٢٧

وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ مزارعهم وَ دِيارَهُمْ حصونهم وَ أَمْوالَهُمْ من النقود و الأجناس و المواشي وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها بعد قال مقاتل و ابن زيد يعنى خيبر و قال قتادة كنا نحدث انها مكة و قال الحسن فارس و الروم و قال عكرمة كل ارض يفتح الى يوم القيامة وَ كانَ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً (٢٧) فيقدر على ذلك (قصة غزوة بنى قريظة) قال محمد بن عمر عن شيوخه لما انصرف المشركون عن الخندق خاف بنوا قريظة خوفا شديدا و روى احمد و الشيخان مختصرا و البيهقي و الحاكم و صححه مطولا عن عائشة و ابو نعيم و البيهقي من وجه اخر عنها و ابن عابد عن حميد بن هلال و ابن جرير عن ابن ابى اوفى و البيهقي عن عروة و ابن سعد عن الماجشون و عن يزيد بن الأصم و محمد بن عمر عن شيوخه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و المسلمين لمّا رجعوا عن الخندق مجهودين وضعوا السلاح و دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيت عائشة و دعا بماء فاخذ يغسل رأسه و ذكر البغوي انه صلى اللّه عليه و سلم كان عند زينب بنت جحش و هى تغسل رأسه و قد غسلت شقه- قالت عائشة فسلّم علينا رجل و نحن فى البيت قال محمد بن عمر وقف موضع الجنائز فنادى عذيرك «١» من محارب فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فزعا فوثب وثبة شديدة فخرج اليه فقمت فى اثره انظر من خلل الباب فاذا هو دحية الكلبي فيما كنت ارى و هو ينفض الغبار عن رأسه (فقال ابن إسحاق معتجرا بعمامة) «الاعتجار لف العمامة دون التلحي- منه رح» فقال يا رسول اللّه ما اسرع ما حللتم عذيرك من محارب عفا اللّه عنك قد وضعتم السلاح ما وضعت الملئكة منذ نزل بك العدوّ و فى لفظ منذ أربعين ليلة و ما رجعنا الان الا من طلب القوم حتى بلغنا حمراء الأسد يعنى الأحزاب و قد هزمهم ان اللّه يأمرك بقتال بنى قريظة و انا عامد إليهم بمن معى من الملائكة لا زلزل بهم الحصون فاخرج بالناس- قال حميد بن هلال فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فى أصحابي جهدا فلو انظرتهم أياما فقال انتهض إليهم فو اللّه لادقنهم كدق البيض على الصفا «الحجارة- منه رح» ثم لاضغضفنّها- «اى لاحركن- منه رح» قالت عائشة فلمّا دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قلت من ذاك الرجل الذي كنت تكلمه قال و رايته قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية الكلبي قال ذاك جبرئيل أمرني ان امضى الى بنى قريظة- قال حميد فادبر جبرئيل و من معه من الملائكة حتى سطع الغبار فى زقاق بنى غنم من الأنصار قال انس فيما رواه البخاري كانّى انظر الى الغبار ساطعا و قال قتادة فيما رواه ابن عابدان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث يومئذ مناديا ينادى «يعنى يار كبان خيل اركبوا- منه رح» يا خيل اللّه اركبي و امر بلالا فاذّن

(١) يعنى هات من يعذرك فعيل بمعنى الفاعل- منه رح.

فى الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر الا ببني قريظة- و روى الشيخان عن ابن عمر و البيهقي عن عائشة و ابن عقبة و الطبراني عن كعب بن مالك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لاصحابه عزمت عليكم ان لا تصلوا صلوة العصر- و وقع فى مسلم فى حديث ابن عمر صلوة الظهر الا ببني قريظة فادرك بعضهم صلوة العصر و فى لفظ صلوة الظهر فى الطريق فقال بعضهم لا نصليها حتى نأتى بنى قريظة انا لفى عزيمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما علينا من اثم فصلوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس و قال بعضهم بل نصلى لم يرد منا ان ندع الصلاة فصلوا فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يعنف واحدا من الفريقين.

(فائدة) وجه الجمع بين حديث صلوة الظهر و صلوة العصر ان طائفة منهم راحت بعد طائفة قيل للطائفة الاولى لا يصلين الظهر الا ببني قريظة و قيل للطائفة الاخرى لا يصلين العصر- و قيل فى وجه الجمع انه صلى اللّه عليه و سلم قال لاهل القوة او لمن كان منزله قريبا لا يصلين أحد الظهر و قال لغيرهم أحد العصر.

(مسئلة) هذا الحديث يدل على ان المجتهد لا اثم عليه ان اخطأ حيث لم يعنف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على أحد من الفريقين من صلّى فى الطريق و من لم يصل- قال فى زاد المعاد ما حاصله ان كلّا من الفريقين مأجور بقصده الا ان من صلّى فى الطريق جاز الفضيلتين فضيلة امتثال الأمر فى الاسراع فى المشي الى بنى قريظة لان المراد بامره صلى اللّه عليه و سلم- ان لا يصلوا الا فى بنى قريظة المبالغة فى الاسراع مجازا و فضيلة امتثال الأمر فى المحافظة على الوقت و اللّه اعلم.

و دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم علىّ بن ابى طالب فدفع اليه لواءه و كان اللواء على حاله لم يحل عن مرجعه من الخندق فابتدره الناس- «اى سارعوا اليه- منه رح» قال محمد بن عمرو بن سعد و ابن هشام و البلاذري استعمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على المدينة ابن أم مكتوم قال محمد بن عمرو خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لسبع يقين من ذى القعدة

قال البغوي سنة خمس من الهجرة و لبس السلاح و الدرع و المغفر و البيضة و أخذ قناه «الرمح- منه رح» بيده و تقلد الترس و ركب فرسه اللحيف و حف به أصحابه قد لبسوا السلاح و ركبوا الخيل و كانت ستة و ثلاثين فرسا فسار فى أصحابه و الخيل و الرجال حوله قال ابن سعد و كان معه ثلاثة آلاف.

(مسئلة) هذه القصة تدل على جواز البداية بالقتال فى الشهر الحرام لكن خطبته صلى اللّه عليه و سلم فى حجة الوداع و فيها المنع من القتال فى الأشهر الحرم متاخر عنه و لعل اللّه سبحانه أحل لرسوله ذلك القتال فى أشهر الحرم كما أباح له القتال فى حرم مكة ساعة من النهار عام الفتح- و يمكن ان يقال ان هذا ليس بداية بالقتال بل كانت البداية من بنى قريظة حيث ظاهروا قريشا و من معهم و اللّه اعلم روى الطبراني عن ابى رافع و ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما اتى بنى قريظة ركب على حمار عرى يقال له يعفور و الناس حوله- و روى الحاكم و البيهقي و ابو نعيم عن عائشة و محمد بن عمرو عن شيوخه و ابن إسحاق ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرّ بنفر من بنى النجار بالصّورين «١» فيهم حارثة بن النعمان قد صفوا عليهم السلاح فقال هل مرّ بكم أحد قالوا نعم دحية الكلبي مرّ على بغلة عليها رحاله عليها من إستبرق و أمرنا بحمل السلاح فاخذنا سلاحنا فصففنا و قال هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يطلع عليكم الان قال حارثة بن النعمان و كنا صفين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذاك جبرئيل بعث الى بنى قريظة لتزلزل بهم حصونهم و يقذف الرعب فى قلوبهم و سبق على بن ابى طالب فى نفر من المهاجرين و الأنصار و فيهم ابو قتادة روى محمد بن عمر عن ابى قتادة قال انتهينا الى بنى قريظة فلمّا راينا أيقنوا بالشر و غرز علىّ الراية عند اصل الحصن فاستقبلونا فى صياصيهم يشتمون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أزواجه قال ابو قتادة و سكتنا و

قلنا السيف بيننا و بينكم و انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نزل قريبا من حصنهم على بئرانا «٢» بأسفل حرّة «ارض ذات حجارة- منه رح» بنى قريظة فلمّا راه على رضى اللّه عنه رجع اليه و أمرني ان الزم اللواء فلزمته و كره ان يسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اذاهم و شتمهم فقال يا رسول اللّه لا عليك ان لا تدنوا من هؤلاء الاخابيث فقال أ تأمرني بالرجوع فقال أظنك سمعت منهم أذى قال نعم فقال لوراونى لم يقولوا من ذلك شيئا- فسار

(١) تثنية صور بالفتح ثم السكون اسم للنخل المجتمع الصغار و موضع فى أقصى بقيع الغرقد مما على طريق بنى قوينمة ١٢ منه رحمه اللّه.

(٢) بالضم و تخفيف النون و قيل بالفتح و التشديد كحتى- منه رح.

رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تقدّمه أسيد بن حضير فقال يا اعداء اللّه لا نبرح عن حصونكم حتى تموتوا جوعا انما أنتم بمنزلة ثعلب فى جحر فقالوا يا ابن الحضير نحن مواليك دون الخزرج فقال لا عهد بينى و بينكم و لا إلّ و دنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ترسنا عنه و نادى بأعلى صوته نفرا من اشرافهم حتى أسمعهم فقال أجيبوا يا اخوة القردة و الخنازير و عبدة الطاغوت هل أخزاكم اللّه انزل بكم نقمته أ تشتموني فجعلوا يحلفون ما فعلنا و يقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا و فى لفظ ما كنت فاحشا و اجتمع المسلمون عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عشاء و بعث سعد بن عبادة بأحمال تمر لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكان طعامهم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم الطعام التمر-

و غدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سحرا و قدّم الرماة فاحاطوا بحصون يهود و راموهم بالنبل و الحجارة و هم يرمون من حصونهم حتى امسوا فباتوا حول الحصون و جعل المسلمون يعتقبون يعقب بعضهم بعضا فما برح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم براميهم حتى أيقنوا الهلكة و تركوا رمى المسلمين فقالوا دعونا نكلمكم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم فانزلوا نباش بن قيس فكلّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ان ينزلوا على ما نزلت عليه بنوا النضير من الأموال و الحلقة و نخرج من بلادك بالنساء و الذراري و لنا ما حملت الإبل الا الحلقة فابى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا تحقن دماءنا و تسلم لنا النساء و الذرية و لا حاجة لنا فيما حملت الإبل فابى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا ان ينزلوا على حكمه- و عاد نباش إليهم بذلك فلمّا عاد نباش الى قومه و أخبرهم الخبر قال كعب بن اسد يا معشر بنى قريظة و اللّه قد نزل بكم ما ترون و انى اعرض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا ما شئتم منها قالوا و ما هى قال نبائع هذا الرجل و نصدقه فو اللّه لقد تبين لكم انه نبى مرسل و انه الذي تجدونه فى كتابكم فتامنون به على دمائكم و أموالكم و نسائكم و اللّه انكم لتعلمون ان محمدا نبى و ما منعنا معه من الدخول الا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيّا من بنى إسرائيل فهو حيث جعله اللّه تعالى- و لقد كنت كارها لنقض العهد و العقد و لكن البلاء و الشوم من هذا الجالس يعنى حيى بن اخطب

(و كان حيى دخل معهم فى حصنهم حين رجعت منهم قريش و غطفان وفاء لكعب بن اسد بما كان عاهده عليه) أ تذكرون ما قال لكم ابن جوّاس حين عليكم تركت الخمر و الحمير و التأمير و حنت الى الشفاء و التمر و الشعير قالوا و ما ذاك- قال انه يخرج بهذه القرية نبى فان يخرج و انا حى اتبعه و انصره و ان خرج بعدي فاياكم ان تخدعوا عنه فاتبعوه و كونوا أنصاره و أولياءه و قد أمنتم بالكتابين كلاهما الاول و الاخر و اقرءوه منى السّلام و اخبروه انى مصدق به- قال فتعالوا فلنبايعه و لنصدقه فقالوا لا نفارق حكم التورية ابدا و لا نستبدل به غيره- قال فاذا أبيتم على هذه فلنقتل أبناءنا و نساءنا ثم نخرج الى محمد و أصحابه مصلّتين بالسيوف لم نترك ثقلا حتى يحكم اللّه بيننا و بين محمد فان نهلك نهلك و لم نترك ورائنا فصلا نخشى عليه و ان نظهر فلعمرى لنجدن النساء و الأبناء قالوا لا نقتل هؤلاء المساكين فما خير فى العيش بعدهم- قال فان أبيتم عن هذه فان الليلة ليلة السبت و انه عسى محمد و أصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد و أصحابه غرة «غفلة- منه رح» قالوا نفسد سبتنا و نحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان من قبلنا الا من قد علمت فاصابه ما لم يخف عليك من المسخ- فقال ما بات منكم منذ ولدته امه ليلة واحدة من الدهر جازما-

فقال ثعلبة و أسيد ابنا سعية و اسد بن عبيد ابن عمهم و هم نفر من هذيل ليسوا من بنى قريظة و لا النضير نسبهم فوق ذلك و هو بنوا عم القوم يا معشر بنوا قريظة و اللّه انكم لتعلمون انه رسول اللّه و ان صفته عندنا حدثنا بها علماؤنا و علماء بنى النضير هذا أولهم يعنى حيى بن اخطب مع خبر بن الهيّان اصدق الناس عندنا هو اخبر بصفته عند موته قالوا لا نفارق التورية فلما راى هؤلاء النفر آباءهم نزلوا تلك الليلة فى صبحها فاسلموا و أمنوا على أنفسهم و أهليهم و أموالهم- و قال عمرو بن سعد يا معشر يهود انكم خالفتم محمدا على ما خالفتموه عليه فنقضتم عهده الذي كان بينكم و بينه و لم ادخل فيه و لم اشرككم فى غدركم فان أبيتم فاثبتوا على اليهودية و اعطوا الجزية فو اللّه ما أدرى يقبلها أم لا قالوا فنحن لا نقر للعرب «خرج و خراج ما يؤذى كلّ سنة- منه رح» بخرج فى رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك قال فانى برئ منكم و خرج تلك الليلة مع ابني سعية فمرّ بحرس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عليهم محمد بن سمة فقال محمد من هذا قال عمرو بن سعد قال محمد اللّهم لا تحرمنى عشرة الكرام و خلّى سبيله فخرج حتّى اتى مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فبات حتى أصبح فلمّا أصبح غدا فلم يدر اين هو حتى الساعة فسئل عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ذاك رجل نجاه اللّه بوفائه.

قال اهل المغازي ثم انهم بعثوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ابعث إلينا أبا لبابة (أحد بنى عمرو بن عوف و كانوا حلفاء الأوس) نستشير فى أمورنا فارسله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إليهم فلما راوا قام اليه الرجال و جهش «اى اسرع متباليا ١٦ منه رح» اليه النساء و الصبيان يبكون فى وجهه فرقّ لهم فقالوا يا أبا لبابة أ ترى ان ننزل على حكم محمد قال نعم و أشار بيده الى حلقه انه الذبح- قال ابو لبابة فو اللّه ما زالت قدماى حتى عرفت انى خنت اللّه و رسوله ثم انطلق ابو لبابة على وجهه و لم يأت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى ارتبط فى المسجد على عمود من عمده و قال لا أبرح من مكانى حتى أموت او يتوب اللّه على ما صنعت و عاهدتّ اللّه ان لا أطأ ارض بنى قريظة ابدا و لا ارى فى بلد خنت اللّه و رسوله فيه ابدا و بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذهابى و ما صنعت فقال دعوه حتى يحدث اللّه فيه ما شاء لو كان جاءنى استغفرت فاذا لم يأتنى و ذهب فدعوه و انزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّه وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال ابو لبابة ثم ان اللّه انزل توبة ابى لبابة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو فى بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يضحك فقلت بم تضحك يا رسول اللّه اضحك اللّه سنك قال تيب على ابى لبابة فقلت الا أبشره بذلك قال بلى ان شئت قالت فقمت الى باب حجرتى (و ذلك قبل ان يضرب عليهن الحجاب) فقلت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب اللّه عليك فثار «اى قاموا- منه رح» الناس ليطلقوه قال لا و اللّه حتى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هو الذي يطلقنى بيده فلمّا مرّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خارجا الى الصبح أطلقه- روى حماد بن سلمة عن علىّ بن زيد بن جدعان عن على بن الحسين عليهما السلام ان فاطمة عليها السلام جاءت تحله فقال انى حلفت ان لا تحلني الا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فاطمة بضعة منى- على بن جدعان ضعيف و رواية على بن الحسين مرسلة قال ابو لبابة و اذكر رؤيا رايتها فى النوم و نحن محاصرون بنى قريظة كانى فى حماة «طين اسود متغيرة- منه رح» أسنة فلم اخرج منها حتى كدتّ أموت من ريحها ثم ارى نهرا جاريا فارانى اغتسلت فيه حتى استقيت و أراني أجد ريحا طيبا فاستعبرتها أبا بكر فقال لتدخلن فى امر تغتم له ثم يفرج عنك فكنت اذكر قول ابى بكر و انا مرتبط فارجو ان ينزل اللّه توبتى- قال فلم ازل كذلك حتى ما اسمع الصوت من الجهد و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينظر قال ابن هشام اقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته وقت كل صلوة فتحله حتى يتوضأ و يصلى ثم ترتبط-

قال ابن عقبة زعموا انه ارتبط قريبا من عشرين ليلة قال فى البداية و هذا أشبه الأقاويل و قال ابن إسحاق اقام مرتبطا خمسا و عشرين ليلة و كانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة او أراد ان يذهب لحاجته فاذا فرغ أعادت الرباط و الظاهر ان زوجته تحله مرة و ابنته اخرى و انزل اللّه فى توبة ابى لبابة وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّه أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ-

قال البغوي و حاصرهم خمسا و عشرين ليلة حتى جهدهم الحصار و قذف اللّه فى قلوبهم الرعب فلما جهدهم الحصار نزلوا على حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكتفوا رباطا و جعل على كتافهم محمد بن سلمة و نحوا ناحية

و اخرج النساء و الذرية من الحصون و استعمل عليهم عبد اللّه بن سلام و جمعت أمتعتهم و وجدوا فيها الفا و خمس مائة سيف و ثلاث دروع و الفى رمح و الفا و خمس مائة ترس و جحفة و أثاثا كثيرا و آنية كثيرة و خمرا و سكرا فهريق ذلك كله و لم يخمسه و وجد من الجمال النواضح عدة و من الماشية شيئا كثيرا فجمع هذا كله و تنحى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و جلس- و دنت الأوس الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا رسول اللّه حلفاؤنا دون الخزرج و قد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبيّ وهبت لهم ثلاث مائة حاسر «من لا وزع له منه رح» و اربع مائة دارع «صاحب درع- منه رح» و قد ندم حلفاءنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ساكت لم يكلم حتى أكثروا عليه و ألحّوا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اما ترضون ان يكون الحكم فيهم الى رجل منكم قالوا بلى قال فذلك الى سعد بن معاذ و قال ابن عقبة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اختاروا من شئتم من أصحابي فاختاروا سعد بن معاذ- و كان سعد بن معاذ قد جعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى خيمة امراة من المسلمين يقال لها رفيدة فى مسجده صلى اللّه عليه و سلم و كانت تداوى الجرحى و تحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة «١» الذي ليس له من يقوم بامره و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه فى خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب- فلمّا جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحكم الى سعد خرجت الأوس حتى جاءوه فحملوه على حمار عربى بشنذة «٢» من ليف و على الحمار قطيفة فوق الشنذة و خطامه «الخطام ما يقاد به الدابة- منه رح» من ليف و كان رجلا جسيما فخرجوا حوله يقولون يا أبا عمرو ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد ولّاك امر مواليك لتحسن فيهم فاحسن فيهم فقد رايت ابن أبيّ و ما صنع فى حلفائه و أكثروا و هو ساكت لا يتكلم حتّى إذا أكثروا عليه قال قد ان «بالفتح و المد و نا و قرب- منه رح» لسعدان لا يأخذه فى اللّه لومة لائم فقال الضحاك بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري وا قوماه و قال غيره نحو ذلك ثم رجع الضحاك الى الأوس فنعى بهم رجال بنى قريظة قبل ان يصل إليهم سعد كلمته التي سمع منه- و فى الصحيحين فلما دنا سعد من المسجد اى الذي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعده فى بنى قريظة ايام حصارهم للصلوة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قوموا الى سيدكم و فى لفظ الى خيركم فاما المهاجرون من قريش فيقولون انما أراد الأنصار و اما الأنصار فيقولون عم بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المسلمين و عند احمد قوموا الى سيدكم فانزلوه و كان رجال من بنى عبد الأشهل يقولون قمنا له على أرجلنا صفين و فى حديث جابر عند ابن عائذ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم احكم فيهم يا سعد فقال اللّه و رسوله أحق بالحكم قال عليه السلام أمرك اللّه ان تحكم فيهم- و قالت الأوس الذين بقوا عنده يا أبا عمرو ان رسول اللّه قد ولاك الحكم فى امر مواليك فاحسن فيهم فقال سعد أ ترضون حكمى لبنى قريظة قالوا نعم قد رضينا بحكمك و أنت غائب اختيارا منا لك و رجاء ان تمنّ علينا كما فعل غيرك بحلفائه بنى قينقاع و اثرنا عندك اثرنا و أحوج ما كان اليوم الى مجازاتك فقال سعد ما أتوكم جهدا فقالوا ما يعنى بقوله هذا ثم قال سعد عليكم عهد اللّه و ميثاقه ان احكم

(١) الضيعة ترك وضيع مصدر ضاع الشي ء صيعا اى تركتهم الضائع الذي ليس له من يقوم بامره ١٢ منه رح.

(٢) بشين معجمة فنون فذال مفتوحات شبه الا كاف يجعل لمقدمته اعوجاج ١٢ منه رحمه اللّه.

فيهم ما حكمت قالوا نعم قال سعد و على من هاهنا للناحية التي فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو معرض عنها إجلالا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم قال سعد فانى احكم فيهم ان يقتل كل من جرين عليه الموسى و تسبى النساء و الذرية و تقسم أموالهم و يكون الديار للمهاجرين و الأنصار- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقد حكمت فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة «السموات قال اى الأعز اتى سموما بالرقيع لانها مرقومة بالنجوم منه رح» ارقعة- و فى رواية قال عليه السلام بذلك طرقنى الملك سحرا- و كان سعد بن معاذ فى الليلة التي فى صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد دعا اللّهم ان كنت أبقيت من حرب قريش فابقنى لها فانى لا قوم احبّ الىّ ان أقاتلهم من قوم كذبوا رسولك و آذوه و أخرجوه و ان كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنّا و عنهم فاجعله لى شهادة و لا تمتنى حتى تقر عينى من بنى قريظة فاقر اللّه سبحانه عينيه منهم.

فانصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الخميس لتسع ليال و قيل لخمس خلون من ذى الحجة و امر بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحبسوا فى دار رملة بنت الحارث من بنى النجار- فلمّا أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غدا الى سوق المدينة التي هى سوقها اليوم فامر بأخدود فخذت فى السوق ما بين موضع دار ابى الجهم العدوى الى أحجار الزيت بالسوق فكان أصحابه يحضرون و جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه أصحابه و دعا برجال بنى قريظة فكانوا يخرجون يضرب أعناقهم فى تلك الخنادق فقالوا لكعب بن اسد و هم يذهب بهم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إرسالا يا كعب ما ترى محمدا يصنع بنا قال ما يسوءكم ويلكم على كل حال لا تعقلون الا ترون الداعي لا ينزع و انه من ذهب منكم لا يرجع هو و اللّه السيف قد دعوتكم الى غير هذا فابيتم قالوا ليس هذا بحين عتاب لو لا انا كرهنا ان نرمى برأيك ما دخلنا فى نقض العهد الذي كان بيننا و بين محمد قال حيى بن اخطب اتركوا التلاوم فانه لا يرد عنكم شيئا و اصبروا للسيف و كان الذي قتلهم على بن ابى طالب و الزبير بن العوام رضى اللّه عنهما ثم اتى حيى بن اخطب مجموعة يداه الى عنقه عليه حلة فقاحية قد لبسها للقتل ثم عمد إليها فشقها انملة انملة لئلا يسلبه إياها أحد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين اطلع الم يمكنى اللّه منك يا عدو اللّه قال بلى و اللّه انا ما لمت نفسى فى عداوتك و قد التمست العز فى مظانة فابى اللّه الا ان يمكنك منى و لقد قلقلت «حركت- منه رح» كل مقلقل و لكنه من يخذل اللّه يخذل ثم اقبل على الناس فقال ايها الناس لا بأس بامر اللّه كتاب اللّه و قدره ملجمة «القتل و موضعه- منه رح» على بنى إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحسنوا أساراهم و أقيلوهم و اسقوهم حتى يبردوا فاقتلوا من بقي لا تجمعوا عليهم حر الشمس و حر السيف و كان يوما صائفا فقيلوهم و سقوهم فلمّا أبرد و أراح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقتل من بقي و اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بكعب بن اسد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما تنفعتم بنصح ابن جوّاس لكم و كان مصدقا بي اما أمركم باتباعى و ان رايتمونى ان تقرءونى منه السلام قال بلى و التورية يا أبا القاسم و لو لا ان يعيرنى اليهود بالجزع من السيف لاتبعتك و لكنه على دين يهود قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قدمه فاضرب عنقه و امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقتل كل من أنبت منه روى احمد و اصحاب السنن عن عطية القرظي قال كنت غلاما فوجدونى لم أنبت فخلّوا سبيلى و روى الطبراني عن اسلم الأنصاري قال جعلنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على أسارى بنى قريظة فكنت انظر الى فرج الغلام فان رايته أنبت ضربت عنقه و ان لم أره جعلته فى مغانم المسلمين و كان رفاعة بن شمول القرظي رجلا قد بلغ فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر اخت سليط بن قيس و كانت احدى خالات النبي صلى اللّه عليه و سلم يعنى خالة جده عبد المطلب فان امه كانت من بنى النجار و كانت سلمى قد صلّت للقبلتين فقالت يا نبى اللّه بابى أنت و أمي هب لى رفاعة فانه زعم سيصلّى و يأكل لحم الجمل فوهبه لها فاستحيته فاسلم بعد و لم تزل ذلك الداب حتى قتلوا الى ان غاب الشفق ثم رد عليهم التراب فى الخندق كل ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب اللّه دعوته رضى اللّه عنه- و لم يقتل من نسائهم الا امرأة واحدة من بنى النضير يقال لها بنانة كانت تحت رجل من بنى قريظة يقال له الحكم و كان يحبها و تحبه فلما اشتد عليهم الحصار بكت اليه و قالت انك لمفارقى فقال هو و التورية ما ترين و أنت امرأة فدلّى عليهم هذه الرحى فانا لم نقتل منهم أحدا بعد و أنت امرأة و ان يظهر محمد علينا فانه لا يقتل النساء و انما اكره ان تسبى فاحبّ ان تقتل و كانت فى حصن الزبير بن باطا فدلّت الرحى من فوق الحصن و كان المسلمون ربما جلسوا تحت الحصن يستظلون فى فيئة فلمّا راها القوم انفضوا و تدرك خلاد بن سويد فتشدخ رأسه و مات- روى عروة عن عائشة انها قالت و اللّه انها لعندى تحدث و تضحك ظهرا لبطن و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقتل رجالهم بالسيوف و فى رواية و هى تقول سراة بنى قريظة يقتلون إذ هتف هاتف باسمها اين فلانة قالت انا و اللّه قلت ويلك مالك قالت اقتل قلت لم قالت حدث أحدثته قالت فانطلقت فضرب عنقها بخلاد بن سويد و كانت عائشة تقول لا انسى طيب نفس بنانة كثرة ضحكها و قد عرفت انها تقتل.

(مسئلة) هذا الحديث حجة لمن حكم بالقصاص على القتل بالمثقل و عليه الجمهور و قال ابو حنيفة لا قصاص بالمثقل و لو رماه بابا قبيس لقوله صلى اللّه عليه و سلم لا تود فى النفس و غيره الا بحديدة و قد مرّ الخلاف فى هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ- و روى محمد بن إسحاق عن الزهري ان الزبير بن باطا القرظي و كان يكنى أبا عبد الرحمن قدم على ثابت بن قيس بن شماس فى الجاهلية يوم بعاث لاخذه فجر ناصية ثم خلّى سبيله فجاءه يوم قريظة و هو شيخ كبير فقال ثابت يا أبا عبد الرحمان هل تعرفنى قال و هل يجهل مثلى لمثلك قال انى أريد ان أجزيك بيدك عندى قال ان الكريم يجزى قال ثم اتى ثابت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه قد كان للزبير عندى يد و له على منة فاحببت ان أجزيه بها فهب لى دمه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هو لك فاتاه فقال له ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد وهب لى دمك قال شيخ كبير لا اهل له و لا ولد فما يصنع بالحياة فاتى ثابت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه اهله و ولده قال فهم لك فاتاه فقال له ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعطاني امرأتك و ولدك فهم لك قال اهل بيت فى الحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فاتى ثابت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ما له يا رسول اللّه قال هو لك فقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعطاني مالك فهو لك- فقال اى ثابت ما فعل الذي كان وجهه مراة صينية «منسوبة الى الصين- منه رح» حسنة يتراى فيه عذار الحي كعب بن اسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر و البادي سيد الحيّين كليهما يحملهم فى الحرب و يطعهم فى المحل حيى بن اخطب قال قتل قال فما فعل «مقدمته الحرب ادلة- منه رح» مقدمتنا إذا شددنا و حاشيتنا إذا كررنا عزّالة بن شمول قال قتل- قال فما فعل المجلسان يعنى بنى كعب بن قريظة و بنى عمرو ابن قريظة قال ذهبوا فقتلوا- قال فانى أسئلك بيدي عندك يا ثابت الا ما ألحقتني بالقوم فو اللّه ما فى العيش بعد هؤلاء من خير ارجع الى دار قد كانوا حلولا فيها فاخلد فيها بعدهم لا حاجة لى فى ذلك و لكنى يا ثابت انظر الى امراتى و ولدي فاطلب الى صاحبك فيهم ان يطلقوا و ان يردوا أموالهم فطلب ثابت من النبي صلى اللّه عليه و سلم اهل الزبير و ماله و ولده فرد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اهله و ماله الا السلاح- قال الزبير يا ثابت أسئلك بيدك عندى الا ألحقتني بالقوم فما انا بصابر للّه فتلة «١» دلو ناضح حتى القى الا حبة- قال ابن إسحاق فقدمه ثابت فضرب عنقه و قال محمد بن عمر قال ثابت ما كنت لا قتلك قال الزبير لا أبالي من قتلنى فقتله الزبير بن العوام رضى اللّه عنه- و لمّا بلغ أبا بكر الصديق رضى اللّه عنه قوله" القى الاحبة" قال يلقاهم فى نار جهنم خالدا مخلدا.

(١) فتلة دلو ناضح قال ابن إسحاق بالفاء و التاء الفوقانية اى مقدار ما يأخذ الرجل الدلو الذي خرجت من البئر فيصبها فى الحوض ثم يفتلها اى يردها الى موضعها- و قال ابن هشام انما هو بالقاف و الموحدة و قال بل الدلو هو الذي يأخذها من المستقى- و لفظ الخبر عند ابى عبيد فلست صابرا عنهم افراغه دلوا- ١٢ منه نور اللّه مرقده-.

ثم قسم اموال بنى قريظة و نساءهم و أموالهم على المسلمين و كان أول فئى وقع فيه السهمان و كان المسلمون ثلاثة آلاف و الخيل ستة و ثلاثين و كان سهمان الخيل و الرجال على ثلاثة آلاف و اثنين و سبعين سهما للفرس سهمان و لصاحبه سهم و قاد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاثة افرس فلم يضرب السهم الا لفرس واحد- و هذا حجة لابى حنيفة و مالك و الشافعي حيث قالوا لا سهم الا لفرس واحد و قال ابو يوسف و محمد و احمد يسهم لفرسين و لا يسهم لاكثر من ذلك اجماعا و قد مرّ المسألة فى سورة الأنفال- و أسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لخلاد بن سويد و قد قتل تحت الحصن و أسهم لسنان بن محصن و مات و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم محاصرهم و كان يقاتل مع المسلمين- و هذا حجة للائمة الثلاثة حيث قالوا الغنيمة لمن شهد الوقعة و ان مات قبل هزيمة الكفار و إحراز الغنيمة بدار الإسلام و قد روى ابن ابى شيبة بسند صحيح الغنيمة لمن شهد الوقعة موقوفا على عمر و أخرجه الطبراني مرفوعا و موقوفا و الموقوف أصح و روى الشافعي موقوفا على ابى بكر و فيه انقطاع و قال ابو حنيفة لا يتاكد الحق فى الغنيمة الا بالاحراز بدار الإسلام فمن مات او قتل قبل الاحراز لا سهم له و لا يورث منه- و المدد إذ الحق بدار الحرب بعد الوقعة قبل الاحراز بدار الإسلام يسهم لهم و قد مر مسئلة المدد فى سورة الأنفال.

(مسئلة) و فى هذه القصة حجة للجمهور على ابى حنيفة حيث قالوا للفارس ثلاثة أسهم سهم له و سهمان لفرسه و قال ابو حنيفة سهم له و سهم لفرسه و قد مرّ المسألة فى سورة الأنفال و اللّه اعلم.

(فائدة) أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من السبي خمسا فكان يعتق و يهب منه من أراد و كذلك النخل عزل خمسه و كل ذلك يسهم عليه خمسة اجزاء و صار الخمس الى محمية بن جز الزبيدي ثم قسم اربعة أخماس على الناس و اعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم النساء اللاتي حضرن القتال و لم يسهم لهن و هن صفية بنت عبد المطلب و أم عمارة نسية و أم سليط و أم العلاء الانصارية و السميرى بنت قيس و أم سعد بن معاذ و كبشة بنت رافع- و بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طائفة مع السبايا مع سعد بن عبادة يشترى بهم سلاحا و خيلا كذا قال محمد بن عمر و قال ابن إسحاق بعث سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي بسبايا من بنى قريظة فابتاع لهم بها خيلا و سلاحا- و اشترى عثمان بن عفان و عبد الرحمان بن عوف طائفة فاقتسما يقال لما قسم جعل الشوابّ على حدة و العجائز على حدة ثم خير عبد الرحمان عثمان فاخذ العجائز فربح عثمان مالا كثيرا و ذلك لانه كان يوجد عند العجائز من المال و لم يوجد عند الشواب- قال ابن سيرة و انما لم يؤخذ ما جاءت به العجائز فيكون فى الغنيمة لانه لم يوجد معهن الا بعد شهر او شهرين- و جعل عثمان على كل من اشتراه من سبيهم شيئا موقتا فمن جاء منهن بالذي وقت لهن عتق فلم يتعرض لهن- و نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يفرق فى القسم و البيع بين النساء و الذرية و قال لا يفرق بين الام و ولدها حتى يبلغ قيل يا رسول اللّه ما بلوغه قال تحيض الجارية- و يحتلم الغلام- رواه الحاكم و صححه عن عبادة بن الصامت عنه صلى اللّه عليه و سلم قال لا تفرقوا بين الام و ولدها فقيل الى متى قال الى ان يبلغ الغلام و تحيض الجارية- و قال ابن الجوزي قال الدار قطنى فى سنده عبد اللّه بن عمر بن حسان ضعيف الحديث رماه على بن المديني بالكذب و روى الترمذي عن ابى أيوب الأنصاري قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من فرق بين والدة و ولدها فرق اللّه بينه و بين أحبته يوم القيامة- و قال الترمذي حديث حسن غريب و صححه الحاكم على شرط مسلم و فيه نظر لان فى سنده حيى بن عبد اللّه و لم يخرجه فى الصحيح و اختلف فيه و لذا لم يصححه الترمذي و روى الحاكم فى المستدرك عن عمران بن حصين قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ملعون من فرق بين والدة و ولدها- و قال اسناده صحيح و فيه طليق بن محمد يرويه تارة عنه عن عمران بن حصين و تارة عنه عن ابى بردة و تارة عن طليق عن النبي صلى اللّه عليه و سلم مرسلا-

قلت و يمكن الجمع بان طليقا لعله سمعه عمران و عن ابى بردة كليهما فيرويه تارة عنه و تارة عنه و تارة مرسلا و قال ابن القطان لا يصح الحديث لان طليقا لا يعرف حاله قال ابن همام يريد خصوص ذلك و الا فللحديث طرق كثيرة و شهرة و ألفاظه توجب صحة المعنى المشترك و هو منع التفريق و روى الدار قطنى بسنده عن ميمون بن ابى شعيب عن على عليه السلام انه فرق بين جارية و ولدها فنهاه النبي صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فرد البيع- و رواه ابو داود ورده بالانقطاع بين ميمون ابن ابى شعيب و على قال ابن الهمام ان الإرسال عندنا لا يضر و رواه الحاكم و صحح اسناده و رجحه البيهقي.

(مسئلة) و من هاهنا قال ابو حنيفة لا يجوز ان يفرق بالبيع او الهبة او نحوهما بين مملوكين صغيرين و كذا بين صغير و كبير يكون بينهما رحم و محرمية و كذا بين كبيرين كذلك عند احمد و قال مالك لا يفرق بين الام و ولدها خاصة و قال الشافعي لا يفرق بين صغير و بين أبويه و ان عليا- وجه قول مالك ان الحديث المذكور ورد فى المنع من التفريق بين الام و ولدها خاصة و الحق الشافعي بالأم الأصول مطلقا- و وجه قول ابى حنيفة و احمد فى المنع من التفريق بين اثنين بينهما رحم و محرمية ان فى بعض الأحاديث ورد المنع فى غير الأصول و الفروع ايضا عن على عليه السلام قال وهب لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا على ما فعل غلامك فاخبرته قال رده رده قال الترمذي حديث حسن غريب و تعقبه ابو داود بانه من رواية ميمون بن ابى شعيب عن على و هو لم يدرك عليّا

قلنا فهو مرسل و المرسل عندنا حجة و أخرجه الحاكم و الدار قطنى من طريق اخر عن عبد الرحمان بن ابى ليلى عن على قال قدم على النبي صلى اللّه عليه و سلم سبىّ فامرنى ببيع أخوين فبعتهما و فرقت بينهما ثم أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبرته فقال أدركها فارتجعهما و لا تبعهما الا جميعا و لا تفرق بينهما و صححه الحاكم على شرط الشيخين و نفى ابن القطان العيب عنه و قال هو اولى ما اعتمد عليه فى هذا الباب و من طريق اخر عند احمد و البزار قال ابن همام فيه انقطاع لكن لا يضر على أصلنا على ما عرف و روى الدار قطنى عن طليق بن عمران عن ابى بردة عن ابى موسى قال لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فرق بين الوالدة و ولدها و بين الأخ و أخيه و إذا ثبت المنع من التفريق بين أخوين ايضا ظهر ان علة المنع الرحم مع المحرمية و لا يمنع من التفريق المحرمية بالرضاع و نحو ذلك و لا رحم بلا محرمية كابن العم لانه ليس فى معناه.

(مسئلة) من فرق بين والدة و ولدها يأثم لكن ينعقد البيع و ينفذ عند ابى حنيفة و محمد و عند مالك و الشافعي و احمد لا ينعقد بل هو باطل و كذا لا ينعقد البيع فى غير قرابة الولاد ايضا عند احمد و قال ابو يوسف يفسد البيع فى قرابة الولاد خاصة و عنه انه يفسد مطلقا سواء كان قرابة ولاد او غيرها و مبنى الخلاف على خلافية اصولية فان النهى عن الشرعيات بلا قرينة يوجب البطلان عندهم و يوجب الفساد عند ابى حنيفة و صاحبيه لكن أبا حنيفة و محمدا قالا ان النهى فى هذا البيع انما هو لمعنى مجاور كالبيع وق ت أذان الجمعة فلا يوجب الفساد بخلاف ما كان لوصف لازم- وجه قول ابى يوسف انه صلى اللّه عليه و سلم امر عليّا برد البيع و الارتجاع و ذا لا يمكن الا عند فساد العقد و حمل ابو حنيفة الارتجاع على طلب الا قالة.

(مسئلة) يجوز التفريق ان كانا بالغين كما يدل عليه حديث عبادة بن الصامت و قال احمد لا يجوز عملا بإطلاق الاخبار المذكورة و ردّ ابن الجوزي حديث عبادة كما ذكرنا و لنا ايضا حديث سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع ابى بكر فغزونا فزارة الى ان قال فجئت بهم الى ابى بكر و فيهم امرأة معها ابنة لها من احسن العرب فنفلنى ابو بكر ابنتها فقدمت المدينة فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم يا سلمة هب لى المرأة قلت هى لك فقدى بها أسارى ثلاثة- و ما روى انه صلى اللّه عليه و سلم فرق بين مارية القبطية أم ابراهيم بن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و سيرين أختها أهداهما المقوقس ملك الاسكندرية الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوهب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمان بن حسان- ذكر الحديث ابن عبد البر فى الاستيعاب و ذكر البزار ان هذا الحديث فى صحيح ابن خزيمة و اللّه اعلم.

(مسئلة) إذا كان مع الصغير أبواه لا يبيع واحدا منهم و لو كان أم و أخ او أم و عمة او خالة او أخ جاز البيع سوى الام فى ظاهر الرواية لان شفقة الام تغنى عمن سواه و لو كان له ستة اخوة ثلاثة كبار و ثلاثة صغار فباع مع كل صغير كبيرا جاز و لو كان مع الصغير جدة و عمة و خالة جاز بيع العمة و الخالة و لو كان معه عمة و خالة بدون جدة لا يباع الا معا- و الأصل انه إذا كان معه عدد بعضهم ابعد من بعض جاز البيع سوى الأقرب و ان كانوا فى درجة واحدة فان كانوا من جنسين مختلفين كالاب و الام و الخالة و العمة لا يفرق بل يباع الكل او يمسك الكل و ان كانوا من جنس واحد كالاخوين و العمين جاز ان يمسك مع الصغير واحدا منهم و يبيع ما سواه و اللّه اعلم.

(مسئلة) ذكر فى سبيل الرشاد انه كان يباع الام و ولدها الصغار من سبى بنى قريظة من اليهود و من المشركين من العرب و إذا كان الولد صغيرا ليس معه أم لم يبع من المشركين و لا من اليهود الا من المسلمين و ذا لان الصغير إذا سبى مع أحد أبويه يعتبر كافرا فيجوز بيعه من الكافر مشركا كان او يهوديا فان الكفر ملة واحدة-

و ان سبى لا مع أحد أبويه يعتبر مسلما بتبعية الدار و اللّه اعلم و استشهد يوم بنى قريظة خلاد بن سويد و منذر بن محمد.

(فائدة) اصطفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لنفسه ريحانة بنت زيد بن عمرو بن حذافة من بنى النضير المتزوجة فى بنى عمرو بن قريظة و كانت جميلة فعرض عليها الإسلام فابت فعزلها و وجد فى نفسه فارسل الى ابن سعية فذكر له ذلك فقال ابن سعية فداك ابى و أمي هى تسلم فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها لا تبتغى قومك فقد رايت ما ادخل عليهم حيى بن اخطب فاسلمى يصطفيك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاجابت الى ذلك فبينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال ان هاتين لنعلا ابن سعية يبشرنى بإسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول اللّه لقد أسلمت ريحانة فسرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بذلك و كانت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى توفى عنها و هى فى ملكه و قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحرص عليها ان يتزوجها و يضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول اللّه بل تتركنى فى ملكك فهو أخف علىّ و عليك فتركها و اللّه اعلم.

(فائدة) و لمّا انقضى شأن بنى قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ قالت عائشة فحضره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابو بكر و عمر فو الذي نفس محمد بيده انى لا عرف بكاء ابى بكر من بكاء عمرو انى لفى حجرتى و كانوا كما قال اللّه تعالى رحماء بينهم.

(مناقب سعد بن معاذ) عن انس قال لمّا حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما أخف جنازته و ذلك لحكمه فى بنى قريظة فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ان الملائكة كانت تحمله- رواه الترمذي و عن جابر قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول اهتز عرش الرحمان لموت سعد بن معاذ- متفق عليه و عن البراء ابن عازب قال أهديت لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حلة حرير فجعل أصحابه يمسونها و يتعجبون من لينها فقال أ تعجبون من لين هذا لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة خير منها و ألين- متفق عليه- ذكر البغوي و غيره ان ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم سالنه من عرض الدنيا و طلبن منه زيادة فى النفقة و آذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الى ان لا يقربهن شهرا و لم يخرج الى أصحابه فقالوا ما شأنه و كانوا يقولون طلّق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نساءه فقال عمر لا علمكم ما شأنه فدخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت يا رسول اللّه أ طلّقت نساءك قال لا قلت يا رسول اللّه انى دخلت المسجد و المسلمون يقولون طلق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبرهم انك لم تطلقهن قال نعم ان شئت فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتى لم يطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نساءه و نزلت وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ فكنت انا استنبطت ذلك الأمر فانزل اللّه تعالى.

﴿ ٢٧