٥

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ استئناف او حال من فاعل استوى او خبر بعد خبر للّه او خبر أول و الموصول مع صلته صفة للّه و ما لكم حال يعنى يدبر امر الدنيا مِنَ السَّماءِ اى بأسباب سماوية نازلة اثارها إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ اى يصعد إِلَيْهِ و يثبت فى علمه موجودا او المعنى يدبر الأمر اى يحكم بالأمر و ينزل الوحى مع جبرئيل او ينزل القضاء و القدر مع الملك المؤكل به من السماء الى الأرض ثم يعرج اى يصعد جبرئيل او غيره من الملائكة اليه اى الى اللّه يعنى الى حيث يرضاه فِي يَوْمٍ من ايام الدنيا و المراد باليوم هاهنا مطلق الوقت لا بياض النهار لان نزول الملائكة و صعودها غير مختص بالنهار كانَ مِقْدارُهُ حال بتقدير قد اى و قد كان مقدار عروجه و نزوله أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) يعنى لو سار أحد من بنى آدم لم يقطعه الا فى الف سنة لكن اللّه بكمال قدرته جعل نزوله و عروجه فى طرفة عين-

قال البغوي هذا وصف عروج الملائكة و نزولها من السماء الى الأرض و اما قوله تعالى تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مدة المسافة من الأرض الى سدرة المنتهى التي هى مقام جبرئيل يقول يسير جبرئيل و الملائكة الذين معه من اهل مقامه مسيرة خمسين الف سنة فى يوم من ايام الدنيا اى برهة من الزمان هذا كله معنى قول مجاهد و الضحاك-

قلت و جاز ان يكون المراد فى الآيتين المسافة التي بين الأرض و السدرة المنتهى على اختلاف سير السائرين فانه ورد فى حديث العباس بن عبد المطلب عند الترمذي بعد ما بين السماء و الأرض اما واحدة و اما اثنتان او ثلاث و سبعون سنة و فى حديث ابى هريرة عند احمد و الترمذي مسافة ما بينهما و بين كل سمائين خمس مائة سنة و لا وجه لتطبيقهما الا باعتبار اختلاف سير السائرين و اللّه اعلم.

و قيل معنى الاية يُدَبِّرُ الْأَمْرَ اى امر الدنيا مِنَ السَّماءِ اى بأسباب سماوية كالملائكة و غيرها نازلة اثارها الى الأرض ثم يرجع الأمر و التدبير اليه وحده بعد فناء الدنيا و انقطاع امر الأمراء و حكم الحكام فى يوم كان مقداره الف سنة و هو يوم القيامة لما روى الترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عام و نصف يوم و اما قوله تعالى تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ أراد به ايضا يوم القيامة- روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من صاحب كنز لا يؤدى زكوة كنزه الا احمى عليه فى نار جهنّم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه و جبينه حتى يحكم اللّه بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة و اما الى النار الحديث- و وجه التطبيق بين الحديثين ان يوم القيامة يختلف طوله بالنسبة الى الاشخاص يكون ذلك اليوم على بعض الناس مقدار خمسين الف سنة و على بعضهم مقدار الف سنة و على بعضهم أخف من ايام الدنيا اخرج الحاكم و البيهقي عن ابى هريرة مرفوعا و موقوفا طول ذلك اليوم على المؤمنين كمقدار بين الظهر و العصر- و كذا ذكر البغوي قول ابراهيم التيمي

و اخرج ابو يعلى و ابن حبان و البيهقي بسند حسن عن ابى سعيد قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن يوم كان مقداره خمسين الف سنة ما أطول هذا اليوم فقال و الذي نفسى بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا- و

قال البغوي قال ابن ابى مليكة دخلت انا و عبد اللّه بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله عن هذه الاية و عن قوله تعالى خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فقال له ابن عباس ايام سماه اللّه تعالى لا أدرى ما هى و اكره ان أقول فى كتاب اللّه ما لا اعلم-

و اخرج البيهقي من طريق ابن ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال هذا فى الدنيا و قوله تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فهذا يوم القيمة جعله اللّه على الكافر مقدار خمسين الف سنة- و اختار جلال الدين المحلى هذه الرواية فى تفسيره و قيل يقضى قضاء الف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الالف لالف اخر- و قيل يدبر الأمور به من الطاعات منزلا من السماء الى الأرض بالوحى ثم لا يعرج اليه خالصا كما يرتضيه الا فى مدة متطاولة لقلة المخلصين فى الأعمال.

﴿ ٥