|
٩ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ ظرف لنعمة جُنُودٌ اى كفار قريش و غطفان و يهود قريظة كانوا زهاء اثنى عشر الف حتى حاصروا المسلمين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و حفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خندقا حولهم فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً يعنى الصبا روى البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال نصرت بالصبا و أهلكت عاد بالدبور أرسل اللّه عليهم ريحا باردة فى ليلة شاتية فقطعت الأوتاد و اطناب الفساطيط و اطفأت النيران و اكفأت القدور و جالت الخيل بعضها فى بعض وَ جُنُوداً من الملائكة لَمْ تَرَوْها حتى كثر تكبير الملائكة فى جوانب عسكرهم و القى الرعب فى قلوبهم حتى كان سيد كل قوم يقول يا بنى فلان هلموا الىّ فاذا اجتمعوا عنده قال النجا النجا أبيتم فانهزموا من غير قتال و لم تقاتل الملائكة يومئذ وَ كانَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ ايها المؤمنون من حفر الخندق و التهيؤ للقتال هذا على قراءة الجمهور و اما على قراءة البصريين فالمعنى و كان اللّه بما يعمل المشركون من التحزب و المحاربة بَصِيراً (٩) رائيا و كان ذلك الوقعة فى شوال سنة اربع من الهجرة كذا فى مواهب اللدنية من قول موسى بن عقبة بعد ثمانية أشهر من اجلاء بنى النضير و كان اجلاؤهم و تفرقهم فى البلاد و لحوق سلام بن ابى الحقيق و كنانة بن الربيع و حيى بن اخطب و غيرهم بخيبر فى ربيع الاول سنة اربع و المشهور انه فى شوال سنة خمس من الهجرة كذا قال محمد بن إسحاق. قال البغوي قال محمد بن إسحاق حدثنى يزيد بن رومان مولى ال الزبير عن عروة بن الزبير و عن عبد اللّه بن كعب بن مالك و عن الزهري و عاصم بن عمرو بن قتادة و عن عبد اللّه بن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم و عن محمد بن كعب القرظي و غيرهم من علمائنا دخل حديث بعضهم بعضا ان نفرا من اليهود منهم سلام بن ابى الحقيق و حيى بن اخطب و كنانة بن الربيع بن ابى الحقيق و هودة بن قيس و ابو عامر الوائىّ فى نفر من النضير و نفر من بنى وائل (و هم الذين حزبوا الأحزاب على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم الى حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قالوا انا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقال لهم قريش يا معشر اليهود انكم اهل الكتاب الاول و العلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن و محمد فديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه و أنتم اولى بالحق منه (قال فهم الذين انزل اللّه فيهم أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ الى قوله وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) فلمّا قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا و نشطو الى ما دعوهم اليه من حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاجمعوا لذلك- ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان من قيس بن غيلان فدعوهم الى ذلك و اخبروهم انهم سيكونون معهم عليه و ان قريشا قد بايعوهم فاجابوهم. قلت روى انه كان رجال بنى نضير و بنى وائل نحوا من عشرين رجلا فقال لهم ابو سفيان بن حرب مرحبا بكم أحب الرجال عندنا من عاهدنا على عداوة محمد فقالوا لابى سفيان اختر لنا خمسين رجلا من بطون قريش و تكون منهم حتى ندخل نحن و أنتم فى أستار الكعبة و نلزق صدورنا بجدران الكعبة ثم نحلف على ان نتفق على عداوة محمد و تكون كلمتنا واحدة و نتعاهد على ان نحارب محمدا ما بقي منا رجل واحد ففعلوا ذلك- و لما قدم اليهود على غطفان بعد المعاهدة مع قريش حرضوهم على القتال مع النبي صلى اللّه عليه و سلم و وعدوهم على ذلك بتمر سنة ما كان على نخيل خيبر و قيل بنصف ذلك فأجاب عيينة بن حصين الفزاري رئيس غطفان قولهم بذلك الشرط اى بشرط إعطاء تمر سنة و كتب عيينة الى حلفائه من بنى اسد فجاءوا عنده- قال البغوي فخرجت قريش قائدهم ابو سفيان بن حرب و غطفان و قائدها عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر فى بنى فزارة و الحارث بن عوف بن ابى حارثة المزي فى بنى مرة و مسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع. قلت روى ان أبا سفيان جمع العسكر اربعة آلاف رجل و اعطى رأيته عثمان بن ابى طلحة و كان فى عسكرهم ثلاث مائة فرس و الف بعير حين خرجوا من مكة و نزلوا مر الظهران و اجتمع هناك اسلم و أشجع و بنو مرّة و بنو كنانة و فزارة و غطفان حتى صاروا عشرة آلاف و ساروا بأجمعهم الى المدينة و لذلك سمى غزوة الأحزاب. قال البغوي فلمّا سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة و كان الذي أشار على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلمان الفارسي و كان أول مشهد شهده سلمان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو يومئذ حر فقال يا رسول اللّه انا كنا بفارس إذا حصرنا خندقنا علينا فعمل فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى أحكموه قلت روى انه صلى اللّه عليه و سلم لما سمع الخبر قال حسبنا اللّه و نعم الوكيل و جمع أسراء المهاجرين و الأنصار و استشارهم فى ذلك و أشار سلمان بضرب الخندق فاستحسنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و استخلف على المدينة عبد اللّه بن أم مكتوم و خرج غازيا و اعطى لواء المهاجرين زيد بن حارثة و لواء الأنصار سعد بن عبادة و خرج معه ثلاثة آلاف من المهاجرين و الأنصار- قلت روى ان معهم ستة و ثلاثون فرسا و خرج معه صبيان لم يبلغوا الحلم فردهم الى المدينة من كان منهم لم يبلغ خمسة عشر سنة و أجاز منهم للقتال من كان منهم ابن خمسة عشر سنة منهم عبد اللّه بن عمر و زيد بن ثابت و ابو سعيد الخدري و براء بن عازب فطلب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم موضعا لاجل الخندق فى بعض أطراف المدينة فاختار موضعا بقرب جبل سلع جعل جبل سلع على ظهر العسكر و خط خطّا للخندق بينه و بين الكفار- قال البغوي أخبرنا عن عبد اللّه بن عمرو بن عوف عن أبيه قال خط رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عامّ الأحزاب ثم قطع لكل عشر أربعين ذراعا- قال احتج المهاجرون و الأنصار فى سلمان الفارسي و كان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا و قال الأنصار سلمان منا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلمان منا اهل البيت. قال عمر بن عوف كنت انا و سلمان و حذيفة و النعمان بن مقرن المزني و ستة من الأنصار فى أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا بجنب ذى باب اخرج اللّه من بطن الخندق صخرة مردة كسرت حديدنا و شقت علينا فقلت يا سلمان ارق الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أخبره خبر هذه الصخرة فان راى ان نعدل عنها فان المعدل قريب و اما ان يأمرنا بامره فانا لا نحب ان نجاوز خطه فرقى سلمان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو ضارب عليه قبة تركية- قال فخرجت صخرة بيضاء من مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا و شقت علينا حتى ما يجيبك فيها قليل و لا كثير فمرنا فيها بامرك فانا لا نحب ان نجاوز خطك فهبط رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مع سلمان الخندق و التسعة التي فى الخندق فاخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكانّ مصباحا فى بيت جوف مظلم فكبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تكبير فتح و كبّر المسلمون ثم ضربها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الثانية فكسرها و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكانّ مصباحا فى جوف بيت مظلم فكبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تكبير فتح و كبر المسلمون ثم ضربها- فاخذ بيد سلمان و رقي فقال سلمان بابى أنت يا رسول اللّه لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى القوم فقال رأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم قال ضربت ضربتى الاولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لى قصور الحيرة و مدائن كسرى كانها أنياب الكلاب و أخبرني جبرئيل عليه السلام ان أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربة الثانية فبرق الذي رايتم أضاءت لى منها قصور الحمرة من الروم كانها أنياب الكلاب فاخبرنى جبرئيل ان أمتي ظاهرة عليها فابشروا فاستبشر المسلمون و قالوا الحمد للّه الذي موعده صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون الا تعجبون من محمد يمنّيكم و يعدكم الباطل و يخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة و مدائن كسرى و انها تفتح لكم و أنتم انما تحفرون الخندق من الغرق لا تستطيعون ان تبرزوا قال فنزل القران وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّه وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً و انزل فى هذه القصة قل اللّهمّ مالك الملك الاية. روى البخاري فى الصحيح عن انس قال خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الخندق فاذا المهاجرون و الأنصار يحفرون فى غداة باردة و لم يكن لهم عبيد يعملون ذلك فلمّا راى ما بهم من النصب و الجوع قال ان العيش عيش الاخرة فاغفر الأنصار و المهاجرة فقالوا مجيبين له نحن الذين بايعوا محمّدا هلى الجهاد ما بقينا ابدا و روى ايضا فى الصحيح عن البراء بن عازب رضى اللّه عنه قال لما كان يوم الأحزاب و خندق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رايته ينقل تراب الخندق حتى و ارى على الغبار جلد بطنه و كان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة و هو ينقل من التراب يقول اللّهم لو لا أنت ما اهتدينا و لا تصدقنا و لا صلينا فانزل سكينة علينا و ثبت الاقدام ان لاقينا ان الاولى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ثم يمدّ صوته بآخرها و فى رواية و اللّه لو لا اللّه ما اهتدينا الى آخره قلت و روى ان سلمان كان رجلا قويا يعمل فى الخندق عمل عشرة من الرجال و يروى انه كان يحفر الخندق كل يوم خمسة اذرع فى عمق خمسة اذرع فاصابه عين من قيس بن ابى صعصعة فصرع فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قيسا ان يتوضأ لسلمان و يجعل وضوءه فى اناء و يضل به سلمان و يلقى الإناء خلفه منكوسا ففعلوا ذلك فبرئ سلمان. و روى احمد و البخاري فى الصحيح عن جابر بن عبد اللّه قال كنا يوم الخندق مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فعرضت لنا كدبة «بضم الكاف القطعة الصلبة الصماء- منه رح» شديدة فجاءوا النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا هذه كدية من الجبل عرضت فقال انا نازل ثم قام و بطنه معصوب بحجر و لبثنا ثلاثة ايام لا نذوق ذواقا فاخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المعول فعادت كثيبا اهيل او اهيم فقلت يا رسول اللّه ايذن لى البيت فقلت لامراتى انى رايت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خمصا شديد اما فى ذلك صبر فعندك شى ء فاخرجت لى جرابا فيه صاع من شعير و لنا بهيمة داجن «١» فذبحتها و طحنت ففرغت الى فراغى و قطعتها فى برمتها «البرمة القدر- منه رح» و العجين قد انكسر «٢» و البرمة بين الأثافي «الحجارة التي توضع عليها القدر- منه رح» فى قدر كادت ان تنضج ثم ولّيت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت لا تفضحنى برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بمن معه فجئته فساررته فقلت طعيم لى يا رسول اللّه فقم أنت و رجل او رجلان قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قل لها لا تنزع البرمة و الخبز من التنور حتى اتيكم و استقر صحافا ثم صاح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا اهل الخندق ان جابرا صنع لكم سورا «٣» فحى «٤» هلابكم- فقلت ويحك «٥» جاء النبي صلى اللّه عليه و سلم بالمهاجرين و الأنصار و من معهم فقالت بك «٦» و بك هل سألك فقلت نعم فقالت اللّه و رسوله اعلم فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ادخلوا و لا تضاغطوا «اى لا تزوحموا- منه رح» فاخرجت له عجينا فبسق فيه و بارك ثم عمد الى برمتنا فبسق فيها و بارك ثم قال يا جابر ادع خابزة فلتخبز معك و اقدحى «اى اغرقى- منه رح» من برمتك و لا تنزلوها- و جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يكسر الخبز و يجعل عليه اللحم يخمر البرمة و التنور إذا أخذ منه و يقرب الى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز و يغرف اللحم حتى شبعوا و هم الف- قال جابر فاقسم باللّه لاكلوا حتى تركوه و انحرفوا و ان برمتنا لتغط «٧» كما هى و ان عجيننا ليخبز كما هو ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلى و اهدى فان الناس أصابتهم مجاعة فلم نزل (١) الشاة التي يعلقها الناس فى منازلهم- نهاية منه رح. (٢) اى لان و رطب و تمكن من الخبز- منه رح. (٣) اى طعاما يدعو اليه الناس و اللفظ فارسية- نهاية جزرى منه رح [.....]. (٤) حى هلا كلمة استدعاء فيها حث اى هلموا مسرعين- نهاية منه رح. (٥) ويح كلمة ترحم- منه رح. (٦) اى جعل اللّه بك كذا و كذا او فعل بك كذا و كذا و الموحدة متعلق بمحذوف ١٢ نهاية منه رح. (٧) اى تفلى و تفور- منه رح-. نأكل و نهدى يومنا- قلت و قد صح انهم قد فرغوا من امر الخندق فى ستة ايام. قال البغوي رجعنا الى حديث ابن إسحاق فلما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الخندق أقبلت قريش بمجتمع الاخبال من دومة الجرف و الغابة فى عشر آلاف من أحابيشهم «١» و من تابعهم من اهل التهامة و أقبلت غطفان و من تابعهم من اهل نجد حتى نزلوا بذنب نقم ى الى جانب أحد- و خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و المسلمون حتى جعلوا ظهورهم الى سلع فى ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنا لك عسكره و الخندق بينه و بين القوم و امر بالذراري و النساء فرفعوا الى الآطام. «الاجنبية المرتفعة كالحصون- نهادينه رح» و خرج عدو اللّه حيى ابن اخطب من بنى النضير حتى اتى كعب بن اسد القرظي صاحب عقد بنى قريظة و عهدهم و كان قد وادع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على قومه و عاهده ذلك فلما سمع كعب بحيي بن اخطب غلق دونه حصنه فاستأذن عليه فابى ان يفتح له فناداه حيى يا كعب افتح لى فقال ويحك يا حيى امر اشوم انى قد عهدتّ محمدا فلست بناقض ما بينى و بينه و لم أر منه الا الوفاء و الصدق قال ويحك افتح أكلمك قال ما انا بفاعل قال و اللّه ان غلقت دونى الا لخشيتك ان أكل معك منها فاحفظ الرجل ففتح له الباب فقال يا كعب جئتك بعز الدهر ببحر «اى مرتفع منه رح» طام جئتك بقريش على قادتها و سادتها حتى انزلتهم بمجتمع الاسبال من دومة و غطفان على قادتها و سادتها حتى امسى بذنب نقمى الى جانب أحد فتعاهدونى و تعاقدونى ان لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا و من معه فقال كعب بن اسد جئتنى و اللّه بذل الدهر و بجهام قد أهرق «اى صب ١٢ منه رح» ماؤه برعد و برق ليس فيه شى ء فدعنى و محمدا و ما انا عليه فانى لم ار من محمّد الا صدقا و وفاء فلم يزل حيى بن اخطب بكعب يقتله «٢» فى الذروة و الغارب حتى سمح له على ان أعطاه من اللّه عهدا و ميثاقا لان رجعت قريش و لم يصيبوا محمدا ان ادخل معك فى حصنك حتى يصيبنى ما أصابك- فنقض كعب بن اسد عهده و برئ ممّا كان (١) احياء من القارة انضموا الى بنى ليث فى محاربتهم قريشا- نهاية منه رح. (٢) يفتله فى الذروة و الغارب هذا مثل و أصله فى البعير يستصعب عليك فتأخذ القراد من ذروته و غاب سنامه و تفتل هناكه فيجد البعير مهرة فيستأنس عند ذلك فضرب هذا الكلام مثلا فى المراوضة و المخاتلة و الذروة و الغارب أعلى ظهر البعير يعنى لم يخل يخدعه ١٢ منه رحمه اللّه-. عليه فيما بينه و بين محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما انتهى الى رسول اللّه الخبر و الى المسلمين بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سعد بن معاذ أحد بنى الأشهل و هو يومئذ سيد الأوس و سعد بن عبادة أحد بنى ساعدة و هو يومئذ سيد الخزرج و معهما عبد اللّه ابن رواحة أخو بنى الحارث بن الخزرج و خوّات بن جبير أخو بنى عمرو بن عوف فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغني عن هؤلاء القوم أم لا فان كان حقّا الحنوا الىّ لحنا «١» أعرفه لا تفتوا «اى لا تكسروا قوائهم بإدخال الرعب فى قلوبهم- منه رح» أعضاد الناس و ان كانوا على الوفاء فيما بيننا و بينهم فاجهروا به الناس فخرجوا حتى أتوهم فوجدوا على أخبث ما بلغهم منهم و مالوا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قالوا لا عقد بيننا و بين محمد فشاتمهم سعد بن عبادة و شاتموه و كان رجلا فيه فقال سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فما بيننا و بينهم اربى «أزيد- منه رح» من المشاتمة ثم اقبل سعد و سعد و من معهما الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسلموا عليه و قالوا عضل «٢» و القارة لعذر عضل و القارة باصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّه اكبر ابشروا يا معشر المسلمين و عظم عند ذلك البلاء و اشتد الخوف و أتاهم عدوهم من فوقهم و من أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن و نجم «٣» النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير أخو بنى عمرو بن عوف كان محمد يعدنا ان ناكل كنوز كسرى و قيصر واحدنا لا يقدر ان يذهب الى الغائط ما وَعَدَنَا اللّه وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً و حتى قال أوس بن قبطى أحد بنى حارثة يا رسول اللّه إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ و ذلك على ملا من رجال قومه فاذن لنا فلنرجع الى ديارنا فانها خارجة من المدينة- قلت روى انه لما نقض كعب عهده الذي كان بينه و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عزم على ذلك جمع اشراف قومه منهم زبير بن بلطا و نباش بن قيس و عقبة بن زيد و غيرهم و أخبرهم بذلك لاموه أشد ملامة و كرهوا ذلك حتى ندم كعب على ذلك و لكن لم ينفعه لما كان ذهب عنان الأمر من يده و كان ذلك ما أراد اللّه إهلاك قريظة و روى الشيخان فى الصحيحين عن الزبير بن العوام رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من يأتى بنى قريظة فيأتينى بخبرهم فانطلقت فلما رجعت جمع لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبويه فقال فداك ابى و أمي- (١) اللحن قول يفهم المخاطب و يخفى على غيره- منه رح. (٢) العضل المنع و الشدة- منه رح. (٣) اى ظهر النفاق- منه رح. قلت و كان إرسال الزبير الى بنى قريظة قبل إرسال سعد و سعد إليهم روى انه لما جاء الزبير من بنى قريظة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخبره بانهم يصلحون حصونهم و يسدون الطرق و الثغور و يجمعون دوابهم و مواشيهم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لكل نبى حواريا و حواريى الزبير. قال البغوي فاقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اقام المشركون عليه بضعا و عشرين ليلة قريبا من شهر و لم يكن بين القوم حرب الا الرمي بالنبل و الحصى- فلمّا اشتد البلاء على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أرسل الى عيينة بن حصين و ابى الحارث ابن عمرو و هما قائدا غطفان فاعطاهما ثلث ثمار المدينة على ان يرجعا بمن معهما عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأصحابه فجرى بينه و بينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب و لم يصنع الشهادة و ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لسعد بن معاذ و سعد بن عبادة و استشارهما فيه فقالا يا رسول اللّه أ شي ء أمرك اللّه به لا بد لنا من عمل به أم امر تحبه فتصنعه أم شى ء تصنعه لنا قال بل لكم و اللّه ما اصنع ذلك الا انى رايت العرب قدر منكم عن قوس واحدة و كالبوكم «١» من كل جانب فاردتّ ان اكسر عنكم شوكتهم فقال لهم سعد بن معاذ قد كنا نحن و هؤلاء القوم على شرك باللّه و عبادة الأوثان لا نعبد اللّه و لا نعرفه و هم لا يطمعون ان يأكلوا تمرة الا قرى او بيعا فحين أكرمنا اللّه بالإسلام و أعزنا بك نعطيهم أموالنا و مالنا بهذا حاجة و اللّه لا تعطهم الا السيف حَتَّى يَحْكُمَ اللّه بَيْنَنا و بينهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانت و ذلك فتناول سعد الصحيفة فمحى ما فى الكتاب ثم قال ليجتهدوا علينا قلت و روى ان أسيد ابن حضير قال ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اولا ثم قال مثله سعد و سعد و كان عيينة بن حصين أطال رجله فى ذلك المجلس فقال له أسيد يا عين الهجرس اطو رجلك و لو لا مهابة مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لوضعت رمحى فى خاسرتك فانقلب عيينة و الحارث خائبين و علموا ان لا يكون لهم سلطان على المدينة و حيث راوا قوة الأنصار و شدتهم تزلزلوا- قال البغوي فاقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عدوهم فحاصروهم و لم يكن (١) اشتدوا عليكم و أصله من الكلب و الصفار- منه رح. بينهم قتال الا فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود أخو بنى عامر بن لوى و عكرمة بن ابى جهل و هبيرة بن ابى وهب المخزوميان و نوفل بن عبد اللّه و ضرار بن الخطاب و مرداس بن لوى أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا القتال و خرجوا على خيلهم و مروا على بنى كنانة و قالوا تهيئوا للحرب يا بنى كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ثم اقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا على الخندق فلما راوه قالوا و اللّه ان هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا «اى قصدوا- منه رح» مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحمت فجالت بهم فى المسبحة بين الخندق و السلع- و خرج على بن ابى طالب رضى اللّه عنه فى نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقحموا منها خيلهم و أقبلت الفرسان تعيق «اى لسرع منه رح» نحوهم و كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى اثبت الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلمّا وقف هو و خيله قال له علىّ يا عمرو انك كنت تعاهد اللّه لا يدعوك رجل من قريش الى خلتين الا أخذت منه إحداهما قال أجل قال له على ابن ابى طالب فانى أدعوك الى اللّه و الى رسوله و الى الإسلام قال لا حاجة لى بذلك قال فانى أدعوك الى النزال قال لم يا ابن أخي فو اللّه ما أحب ان أقتلك قال على لكن و اللّه أحب ان أقتلك فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره او ضرب وجهه ثم اقبل على علىّ فتناولا و تجادلا فقتله علىّ و خرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة و قتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان بن عبد السياق بن عبد الدار أصابه سهم فمات عنه بمكة و نوفل بن عبد اللّه بن المغيرة المخزومي و كان قد اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتله احسن من هذه فنزل له علىّ فقتله فغلب المسلمون- فسالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يبيعهم جسده فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا حاجة لنا فى جسده و ثمنه فشأنكم فخلى بينهم و بينه. قالت عائشة أم المؤمنين كنا يوم الخندق فى حصن بنى حارثة و كان احرز حصون المدينة و كان سعد بن معاذ معنا فى الحصن و ذلك قبل ان يضرب علينا الحجاب فخرج سعد ابن معاذ و عليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها و بيده حربقة «١» و هو يقول (١) اى جعل لنفسه علامة تعرف بها البراز للحرب- منه رح. يا ليت قلاملا يدرك الهيجاء جمل لا بأس بالموت إذا حان الاجل فقالت امه الحق «١» يا بنى فقد و اللّه أخرت فقلت لها يا أم سعد و اللّه لوددتّ ان درع سعد كانت أسبغ مما هى و خفت عليه حيث أصاب السهم قالت امه يقضى اللّه ما هو قاض فرمى يومئذ بسهم قطع منه الا كحل رماه حيان بن قيس الغرفة أحد بنى عامر بن لوى فلما أصاب السهم قال خذها و اما ابن الغرفة فقال سعد وجعك اللّه فى النار ثم قال سعد اللّهم ان كنت أبقيت من حرب قريش فابقنى له فانه لا قوم أحب الىّ ان اجاهدهم من قوم آذوا رسولك و كذبوه و أخرجوه و ان كنت قد وضعت الحرب بيننا و بينهم فاجعله لى شهادة و لا تمتنى حتى تقر عينى من بنى قريظة و كانوا حلفاؤه و مواليه فى الجاهلية- قال مجاهد و محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه عباد قال كانت صفية بنت عبد المطلب فى رقاع حصن حسان بن ثابت قالت و كان حسان معنا فيه مع النساء و الصبيان فمر بنا رجل من اليهود فجعل يطيف بالحصن و قد حاربت بنو قريظة ما بينها و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما بيننا و بينهم أحد يدفع عنا و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و المسلمون فى نحور عدوهم لا يستطيعون ان ينصرفوا إلينا عنهم إذ أتانا ات فقلت يا حسان ان هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن و انى و اللّه ما امنه ان يدخل عورتنا من ورائنا من اليهود و قد شغل عنّا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فانزل اليه فاقتله فقال يغفر اللّه لك يا ابنة عبد المطلب و اللّه لقد عرفت و ما انا بصاحب هذا فلمّا قال لى ذلك و لم ار عنده شيئا احتجزت «اى شدوت الميزر» ثم أخذت عمودا ثم نزلت عن الحصن اليه فضربت عنقه بالعمود حتى قتلته فلمّا فرغت منه رجعت الى الحصن فقلت يا حسان انزل عليه فاسلبه فانه لم يمنعنى من سلبه الا انه رجل قال مالى بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب- قلت روى ان بنى قريظة أرادوا ان يبيتوا على المدينة و طلبوا فى ذلك مددا من قريش فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلمة بن اسلم مع مائتى رجل و زيد بن حارثة مع ثلاث مائة رجل حتى يحرسوا بقاع المدينة و حصونها- و روى ان عباد بن بشر مع أصحابه كانوا يحرسون كل ليلة خيمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (١) يعنى اى پسر بشتاب و با رسول كريم ملحق شو و بخدا كه تو دير كردى- منه رح. و كان المشركون يريدون ان يجاوزوا الخندق و الصحابة يمنعونهم برمى السهام و الحجارة و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحرس بنفسه الكريمة روى الشيخان فى الصحيحين عن عائشة قالت سهر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مقدمة المدينة ليلة فقال ليت لى رجلا صالحا يحرسنى إذ سمعنا صوت سلاح فقال من هذا قال سعد قال ما جاء بك قال وقع فى نفسى خوف على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجئت احرسه فدعا له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم نام و فى رواية قالت عائشة أحب سعدا من يوم كان يحرس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى ايام الخندق كان من الخندق موضعا يخاف عبور الكفار من ذلك الموضع كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحرس ذلك الموضع و إذا اشتد عليه البرد يأتينى و يستد فأبى ثم يذهب و يحرس و يقول لا أخاف على العسكر الا من هذا الموضع فجاءنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرة ليستد فأبى و قال ليت لى رجلا صالحا يحرسنى الليلة حتى أنام إذ سمعنا صوت سلاح فقال من هذا قال سعد قال احرسنا ذلك الموضع ففعل فنام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى سمعت صوت نفسه. و روى عن أم سلمة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يحرس بنفسه الكريمة و كان البرد شديدا فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى ليلة من الليالى صلى فى خيمته ثم ذهب يحرس فقال هؤلاء فرسان المشركين حول الخندق فنادى عباد بن بشير فقال لبيك يا رسول اللّه فقال هل معك أحد فقال نعم رجال من قومى يحرسونك فقال اذهب برجال قومك فان رجالا من المشركين حول الخندق يريدون ان يبيتوا و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّهم ادفع عنا شرهم و انصرنا عليهم فذهب عباد بن بشير بأصحابه الى الخندق فاذا ابو سفيان و رجال من المشركين دخلوا فى مضيق الخندق و المسلمون يرمونهم بالسهام و الحجارة فلحقهم عباد بن بشير قال عباد فرميتهم مع المؤمنين حتى انهزم المشركون فرجعت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو يصلى فلمّا فرغ من الصلاة أخبرته الخبر فقالت أم سلمة فنام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى سمعت صوته و لم ينتبه حتى اذن بلال للصبح فخرج فصلى بالناس و كانت أم سلمة تقول اللّهم ارحم عباد بن بشير و عن أم سلمة رضى اللّه عنها قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نائما فى خيمته فاذا انتصفت الليل ارتفعت الأصوات و سمعت يقولون يا خيل اللّه اركبوا و كان هذا فى تلك الغزوة شعار المهاجرين (و فى رواية كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا بيتوا اى الكفار فشعاركم حم لا ينصرون و وجه الجمع ان هذا كان شعار الأنصار و ذلك شعار المهاجرين) فانتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من النوم و خرج من خيمته على رجال كانوا يحرسون خيمته منهم عباد بن بشير فسأله ما تلك الأصوات و امر عبادا ان يأتي بالخبر فذهب عباد و انتظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى اتى و قال يا رسول اللّه هذا عمرو بن عبد ود مع جمع من المشركين يحاربون مع المؤمنين يترامون بالسهام و الحجارة فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خيمته و رفع سلاحه فخرج و ركب الفرس و سار الى المعركة بجمع من الصحابة ثم رجع بعد ساعة فرحان و قال قد ذهب اللّه بشرهم و انهزم بجراحات كثيرة- فاضطجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نام حتى سمعت صوت نفسه ثم ارتفعت الأصوات مرة ثانية فانتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال يا عباد انظر ما تلك الأصوات فذهب عباد ثم رجع و قال يا رسول اللّه هذا إضرار بن الخطاب بجمع من المشركين يحارب المسلمين بالنبال و الحجارة فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عليه سلاح و ذهب هناك و حاربهم حتى أصبحوا ثم رجع و قال انهزموا بجراحات كثيرة- قالت أم سلمة كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى غزوة مريسع و خيبر و حديبية و فتح مكة و حنين و ما كان شى ء منها أشد و أشق على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من غزوة الخندق و أصاب المسلمون فى تلك الغزوة جراحات كثيرة و كان بردا شديدا و عشرة. و روى ان يوما من الأيام اجتمعت الكفار و أخذوا حوالى الخندق و حاربوا حربا شديدا حتى غابت الشمس و لم يجد النبي صلى اللّه عليه و سلم فرصة للصلوة حتى فات عنه صلوة الظهر و الع صر و المغرب فصلاها فى وقت العشاء- روى الترمذي و النسائي عن ابى عبيدة عن أبيه عبد اللّه بن مسعود انه قال ان المشركين شغلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن اربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء اللّه فامر بلالا فاذّن ثم اقام فصلى الظهر ثم اقام فصلى العصر ثم اقام فصلى المغرب ثم اقام فصلى العشاء قال الترمذي ليس بإسناده بأس الا ان أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فهو منقطع و روى النسائي فى سننه عن ابى سعيد الخدري قال حبسنا يوم الخندق عن الظهر و العصر و المغرب و العشاء حتى كفينا ذلك فانزل اللّه تعالى وَ كَفَى اللّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاقام فصلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك ثم اقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك ثم اقام فصلى المغرب كما كان يصليها قبل ذلك ثم اقام فصلى العشاء كما كان يصليها قبل ذلك و ذلك قبل ان ينزل فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً و رواه ابن حبان فى صحيحه و لم يذكر فيه العشاء لانها كانت فى وقتها و ذكرها فى الرواية الاخرى باعتبار انها تأخرت عن وقتها المعتاد و اخرج البزار عن جابر بن عبد اللّه انه صلى اللّه عليه و سلم شغل يوم الخندق عن صلوة الظهر و العصر و المغرب و العشاء حتى ذهب ساعة من الليل فامر بلالا فاذّن و اقام فصلى الظهر ثم امره فاذّن و اقام فصلى العصر ثم امره فاذّن و اقام فصلى المغرب ثم امره فاذّن و اقام فصلى العشاء ثم قال ما على ظهر الأرض قوم يذكرون اللّه فى هذه الساعة غيركم- و فيه عبد الكريم بن ابى المخارق مضعف و فى الصحيحين عن جابر ابن عبد اللّه ان عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسبّ كفار قريش و قال يا رسول اللّه ما كدتّ ان أصلي حتى كادت الشمس تغرب قال النبي صلى اللّه عليه و سلم و اللّه ما صليتها فنزلنا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم بطحان فتوضأ للصلوة و توضأ نالها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب و فى الصحيحين عن علىّ عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال يوم الخندق ملا اللّه عليهم بيوتهم و قبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس- و فى رواية لمسلم ثم صلاها بين المغرب و العشاء- و هذه الأحاديث جاز ان يكون وقائع مختلفة لان ايام وقعة الخندق كانت كثيرة و جاز ان يكون واقعة حال واحد و يمكن الجمع بينها كما لا يخفى. (مسئلة) إذا فاتت صلوات يوذّن للاولى ثم يقيم لكل صلوة و الاولى ان يؤذّن و يقيم لكل صلوة كما يدل عليه حديث البزار و اللّه اعلم. و لمّا اشتد البلاء على المؤمنين دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الكفار فاستجاب اللّه دعاءه روى البخاري فى الصحيح عن عبد اللّه بن ابى اوفى قال دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الأحزاب قال اللّهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللّهم اهزمهم و زلزلهم- قلت و روى عن جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنه انه صلى اللّه عليه و سلم دعا على الأحزاب ثلاثة ايام متتابعات فى مسجد الفتح قيل هو يوم الاثنين و الثلثاء و الأربعاء فاستجاب اللّه دعاءه يوم الأربعاء بين الظهر و العصر فرايتا الفرح فى وجهه قال فما ناب لنا نائبة و دعانا اللّه تعالى فى تلك الساعة الا استجاب اللّه دعاءنا. قال البغوي ثم نعيم بن مسعود بن عامر بن غطفان اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه انى قد أسلمت و ان قومى لم يعلموا بإسلامي فمرنا بما شئت فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة- قلت و فى رواية قال نعيم يا رسول اللّه ايذن لى ان أقول ما شئت فاذن له- فخرج نعيم بن مسعود حتى اتى بنى قريظة و كان لهم نديم فى الجاهلية فقال لهم يا بنى قريظة قد عرفتم ودى إياكم خاصة قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قريشا و غطفان جاءوا للحرب قد ظاهرتموهم عليه و ان قريشا و غطفان ليسوا كهيئتكم البلد بكدكم به أموالكم و أولادكم و نساؤكم و لا تقدرون ان تتحولوا منه الى غيره و ان قريشا و غطفان أموالهم و أولادهم و نساؤهم بعيدة ان راوا نهزة و غنيمة أصابوها و ان راوا غير ذلك لحقوا ببلادهم و خلّوا بينكم و بين الرجل و الرجل ببلدكم لا طاقة لكم به ان خلا بكم فلا تقاتلوا القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم يكون بايديكم ثقة على ان تقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه «١» فقالوا لقد أشرت بنصح ثم خرج حتى اتى قريشا فقال لابى سفيان بن حرب و من معه من رجال قريش قد عرفتم ودى إياكم و برائى من محمد و قد بلغني امر رايت حقّا ان أبلغكم نصحا لكم فاكتموا علىّ قالوا نفعل قال لتعلمن ان معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم و بين محمد و قد أرسلوا اليه انا ندمنا على ما صنعنا فهل يرضيكم عنا من القبيلتين قريش و غطفان رجالا من اشرافهم فنعطيكم فيضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم فارسل إليهم ان نعم فاذا بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا (١) المناجزة فى الحرب المبارزة نهاية منه رح. إليهم منكم رجلا واحدا- ثم خرج حتى اتى غطفان فقال يا معشر غطفان أنتم أهلي و عشيرتى و أحب الناس الىّ و لا أراكم تتهمونى قالوا صدقت قال فاكتموا علىّ قالوا نفعل ثم قال لهم مثل ما قال القريش و حذرهم ما حذرهم. فلمّا كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس و كان ممّا صنع اللّه لرسوله ان أرسل ابو سفيان ورقة بن غطفان و عكرمة بن ابى جهل فى نفر من قريش و غطفان الى بنى قريظة و قالوا لسنا بدار مقام قد هلك الخف و الحافر فاعدوا للقتال حتى نناجز محمدا و نفرغ ممّا بيننا و بينه- فارسلوا إليهم اليوم يوم السبت و هو يوم لا نعمل فيه شيئا و قد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فاصابهم ما لم يخف عليكم و لسنا مع ذلك نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكون بايدينا ثقة لنا حتى تناجز محمدا فانا نخشى ان ضرتكم الحرب و اشتد عليكم القتال ترجعون الى بلادكم و تتركونا و الرجال فى بلدنا و لا طاقة لنا بذلك من محمد- فلمّا رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة قالت قريش و غطفان لتعلمن و اللّه ان الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق فارسلوا الى بنى قريظة و اللّه لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا فان كنتم تريدون فاخرجوا فقاتلوا- فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا ان الذي ذكر نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم الا ان يقاتلوا فان وجدوا فرصة انتهزوها «اغتنموا ها منه رح» و ان كان غير ذلك اشمأزوا «اجتمعوا- منه رح» الى بلادهم دخلوا بينكم و بين الرجل فى بلادكم فارسلوا الى قريش و غطفان اما و اللّه لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فابوا عليهم فخذل اللّه بينهم و بعث عليهم الريح فى ليلة شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم و تطرح آنيتهم. فلمّا بلغ الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا روى محمد بن إسحاق عن زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي و روى غيره عن ابراهيم التيمي عن أبيه قالا قال فتحا من اهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد اللّه رايتم رسول اللّه صلى اللّه عليه و صحبتموه قال نعم يا ابن أخي قال كيف تضعون قال و اللّه لقد كنا نجهر قال الفتى و اللّه لو أدركناه ما تركناه يمشى على الأرض و لحملناه على أعناقنا و لخدمناه و فعلنا فقال حذيفة يا ابن أخي و اللّه لقد رايتنى ليلة الأحزاب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال من يقوم فيذهب الى هؤلاء القوم فيأتينا خبرهم ادخله اللّه الجنة فما قام منا رجل ثم صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هويّا «١» من الليل ثم التفت إلينا فقال مثله فسكت القوم و ما قام منا رجل ثم صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هويّا من الليل ثم التفت إلينا فقال من رجل فيقوم فينظر لنا ما فعل القوم على ان يكون رفيقى فى الجنة فما قام رجل من شدة الخوف و شدة الجوع و شدة البرد- فلمّا لم يقم أحد دعانى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا حذيفة فلم يكن لى بد من القيام حين دعانى فقلت لبيك يا رسول اللّه و قمت حتى أتيته و ان جنبىّ لتضطربان فمسح رأسى و وجهى ثم قال ايت هؤلاء القوم حتى تأتى بخبرهم فلا تحدثن شيئا حتى ترجع الىّ ثم قال اللّهم احفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و من فوقه و من تحته فاخذت سهمى و شددتّ علىّ اسلابى ثم انطلقت امشى نحوهم كانى امشى فى حمام فذهبت فدخلت فى القوم قد أرسل اللّه عليهم ريحا و جنودا و جنود اللّه تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا و لا نارا و لا بناء و ابو سفيان قاعد يصطلى «٢» فاخذت سهمى فوضعت فى كبد قوسى فاردتّ ان ارميه فلو رميته أصبته فذكرت قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم" لا تحدثن شيئا حتى ترجع الىّ" فرددتّ سهمى فلما راى ابو سفيان ما تفعل الريح و جنود اللّه بهم لا تقرّبهم قدرا و لا نارا و لا بناء فقام و قال يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم جليسه فلينظر من هو فاخذت بيد جليسى فقلت من أنت فقال سبحان اللّه اما تعرفنى انا فلان بن فلان فاذا برجل من هوازن فقال ابو سفيان يا معشر قريش انكم و اللّه ما أصبحتم بدار مقام قد هلك الكراع و الخف و أخلفتنا بنوا قريظة و بلغنا عنهم الذي نكره و لقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فانى مرتحل ثم قام الى جمله و هو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما اطلق عقاله الا و هو قائم و سمعت غطفان فعلت ما فعلت قريش فاستمروا راجعين الى بلادهم قال فرجعت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانّى امشى فى حمام فاتيته و هو قائم يصلى فلمّا سلم أخبرته بخبر القوم فضحك حتى بدت أنيابه فى سواد الليل قال فلمّا أخبرته و فرغت و زرت و ذهب عنى الدفاء أدناني النبي صلى اللّه عليه و سلم فاتانى (١) الهوى بالفتح الحين الطويل من الزمان و قيل هو مختص بالليل- منه رح [.....]. (٢) الاصطلاء الاستدفاء بالنار- منه رح. عند رجليه و القى علىّ طرف ثوبه و الزق صدرى ببطن قدميه فلم ازل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان. قلت و عند ابن جرير و ابن ابى حاتم عن قتادة لما بعث اللّه على عسكر المشركين ريحا و كبّرت الملائكة فى جوانب العسكر قال طليحة بن خويلد الأسدي امّا محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجا «١» النجا فانهزموا من غير قتال- قلت قال الشيخ عماد الدين بن كثير فى تفسيره انه لو لا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رحمة للعالمين ما تركت الريح أحدا من الكفار الا جعلته كالرميم كما جعلت عادا الريح العقيم و فى رواية فى حديث حذيفة انه قال لما رجعت من عسكر الكفار الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رايت فى أثناء الطريق عشرين فارسا بيضاء عمائمهم قالوا لى قل لصاحبك ان اللّه سبحانه كفاك و دفع عنك شر أعدائك. و روى الشيخان فى الصحيحين عن جابر يقول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير انا ثم قال من يأتينا بخبر القوم قال الزبير انا ثم قال من يأتينا بخبر القوم قال الزبير انا فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ان لكل نبى حوارى و حوارى الزبير و روى البخاري فى الصحيح عن سليمان بن صرد يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول حين اجلى الأحزاب عنه الان نغزوهم و لا يغزوننا نحن نسير إليهم- و روى ايضا فى الصحيح عن ابن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان إذا «رجع- منه رح» قفل من الغزو او الحج او العمرة ببلدة يكبر ثلاث مرات ثم يقول لا اله الا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شى ء قدير آئبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق اللّه وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده- قال محمد بن عمر استشهد فى غزوة الخندق ستة رجال من المسلمين و قتل من المشركين ايضا ستة .. (١) النجا السرعة اى اسرعوا سرعة- نهاية منه رح. |
﴿ ٩ ﴾