٨

فَلَمَّا جاءَها يعنى لمّا قرب موسى من النار التي راها يقال بلغ فلان المنزل إذا قرب منه و ان لم يبلغه بعد نُودِيَ أَنْ بُورِكَ ان مفسرة لما فى النداء معنى القول او التقدير بان بورك على انها مصدرية او مخففة من الثقيلة و التخفيف و ان اقتضى التعويض بلا او قد او السين او سوف لكنه دعاء و هو يخالف غيره فى احكام كثيرة مَنْ فِي النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَها روى عن ابن عباس رض و سعيد بن جبير و الحسن معناه قدس من فى النّار و هو اللّه سبحانه على معنى انه تعالى نادى موسى و أسمعه كلامه قيل كان ذلك نوره عزّ و جلّ حسبه موسى نارا فلذلك ذكر موسى بلفظ النار روى مسلم عن ابى موسى قال قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بخمس كلمات فقال ان اللّه لا ينام و لا ينبغى له ان ينام يخفض القسط و يرفعه برفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار و عمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه.

و قال سعيد بن جبير كانت النار بعينها و هى احدى حجب اللّه تعالى كما ورد فى بعض الروايات حجابه النار لو كشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه و على هذا التأويل هذه الاية من المتشابهات كقوله تعالى هل ينظرون الّا ان يأتيهم اللّه فى ظلل من الغمام و لمّا كان فى هذا الكلام إيهام التحيز و التشبيه نزه اللّه سبحانه نفسه و هو المنزه من كل سوء و عيب فقال وَ سُبْحانَ اللّه رَبِّ الْعالَمِينَ و روى مجاهد عن ابن عباس انه قال بوركت النار و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رض انه قال سمعت ابيّا يقول ان بوركت النار و من حولها و كلمة من على هذا زائدة و بورك النار و بورك فى النار معناهما واحد فان العرب يقول بارك اللّه و بارك فيه و بارك عليه بمعنى واحد و المعنى بورك فى النار و فيمن حولها و هم الملائكة و موسى عليه السلام و يسمى النار مباركة كما يسمى البقعة مباركة قال اللّه تعالى فى البقعة المباركة و قيل معناه بورك من فى طلب النار او من فى مكان النار بحذف المضاف و هو موسى عليه السلام و من حولها و هم الملائكة الذين حول النار حاضرين هناك فهذه تحية من اللّه لموسى بالبركة كما حيّا ابراهيم على السنة الملائكة حين دخلوا على ابراهيم فقالوا رحمة اللّه و بركاته عليكم اهل البيت و قيل من فى النار هم الملئكة و ذلك ان النور الذي راه موسى كان فيه ملائكة لهم رجل بالتسبيح و التحميد و التقديس و من حولها موسى لانه كان بالقرب منها و قيل من حولها عام شامل لكل من فى ذلك الوادي و حواليهما من ارض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء و تصدير الخطاب بذلك بشارة بانه قد قضى له امر عظيم ينتشر بركته فى أقطار الشام و على هذه التأويلات قوله تعالى و سبحن اللّه ربّ العلمين لدفع توهم التشبيه الناشي من سماع كلامه و للتعجيب من عظم ذلك الأمر.

﴿ ٨