٦ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ اى ما تلهى و تشتغل عما يفيد من الأحاديث التي لا اصل لها و الأساطير التي لا اعتبار فيها و المضاحيك و فضول الكلام- و الاضافة بيانية بمعنى من ان أراد بالحديث المنكر او تبعيضية ايضا بمعنى من ان أراد به الأعم منه. و اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس انها نزلت فى رجل من قريش اشترى جارية مغنية و روى البغوي عن ابى سلمة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل تعليم المغنيات و أثمانهن حرام و فى مثل هذا نزلت وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الاية و ما من رجل يرفع صوته بالغناء الا بعث اللّه شيطانين أحدهما على هذا المنكب و الآخر على هذا المنكب و لا يزالان يضربان بارجلهما حتى يكون هو الذي يسكت- اخرج الترمذي و غيره عن ابى امامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا تبيعوا القينات و لا تشتروهن و لا تعلموهن و لا خير فى تجارة فيهن و ثمنهن حرام و فى مثل هذا أنزلت وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ- و قال البغوي قال مقاتل و الكلبي نزلت فى النضر بن الحارث بن كلدة كان يتّجر فيأتى الحيرة و يشترى بها اخبار الأعاجم و يحدث بها قريشا و يقول ان محمدا يحدنكم بحديث عاد و ثمود و انا أحدثكم بحديث رستم و إسفنديار و اخبار الاكاسرة فيستملحون حديثه و يتركون استماع القران فانزل اللّه هذه الاية- و كذا اخرج البيهقي فى شعب الايمان عن ابن عباس رض و قال مجاهد يعنى القينات و المغنين و معنى الاية على هذا مَنْ يَشْتَرِي ذات لهو او ذا لهو الحديث او المعنى من يشتري لهو الحديث اى يستبدل و يختار الغناء و المزامير و المعازف على القران- قال مكحول من اشترى جارية ضرابة لتمسكها لعنائها و ضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصلّ عليه لان اللّه تعالى قال وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الاية- و عن ابن مسعود رض و ابن عباس و الحسن و عكرمة و سعيد بن جبير قالوا لهو الحديث الغناء و الاية نزلت فيه و قال ابو الصهباء البكري سالت ابن مسعود عن هذه الاية قال هو الغناء و اللّه الذي لا اله الا هو يردّدها ثلاث مرات- و قال ابن جريج هو الطبل قلت مورد النص و ان كان خاصّا و هو الغناء او قصص الأعاجم لكن اللفظ عام و العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب و من اقال قتادة هو كل لهو و لعب و قال الضحاك هو الشرك. (مسئلة):- اتخاذ المعازف و المزامير حرام باتفاق فقهاء «١» الأمصار عن ابى (١) فى المتفق ضرب المزامير و استماعها حرام و فى الفتاوى الكبرى يحرم ضرب الطبل و استماعه لانه من الملاهي الا طبول الحراب و القافلة لان فيها اعلاما للغزاة و الرفقاء و انه طاعة و فى الملتقط و من الناس من يقول لا بأس بالغناء فى الأعراس و الوليمة الا ترى انه لا يأس بضرب الدف فى الأعراس و الوليمة و ان كان فى ذلك نوع لهو و انما لم يكن به بأس لانه فيه اظهار النكاح و اعلانيه و به امر صاحب الشرع حيث قال أعلنوا النكاح و لو بالدّف و كذلك الفتوى- و فى الذخيرة و منهم من قال لا بأس بالدّفّ فى الأعياد روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان جالسا فى بيته يوم العيد و فى دهليزه جاريتان تغنيان بالدّف فجاء ابو بكر و قال لهما أ تغنّيان فى دهليز رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال عليه السلام دعهما فان هذا اليوم يوم عيد ١٢ قدس سره-. هريرة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نهى عن ثمن الكلب و كسب الزمارة- رواه البغوي و عن ابى مالك الأشعري انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول يشربون الناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها و يضرب على رؤسهم المعازف و القينات يخسف اللّه بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير رواه ابن ماجة و صححه ابن حبان و أصله فى صحيح البخاري و عن على بن ابى طالب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل و ما هى يا رسول اللّه قال إذا كان المغنم دولا و الامانة مغنما و الزكوة مغرما و أطاع الرجل زوجته و عقّ امه و بر صديقه و جفا أباه و ارتفعت الأصوات فى المساجد و كان زعيم القوم أرذلهم و أكرم الرجل مخافة شرة و شربت الخمر و لبست الحرير و اتخذت القينات و المعازف و لعن اخر هذه الامة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء و خسفا و مسخا- رواه الترمذي و قال غريب- (مسئله):- قالت الفقهاء الغناء حرام بهذه الاية لكونه لهو الحديث و بما ذكرنا من الأحاديث. و قالت الصوفية كان من الرجال ذى قلب مطمئن بذكر اللّه فارغا عن غيره لا يلتفت الى ما سوى اللّه و لا يكون المغنى محلّا للشهوة و كان المجلس خاليا عن الأغيار و لا يكون وقت صلوة او نحوها جاز له السماع بل يستحب لان فى السماع خاصية انه يستعمل به نار المحبة الجامدة المستورة فى القلب و ذلك هو السبب لحرمته فى حق العامة فان العوام قلوبهم مشغولة بحب النساء او الغلمان فعند السماع يشتعل ذلك المحبّة و يشغلهم عن ذكر اللّه فكان فى حقهم لهو الحديث و من كان قلبه مشغولا بمحبة اللّه و ذكره فارغا عن غيره يكون السماع فى حقه موجبا لاشتغال محبة اللّه فيكون فى حقه مستحبا «١»- و الجواب عن النصوص ان الاية ناطقة بالحرمة لما هو لهو الحديث و سماع الصوفية ليس منه و الأحاديث الموجبة لحرمة الغناء مخصوصه بالبعض لورود أحاديث اخر دالة على الإباحة فحملنا أحاديث حرمة الغناء على ما كان منه على قصد اللّهو لا لغرض مشروع داعيا الى الفسوق- فلنذكر الأحاديث الدالة على اباحة الغناء بل على اباحة ضرب الدف ايضا منها حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت جاء النبي صلى اللّه عليه و سلم فدخل حين بنى علىّ فجلس على فراشى كمجلسك منى فجعلت جويريات لنا يضر بن بالدف و يندبن من قتل من ابائى يوم بدر إذ قالت إحداهن. (١) فى شرح الكافي و اعلم ان المكروه من السماع عند علمائنا ما يكون على سبيل اللّهو و ارادة العصيان بان يجتمع الفساق على ذلك و يتركون الصلاة و قراءة القران- و اما ما كان من اهل الصلاة و اهل القران من جملة الصالحين فسماع هؤلاء حلال بلا خلاف بين علمائنا إذ لا يريدون بذلك الا وجه اللّه و حضوره و يذكرون اللّه فى خوف الاخرة و كل ذلك محمود غير مذموم و التواجد و الرقص ايضا غير مذموم لهذا المعنى- و فى شرح البزدوى المسمى بالنوري صنفه ابو القاسم بن محمد بن عبد اللّه الدمشقي- اعلم ان السماع انما يختلف علماءنا فى حقه فهو ما كان على سبيل اللّهو و اللعب يجتمع الفساق و شاربوا الخمر و تركوا الصلاة- فاما من سمع السماع و هو صالح دائم الصلاة لا تارك الورد و قراءة القران فهو حلال بلا خلاف بين علمائنا و كذلك الرقص و التواجد و فى الاقناع ان السماع يحصل به رقة القلب و الخشوع و اثارة الشوق الى لقاء اللّه تعالى و الخوف من سخطه و عذابه و المفضى الى ذلك قربة فاذا كان السماع هكذا فكيف يكون فيه شائبة اللّهو و الهواء و قال الشيخ شهاب الدين السهروردي فى العوارف و السماء يستجلب الرحمة من اللّه الكريم و اللّه اعلم- و فى فتاوى الخلاصة يجب ان يعلم ان التغنّى لا يناس الغير مكروه عند عامة المشايخ و منهم من جوز ذلك فى العرس و الوليمة و اما التغنّى لدفع الوحشة عن نفسه لا يكره عند البعض و به أخذ الامام السرخسي و المكروه عندهم ما يكون على سبيل اللّهو و منهم من يقول جميع ذلك مكروه و به أخذ الامام خواهر زاده و فى الجامع المضمرات قال ذكر فى النافع و الذخيرة ان المتغني إذا لم يسمع غيره و لكن يسمع نفسه لازالة الوحشة فلا بأس به و قال سمعت الشيخ الامام الاجل نجم الدين رحمه اللّه انه قال لو سمعه من جاريته يباح له ذلك و احاله الى واقعات الحسانيته و فى العوارف او زوجته كذا فى فتاوى ابراهيم شاهى- و فى المحيط ذكر محمّد فى السير الكبير عن انس بن مالك انه دخل على أخيه البراء بن مالك و كان يتغنى ١٢ منه برد اللّه تربته. و فينا نبى يعلم ما فى غد فقال دعى هذه و قولى ما كنت تقولين رواه البخاري و روى ابن ماجة نحوه و فيه اما هذا فلا تقولوه لا يعلم ما فى غد الا اللّه- و عن عائشة قالت زفت امرأة الى رجل من الأنصار فقال نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما كان معكم لهو فان الأنصار يعجبهم اللّهو- رواه البخاري و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعلنوا هذا النكاح و اجعلوا فى المساجد و اضربوا عليه بالدّفوف رواه الترمذي و قال هذا حديث غريب و عن عائشة قالت كانت عندى جارية من الأنصار زوجتها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا عائشة الا تغنين فان هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء رواه ابن حبان فى صحيحه و عن ابن عباس قال أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال اهديتم الفتاة قالوا نعم قالوا أرسلتم معها من تغنّى قالت لا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الأنصار قوم فيه غزل فلو بعثتم معها من يقول اتيناكم فحيانا و حياكم. رواه ابن ماجة و عن عامر ابن سعد قال دخلت على قرظ بن كعب و ابى مسعود الأنصاري فى عرس و إذا جوار تغنين فقلت اى صاحبى رسول اللّه و اهل بدر يفعل هذا عندكم فقالا اجلس ان شئت فاستمع معنا و ان شئت فاذهب فانه قد رخص لنا فى اللّهو عند العرس- و عن عائشة ان أبا بكر رضى اللّه عنه دخل عليها و عندها جاريتان فى ايام منى تدففان و تضربان و النبي صلى اللّه عليه و سلم متفس بثوبه فانتهرهما ابو بكر فكشف النبي صلى اللّه عليه و سلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فانها ايام عيد (تلك ايام منى) رواه البخاري و عند ابن ماجة ان لكل قوم عيدا و هذا عيدنا و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول اللّه انى نذرت ان اضرب على رأسك بالدف قال او فى بنذرك- رواه ابو داود و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا وفاء لنذر فى معصية اللّه رواه مسلم و روى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لمّا قدم المدينة و نزل فى بنى نجارا صبرن جوار من بنى النجار يتغنين و يقلن نحن جوار من بنى نجار يا حبذا محمدا من جار رواه ابن ماجة عن انس و فيه فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اللّه يعلم انى لاحبكن- و روى البيهقي عن عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم حين قدم المدينة جعل النساء و الولاية و الصبيان يقلن شعر طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعى اللّه داع ايها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع و روى احمد عن انس اما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة لعبت الحبشة بحرابها فرحا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عن محمد بن حاطب الجمحي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال فصل ما بين الحلال و الحرام الصوت و الدّف فى النكاح- رواه احمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة فظهر ان المحرم من الغناء ما يدعوا الى الفسق و يشغل عن ذكر اللّه و ما ليس كذلك فليس بحرام «١» غير انه لم يثبت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا عن الصحابة رضى اللّه عنهم استماع الغناء تقربا الى اللّه تعالى و لاجل ذلك ما اختار الكرام من النقشبندية و غيرهم ارتكابه و ان لم يرتكبوا الإنكار عليه و اللّه اعلم- لِيُضِلَّ الناس عَنْ سَبِيلِ اللّه اى عن دينه او ذكره و قراءة كتابه قرا ابن كثير و ابو عمرو «و رويس يخلف عنه- ابو محمد» ليضلّ بفتح الياء على صيغة المجرد بمعنى يلبث على ضلاله و يزيد فيه بِغَيْرِ عِلْمٍ بحال ما يشتريه او بالتجارة حيث استبدل اللّهو بقراءة القران و قال قتادة بحسب المؤمن الضلالة ان يختار حديث الباطل على حديث الحق وَ يَتَّخِذَها اى آيات اللّه قرا حمزة «و خلف- ابو محمد» و الكسائي و يعقوب «٢» و حفص بالنصب عطفا على قوله ليضل و الباقون بالعطف على قوله يشترى بالرفع هُزُواً مهزوّا به سخرية أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) ذو اهانة. (١) فى الاحياء السماع فى اوقات السرور تأكيدا للسرور و تهيجا له مباح ان كان ذلك السرور مباحا كالغناء فى ايام العيد و فى العرس و فى وقت قدوم الغائب و فى الوليمة و العقيقة و عند ولادة الولد و ختانه و عند حفظ القران- قلت و كذا عند تفويض الولد للمقرى لاجل التعليم ١٢ عنه أنار اللّه برهانه. (٢) هذا سهو لان يعقوب قرا بالرفع بلا خلاف كابى عمرو- ١٢ ابو محمد عفا اللّه عنه. |
﴿ ٦ ﴾