماه ذنبا عمل زعمهم و الا فهو كان مباح الدم غير معصوم لاجل كفره و هذا اختصار قصة مبسوطة فى غير هذا الموضع فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ اى أخاف ان يقتلونى قبل أداء الرسالة و هذا ايضا ليس تعللا و عدم امتثال الأمر بالتبليغ لخوف القتل بل استدفاعا للبلية المتوقعة المانعة من التبليغ.

١٥

قالَ اللّه تعالى كَلَّا فَاذْهَبا اجابة الى الطلبين بوعده للدفع اللازم لروعة و ضم أخيه اليه فى الإرسال و الخطاب فى فاذهبا على تغليب الحاضر و هو معطوف على الفعل الذي دل عليه كلّا كانه قال ارتدع يا موسى عن توهم قتلك فاذهب أنت و من طلبت ضمه إليك بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ يعنى مع موسى و هارون و من تبعهما بالنصر او معكما و من عاداكما بالعلم مُسْتَمِعُونَ اى سامعون ما جرى بينكم من الكلام فاظهر كما عليهم خبر ثان او هو الخبر وحده و معكم ظرف لغو.

١٦

ْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أفرد الرسول لانه هاهنا بمعنى الرّسالة و هو مشترك بين المرسل و الرسالة فى القاموس الاسم الرسالة بالكسر و الفتح و كصبور و امير و الرسول ايضا المرسل

قال البيضاوي لذلك ثنى تارة و أفرد اخرى يعنى إذا أريد به المرسل مثنى و إذا أريد به الرسالة أفرد و المعنى هاهنا انا ذو رسالة رب العلمين او لان الفعول يطلق على الواحد و الجمع قال فى القاموس لم يقل انّا رسل ربّ العالمين لان مفعولا و فعيلا تستوى فيه المذكر و المؤنث و الواحد و الجمع و قال ابو عبيدة يجوز ان يكون الرسول بمعنى اثنين و الجمع يقول العرب هذا رسولى و وكيلى و هذان رسولى و وكيلى كما قال اللّه تعالى و هم لكم عدوّ و قيل أفرد لاتحادهما للاخوة او لوحدة المرسل به او أراد ان كل واحد منا رسول رب العلمين.

١٧

أَنْ مفسرة لتضمن الرسول معنى الإرسال المتضمن معنى القول أَرْسِلْ اى خل مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ تذهب الى الشام و لا تستعبدهم

قال البغوي كان فرعون استعبدهم اربع مائة سنة و كانوا فى ذلك الوقت سة مائه و ثمانين الفا- فانطلق موسى الى مصر و هارون بها فاخبره و فى القصة ان موسى رجع الى مصر و عليه جبة صوف و فى يده عصاه و المكتل معلق فى راس العصا و فيه زاده فدخل و ار نفسه و اخبر هارون بان اللّه أرسلني الى فرعون و أرسل إليك حتى ندعو فرعون فخرجت أمهما و صاحت و قالت ان فرعون يطلبك ليقتلك و لو ذهبتما اليه تقصا فلم يمتنع لقولها و ذهبا الى باب فرعون ليلا و دقا الباب ففزع البوابون و قالوا من بالياب و روى انه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما فقال موسى انّا رسول ربّ العالمين فذهب البواب الى فرعون و قال ان مجنونا بالباب و يقول انه رسول ربّ العالمين فترك حتى أصبح ثم دعاهما و روى انهما انطلقا جميعا الى فرعون فلم يوذن لهما سنة فى الدخول وليه فدخل البواب و قال لفرعون هاهنا انسان يزعم ان رسول ربّ العالمين فقال فرعون ايذن له لعلنا نضحك منه فدخلا عليه واد يا رسالة اللّه عزّ و جلّ فعرف فرعون موسى لانه نشأ فى بيته و.

١٨

قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا فى منازلنا وَلِيداً طفلا سمى به لقربه من الولادة وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج الى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم و دعاهم الى اللّه ثلاثين سنة ثم بقي بعد الغرق خمسين سنة.

١٩

وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعنى قتل القبطي وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ اى من الجاحدين بنعمتي و حق بزبيتى حتى عمدتّ الى قتل خواصى كذا روى العوفى عن ابن عباس رض و هو قول اكثر المفسرين و قال ان فرعون لم يكن يعلم ما الكفر باللّه و قال الحسن و السدى أراد و أنت كنت من الكافرين بإلهك الذي تدعو اليه الان و تعبده حيث كنت معنا على ديننا و الجملة و حال من احدى التاءين و يجوز ان يكون حكما مبتدا عليه بانه من الكافرين بالوهيته او بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة او من الذين كانوا يكفرون فى دينهم.

٢٠

قالَ فَعَلْتُها إِذاً يعنى إذا فعلتها وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ الجملة حال من التاء فى فعلت يعنى فعلت ما فعلت و انا من الضّالّين إذا فعلت من الجحلين لم يأتنى من اللّه شى ء او الجاهلين بان ذلك يؤدى الى قتله لانه أراد به التأديب دون القتل و قيل من الضّالين عن طريق الصواب من غير تعمد يعنى من المخطئين و قيل من الفاعلين فعل اولى الجهل و السفه و قيل من الناسين من قوله ان تضلّ أحدهما فتذكّر إحداهما الاخرى.

٢١

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ الى مدين لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً اى حكمة علما وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ

٢٢

وَ تِلْكَ مبتدا اشارة الى تربيته وليدا نِعْمَةٌ بدل من اسم الاشارة او خبر منه تَمُنُّها عَلَيَّ سفة لنعمة أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ مرفوع على انه خبر مبتدا محذوف اى هى او على انه بدل من نعمة او مجرور بإضمار الباء و هو خبر المبتدا يعنى بمقابلة جفائك او بسبب جفائك و التي هى ان عبدت او النصب بحذف الباء او على الظرف بتقدير الوقت او على الحال و قيل تلك اشارة الى خصلة شنعاء صهمة و ان عبّدتّ عطف بيان لها و معنى عبّدتّ اتخذتهم عبيدا لك يقال عبّدت فلانا و أعبدته استعبدته و تعبّدته اتخذته عبدا اختلف المفسرون فى تاويل هذه الاية قال بعضهم هو اقرار عدّها موسى نعمة منه عليه حيث رباه و لم يقتله كما قتل سائر غلمان بنى إسرائيل فكانّه قال بلى و تلك نعمة تمنّها علىّ ان عبّدتّ بنى إسرائيل و تركتنى و لم تستعبد فى و قال بعضهم هو اقرار ظاهرا و انكار معنى رد موسى اولا ما وبّخه به قدحا فى نبوته ثم كر على ما عدّه من النعمة و لم يصرح بانكاره لانه كان صادقا فى دعواه بل نبه على انه كان فى الحقيقة نعمة لكونه فى مقابلة الجفاء او مسببا عنه فقال و تلك نعمة تمنّها علىّ ان عبّدتّ بنى إسرائيل فتلك النعمة مقابلة بالجفاء او بسبب الجفاء فانه بسبب استعبادك بنى إسرائيل و قتلك أبناءهم رفعت إليك حتى ربّيتنى و كفلتنى و لو لم نستعبد هم كان لى من أهلي من يربينى و لم يلقونى فى اليم فتضمن هذا الإقرار الإنكار. و قيل هو انكار و همزة الاستفهام للانكار مقدرة تقديره أ تلك التربية نعمة لك على ان عبّدتّ بنى إسرائيل يعنى أ تربيتك ايّاى نعمة وقت تعبدك بنى إسرائيل او الحال انك عبدّتّ بنى إسرائيل فتعبيدك قومى بنى إسرائيل اهبط إحسانك الىّ- و انما وحّد الخطاب فى تمنها و جمع فيما قبله لان المنة كانت منه وحده و الخوف و الفرار منه و من قومه و لمّا سمع فرعون جواب ما طعن فى موسى و راى انه ثم يرعو بذلك شرع فى الاعتراض على دعواه فبدا بالاستفسار عن حقيقة المرسل و.

٢٣

قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ و لمّا كان بيان حقيقة الواجب تعالى مستحيلا بما هو داخل فيه لاستحالة التركيب فى ذاته و الامتناع تعريف الافراد الا بذكر الخواص و الافعال ذكر موسى اظهر خواصه و اثاره و.

٢٤

قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا خبر مبتدأ محذوف اى يعنى ربّ العالمين ربّ السّموت و الأرض و ما بينهما من الكائنات إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ بثبوت حقائق الأشياء فاستدلوا بها على خالقها فانها إحرام محسوسة ممكنة لتركمها و تعددها و تغير أحوالها فلا بد لها من مبدا واجب لذاته و ذلك المبدا لا بد ان يكون مبد السائر الممكنات ما يمكن ان يحس بها و ما لا يمكن و إلا لزم تعدد الواجب او استغناء بعض الممكنات عنه و كلاهما محالان اما التعدد فلا ستلزامه تركبهما مما فيه اشتراكهما و ما به امتياز كل منهما عن الاخر و التركب دليل الحدوث مناف للوجوب و اما الاستغناء فهو مناف للامكان. ثم ذلك لا يمكن تعريفه الا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه و بما هو داخل فيه لاستحالة التركيب فى ذاته و هذا شرط مستغن عن الجزاء بما مضى و لمّا كان فرعون غبيّا لم يدرك حسن الجواب.

٢٥

قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ تعجبا أَ لا تَسْتَمِعُونَ جوابه يعنى انّى سالته عن حقيقته و هو يذكر أفعاله او يزعم ان للسموت ربّا و هى قديمة واجبة لذواتها كما هو مذهب الدهرية او غير معلوم افتقارها الى مؤثر. فحينئذ.

٢٦

قالَ موسى رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ عدولا الى ما لا يمكن توهم القدم و الوجوب و لا يشك فى افتقارها الى مصور حكيم و يكون اقرب للناظر و أوضح عند التأمل.

٢٧

قالَ فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ اسئله عن شى ء يعنى عن حقيقته و يجيبنى عن اخر و سماه رسولا على السخرية.

٢٨

قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما تشاهدون كل يوم انه يأتي بالشمس من المشرق و يحركها على مدار غير المدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها الى المغرب على وجه نافع ينتظم به امور الكائنات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ يعنى ان كان لكم عقل أدركتم انه لا جواب لكم فوق ذلك لاينهم اولا ثم لما راى شكيمتهم «١» اى شدتهم خاشنهم و عارضهم بمثل مقالهم.

(١) الشكيمة الانفة يقال فلان شديد الشكيمة انف ابى قاموس منه رح.

٢٩

قالَ فرعون عدولا عن المحاجة بعد الانقطاع الى التهديد كما هو دأب الجاهل المحجوج لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي جواب قسم محذوف لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ اى من المحبوسين و اللام للعهد اى ممن عرفت حالهم فى سجنى قال الكلبي كان سجنه أشد من القتل لانه كان يأخذ الرجل يطرجه فى مكان وحده فردا لا يسمع و لا يبصر فيه شيئا يهوى به فى الأرض- استدل فرعون بقدرته على التعذيب على ألوهيته و إنكاره للصانع و كان قوله الا تستمعون صادرا منه تعجبا من نسبة الربوبية الى غيره و لعله كان دهريا يعتقد ان من الملك قطرا من الأرض و تولى امره بقوة طالعه استحق العبادة من اهله.

٣٠

قالَ موسى فى جواب تهديده أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْ ءٍ مُبِينٍ الهمزة للاستفهام للتوبيخ و الإنكار و الواو للحال بعد حذف الفعل تقديره أ تجعلني من المسجونين و لو جئتك بشئ مبين توبيخ على الاساءة حال فجيئة بالحجة الواضحة على صدقه و قيل الواو للعطف على شرطية محذوفة و الشرطيتان حال من فاعل فعل محذوف تقديره أ تجعلني من المسجونين لو لم أجبك لى دعوائى بحجة و لو جئتك بشئ مبين حجة و المال واحد.

٣١

قالَ فرعون فَأْتِ بِهِ اى بشئ مبين إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى ان ذلك بينة او فى دعواك فان مدعى النبوة لا بد له من حجة.

٣٢

فَأَلْقى موسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر ثعبانيته او مبين اى مظهر لصدق دعواه عطف على قال.

٣٣

وَ نَزَعَ موسى يَدَهُ إذا قال فرعون و هل غيرها فَإِذا هِيَ اى يدها بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ لها شعاع يكاد يغشى الابصار و يسد الأفق فتحير فرعون و عجز.

٣٤

و قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ اى مستقرين حوله ظرف وقع موقع الحال إِنَّ هذا يعنى موسى لَساحِرٌ عَلِيمٌ فائق فى علم السحر.

٣٥

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ لمّا غلب عليه سلطان للمعجزة حطة عن دعوى الربوبية الى الاستظهار من القوم و جعلهم أمراء على نفسه و تنفيرهم عن موسى و اظهار الخوف عن ظهوره و استيلائه على ملكه.

٣٦

قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ يعنى اخر أمرهما وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ناسا يحشرون اى يجمعون السحرة.

٣٧

يَأْتُوكَ مجزوم فى جواب الأمر بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ يفضلون عليه فى السحر امال سحّار ابن عامر «١» و ابو عمرو و الكسائي.

(١) و الصحيح امال سحّار ابو عمرو و الدوري عن الكسائي و الصوري عن ابن ذكوان و قال الأزرق عن ورش و اما لاخفش عن ابن ذكوان فبا الفتح بلا خلاف و هى طريق التيسر و الشاطبية

و قرا هشام و ابو الحارث بالفتح بلا خلاف- ابو محمد عفا اللّه عنه.

٣٨

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ عطف على جمل محذوفة تقديره فبعث حشرين فذهبوا فحشروا السحرة لما وقت به من ساعات يوم معين و هو وقت الضحى من يوم الزينة

قال البغوي روى عن ابن عباس قال وافق ذلك يوم السبت فى أول يوم السنة و هو النيروز.

٣٩

وَ قِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ استفهام بمعنى الام و فيه استبطاء لهم فى الاجتماع حثّا على عدم الاستبطاء و المبادرة اليه.

٤٠

لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ يعنون موسى و هارون و قومهما اى نتبعهم فى دينهم قلت و جاز انهم يعنون به السحرة الذين طلبهم اى لعلنا نتبع السحرة فى ابطال امر موسى إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ و الترجي يناسب التأويل الثاني و اما على التأويل الاول فالترجى باعتبار الغلبة المقتضية للاتباع و مقصودهم الأصلي ان لا يتبعو امر موسى.

٤١

فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ استفهام للتقرير.

٤٢

قالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ عطف على مضمون نعم يعنى ان لكم اجرا و انكم إِذاً اى إذا كان لكم الغلبة متعلق بما بعده لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ التزم لهم القربة زيادة على ما طلبوا من الاجر عند الغلبة- فقال السحرة لموسى امّا ان تلقى و امّا ان نكون نحن الملقين كما مرّة فى الأعراف فحينئذ.

٤٣

قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ لم يرد به الأمر بالسحر بل أراد به الاذن فى تقديم ما هم فاعلون لا محالة توسلا الى اظهار امره فلا يرد عليه ان الأمر بالمعصية حرام او يقال هذا الأمر للتحقير اى لتحقير سحرهم فى مقابلة المعجزة فليس من باب الطلب فى شى ء.

٤٤

فَأَلْقَوْا اى السحرة حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ تبرّكوا بعزة فرعون لفرط اعتقادهم انه من السعداء او اقسموا بعزته على إتيانهم بأقصى ما يمكن ان يؤتى به من السحر.

٤٥

فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ اى تبتلع قرا حفص بالتخفيف و الباقون بالتشديد ما يَأْفِكُونَ ما موصولة يعنى ما يقلبونه عن وجهه بتمويههم و تزويرهم فيخيّل حبالهم و عصيهم انها حيات تسعى او مصدرية اى تبتلع إفكهم تسمية للمافوك به مبالغة.

٤٦

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ يعنى انهم لمّا راو ما راوا لم يتمالكوا أنفسهم لعلمهم بان مثله لا يتاتى بالسحر فطرحوا على وجوههم و انه تعالى ألقاهم بما وفقهم للتوبة و فيه دليل على ان منتهى السحر تمويه و تزوير يخيّل شيئا لا حقيقة له.

٤٧

قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ بدل من القى بدل اشتمال او حال بإضمار قد.

٤٨

رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ ابدال للتوضيح و دفع التوهم و الاشعار على ان الموجب لايمانهم ما اجرى على أيديهما من المعجزة.

٤٩

قالَ فرعون تعنتا ليلبس على قومه كيلا يعتقدوا انهم أمنوا عن بصيرة و ظهور حق آمَنْتُمْ لَهُ قرأ حمزة و الكسائي و ابو بكر و روح ءامنتم بالهمزتين و الباقون بهمزة واحدة (١) و الصحيح انه قرا فالون و الأزرق عن ورش و ابن كثير و ابو عمرو و ابن ذكوان و ابو جعفر و هشام بخلف عنه ءامنتم بهمزة محققة فمسهلة ثم الف

و قرا ابو بكر و حمزة و الكسائي و خلف و روح و هشام بوجهه الثاني بهمزتي ن محققتين ثم الف

و قرا الباقون و هم الاصبهانى عن ورش و حفص و رويس بهمزة واحدة محققة و الف على الخبر و حذف همزة الاستفهام الإنكاري قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فعلّمكم شيئا دون شى ء و لذلك غلبكم او المعنى انه وادعكم ذلك و تواطئتم عليه فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ تهديد اجمالا ثم فصله بقوله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ.

٥٠

قالُوا لا ضَيْرَ اى لا ضرر علينا فى ذلك لاستلزامه الشهادة و الاجر الجزيل الذي يتلاشى فى مقابلته المصائب الدنيوية إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ بما توعّدنا به او بسبب اخر من اسباب الموت و قتلك أنفعها و ارجلها تعليل لنفى الضير.

٥١

إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا اى لان كنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ من اتباع فرعون او من اهل المشهد قلت و الظاهر ان معناه ان كنّا من أول المؤمنين و أول المؤمنين هم الذين يقتدى بهم غيرهم و الجملة تعليل ثان لنفى الضير او تعليل للعلة المتقدمة او بدل اشتمال لها.

٥٢

وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى بعد ما اقام بين أظهرهم سنين يدعوهم الى الحق و يريهم الآيات فلم يزيدوا الا عتوّا و فسادا أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي قرأ نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ يتبعكم فرعون و قومه ليحولوا بينكم و بين الخروج من مصر تعطيل للاسراء

قال البغوي روى عن ابن عباس قال اوحى اللّه الى موسى عليه السلام ان اجمع بنى إسرائيل اهل كل اربعة أبيات فى بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها على أبوابكم فانى سامر الملائكة فلا تدخل بيننا على بابه دم و سامرها فيقتل أبكار ال فرعون من أنفسهم و أموالهم. ثم اخبزوا خبزا فطيرا فانه اسرع لكم ثم اسر بعبادي حتى تنتهى الى البحر فيأتيك امرى ففعل ذلك فلمّا أصبحوا قالوا لفرعون «اى طرى قريب حديث العمل- نهاية منه رح» هذا عمل موسى و اتباعه قتلوا ابكارنا من أنفسنا و أموالنا فارسل فى اثره الف الف و خمس مائة الف ملك سود مع كل ملك الف و خرج فرعون فى الكرسي العظيم لكن قلت عدد جنوده بهذه للمثابة مما يستبعده العقل و لم يرو من النقل ما يوجب العلم به.

٥٣

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ معطوف على محذوف تقديره فاسرى موسى قومه فبلغ الخبر فرعون و أراد ان يتبعهم فارسل فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يعنى الشرط ليحشروا اى ليجمعوا الجيش قلت لعله بعث ناسا ليجمعوا اهل المدائن المتصلة بمصر بحيث يمكن اجتماعهم فى تلك الليلة الى الصباح قائلا لهم.

٥٤

إِنَّ هؤُلاءِ يعنى بنى إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ بالكسر القليل من الناس كذا فى القاموس ثم أكده بقوله قَلِيلُونَ لاشعاره غاية القلة فهذه الاية تدل على بطلان ما روى انهم كانوا ست مائة و سبعين الفا و انما استقلهم بالاضافة الى جنوده على ما قيل فى عدد جنوده انه كانت مقدمته سبع مائة الف و الساقة و الجناحين و القلب على قياس ذلك فانه لا يجوزه العقل نظرا الى أجياد ملوك الأرض لا سيما ملك مصر. قلت لعل إيراد الشرذمة لبيان قلتهم بالنسبة الى جنود فرعون و إيراد قليلون لبيان قلتهم فى نفس الأمر.

٥٥

وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ لنا متعلق بغائظون و المغني انهم اصحاب غيظ و عداوة لنا يعنى مبغضون لنا او المعنى انهم لفاعلون بنا ما يغيظنا.

٥٦

وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ قرأ اهل الحجاز و البصرة حذرون و فرهين بغير الف و وافقهم هشام فى حذرون و الباقون خاذرون و فارهين بالألف فيهما و الاول للثبات و الثاني للتجدد و هذا معنى ما قال الفراء الحاذر الذي يحذرك الان و الحذر المخاوف و قيل حاذرون مؤدون مفوّون اى ذووا ازاءة و قوة اى مستعدون شاوا السلاح كذا قال الزجاج و معنى حذرون خائفون مستيقظون اى غير غافلين.

٥٧

فَأَخْرَجْناهُمْ تقديره فاجتمعوا و اتفقوا على الاتباع فاخرجناهم يعنى انهم خرجوا بتقديرنا و مشيتنا مِنْ جَنَّاتٍ اى بساتين وَ عُيُونٍ انهار.

٥٨

وَ كُنُوزٍ اى اموال من الذهب و الفضة وَ مَقامٍ كَرِيمٍ اى منازل حسنة و مجالس بهيّة يعنى مجالس الأمراء و الرؤساء تحفها الاتباع.

٥٩

كَذلِكَ اى الأمر كذلك وَ أَوْرَثْناها يعنى تلك الجنات و العيون و الكنوز و المقام الكريم بَنِي إِسْرائِيلَ و ذلك بان اللّه تعالى ردّ بنى إسرائيل الى مصر بعد ما أغرق فرعون و قومه و أعطاهم جميع ما كان لفرعون و قومه من الأموال و المساكن.

٦٠

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ اى داخلين فى وقت شروق الشمس.

٦١

فَلَمَّا تَراءَا قرأ حمزة بامالة فتحة الراء فاذا وقف اتبعها الهمزة فاما لها مع جعلها بين بين على أصله فيصير بين الفين ممالتين الاولى أميلت لامالة فتحة الراء و الثانية أميلت لامالة فتحة الهمزة و هذا بحكم المشابهة غير ان هذا حقيقته على مذهبه و الباقون يخلصون فتحة الراء و الهمزة فى حال الوصل فاما الوقت فالكسائى يقف بامالة فتحة الهمزة فيميل الالف التي بعدها المنقلبة من الباء لامالتها و ورش يجعلها فيه بين بين على أصله فى ذوات الياء و الباقون يقفون بالفتح الْجَمْعانِ اى تقاربا بحيث يرى كل فريق من قوم موسى و قوم فرعون آخرين قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ يعنى سيد ركنا قوم فرعون و لا طاقة لنا بهم.

٦٢

قالَ موسى ثقة بوعد اللّه كَلَّا لن يدركونا إِنَّ مَعِي قرأ حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها رَبِّي بالعون و الحفظ سَيَهْدِينِ اى يدلنى على طريق النجاة-.

٦٣

فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ مفسرة لاوحينا لما فيه معنى القول اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ عطف على محذوف تقديره فضرب موسى عصاه على البحر فانفلق البحر اى النيل فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ من الماء كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ كالجبل الضخم الثابت فى مقره فدخل كل سبط فى شعب من شعابها.

٦٤

وَ أَزْلَفْنا اى قربنا ثمّ فى ذلك المكان الْآخَرِينَ يعنى قوم فرعون.

٦٥

وَ أَنْجَيْنا مُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ بحبس البحر عن الجريان الى ان عبروا.

٦٦

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يعنى قوم فرعون.

٦٧

إِنَّ فِي ذلِكَ اى إنجاء موسى و من معه و إهلاك فرعون و قومه لَآيَةً حجة واضحة على صدق موسى عليه السلام وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ اى اكثر اتباع فرعون مُؤْمِنِينَ قيل لم يكن أمن لموسى من ال فرعون الا آسية امراة فرعون و حزئيل مومن ال فرعون الذي يكتم إيمانه و امرأته و مريم بنت ناموسيا التي دلت على قبر يوسف .

٦٨

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ فى الانتقام من أعدائه الرَّحِيمُ باوليائه ..

٦٩

وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ اى على اهل مكة عطف قوله إذ نادى ربّك موسى لكونه مقدرا باذكر نَبَأَ إِبْراهِيمَ

٧٠

إِذْ قالَ ابراهيم متعلق بمحذوف اى اذكر إذ قال بدل من قوله اتل عليهم لِأَبِيهِ آزر سماه اللّه أبا لكونه عما و مربيا له وَ قَوْمِهِ «١» ما تَعْبُدُونَ سالهم ليريهم ان ما يعبدونه لا يستحق العبادة.

(١) و ليس فى الأصل و قومه.

٧١

قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ أطالوا فى الجواب تبجحا به و افتخارا و نظلّ هاهنا بمعنى ندوم و

قال البغوي كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.

٧٢

قالَ ابراهيم هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ اى هل يسمعون دعاءكم و قال ابن عباس معناه هل يسمعون لكم إِذْ تَدْعُونَ أورد صيغة المضارع مع إذ على حكاية الحال الماضية.

٧٣

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ على عبادتكم لها أَوْ يَضُرُّونَ من اعرض عنها.

٧٤

قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ يعنون انها لا تسمع قولا و لا تنفع نفعا و لا تدفع ضرّا بل اقتدينا بآبائنا يفعلون مفعول ثان لوجدنا و كذلك صفة لمصدر محذوف ليفعلون يعنى بل وجدنا آباءنا يفعلون فعلا كذلك الفعل اى كفعلنا ذلك.

٧٥

قالَ ابراهيم أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ

٧٦

أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ همزة الاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار و الفاء للعطف على محذوف و ما استفهامية و الجملة الاستفهامية قائمة مقام مفعولى رايتم او موصولة و هى مع صلتها أول مفعولى رايتم و الثاني مقدر و تقدير الكلام أ تأملتم فرايتم اىّ شى ء تعبدون يعنى تعبدون ما لا ينفعكم و لا يضركم تقليدا لابائكم عبثا. او تقديره أ تأملتم فرايتم الذي تعبدونه شى ء لا ينفعكم و لا يضركم و وصف الآباء بالتقدم للاشعار بان التقدم لا يدل على الصحة و لا ينقلب به الباطل حقا.

٧٧

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي قرأ نافع و ابو عمره و ورش «٢» بفتح الياء و الباقون بإسكانها يعنى ان عبدتهم فانهم عدولى أسند عداوتهم الى نفسه تعريضا و اشعارا بانهم اعداء لكم حيث يتضررون بعبادتها فوق ما يتضرر الرجل من عدوه. و هذا دأب الناصح الكريم يبدأ بنفسه و التعريض انفع من التصريح و نظيره قوله تعالى و ما لى لا اعبد الّذى فطرنى يعنى ما لكم لا تعبدونه و اطلاق العدو على الجمادات مبنى على التجوز اما لوصول الضرر من جهتها او باعتبار ما يؤل الأمر اليه يوم القيامة قال اللّه سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدّا و افراد العدو لانه فى الأصل مصدر على وزن فعول كالقبول او على معنى ان كل معبود لكم فهو عدولى و قيل يجوز اطلاق العدو و الصديق على الواحد و الجمع لان كلّ صفة على وزن فعول او فعيل يستعمل كذلك يقال رجل عدو و قوم عدو قال اللّه تعالى فان كان من قوم عدوّ لّكم و هو مؤمن و قال اللّه تعالى و كذلك جعلنا لكلّ نبىّ عدوّا شياطين الانس و الجنّ إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ استثناء منقطع كانه قال فانّهم عدوّ لّى لكن ربّ العلمين وليّي و قيل انهم كانوا يعبدون الأصنام مع اللّه تعالى فقال ابراهيم كل من تعبدونه عدوّ لّى الّا ربّ العلمين او يقال كان من ابائهم من يعبد اللّه.

(٢) لا وجه لذكر الورش بعد ذكر نافع لعله من سباق القلم- ابو محمد.

٧٨

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ فانه يهدى كل مخلوق لما خلق له من امور المعاش و المعاد قال اللّه و الّذى قدّر فهدى هداية مدرجة من مبدا الإيجاد الى منتهى اجله يتمكن بها من جلب المنافع و دفع المضار مبداها بالنسبة الى الإنسان هداية الجنين الى امتصاص دم الطمث من سرة و منتهاها الى طريق الجنة و لذائذها الموصول مع صلتها صفة لرب العلمين او خبر مبتدا محذوف اى هو الّذى خلقنى او منصوب على المدح و الفاء للعطف و اختلاف النظم لتقدم الخلق و استمرار الهداية و للموصولات الثلاثة معطوفات عليه او الموصول مبتدا خبره فهو يهدين و الفاء للسببيه و قوله.

٧٩

وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ على هذا مبتدا محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه و كذا الذان بعده و تكرير الموصول على الوجوه كلها للدلالة على ان كل واحد من الصلات مستقلة لاقتضاء الحكم.

٨٠

وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ عطفه على يطعمنى و يسقين لكونها من روادفها فان الصحة و المرض فى الغالب يتبعان المأكول و المشروب و لم ينسب المرض الى اللّه تعالى مع ان المرض و الشفاء كلّا منهما بخلقه سبحانه رعاية لحسن الأدب كما قال خضر فاردت ان أعيبها و قال فاراد ربّك ان يّبلغا أشدّهما و أسند الى نفسه هضما و نظرا ال ان ما أصاب الإنسان من مصيبة فيما كسبت يداه و لان المقصود تعديد النعم. و أسند الموت الى اللّه سبحانه لان الموت من حيث انه لا يحس به لا ضرر فيه و انما الضرر فى مقدماته و هى المرض و لان الموت لاهل الكمال خلاص من انواع المحن و وصلة الى نيل النعم التي يستحقر دونها الحيوة الدنيوية كما قيل الموت جسر يوصل الحبيب الى الحبيب و فى الحديث موت الفجاءة راحة للمؤمن و اخذة الأسف للفاجر. رواه احمد و البيهقي بسند حسن عن عائشة مرفوعا و فى الحديث الموت كفارة لكل مسلم. رواه ابو نعيم فى الحلية و البيهقي بسند ضعيف عن انس و لان المريض فى الغالب يحدث بتفريط الإنسان فى مطاعمه و مشاربه و لما بين الاخلاط و الأركان من التنافي و التنافر و الصحة انما يحصل باستحفاظ اجتماعها و الاعتدال المحفوظ عليها قهرا بقدرة العزيز الحكيم.

٨١

وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ فى الاخرة.

٨٢

وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ذكر ذلك «١» هضما لنفسه او تعليما لامته ان يجتنبوا المعاصي و يكونوا على حذر منها و يطلبوا المغفرة لما صدر عنهم او استغفارا لما فات منه العزيمة و عمل بالرخصة شفقة على أمته كيلا يضيق عليهم نطاق الأمر و حمل الخطيئة على كلماته الثلاث قوله انّى سقيم و قوله بل فعله كبيرهم و قوله لسارة هذه أختي كما قال به مجاهد و قوله للكوكب هذا ربى كما قال الحسن زائدا على الثلاث ضعيف لانها معاريض و ليست بخطايا و اللّه اعلم روى البغوي عن مسروق عن عائشة انها قالت يا رسول اللّه ابن جدعان فى الجاهلية كان يصل الرحم و يطعم المساكين فهل كان نافعه قال لا ينفعه ان لم يقل يوما ربّ اغفر لى خطيئتى يوم الدّين- و هذا كله احتجاج من ابراهيم على قومه و اشعار بانه من لا يستطيع ان يفعل هذا لا يصلح للالوهية.

(١) قال الامام فخر الدين الرازي فى التفسير الكبير هذا ضعيف لانه ان كان صادقا فى هذا التواضع لزم الاشكال يعنى كون النبي غير معصوم و ان كان كاذيا يرجع الجواب الى الحاق المعصية به لاجل تنزهه عن المعصية و ايضا لا يجوز ان يكذب نعرض تعليم الامة-

قلت قول الرازي هذا ضعيف لانه انما يلزم الكذب و المعصية إذا يرى نفسه بريّا من الذّنب و يقول بلسانه انى مذنب خاطئى و ليس كذلك بل الأمر ان الصوفي إذا تم فقره و فناؤه يرى وجوده و كمالاته مستعارة من اللّه و يرى نفسه عدما محضا منشا للشر حيث قال اللّه تعالى ما أصابك من حسنة فمن اللّه و ما أصابك من سيّئة فمن نفسك فحينئذ إذا قال انى مذنب لا يسمى كاذبا سهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسلّم على رأس الركعتين من الظهر فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسمت يا رسول اللّه قال كل ذلك لم يكن قال ذو اليدين بعض ذلك قد كان فحاشا ان يكون قوله صلى اللّه عليه و سلم كل ذلك لم يكن كذبا او ذنبا لما كان على نسيان فكذا قال المعصوم ربّ اغفر لى خطيئتى بل اولى لانه إنشاء لا يحتمل الكذب و معنى قولنا هضما لنفسه اى لاجل انهضام نفسه و حال كون نفسه منهضما منكسرا عند شعسعان جلال ربه لا انه يقول ذلك تواضعا مع ما يرى نفسه غير مذنب فيكون كذبا و سنذكر بعض هذا المقال فى سورة محمد صلى اللّه عليه و سلم فى تفسير قوله تعالى و استغفر لذنبك ١٢ منه برد اللّه مضجعه-.

٨٣

رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً اى كمالا فى العلم و العمل بحيث يستعد خلافة الحق و رياسة الخلق وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ و وفقني الكمال فى العمل حتى انتظم فى سلك الصالحين الّذين لا يشوبهم فساد أصلا و هم الأنبياء المعصومون.

٨٤

وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ يعنى ثناء حسنا و ذكرا جميلا مطابقا للواقع و قبولا عامّا فى الأمم اللاتي يأتين من بعدي و المعنى يكون لسان الآخرين فى ثنائى صادقا.

٨٥

وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ فى الآخرين.

٨٦

وَ اغْفِرْ لِأَبِي قرأ نافع و ابو عمرو و ورش «١» بفتح الياء و الباقون بإسكانها يعنى اغفره بالهداية و التوفيق للايمان.

(١) ذكر الورس هنا ايض ا من سياق قلم. ابو محمد عفا اللّه عنه-.

إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ عن طريق الحق و كان هذا الدعاء قبل ان يتبين له انه عدو للّه و لم يقدر له الهداية و الايمان قال اللّه تعالى و كان استغفار ابراهيم لابيه الّا عن مّوعدة وّعدها ايّاه فلمّا تبيّن له انّه عدوّ للّه تبرّا منه او لانه لم يمنع بعد الاستغفار للكفار.

٨٧

وَ لا تُخْزِنِي اى لا تفضحنى بمعاتبتي على ما فرطت او ينقص مرتبتى عن مرتبة الصالحين من الخزي بمعنى الهوان او من الخزاية بمعنى الحياء

يَوْمَ يُبْعَثُونَ الضمير للعباد لكونهم معلومين او للضالين اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر انه سئل كيف سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول فى النجوى قال يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا و كذا فيقول نعم ثم يقول نعم ثم يقول انى سترتها عليك فى الدنيا و انا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه و اما الكافر و المنافق فينادى به على رؤس الاشهاد هؤلاء الّذين كذّبوا على ربّهم الا لعنة اللّه على الظّالمين.

٨٨

يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ

٨٩

إِلَّا مَنْ أَتَى اللّه بِقَلْبٍ سَلِيمٍ اى خالص من الشرك و الشك فاما الذنوب فليس يسلم منها أحد

قال البغوي هذا قول اكثر المفسرين قال سعيد بن جبير القلب السليم قلب المؤمن و قلب الكافر و المنافق مريض قال ابو عثمان النيشابوري هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن الى السنة يعنى اهل السنة و الجماعة يعنى لا ينفع مال و لا بنون أحدا الا مؤمنا فالمستثنى مفرغ فى محل النصب اولا ينفع مال و لا بنون الآمال مومن و بنوه فالمستثنى فى محل الرفع على البدلية و الحاصل ان الكافر و ان بذل ماله فى صلة الرحم و اطعام المساكين لا ينفعه لعدم إسلامه و كذا بنوه و ان كانوا صلحاء او أنبياء لا ينفعون آباءهم بالشفاعة او الاستغفار ما كان للنّبىّ و الّذين أمنوا ان يستغفروا للمشركين و لو كانوا اولى قربى روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيامة و على وجه آزر قترة و غبرة فيقول له ابراهيم الم اقل لك لا تعصنى فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتني ان لا تخزنى يوم يبعثون فاى خزى اخزى من ابى الأبعد فيقول اللّه انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم انظر ما تحت رجليك فينظر فاذا بذيخ «٢»

(٢) قوله بذيخ بكسر المعجمة و سكون التحتانية و المعجمة ذكر الضبع الكثير الشعر ١٢ الفقير الدهلوي.

متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى فى النار فيتبرا منه يومئذ انتهى. و اما المؤمن فينفعه ماله الذي أنفقه فى الطاعة و ولده بالشفاعة و الاستغفار و قيل الاستثناء منقطع و المعنى و لكن سلامة من اتى اللّه بقلب سليم ينفعه.

٩٠

وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ بحيث يرونها من الموقف فيتججون بانهم للمحشورون.

٩١

وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ فيرونها مكشوفة و يرون انهم يساقون إليها

قال البيضاوي و فى اختلاف القولين ترجيح لجانب الوعد.

٩٢

وَ قِيلَ لَهُمْ اى للغاوين أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ يعنى اين الذين كنتم تعبدونها و ترجون شفاعتها.

٩٣

مِنْ دُونِ اللّه حال من الضمير المنصوب هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ الاستفهام للانكار و التوبيخ اى هل يمنعونكم من العذاب أَوْ يَنْتَصِرُونَ اى يدفعون العذاب عن أنفسهم بل هم و ما يعبدون من دون اللّه حصب جهنم.

٩٤

فَكُبْكِبُوا فِيها

قال البغوي قال ابن عباس اى جمعوا

و قال مجاهد دهوروا و قال مقاتل قذفوا و قال الزجاج طرح بعضهم على بعض و قال القتيبي القوا على رؤسهم و فى القاموس كبه اى قلّبه و صرحه كاكّبه و كبكبه فاكب و هو لازم يعنى كبّ و كبكب بمعنى واحد و

قال البيضاوي كبكب تكرير الكب لتكرير معناه كانّ من القى فى النار ينكب مرّة بعد اخرى حتى يستقر فى قعرها هم يعنى الالهة الباطلة وَ الْغاوُونَ اى عابدوها.

٩٥

وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ اى متبعوه من عصاة الثقلين و يقال ذريته أَجْمَعُونَ تأكيد للجنود ان جعل مبتدا خبره ما بعده او للضمير المرفوع فى كبكبوا مع ما عطف عليه.

٩٦

قالُوا يعنى الغاوون للشياطين و المعبودين وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ حال من فاعل قالوا و الضمير المرفوع المنفصل يعود الى العابدين و المعبودين جميعا ينطق اللّه الأصنام فيخاصمون العبدة.

٩٧

تَاللّه إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ان مخففة من الثقيلة و اللام فارقة و الجملة مقولة قالوا.

٩٨

إِذْ نُسَوِّيكُمْ ايها المعبودون فى استحقاق العبادة بِرَبِّ الْعالَمِينَ إذ نسوّيكم متعلق بقوله كنا و يجوز ان يكون الضمير المنفصل و ما يعود اليه راجعا الى العبدة فحسب كما فى قالوا بناء على عدم صلاحية الاختصام فى الأصنام و الخطاب الى الأصنام و فائدة الخطاب المبالغة فى التحسر و الندامة و المعنى انهم مع تخاصمهم فى مبدا ضلالهم معترفون بانهماكهم فى الضلالة فيتحسرون عليها.

٩٩

وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ قال مقاتل يعنون الشياطين و قال الكلبي الأولين الذين اقتدو بهم

١٠٠

فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ كما ان للمؤمنين شفعاء من النبيين و الملائكة و إخوانهم الصالحين.

١٠١

وَ لا صَدِيقٍ اى صادق فى المؤدة جمع الشافع و وحّد الصديق لكثرة الشفعاء فى العادة و قلة الصديق و لان الصديق الواحد يسعى اكثر مما يسعى الشفعاء و لاطلاق الصديق على الجمع كالعدو كما ذكرنا ان وزن فعول و فعيل يجى ء فى الجمع و الواحد و لانه فى الأصل مصدر كالجنين و الصهيل حَمِيمٍ اى قريب فى القاموس حميم كامير القريب جمعه احماء و قد يكون الحميم للجمع و المؤنث يعنون انه ليس لنا صديق و لا قريب يشفع لنا فان الاخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ الّا المتّقين روى البغوي عن جابر بن عبد اللّه يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الرجل ليقول فى الجنة ما فعل صديقى فلان و صديقه فى الجحيم فيقول اللّه تعالى اخرجوا له صديقه الى الجنة فيقول من بقي فما لنا من شافعين و لا صديق حميم قال الحسن استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فان لهم شفاعة يوم القيامة

١٠٢

فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً اى رجعة الى الدنيا بتمني للرجعة أقيم فيه لو مقام ليت لاشتراكهما فى معنى التقدير او شرط حذف جوابه يعنى لكان خيرا فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ جواب للتمنى او عطف على كرّة

١٠٣

إِنَّ فِي ذلِكَ اى فيما ذكر من قصة ابراهيم لَآيَةً اى لحجة واضحة لمن أراد ان يستبصر بها و يعتبر فانها جاءت على الظم ترتيب و احسن تقرير يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الاشارة الى اصول العلوم الدينية و التنبيه على دلائلها و حسن دعوته للقوم و حسن مخالفته معهم و كمال اشفاقه عليهم و تصوير الأمر فى نفسه و اطلاق الوعد و الوعيد على سبيل الحكاية تعريضا و ايقاظا ليكون ادعى لهم الى الاستماع و القبول و ايضا فيه حجة واضحة على صدق دعوى محمد صلى اللّه عليه و سلم وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ اى اكثر قومه مُؤْمِنِينَ به

١٠٤

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ القادر على الانتقام الرَّحِيمُ باهمال الكفار لكى يؤمنوا به هم او واحد من ذريتهم. و انعام المؤمنين.

١٠٥

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ القوم مؤنث و لذلك تصغر على قويمة أورد المرسلين بصيغة الجمع و المراد به الجنس يقال يركب فلان الخيل و ان لم يكن له إلا فرس واحد او لانهم كانوا ينكرون بعث الرسل و روى عن الحسن البصري انه قيل له يا أبا سعيد ارايت قوله تعالى كذّبت قوم نوح ن المرسلين كذّبت عاد ن المرسلين كذّبت ثمود المرسلين و انما أرسل إليهم رسول واحد قال ان الاخر جاء بما جاء الاول فاذا كذّبوا واحدا كذّبوا الرسل

١٠٦

إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ فى النسب لا فى الدين نُوحٌ عطف بيان للاخ أَ لا تَتَّقُونَ اللّه فتتركون عبادة غيره

١٠٧

إِنِّي لَكُمْ لهدايتكم الى ما هو خير لكم رَسُولٌ من اللّه أَمِينٌ على وحيه مشهور فيكم بالصدق و الامانة

١٠٨

فَاتَّقُوا اللّه اجتنبوا من عذابه وَ أَطِيعُونِ فيما أمركم به من التوحيد و العبادة للّه وحده

١٠٩

وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على دعائكم الى اللّه و النصح مِنْ أَجْرٍ حتى تتّهمونى فى النصح بالطمع إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع و ابن عامر و ابو عمرو و حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ

١١٠

فَاتَّقُوا اللّه وَ أَطِيعُونِ كرره للتاكيد و التنبيه على ان دلالة كل واحد من أمانته و عدم طبعه مستقلة على وجوب طاعته فيما يدعوهم اليه فكيف إذا اجتمعا

١١١

قالُوا يعنى قومه إنكارا عليه أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ حال بتقدير قد قرا يعقوب اتباعك جمع تابع كشاهد و إشهاد او تبع كبطل و ابطال الْأَرْذَلُونَ جمع أرذل على وزن اعور على السلامة فى القاموس و هو الدون الخسيس

قال البيضاوي الأقل جاها و مالا

قال البغوي السفالة و عن ابن عباس الصاغة قال عكرمة الحاكة و الاساكفة و هذا من سخافة عقلهم و قصور رأيهم على حطام الدنيوية حتى جعلوا اتباع المقلين فيها مانعا عن اتباعهم و ايمانهم بما يدعوهم اليه و دليلا على بطلانه و اشاروا بذلك الى ان اتّباعهم ليس عن نظر و بصيرة و انما هو لتوقع مال و رفعة فلذلك

١١٢

قالَ نوح وَ ما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يعنى انى لا اعلم انهم عملوا ذلك الاتباع إخلاصا للّه او طمعا فى رفعة فى الدنيا و ما علىّ الا اعتبار الظاهر

١١٣

إِنْ حِسابُهُمْ يعنى ما حسابهم على بواطنهم إِلَّا عَلى رَبِّي فانّه المطلع عليها لَوْ تَشْعُرُونَ يعنى لو كان لكم شعور لادركتم ذلك و لكن اللّه عطل مشاعركم عن درك الحق و أعمى بصائركم

قال البغوي يعنى لو علمتم ذلك عبدتم لصنائعهم قال الزجاج الصناعات لا يضر فى الديانات

١١٤

وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ جواب لما او هم قولهم من استدعاء طردهم

١١٥

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ كالعلة لعدم الطرد يعنى ما انا الا مبعوث لانذار الناس من عذاب اللّه و منعهم عن الكفر و المعاصي و دعوة الخلق الى اللّه تعالى سواء كانوا أعزاء او أذلاء فكيف يسوغ لى طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء إذ ما علىّ الا انذاركم قال الضحاك انذارا بينا بالبرهان الواضح فلا علىّ ان اطردهم لاسترضائكم

١١٦

قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عما نقول لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ من المشتومين كذا قال الضحاك او من المقتولين بالحجارة كذا قال مقاتل و الكلبي

١١٧

قالَ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ اظهار لما يدعو الى دعائه عليهم و هو تكذيب الحق لا تخويفهم إياه و استخفافهم به

١١٨

فَافْتَحْ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ فَتْحاً من الفتاحة وَ نَجِّنِي وَ مَنْ مَعِيَ قرا ورش و حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من قصدهم او شوم عملهم

١١٩

فَأَنْجَيْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ المملو

١٢٠

ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ اى بعد انجائه و المؤمنين الْباقِينَ من قومه و هم الكافرون

١٢١

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً شاعت و تواترت وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

١٢٢

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

١٢٣

كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ انثه باعتبار القبيلة و هو فى الأصل اسم أبيهم

١٢٤

إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ فى النسب لا فى الدين هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ عذاب اللّه بالتوحيد و ترك الإشراك

١٢٥

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أمين على الرسالة قال الكلبي أمين فيكم قبل الرسالة يعنى ما كنتم تتهمونى قبل ذلك فكيف تتهمونى اليوم

١٢٦

فَاتَّقُوا اللّه وَ أَطِيعُونِ

١٢٧

وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» و ابن عامر و ابو عمرو و حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فان أداء الرسالة طاعة للّه تعالى فاجره عليه مسئله لا يجوز أخذ الاجرة على الطاعة و الا لا يكون الطاعة طاعة للّه تعالى و لا يستحق الاجر من اللّه تعالى

١٢٨

أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ الاستفهام للتوبيخ او التقرير و الاستغراق فى كل ريع غير حقيقى بل المراد به الكثير بالكثرة فى نفسها دون الكثرة بالاضافة قال الوالبي عن ابن عباس اى بكل شرف يعنى بكل مكان مرتفع و ريع الأرض لنمائها و قال الضحاك و مقاتل بكل طريق و هو رواية العوفى عن ابن عباس و عن مجاهد هو الفج بين الجبلين و عنه ايضا المنظر و فى القاموس الريع بالكسر و الفتح المرتفع من الأرض او الطريق المنفرج فى الجبل او الجبل المرتفع او مسيل الوادي من كل مكان مرتفع و بالكسر الصومعة و برج الحمام آيَةً اى علامة مذكرة للبساتى تَعْبَثُونَ اى تفعلون فعلا لا يفيدكم فى الاخرة بل فى الدنيا ايضا او معنى الاية علامة للمارّة تعبثون ببنائها إذ كانت المارّة يهتدون بالنجوم فى أسفارهم فلا يحتاجون إليها و قيل انهم كانوا يبنون المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارّة و السابلة فيسخرون منهم و يعبثون بهم و عن سعيد بن جبير هذا فى بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها بدليل قوله تعبثون اى تلعبون و هم كانوا يلعبون بالحمام قلت و الظاهر انهم كانوا يبنون قصورا و بروجا و قلاعا تبقى على وجه الأرض بمر الدهور تكون ذلك علامة مذكرة لمن بناه كما هو داب اهل الدنيا يدل عليه قوله تعالى الم تر كيف فعل ربّك بعاد ارم ذات العماد الّتى لم يخلق مثلها فى البلاد و كل ذلك عبث فانكر عليهم هود عليه السلام كما أنكر النبي صلى اللّه عليه و سلم حيث قال إذا أراد اللّه بعبد شرّا حصر له فى اللبن و الطين حتى يبنى. رواه الطبراني بسند جيد من حديث جابر و رواه فى الأوسط من حديث ابى البشر الأنصاري بلفظ إذا أراد اللّه بعبد هوانا أنفق ماله فى البنيان و قال صلى اللّه عليه و سلم كل بنيان و بال على صاحبه الا ما كان هكذا.

و أشار بكفه رواه الطبراني بسند حسن عن واثلة بن الأسقع و عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خرج يوما و نحن معه فراى قبة مشرفة فقال ما هذه قال أصحابه هذه لفلان رجل من الأنصار فكت و حملها فى نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم سلّم عليه فى الناس فاعرض عنه صنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب منه و الاعراض عنه فشكى ذلك الى أصحابه فقال و اللّه انى لانكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالو اخرج فراى قبتك فرجع الرجل الى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات يوم فلم يرها قال ما فعلت القبة قالوا شكى إلينا صاحبها اعراضك عنه فاخبرناه فهدمها فقال اما ان كل بناء و بال على صاحبه الا مالا الا مالا- رواه ابو داود و اللفظ له يعنى الا ما لا بد منه و روى احمد و ابن ماجة عن انس عنه صلى اللّه عليه و سلم اما ان كل بناء فهو وبال على صاحبه يوم القيامة الا ما كان فى مسجد او دار و يدل على ما ذكرت قوله تعالى

١٢٩

وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ ماخذ الماء و قصورا مشيدة و حصونا عطف على تبنون لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ كانكم تبقون فيها ابدا فتحكمون بنائها

(مسئلة) يكره طول الأمل و يستحب قصره عن ابن عمر قال أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببعض جسدى فقال كن فى الدنيا كانك غريب او عابر سبيل و عدّ نفسك من اصحاب القبور رواه البخاري و عن عبد اللّه بن عمرو قال مرّ بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و انا و أمي نطين شيئا فقال ما هذا يا عبد اللّه قلت شى ء نصلحه قال الأمر اسرع من ذلك- رواه احمد و الترمذي و قال هذا حديث غريب و عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يهريق الماء فيتيمم بالتراب فاقول يا رسول اللّه ان الماء منك قريب فيقول ما يدرينى لعلى لا أبلغه. رواه البغوي فى شرح السنة و ابن الجوزي فى كتاب الوفاء

١٣٠

وَ إِذا بَطَشْتُمْ أخذتم أخذا بالعنف تعذيبا الظرف متعلق بقوله بَطَشْتُمْ معطوف على تبنون جَبَّارِينَ قتّالين فى غير حق بلا رأفة فى القاموس الجبار المتكبر و قلب لا يدخله رحمة و القتال فى غير حق

١٣١

فَاتَّقُوا اللّه بترك هذه الأشياء وَ أَطِيعُونِ فيما أدعوكم اليه فانه انفع لكم

١٣٢

وَ اتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ كرر الأمر بالتقوى مرتبا على امداد اللّه إياهم بما يعرفونه من انواع النعم تعليلا له و تغبيها على الواعد بدوام الامداد و الوعيد على تركه بالانقطاع ثم فصّل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساويهم المدلول عليها اجالا بالإنكار فى الا تتّقون مبالغة فى الاتعاظ و الحث على التقوى فقال

١٣٣

أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِينَ

١٣٤

وَ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ بدل من امدّكم السابق ثمّ أوعدهم فقال

١٣٥

إِنِّي فتح الياء حرميان و ابو عمرو و الباقون يسكنونها أَخافُ عَلَيْكُمْ ان عصيتمونى كذا قال ابن عباس عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فى الدنيا او الاخرة فان القادر على الانعام قادر على الانتقام و الجملة فى مقام التعليل.

١٣٦

قالُوا يعنى قوم هود فى جوابه سَواءٌ عَلَيْنا مصدر بمعنى المفعول غير مقدم لقوله أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ مبتدا بتأويل المصدر يعنى مستو عندنا وعظك إيانا و عدمه لا نترك ما نحن عليه بوعظك و الوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد و الوعيد غيّر شق النفي عما يقتضيه المقابلة حيث لم يقل او عظت أم لم تعظ للمبالغة فى عدم اعتدادهم لوعظه

١٣٧

إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ قرأ ابو جعفر و ابو عمرو و الكسائي و يعقوب بفتح الخاء و سكون اللام يعنى ما هذا الذي جئتنا به من الوعظ الا كذب الأولين و اختلاقهم كما فى قوله تعالى و تخلقون إفكا او المعنى ما خلقنا هذا الا خلق الأولين نحيى و نموت مثلهم لا بعث و لا حساب

و قرا نافع و ابن عامر و عاصم و حمزة و ابن كثير «١» بضمتين اى ما هذ الّذى جئتنا به إلا عادة الأولين كانوا يكذبون مثله او ما هذا الّذى نحن عليه من الدين الا خلق الأولين و عادتهم و نحن بهم مقتدون او ما هذا الذي نحن عليه من الحيوة و الموت الا عادة قديمة لم يزل الناس عليها

(١) قرا ابن كثير بفتح الخاء و سكون اللام فعدها فى هذه القراءة سهو ١٢ ابو محمد عفا اللّه عنه.

١٣٨

وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ على ما نحن عليه

١٣٩

فَكَذَّبُوهُ تأكيد و تقرير لما سبق من قوله ان هذا الّا خلق الأولين على بعض التأويلات فَأَهْلَكْناهُمْ السبب التكذيب بريح صرصر كما ذكر فى غير هذا الموضع إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ فيه اشارة الى انه لو أمن أكثرهم او شطرهم لما أخذوا بالعذاب و ان قريشا انما عصموا عن مثله ببركة من أمن منهم قال اللّه تعالى و لولا رجال مؤمنون و نساء مؤمنت الى قوله لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابا أليما

١٤٠

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

١٤١

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ

١٤٢

إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ

١٤٣

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

١٤٤

فَاتَّقُوا اللّه وَ أَطِيعُونِ

١٤٥

وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع و ابن عامر و ابو عمرو و حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ

١٤٦

أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا انكار لتركهم فيما انعموا فى الدنيا او تذكير بالنعمة فى تخلية اللّه إياهم فى اسباب التنعم آمِنِينَ غير خائفين من العذاب ثم فسر ما هاهنا بقوله.

١٤٧

فِي جَنَّاتٍ مع ما عطف عليه بدل من قوله فيما هاهنا وَ عُيُونٍ

١٤٨

وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها اى ثمرتها هَضِيمٌ قال ابن عباس اى لطيف و منه هضيم الكشح إذا كان لطيفا و روى عطية عنه نافع نضيج و قال عكرمة هو اللين و قال الحسن هو الرخو

و قال مجاهد منهشم متفمّت إذا يبس و ذلك انه مادام رطبا فهو هضيم فاذا يبس فهو هشيم و قال الضحاك و مقاتل قد ركب بعضها بعضا اى كثير و قال اهل اللغة هو المنضم بعضه الى بعض فى دعائه قبل ان يظهر قال الأزهري هو الداخل بعضه فى بعض و قيل هضيم اى هاضم يهضم الطعام و كل هذا للطافة

١٤٩

وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً عطف على قوله امنين لتضمنه معنى الفعل على طريقة فالق الإصباح و جعل اللّيل سكنا و التقدير تأمنون و تنحتون او حال من ضمير امنين بتقدير و أنتم تنحتون فارِهِينَ قرأ نافع «و ابو جعفر و يعقوب- ابو محمد» و ابن كثير و ابو عمرو فرهين و هو ابلغ لانه صفة مشبهة يدل على الدوام و الباقون فارهين يعنى حاذقين بنحتها من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره و قال عكرمة معناه ناعمين و قال قتادة معجبين بصنيعكم و قال السدىّ متحيرين و قال الأخفش فرحين و العرب يعاقب بين الحاء و الهاء مثل مدحته و مدهته و قال اى شرهبين يعنى حريصين و الشّره غلبة الحرص و قال ابو عبيدة مرحين أشرين بطرين و هو الطغيان بالنعمة و عدم قبول الحق تكبرا

١٥٠

فَاتَّقُوا اللّه وَ أَطِيعُونِ

١٥١

وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ قال ابن عباس اى المشركين و قال مقاتل هم التسعة الذين عقر و الناقة

١٥٢

الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالمعاصي وَ لا يُصْلِحُونَ و لا تطيعون اللّه فيما أمرهم به-

١٥٣

قالُوا يعنى ثمود إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ اى من المسحورين المخذوعين كذا قال مجاهد و قتادة و قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس من المخلوقين المعللين بالطعام و الشراب يقال سحره اى عللّه بالطعام و الشراب يعنى انك تأكل الطعام و الشراب و لست بملك بل

١٥٤

ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فلا أنت بنبي او المعنى انك ذو سحر و هى الرية اى انسان فحينئذ ما أنت الّا بشر مثلنا تأكيد له فَأْتِ بِآيَةٍ دليل على صحة قولا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك- فاخرج اللّه سبحانه ناقة من الصخرة بدعائه على ما اقترحوا اية على صدقه حتى.

١٥٥

قالَ صالح هذِهِ ناقَةٌ اية صدقى لَها شِرْبٌ اى حظ و نصيب من الماء صفة لناقة وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فاقتصروا على شربكم و لا تزاحموها فى شربها و الجملة حال عن الضمير المستكن فى لها شرب. فكانت الناقة تشرب الماء كله فى يوم نوبتها و لا تشرب أصلا فى يوم نوبتهم و هذا دليل على جواز المهاياة

١٥٦

وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ اى بضرب و عقر عطف على هذه ناقة فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى يوم عظيم عذابه و هو ابلغ من تعظيم العذاب لان الوقت إذا عظم بسببه كان وقعه من العظمة أشد

١٥٧

فَعَقَرُوها عطف على قال نسب العقر الى الكل مع صدوره من بعضهم لامرهم و رضائهم به و كذلك أخذوا فى العذاب كلهم فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ على عقرها خوفا من نزول العذاب لا توبة او عند معائنة العذاب حين لا ينفعهم

١٥٨

فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ الموعود إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

١٥٩

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

١٦٠

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ

١٦١

إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ

١٦٢

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

١٦٣

فَاتَّقُوا اللّه وَ أَطِيعُونِ

١٦٤

وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع و ابو عمرو و ابن عامر و حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها «١» إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ

(١) و فى الأصل بياض لقدر ربع الصفحة بعد الا تتّقون و كذا بعد و ما اسئلكم و كذا بعد بإسكانها ١٢ [.....].

١٦٥

أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ جملة أ تأتون بيان او بدل لقوله الا تتقون يعنى أ تأتون من دون من عداكم من العلمين الذكر ان تجامعونهم لا يشارككم فيه غيركم او ا تأتون الذكر ان بالجماع دون النساء من العلمين من أولاد آدم عليه السلام مع كثرتهم و غلبة النساء فيهم فالمراد بالعلمين على الاول كل من ينكح و على الثاني الناس

١٦٦

وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ لاجل استمتاعكم مِنْ أَزْواجِكُمْ من للبيان ان أريد بما جنس الإناث و للتبعيض ان أريد به العضو المباح منهن فانهم كانوا يفعلون ذلك بنسائهم ايضا كما تفعله الرافضة- و فيه دليل على حرمة ادبار الزوجات و للملوكات بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ مجاوزون من حد الحلال الى الحرام فى قضاء الشهوة زدتم فى قضائها على سائر الناس بل على الحيوانات او مفرطون فى المعاصي و هذا من جملة ذلك او أحقاء بان توصفوا بالعدوان لارتكاب هذه اللائمة-

١٦٧

قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ جواب قسم محذوف يلوط عما تدعيه او عن فهينا بقبيح أمرنا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ من قريتنا

١٦٨

قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ من المبغضين فابة البغض لا أبالي من الإخراج و هو ابلغ من ان يقول انّى لعملكم قال لدلالته على انه معدود فى زمرتهم مشهور بانه من جملتهم و كذلك قوله بل أنتم قوم عادون مكان تعدون ثم لمّا ظهر عند لوط عدم تأثير دعوته فيهم دعا ربه ان ينجوه من مصاحبتهم و يعافيهم عما يلحقهم من العذاب فقال

١٦٩

رَبِّ نَجِّنِي وَ أَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ اى من شومه و عذابه

١٧٠

فَنَجَّيْناهُ عطف على قال المقدر قبل قوله ربّ نجّنى وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ اى اهل بيته و متبعيه فى دينه بإخراجهم من بينهم و حلول العذاب بهم دونه

١٧١

إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ مقدرة فى الباقين فى العذاب و الهلاك أصابها حجر فى الطريق فاهلكها لانها كانت مائلة الى القوم راضبة بفعلهم و قيل كانت فيمن بقي فى القرية و لم يخرج مع لوط

١٧٢

ثُمَّ دَمَّرْنَا اى أهلكنا الْآخَرِينَ وَ

١٧٣

أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً قال وهب بن منبه الكبريت و النار

فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف اليه فاعل ساء و المخصوص بالذم محذوف و هو ممطرهم

١٧٤

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

١٧٥

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

١٧٦

كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ قرأ ابو عمرو و عاصم و حمزة و الكسائي الأيكة هاهنا فى سورة ص بالهمزة و سكون اللام و كسر التاء و الحرميان و ابن عامر ليكة بفتح اللام و التاء غير مهموز و هو اسم بلد غير منصرف و لم يختلفوا فى سورة الحجر «١» و ق فانهما مهموزتان مكسورتان مع سكون اللام غير ان ورشا يلقى حركة الهمزة على اللام على أصله و الايكة الغيضة من الشجر الملتف كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة فبعث اللّه تعالى إليهم شعيبا كما بعثه الى مدين و كان شعيب من اهل مدين و لم يكن من اصحاب الايكة و كذلك قال

(١) و فى للاصل فى سورة الحج و ف و هو من سبق قلم لا شك فيه- ابو محمد عفا اللّه عنه-.

١٧٧

إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ و لم يقل أخوهم شعيب كما قال فى ذكر مدين أخاهم شعيبا لانه كان منهم نسبا أَ لا تَتَّقُونَ

١٧٨

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

١٧٩

فَاتَّقُوا اللّه وَ أَطِيعُونِ

١٨٠

وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع «و ابو جعفر- ابو محمد» و ابو عمرو و ابن عامر و حفص بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ انما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى اللّه عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على الأمر بالتقوى و الطاعة و الإخلاص فى العبادة و الامتناع من طلب الاجر على الدعوة و تبليغ الرسالة و من ثم قال اللّه تعالى انّا أوحينا إليك كما أوحينا الى نوح و النّبيّين من بعده و قال اللّه تعالى اقيموا الدّين و لا تتفرّقوا فيه

١٨١

أَوْفُوا الْكَيْلَ يعنى اتموه الجملة مع ما عطف عليه بيان للتقوى وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ الناقصين لحقوق الناس بالتطفيف

١٨٢

وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ قرا مرّة «و حفص و خلف ابو محمد» و الكسائي بكسر القاف و الباقون بضمها و هو الميزان و هو ان كان عربيا فان كان من القسط بمعنى العدل ففعلاع بتكرير العين و الا فهو فعلال رباعى الْمُسْتَقِيمِ المستوي الذي لا تطفيف فيه

١٨٣

وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ اى لا تنقصوا شيئا من حقوقهم وَ لا تَعْثَوْا اى لا تفسدوا فِي الْأَرْضِ بالقنل و الغارة و قطع الطريق و النهب و غير ذلك مُفْسِدِينَ يعنى قاصدين الفساد فمن وقع منه نوع فساد بنية الإصلاح كمن رمى كافرا (تترّس بأسير مسلم) بنية الكافر و أصاب الأسير المسلم فلا غرم عليه و من وقع منه فساد خطأ من غير قصد فهو غير مفسد

١٨٤

وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ اى ذوى الجبلة الأولين

يعنى من تقدمهم من الخلائق.

١٨٥

قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ

١٨٦

وَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا الواو للعطف على ما سبق للدلالة على انه جامع بين و صفين متنافيين للوسلة مبالغة فى تكذيبه و جاز ان يكون حالا مما سبق وَ إِنْ نَظُنُّكَ يعنى و انا فظنك لَمِنَ الْكاذِبِينَ فى دعواك

١٨٧

فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً قرأ حفص هاهنا و فى سبأ بفتح السين و الباقون بسكونها اى قطعة مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك

١٨٨

قالَ شعيب رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ من نجس الكيل و الوزن و غير ذلك و هو يجازيكم عليه إنشاء و ليس العذاب الىّ و ما علىّ الا الدعوة

١٨٩

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ و ذلك انه أخذهم حر شديد و كانوا يدخلون الا سراب فاذا دخلوها وجدوها أشد حرّا فاظلهم سحابة و هى الظلة فاجتمعوا إليها فامطرت عليهم نارا فاحترقوا و قد ذكر القصة فى سورة هود إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

١٩٠

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

١٩١

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ هذا اخر القصص السبع المذكورة على الاختصار تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تهديدا للمكذبين به.

١٩٢

وَ إِنَّهُ اى القران لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ مصدر بمعنى المفعول يعنى منزل من رب العالمين عطف على قوله تلك آيات الكتاب المبين

١٩٣

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ حال بتقدير قد او تأكيد لما سبق او علة لكونة تنزيلا من اللّه قرا اهل الحجاز و ابو عمرو و حفص نزل بالتخفيف و الرّوح الامين بالرفع على الفاعلية يعنى نزل بالقران الرّوح الامين يعنى جبرائيل عليه السلام و هو أمين اللّه على الوحى الى الأنبياء

و قرا ابن عامر و ابو بكر «خلف و يعقوب ابو حمد» و حمزة و الكسائي بتشديد الزاء و نصب الروح الامين على المفعولية يعنى نزّل اللّه جبرئيل بالقران

١٩٤

عَلى قَلْبِكَ يا محمد حتى وعيته و المراد بالقلب هو القلب الصنوبري دون اللطيفة الربانية اللامكانية التي أصلها فوق العرش و برزتها فى القلب الصنوبري لانه من عالم الأمر و هو لا يحتمل اعياء الوحى و النبوة بل الحامل لها هو القلب الصنوبري الجامع للعناصر و النقش و برزات عالم الأمر و من ثم لم يوجد الإيحاء الا بعد كمال البدن او بلوغه أشدّه عند أربعين سنة لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ اى المخوفين عمّا يؤدى الى العذاب من فعل او ترك

١٩٥

بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ واضح المعنى قال ابن عباس يعنى بلسان قريش لئلا يكون لهم عذر بانا لم نفهم ما اوحى إلينا متعلق بنزل او بالمنذرين قيل معناه نزل به على قلبك بلسان عربى و لو كان اعجميّا لكان نازلا على سمعك دون قلبك لانك حينئذ تسمع صوتا لا تضهم معناه و قد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فاذا كلمه أحد بلغة نشا عليها أحاط قلبه اولا بمعاني الكلام و ان كلمه بغيرها كان قلبه اولا متوجها الى ألفاظها ثم فى معانيها فيقول بلسان عربىّ تقرير لقوله نزل على قلبك

١٩٦

وَ إِنَّهُ اى ذكر إنزال القران كذا قال اكثر المفسرين و قال مقاتل اى ذكر محمد صلى اللّه عليه و سلم و قيل معناه اى القران لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ اى كتبهم و هذه الجملة معطوفة على ما سبق او حال و على التأويل الأخير قال بعض الحنفية القران اسم للمعنى فقط لانه لم يكن فى الزبر السابقة بهذا اللفظ العربي قطعا و من أجل ذلك أجاز ابو حنيفة القراءة فى الصلاة بالفارسي و هذا القول مردود بل القران اسم للنظم و المعنى جميعا حيث قال اللّه تعالى قرءانا عربيّا فان العربي صفة للنظم و لان القران معجز و الاعجاز من خواص النظم و من أجل ذلك جاز للمجنب ان يقرا ترجمة القران بالفارسي و انما أجاز ابو حنيفة القراءة بالفارسي فى حق جواز الصلاة خاصة لجعله النظم ركنا غير لازم فى الصلاة خاصة رعاية للخضوع و قد رجع ابو حنيفة عن هذا القول و قال بعدم جواز القراءة بالفارسي كما قال صاحباه و اكثر الائمة و به يفتى

١٩٧

أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً الهمزة للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره الم يعرفوا رسولهم و لم يكن لّهم اية على رسالته- قرا ابن عامر تكن بالتاء الفوقانية و اية بالرفع على انه اسم كان و خبره لهم و ان يعلمه بدل من اية او خبر مبتدا محذوف و جاز ان يكون لم تكن تامة فاعله اية و لهم حال منه و ان يعلمه بدل من الفاعل او خبر مبتدا محذوف او يكون فى لم تكن ضمير القصة و ان يعلمه مبتدا و اية خبره مقدم عليه و لهم حال من اية و العامل معنى الثبوت المستفاد من الحمل و الجملة خبر كان-

و قرا الباقون بالياء التحتانية و اية منصوب على الخبرية و اسمه ان يعلمه و لهم حال من اية أَنْ يَعْلَمَهُ يعنى محمدا صلى اللّه عليه و سلم بنعته المذكورة فى التورية كما يعرفون أبناءهم او يعلمون القران انه منزل من اللّه عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ قال عطية كانوا خمسة عبد اللّه بن سلام و ابن يامين و ثعلبة و اسد و أسيد و قال ابن عباس بعث اهل مكة الى اليهود و هم بالمدينة فسالوهم عن محمد صلى اللّه عليه و سلم فقالوا ان هذا لزمانه و انا لنجد فى التورية نعته و صفته

١٩٨

وَ لَوْ نَزَّلْناهُ اى القران عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ هو جمع أعجم و هو الّذى لا يفصح و لا يحسن العربية و ان كان عربيّا فى النسب و العجمي هو المنسوب الى العجم و ان كان فصيحا بالعربية و معنى الاية و لو نزّلناه على رجل غير فصيح اللسان بالعربية و

قال البيضاوي هو جمع أعجمي على التخفيف و لذالك جمع جمع السلامة يعنى لو كان جمع أعجم لما جاز جمعه للسلامة لان مؤنثه عجماء فان افعل فعلاء لا يجمع جمع السلامة و نظيره اشعرون جمع اشعرى على التخفيف أصله اشعريون و المعنى و لو نزّلنا القران عربيّا كما هو على بعض الأعجمين زيادة فى الاعجاز او بلغة العجم

١٩٩

فَقَرَأَهُ اى الأعجمي عَلَيْهِمْ اى على اهل مكة ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ أفرط عنادهم و استكبارهم و استنكافهم من اتباع الأعجمي او لعدم فهمهم يقولون ما نفقه ما تقول نظيره قوله تعالى و لو جعلناه قرءانا اعجميّا لّقالوا لو لا فصّلت آياته

٢٠٠

كَذلِكَ فى محل النصب بفعل مضمر يفسره ما بعده سَلَكْناهُ الضمير عائد الى الشرك التكذيب المدلول عليه بقوله ما كانوا به مؤمنين كذا قال ابن عباس و الحسن و مجاهد يعنى أدخلنا الشرك و التكذيب فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ فيدل الاية على انه بخلق اللّه تعالى و قيل الضمير للقران اى أدخلنا القران فى قلوبهم فعرفوا معانيه و اعجازه و مع ذلك لم يؤمنوا به عنادا

٢٠١

لا يُؤْمِنُونَ بِهِ اى بالقران بيان لقوله كذلك سلكناه او حال او دليل على ما سبق و فى الاية اخبار بحال من علم اللّه موته على الشرك حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ الملجئ الى الايما ن و ذلك بعد الموت فى القبور

٢٠٢

فَيَأْتِيَهُمْ العذاب بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانه

٢٠٣

فَيَقُولُوا حينئذ تحسرا و ناسف هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ الاستفهام للتمنى يتمنون الرجعة و النظرة قال مقاتل لمّا أوعدهم اللّه سبحانه على لسان نبيه صلى اللّه عليه و سلم بالعذاب قالوا الى متى ما توعدنا به و متى هذا العذاب قال اللّه تعالى

٢٠٤

أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ الهمزة للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره ا بوعيدنا لا يستيقنون فبعذابنا يستعجلون و حالهم عند نزول العذاب طلب النظرة و قيل هذا كناية عن قولهم انزل علينا حجارة من السّماء او ائتنا بعذاب اليم و قولهم فاتنا بما تعدنا و لمّا كان استعجالهم العذاب بناء على اعتقادهم انه غير كائن و انهم يتمتعون أعمارا طوالا فى سلامة و أمن أنكر اللّه تعالى على استعجالهم ثم قال على تقدير التسليم

٢٠٥

أَ فَرَأَيْتَ الاستفهام للتقرير و الفاء للعطف على المحذوف تقديره أ تفكرت فرايت يعنى فعلمت إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ كثيرة و لو مدة حيوة الدنيا.

٢٠٦

ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ

٢٠٧

ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ و المعنى انهم إذا راوا العذاب الأليم حين يأتيهم بغتة يقولون هل نحن منظرون و لكنهم لا ينظرون اى لا يمهلون و لو سلمنا إهمالهم فلو تفكرت علمت انا ان متعناهم سنين كثيرة ثم جاءهم ما كانوا يوعدون به من العذاب ما اغنى عنهم تمتيعهم و إهمالهم المتطاول فى دفع العذاب و تخفيفه بل صار التمتع نسيا منسيّا كانهم لم يكونوا فى نعيم قط

٢٠٨

وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا قرية لَها مُنْذِرُونَ اى رسل انذروا أهلها فلم ير تدعوا

٢٠٩

ذِكْرى اى تذكرة و محلها النصب على العلة او المصدرية لانها فى معنى الانذار او الرفع لانّها صفة منذرون بإضمار ذووا او بجعلهم ذكرى مبالغة لامعائهم فى التذكرة او خبر مبتدا محذوف و الجملة اعتراضية وَ ما كُنَّا ظالِمِينَ

٢١٠

وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ عطف على نزل به الرّوح الامين يعنى ليس كما زعمت المشركون ان الشياطين يلقون القران على محمد صلى اللّه عليه و سلم.

٢١١

وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ اى للشياطين ان يلقوا القران على محمد فان القران هداية و الشياطين انماهم دعاة الى الضلال وَ ما يَسْتَطِيعُونَ ان يلقوا الاخبار بالمغيبات المذكورة فى القران

٢١٢

إِنَّهُمْ اى الشياطين عَنِ السَّمْعِ لكلام الملائكة من السماء لَمَعْزُولُونَ اى محجوبون مرجومون بالشهب

٢١٣

فَلا تَدْعُ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ تهييج لازدياد الإخلاص و لطف لسائر المكلفين قال ابن عباس رض يحذر به خيره يقول أنت أكرم الخلق علىّ و لو اتخذت الها غيرى لعذبتك

٢١٤

وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الأقرب منهم فالاقرب فانهم اولى باهتمام شأنهم او لنفى التهمة فان الإنسان يساهل قرابته او ليعلموا انه لا يغنى عنهم من اللّه شيئا و ان النجاة فى اتباعه-

قال البغوي روى محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس رض عن على بن ابى طالب رضى اللّه عنهم انه قال لما نزلت هذه الاية على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دعانى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا على ان اللّه أمرني ان انذر عشيرتى الأقربين فضقت بذلك ذرعا و عرفت انى متى انذرهم و اناديهم بهذا الأمر ارى منهم ما اكره فصمتّ عليها حتى جاءنى جبرئيل فقال يا محمد ان لم تفعل ما تؤمر بعذبك ربك فاصنع لنا صاما من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لى بنى عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم و هم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا او ينقصون فيهم أعمامه ابو طالب و حمزة و العباس و ابو لهب فلمّا اجتمعوا له دعا بالطعام الذي صنعت فجئت به فلمّا وضعته تناول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حذية «١» من اللحم فشقها بأسنانه ثم القاها فى نواحى الصحفة ثم قال خذوا بسم اللّه فاكل القوم حتى ما بهم حاجة و ايم اللّه و ان كان الرجل الواحد ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العش فشربوا حتى رووا جميعا و ايم اللّه الرجل او أحد يشرب مثله فلما راى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يكلمهم «اى سبقه- منه رح» بدره ابو لهب فقال سحركم صاحب كم فتفرق القوم و لم يكلمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال لغديا على ان هذا الرجل قد سبق الى ما علمت من القول فتفرق القوم قبل ان أكلمهم فعدلنا بمثل ما صنعت ثم اجمعهم ففعلت ثم جمعتهم ثم دعانى بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالأمس فاكلوا و شربوا ثم تكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا بنى عبد المطلب انى قد جئتكم بخير الدنيا و الاخرة و قد أمرني اللّه ان أدعوكم اليه فأيّكم يوازرنى على امرى و يكون أخي و وصيي و خليفتى فاحجم القوم عنها جميعا فقلت و انا أحدثهم سنّا انا يا نبى اللّه انا وزيرك عليه فاخذ برقبتى ثم قال ان هذا أخي و وصيي و خليفتى فيكم فاسمعوا له و أطيعوا فقام القوم يضحكون أمرنا ان نسمع لعلى و نطيع و فى الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت و انذر عشيرتك الأقربين صعد النبي صلى اللّه عليه و سلم على الصفا فجعل ينادى يا بنى فهر يا بنى عدى لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع ان يخرج أرسل رسولا فينظر ما هو فجاء ابو لهب و قريش فقال ارايتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي يريد ان يغير عليكم أ كنتم مصدقى قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فانّى نذير لّكم بين يدى عذاب شديد قال ابو لهب تبّا لك سائر اليوم ا لهذا جمعتنا فنزلت تبّت يدا ابى لهب و تبّ ما اغنى عنه ماله و ما كسب الى اخر السورة. و فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين انزل اللّه و انذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش او كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا اغنى عنكم من اللّه شيئا يا بنى عبد مناف لا اغنى عنكم من اللّه شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا اغنى عنك من اللّه شيئا يا صفية عمة رسول اللّه لا اغنى عنك من اللّه

(١) و فى القاموس الحذية بالحاء المهملة المكسورة و الذال المعجمة الساكنة فالياء ما قطع طولا او القطعة الصغيرة ١٢ الفقير الدهلوي.

شيئا يا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى لا اغنى عنك من اللّه شيئا. و ذكر البغوي حديث ابن عباس بلفظ لما نزلت و انذر عشيرتك الأقربين خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى صعد على الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا اليه فقال ارايتم ان أخبرتكم ان خيلا يخرج من صفح هذا الجبل أ كنتم مصدقى قالوا ما جربنا عليك كذبا قال انى نذير لّكم بين يدى عذاب شديد قال ابو لهب تبّا لك ما جمعتنا الا لهذا ثم قام فنزلت تبّت يدا ابى لهب قد تبّ هكذا قرا الأعمش يومئذ. و روى البغوي عن عبد اللّه بن حمار المجاشعي رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه امر فى ان أعلمكم ما جهلتم عما علمنى يومى هذا و انه قال كل مال نحلته عبادى فهو لهم حلال و انى خلقت عبادى خفاء كلهم فاتتهم الشياطين فاحتالهم عن دينهم و حرمت عليهم ما أحللت لهم و امرتهم ان لا يشركوا بي ما لم انزل به سلطانا و ان اللّه نظر الى اهل الأرض فمقتهم عربهم و عجمهم الا بقايا من اهل الكتاب و ان اللّه أمرني ان أخوف قريشا فقلت يا رب إذا يثلغوا رأسى حتى يدعوه خبزة فقال بعثت لابتليك و ابتلى بك قد أنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقراه فى المنام و اليقظة فاغزهم تغزك و أنفق تنفق عليك و ابعث جيشا غددك بخمسة أمثاله و قاتل بمن أطاعك من عصاك ثم قال اهل الجنة ثلاثة امام مقسط و رجل رحيم رقيق القلب بكل ذى قربى و مسلم و رجل غنى عفيف متعفف متصدق و اهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر «١» له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون بذلك أهلا و لا مالا و رجل ان أصبح أصبح يخادعك «٢» عن أهلك و مالك و رجل لا يخفى له طمع و ان دق الا ذهب به و الشنظير «٣» و ذكر البخل و الكذب و اللّه اعلم اخرج ابن جرير عن ابن جريح قال لما نزلت و انذر عشيرتك الأقربين بدا باهل بيته فشقّ ذلك على المسلمين فانزل اللّه تعالى

(١) لا زبر له اى لا عقل له يزبره و ينهاه عن الاقدام على ما لا ينبغى و روى بعضهم لا زبر لهم بالياء المثناة من تحت فسرده انه لا راى له و المحفوظ بالباء الموحدة ١٢ منه رحمه اللّه.

(٢) و فى الأصل و رجل ان أصبح مخادعك إلخ و لا يستقيم ١٢ الفقير الدهلوي؟.

(٣) و فى مجمع البحار الشنظير بكسر شين و سكون نون الفحاش و هو السيئ الخلق ١٢ الفقير الدهلوي.

٢١٥

وَ اخْفِضْ جَناحَكَ اى لئنّ جانبك لِمَنِ اتَّبَعَكَ مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد ان ينحط مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بيان لمن اتّبعك لان من اتّبع أعم ممن اتبع الدين او غيره او للتبعيض على ان المراد بمن اتبعك كمال الاتباع و بالمؤمنين أعم منهم و من عصاة المؤمنين كما يدل عليه قوله

٢١٦

فَإِنْ عَصَوْكَ فى بعض الأمور فَقُلْ إِنِّي بَرِي ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ يعنى برئ مما تعملون من المعاصي و السيئات و ليس فيه براءة من أنفسهم

٢١٧

وَ تَوَكَّلْ قرأ اهل المدينة و الشام فتوكّل بالفاء و كذا فى مصاحفهم على انه بدل من قوله فقل انّى برئ ممّا تعملون و الباقون بالواو عطفا على قوله و اخفض جناحك و التوكل تفويض امره الى غيره و ذالا يجوز عقلا و شرعا الا على من كان قادرا على نفعه و دفع الضرر عنه سميعا بأقواله بصيرا بأحواله عليما بعاقبة امره رقيبا عليه و لذلك قال عَلَى الْعَزِيزِ اى الغالب الذي يقدر على قهر أعدائه و نصر أوليائه الرَّحِيمِ الذي يرحم عليك و على اتباعك

٢١٨

الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ داعيا للناس الى التوحيد و مجاهدا فى سبيل اللّه او المراد حين تقوم الى الصلاة كذا قال المفسرون

٢١٩

وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ عطف على الضمير المنصوب فى يراك يعنى و يرى تقلبك فى صلاتك فى حال قيامك و ركوعك و سجودك و قعودك او فى محل تقوم يعنى يراك حين تقوم و حين تقلبك و قال عطية و عكرمة عن ابن عباس فى الساجدين اى فى المصلين و قال مقاتل اى و مع المصلين فى الجماعة يعنى يراك حين تصلى وحدك و حين تصلى مع المصلين فى الجماعة

و قال مجاهد يرى تقلب بصرك فى المصلين فانه كان يبصر من خلفه كما كان تبصر من امامه. روى البغوي عن ابى هريرة ان رسول اللّه صل اللّه عليه و سلم قال هل ترون قبلتى هاهنا فو اللّه لا يخفى على خضوعكم انى لاراكم من وراء ظهرى و قال الحسن تقلبك فى الساجدين اى تصرفك فى ذهابك و مجيئك فى أصحابك المؤمنين و قال سعيد بن جبير يعنى و تصرفك فى أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك و الساجدون هم الأنبياء و قيل معناه ترودك فى تصفح احوال المتهجدين

قال البيضاوي روى انه لما نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع لها من دندنتهم بذكر اللّه و التلاوة و انما ذكر تقلبه فى الساجدين من أحواله لكونه من اسباب الرحمة المقتضية للتوكل على من يتصف به- و قال عطاء عن ابن عباس أراد تقلبك فى أصلاب الآباء من نبى الى نبى لكن فى هذا التأويل ليس كمال المدح لاشتراك قريش بل جميع الناس فيه بل الاولى ان يقال المراد منه تقلبك من أصلاب الطاهرين الساجدين للّه الى أرحام الطاهرات الساجدات و من أرحام السجدات الى أصلاب الطاهرين اى الموحدين و الموحدات حتى يدل على ان اباء النبي صلى اللّه عليه و سلم كلهم كانوا مؤمنين كذا قال السيوطي و قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي (شعر):-

و ينقل أحد نورا عظيما تلألا فى وجوه الساجدين

تقلب فيهم قرنا فقرنا الى ان جاء خير المرسلين

و ممّا يؤيد هذا التأويل ما رواه البخاري فى الصحيح عنه صلى اللّه عليه و سلم قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه-

و روى مسلم من حديث واثلة بن الا سقع قوله صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه اصطفى من ولد ابراهيم إسماعيل و اصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة و اصطفى من بنى كنانة قريشا و اصطفى من قريش بنى هاشم و اصطفائى من بنى هاشم و روى البيهقي فى دلائل النبوة من حديث انس قال ما افترق الناس فرقتين الا جعلنى اللّه من خيرهما فاخرجت من بين ابوىّ و لم يصبنى شى ء من عهد الجاهلية خرجت من نكاح لم اخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت الى ابى و أمي فانا خيركم نفسا و خيركم أبا- و قد صنف السيوطي رحمه اللّه فى اثبات ايمان اباء النبي صلى اللّه عليه و سلم اجمالا و تفصيلا كتابا و ذكر فيه ما له و ما عليه و لخصلت منه رسالة فليرجع إليها

٢٢٠

إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ بأقواله الْعَلِيمُ بأفعاله و نيّاته و عواقب أموره فهو الحقيق بالتوكل.

٢٢١

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ متصل بقوله و ما تنزّلت به الشّياطين جوابا عن قولهم تنزل عليه شيطان. ثم بين فقال

٢٢٢

تَنَزَّلُ فى الموضعين مضارع من التفعل بإسقاط احدى التاءين عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ كثير الافك اى الكذب أَثِيمٍ كثير الإثم غير مطيع للّه تعالى ففيه بيان ان محمدا لا يصح ان يكون من يتنزل عليه شيطان بوجهين أحدهما انه انما يتنزل على شرير كذاب كثير الإثم لاشتراط التناسب بين المفيض و المستفيض و محمد صلى اللّه عليه و سلم ليس كذلك و ثانيهما قوله

٢٢٣

يُلْقُونَ السَّمْعَ الى الشياطين فيتلقون منهم أشياء فيضمون إليها أشياء على حسب تخيلاتهم لا يطابق أكثرها الواقع و ذلك قوله تعالى وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ و محمد صلى اللّه عليه و سلم ليس كذلك فانه يخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى و كلما يخبر بشئ يطابق الواقع لا محالة و الجملة صفة لا ثيم او استيناف عن عائشة قالت سال أناس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الكهان فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انهم ليسوا بشئ قالوا يا رسول اللّه فانهم يحدثون أحيانا بالشي ء يكون حقا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنّى فيقرها «١» فى اذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها اكثر من مائة كذبة متفق عليه و عنها قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان و هو السحاب فيذكر الأمر الذي قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فيسمعه

(١) فيقرها قال فى مجمع البخار القرر و بدك الكلام فى اون المخاطب حتى يفهمه و قر الدجاجة صوتها إذا قطعته فان ردّدت قلت قرقرت ١٢ فهو مضاعف من باب النصر الفقير الدهلوي.

فيوحيه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري و عن ابى هريرة ان نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا قضى اللّه الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا للذى قال الحقّ و هو العلىّ الكبير فسمعها مسترفوا السمع و مسترقا لسمع هكذا بعضه فوق بعض (و وصفه سفيان يكفه فحرفها و بدر بين أصابعه) فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها و ربما يلقيها قبل ان يدركه فيكذب معها مائة كذبه فيقال أ ليس قد قال لنا يوم كذا كذا و يوم كذا كذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء رواه البخاري و عن ابن عباس رض عن رجل من الأنصار انهم بيناهم جاوس ليلة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رمى بنجم و استنار فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ما كنتم تقولون فى الجاهلية إذا رمى مثل هذا قالوا اللّه و رسوله اعلم كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانها لا ترمى لموت أحد و لا لحياته و لكن ربنا تبارك و تعالى اسمه إذا قضى امرا سبح جملة العرش ثم سالج اهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربّكم فيخبرونهم عمّا قال فيستخبر بعض اهل السماوات بعضا حتى يبلغ هذه السماء الدنيا فيخطف الجنّ السمع فيقذفون الى أوليائهم و يرمون فما جاءو ا به على وجهه فهو حق و لكنهم يقذفون فيه و يزيدون- رواه مسلم و اللّه اعلم- اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم من طريق العوفى عن ابن عباس قال تهاجا رجلان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحدهما من الأنصار و الاخر من قوم آخرين و كان مع كل واحد منهما غواة من قومه و هم السفهاء فانزل اللّه تعالى

٢٢٤

وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ كذا ذكر البغوي عن الضحاك قال و هى رواية عطية عن ابن عباس

و اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة نحوه و قال اكثر المفسرين أراد به شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ذكر مقاتل أسماءهم فقال عبد اللّه بن زبير السهمي و هبيرة بن ابى وهب المخزومي و شافع بن عبد مناف و ابو عزة عبد اللّه بن عمر الجمحي و امية بن ابى الصّلت الثقفي فتكلموا بالكذب و الباطل و قالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد و يقولون اشعار او يجمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فيروون عنهم فذلك قوله تعالى و الشّعراء يتّبعهم الغاوون هم الرواة الذين يروون هجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و المسلمين و قال قتادة و مجاهد الغاوون هم الشياطين و هذه الجملة مستانفة لابطال كون النبي صلى اللّه عليه و سلم شاعرا و يقرره قوله تعالى

٢٢٥

أَ لَمْ تَرَ ايها المخاطب أَنَّهُمْ اى الشعراء فِي كُلِّ وادٍ من اودية الكلام كالمدح و الذم و الافتخار و بيان الحب و البغض و غيره الك- و الوادي نوع من انواع الكلام يقال انا فى واد و أنت فى واد اخر يَهِيمُونَ جملة الم تر تعليل لما سبق و الهائم الذاهب على وجهه بحيث لا يقف على حد يعنى يبالغون فى الكلام كل المبالغة لا يبالون الكذب و اكثر مقدماتهم خيالية لا حقيقة لها قال قتادة يمدحون بالباطل و يهجون بالباطل و قيل فى كل واد يهيمون اى على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون القوافي.

٢٢٦

وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ اى يكذبون كثيرا فى أشعارهم و لمّا كان اعجاز القران من جهة النظم و المعنى و كانوا يقدحون فى المعنى بانه ممّا تنزّلت به الشّياطين و فى اللفظ بانه من جنس الشعر رد اللّه سبحانه قولهم ببيان المباينة و المضادة بين حال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و حال الكهنة و الشعراء عن ابى هريرة رضى اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لان يمتلى جوف قيحا حتى يفسده خيرا له من ان يمتلى شعرا رواه البخاري و مسلم و احمد و ابو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و روى عن ابى سعيد الخدري قال بينا نحن نسير مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالعرج «١» إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خذوا الشيطان او أمسكوا الشيطان لان يمتلى جوف رجل قيحا خير له من ان يمتلى شعرا عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هلك المتنطعون «٢» قالها ثلاثا. رواه مسلم يعنى الغالون فى الكلام و عن ابى ثعلبة الخشتى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان أحبكم الى و أقربكم منى يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا و ان أبغضكم الىّ و أبعدكم منى مساويكم أخلاقا الثرثارون المتشدقون المتفيهقون. رواه البيهقي فى شعب الايمان قال فى النهاية الثرثارون الذين يكثرون الكلام تكلفا و خروجا عن الحق و المتشدقون المتوسعون فى الكلام من غير احتياط و احتراز قلت و هذا صفة الشعراء و روى الترمذي عن جابر نحوه و فى رواية قالوا يا رسول اللّه قد علمنا الثرثارون و المتشدقون فما المتقيهقون قال المتكبرون و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مررت ليلاة اسرى بي بقوم يقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبرئيل من هؤلاء قال خطباء أمتك الّذى يقولون ما لا يفعلون رواه الترمذي

(١) بالعرج قال فى مجمع البحار العرج بفتح فسكون جبل بطريق مكة و هو أول تهامة ١٢ الفقير الدهلوي.

(٢) المتنطعون قال فى مجمع البحار هم المتعمقون الغالون فى الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم من النطع و هو الغار الأعلى من الفم ثم استعمل فى كل تعمق قولا و فعلا ١٢ الفقير دهلوى.

و قال هذا حديث غريب و اللّه اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن عروة قال لما نزلت و الشّعراء يتّبعهم الغاوون الى قوله ما لا يفعلون قال عبد اللّه بن رواحة قد علم اللّه انى منهم فانزل الا الّذين أمنوا الى اخر السورة

و اخرج هو و ابن جرير و الحاكم عن ابى الحسن البراد «١» قال لما نزلت و الشعراء يتّبعهم الغاوون الاية جاء عبد اللّه بن رواحة و كعب بن مالك و حسان بن ثابت فقالوا يا رسول اللّه و اللّه لقد انزل اللّه هذه الاية و هو يعلم انا شعراء هلكنا فانزل اللّه الّا الّذين أمنوا الاية فدعاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تلا عليهم

(١) هكذا فى الأصل و فى تهذيب التهذيب ابو الحسن مولى بنى نوفل. ابو محمد عفا اللّه عنه.

٢٢٧

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَكَرُوا اللّه كَثِيراً «٢» اى لم يشغلهم الشعر عن الإكثار فى الذكر و يكون اكثر أشعارهم فى الذكر و التوحيد و الثناء على اللّه و الحث على طاعته قال ابو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا و لو كان فى كلامهم هجو لاحد أرادوا به الانتصار مما هجاهم و مكافحة هجاء المسلمين روى البغوي فى شرح السنة و المعالم عن كعب بن مالك انه قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تعالى قد انزل فى الشعر ما انزل قال النبي صلى اللّه عليه و سلم ان المؤمن يجاهد بسيفه و لسانه و الّذى نفسى بيده لكانّما ترمونهم به نضح النبل. و فى الاستيعاب لابن عبد البر انه قال يا رسول اللّه ماذا ترى فى الشعر قال ان المؤمن يجاهد بسيفه و لسانه و روى البغوي عن انس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم دخل مكة فى عمرة القضاء و ابن رواحة يمشى بين يدى رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم و فى حرم اللّه يقول الشعر فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم خل عنه يا عمر فلمى اسرع فيهم من نضح النبل و فى الصحيحين عن البراء بن عازب قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فان جبرئيل معك- و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لحسان أجب عنى اللّهم أيده بروح القدس- و روى مسلم عن عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اهجوا قريشا فانه أشد عليهم من رشق النبل. و روى عنها ايضا قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لحسان ان روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن اللّه و رسوله و قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول هجاهم حسان فشفا و أشفي.

(٢) عن ابن عباس الّا الّذين أمنوا و عملو الصّلحت و ذكروا اللّه كثيرا قال ابو بكر و عمر و عبد اللّه بن رواحة ١٤ منه رحمة اللّه.

و روى البخاري عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يضع لحسان منبرا فى المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم او ينافح و يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه يؤيد حسان بروح القدس ما نافح او فاخر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و روى البغوي عن عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اهجوا قريشا فانها أشد عليهم من رشق النبل فارسل الى ابن رواحة فقال اهجهم و هاجهم فلم يرض فارسل الى كعب ثم أرسل الى حسان بن ثابت فلمّا دخل عليه حسان قال قد ان لكم ان ترسلوا الى هذا الأسد الضارب بذنبه ثمّ اولع لسانه يحركه فقال و الذي بعثك بالحق لافرينهم بلساني فرى الأديم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تعجل فان أبا بكر اعلم قريش بانسابها و ان لى فيهم نسبا حتى يلخص لك فيهم نسبى فاتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول اللّه قد لخص لى نسبك فالّذى بعثك بالحق لاسلنك كما يسلى الشعر من العجين قال حسان شعر

هجوت محمّدا فاجبت عنه و عند اللّه فى ذاك الجزاء

هجوت محمّدا برّا حنيفا «١» رسول اللّه شيمته الوفاء

فان ابى و والده و عرضى لعرض محمد منكم وفاء

أمن يهجو رسول اللّه منكم و يمدحه و ينصره سواء

و جبريل رسول اللّه فينا و روح القدس ليس له كفاء

(١) و فى تفسير البغوي تفيا ١٢ الفقير الدهلوي.

و عن ابن سيرين مرسلا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لكعب بن مالك هبه فانشده فقال لهو أشد عليهم عن وقع النيل.

(فائدة):- ثبت من هذه الأحاديث ان الشعر لا بأس به ما اجتنب الكذب و أشباهه من المحرمات روى الدار قطنى عن عائشة قالت ذكر عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الشعر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هو كلام فحسنه حسن و قبيحه قبيح. و رواه الشافعي عن عروة مرسلا و ذكر البغوي انه قالت عائشة الشعر كلام فمنه حسن و منه قبيح فخذ الحسن و دع القبيح- عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد الا كلّ شى ء ما خلا اللّه باطل. متفق عليه و عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما فقال هل معك من شعر امية بن الصلت شى ء قال نعم قال هيه فانشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت. رواه مسلم و عن جندب ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان فى بعض المشاهد و قد دميت إصبعه فقال هل أنت الا إصبع دميت. و فى سبيل اللّه ما لقيت متفق عليه و عن الشعبي قال كان ابو بكر يقول الشعر و كان عمر يقول الشعر و كان على أشعر الثلاثة- و روى عن ابن عباس انه كان ينشد الشعر فى المسجد و يستنشد فروى انه دعا عمرو بن ربيعة فاستنشده القصيدة أولها شعر

أمن ال نعمى أنت غاد و مبكر غدة غدام رائح فمهجر

فانشد ابن ابى ربيعة القصيدة الى آخرها و هى قريب من سبعين بيتا ثم ان ابن عباس أعاد القصيدة جميعا و كان يحفظها بمرة واحدة (فائده):- الشعر طاعة ان كان فيه ذكر اللّه او علما من علوم الدين او نصحا و وعظا للمسلمين عن ابى بن كعب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان من الشعر حكمة رواه البخاري و عن الصخر بن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان من البيان سحرا و ان من العلم جهلا و ان من الشعر حكما واف من القول عيالا رواه ابو داؤد و عن ابن عباس انّ من البيان سحرا و انّ من الشّعر حكما. رواه ابو داود واحد و قد مرّ فيما سبق ان المؤمن يجاهد بسيفه و لسانه- و روى ابو داود و النسائي و الدارمي عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال جاهدوا المشركين باموالكم و أنفسكم و السنتكم.

و بعد ما ذكر اللّه سبحانه شعراء المشركين و المسلمين أوعد شعراء المشركين فقال وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى أشركوا و هجوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أَيَّ مُنْقَلَبٍ مصدر او ظرف منصوب بما بعده قدمه لاقتضاء الاستفهام صدر الكلام و الجملة الاستفهامية قائم مقام المفعولين لسيعلم و الاستفهام للتهديد يَنْقَلِبُونَ يعنى اى رجوع اى مرجع يرجعون بعد الموت قال ابن عباس الى جهنم و السعير

قال البيضاوي تهديد شديد لما فى سيعلم من الوعيد البليغ و فى الّذين ظلموا من الإطلاق و التعميم و فى اىّ منقلب من الإيهام و التهويل- و المعنى ان الظالمين يطمعون ان ينقلبوا من عذاب و سيعلمون ان ليس لهم وجه من وجوه الانقلاب اخرج ابن ابى حاتم عن عائشة رضى اللّه عنها قالت كتب ابى فى وصية سطرين بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما اوصى ابو بكر بن ابى قحافة عند خروجه من الدنيا حين يومن الكافر و يتقى الفاجر و يصدق الكاذب انى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فان يعدل فذاك ظنى به و رجائى فيه و ان يجر و يبدّل فلا اعلم الغيب و سيعلم الّذين ظلموا اىّ منقلب ينقلبون ٥ الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه تعالى على خير خلقه محمد و اله أصحابه أجمعين.

﴿ ٠